الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٠٩) وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢) ﴾ يقول تعالى ذكره: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ﴾ من هذه القرى التي وصفت في هذه السور ﴿إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ﴾ يقول: إلا بعد إرسالنا إليهم رسلا ينذرونهم بأسنا على كفرهم وسخطنا عليهم. ﴿ذكرى﴾ يقول: إلا لها منذرون ينذرونهم، تذكرة لهم وتنبيها لهم على ما فيه النجاة لهم من عذابنا. ففي الذكرى وجهان من الإعراب: أحدهما النصب على المصدر من الإنذار على ما بيَّنْتُ، والآخر: الرفع على الابتداء [[يجوز أن يكون قوله تعالى (ذكرى) مرفوعًا على الابتداء والخبر محذوف، أي ذكرى لهم. ويجوز أن يكون مرفوعًا على أنه خبر عن مبتدأ، تقديره: "هم" أي المنذرون، ذكرى لهم.]] كأنه قيل: ذكرى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ. ذِكْرَى﴾ قال: الرسل. قال ابن جُرَيج: وقوله: ﴿ذكرى﴾ قال: الرسل. * * * قوله: ﴿وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ يقول: وما كنا ظالميهم في تعذيبناهم وإهلاكهم، لأنا إنما أهلكناهم، إذ عتوا علينا، وكفروا نعمتنا، وعبدوا غيرنا بعد الإعذار عليهم والإنذار، ومتابعة الحجج عليهم بأن ذلك لا ينبغي أن يفعلوه، فأبوا إلا التمادي في الغيّ. * * * وقوله: ﴿وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ﴾ يقول تعالى ذكره: وما تنزلت بهذا القرآن الشياطين على محمد، ولكنه ينزل به الروح الأمين. ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ﴾ يقول: وما ينبغي للشياطين أن ينزلوا به عليه، ولا يصلح لهم ذلك. ﴿وَمَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ يقول: وما يستطيعون أن يتنزلوا به، لأنهم لا يصلون إلى استماعه في المكان الذي هو به من السماء. ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ يقول: إن الشياطين عن سمع القران من المكان الذي هو به من السماء لمعزولون، فكيف يستطيعون أن يتنزلوا به. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: ﴿وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ﴾ قال: هذا القرآن. وفي قوله ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ قال: عن سمع السماء. ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، بنحوه، إلا أنه قال: عن سمع القرآن. والقرّاء مجمعة على قراءة ﴿وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ﴾ بالتاء ورفع النون، لأنها نون أصلية، واحدهم شيطان، كما واحد البساتين بستان. وذُكر عن الحسن أنه كان يقرأ ذلك: "وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطُونَ"بالواو، وذلك لحن، وينبغي أن يكون ذلك إن كان صحيحا عنه، أن يكون توهم أن ذلك نظير المسلمين والمؤمنين، وذلك بعيد من هذا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب