القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨) ﴾
يقول تعالى ذكره: فأنجينا لوطا وأهله سوى امرأته من عذابنا حين أحللناه بهم، ثم ﴿قَدَّرْناها﴾ يقول: فإن امرأته قدرناها: جعلناها بتقديرنا ﴿مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ من الباقين ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾ وهو إمطار الله عليهم من السماء حجارة من سجيل ﴿فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ يقول: فساء ذلك المطر مطر القوم الذين أنذرهم الله عقابه على معصيتهم إياه، وخوفهم بأسه بإرسال الرسول إليهم بذلك.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ (٥٩) ﴾
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ ﴿قُلِ﴾ يا محمد ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ على نعمه علينا، وتوفيقه إيانا لما وفِّقنا من الهداية، ﴿وَسَلامٌ﴾ يقول: وأمنة منه من عقابه الذي عاقب به قوم لوط، وقوم صالح، على الذين اصطفاهم، يقول: الذين اجتباهم لنبيه محمد ﷺ، فجعلهم أصحابه ووزراءه على الدِّين الذي بعثه بالدعاء إليه دون المشركين به، الجاحدين نبوّة نبيه.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك، قالا أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حديث أبو كُرَيب، قال: ثنا طلق، يعني ابن غنام، عن ابن ظهير، عن السديّ، عن أبي مالك، عن ابن عباس: ﴿وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ قال: أصحاب محمد اصطفاهم الله لنبيه.
⁕ حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: قلت لعبد الله بن المبارك: أرأيت قول الله ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ من هؤلاء؟ فحدثني عن سفيان الثوري، قال: هم أصحاب رسول الله ﷺ.
* * *
وقوله: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ﴾
يقول تعالى ذكره؛ قل يا محمد لهؤلاء الذين زيَّنا لهم أعمالهم من قومك فهم يعمهون: آلله الذي أنعم على أوليائه هذه النعم التي قصَّها عليكم في هذه السورة، وأهلك أعداءه بالذي أهلكهم به من صنوف العذاب التي ذكرها لكم فيها خير، أما تشركون من أوثانكم التي لا تنفعكم ولا تضرّكم، ولا تدفع عن أنفسها، ولا عن أوليائها سوءا، ولا تجلب إليها ولا إليهم نفعا؟ يقول: إن هذا الأمر لا يشكل على من له عقل، فكيف تستجيزون أن تشركوا عبادة من لا نفع عنده لكم، ولا دفع ضرّ عنكم في عبادة من بيده النفع والضرّ، وله كل شيء؟ ثم ابتدأ تعالى ذكره تعديد نعمه عليهم، وأياديه عندهم، وتعريفهم بقلة شكرهم إياه على ما أولاهم من ذلك، فقال: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ﴾ .
{"ayahs_start":57,"ayahs":["فَأَنجَیۡنَـٰهُ وَأَهۡلَهُۥۤ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ قَدَّرۡنَـٰهَا مِنَ ٱلۡغَـٰبِرِینَ","وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهِم مَّطَرࣰاۖ فَسَاۤءَ مَطَرُ ٱلۡمُنذَرِینَ","قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِینَ ٱصۡطَفَىٰۤۗ ءَاۤللَّهُ خَیۡرٌ أَمَّا یُشۡرِكُونَ"],"ayah":"قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِینَ ٱصۡطَفَىٰۤۗ ءَاۤللَّهُ خَیۡرٌ أَمَّا یُشۡرِكُونَ"}