الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١) ﴾ يقول تعالى ذكره: إن في تعذيبنا قوم شعيب عذاب يوم الظلة، بتكذيبهم نبيهم شعيبا، لآية لقومك يا محمد، وعبرة لمن اعتبر، إن اعتبروا أن سنتنا فيهم بتكذيبهم إياك، سنتنا في أصحاب الأيكة. ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ في سابق علمنا فيهم ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ﴾ يا محمد ﴿لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ فى نقمته ممن انتقم منه من أعدائه ﴿الرَّحِيمُ﴾ بمن تاب من خلقه، وأناب إلى طاعته. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) ﴾ يقول تعالى ذكره: وإنّ هذا القرآن ﴿لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ والهاء في قوله ﴿وإنه﴾ كناية الذكر الذي فى قوله: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: ﴿لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قال: هذا القرآن. واختلف القرّاء في قراءة قوله ﴿نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ﴾ فقرأته عامة قرّاء الحجاز والبصرة ﴿نزل﴾ به مخففة ﴿الرُّوحُ الأمِينُ﴾ رفعا بمعنى: أن الروح الأمين هو الذي نزل بالقرآن على محمد، وهو جبريل. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة. ﴿نزل﴾ مشددة الزاي ﴿الرُّوحُ الأمِينُ﴾ نصبا، بمعنى: أن رب العالمين نزل بالقرآن الروح الأمين، وهو جبريل عليه السلام. والصواب من القول فى ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان مستفيضتان فى قرّاء الأمصار، متقاربتا المعنى، فأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وذلك أن الروح الأمين إذا نزل على محمد بالقرآن، لم ينزل به إلا بأمر الله إياه بالنزول، ولن يجهل أن ذلك كذلك ذو إيمان بالله، وأن الله إذا أنزله به نزل. وبنحو الذي قلنا في أن المعني بالروح الأمين في هذا الموضع جبريل قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبى، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس. في قوله: ﴿نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ﴾ قال: جبريل. ⁕ حدثنا الحسين، قال أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قول الله: ﴿نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ﴾ قال: جبريل. ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج قال: ﴿الرُّوحُ الأمِينُ﴾ جبريل. ⁕ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ﴿الرُّوحُ الأمِينُ﴾ قال: جبريل. * * * وقوله ﴿عَلَى قَلْبِكَ﴾ يقول: نزل به الروح الأمين فتلاه عليك يا محمد، حتى وعيته بقلبك. * * * وقوله: ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ يقول: لتكون من رسل الله الذين كانوا ينذرون من أرسلوا إليه من قومهم، فتنذر بهذا التنزيل قومك المكذّبين بآيات الله. * * * وقوله: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ يقول: لتنذر قومك بلسان عربي مبين، يبين لمن سمعه أنه عربي، وبلسان العرب نزل، والباء من قوله ﴿بلسان﴾ من صلة قوله: ﴿نزلَ﴾ ، وإنما ذكر تعالى ذكره أنه نزل هذا القرآن بلسان عربي مبين في هذا الموضع، إعلاما منه مشركي قريش أنه أنزله كذلك، لئلا يقولوا إنه نزل بغير لساننا، فنحن إنما نعرض عنه ولا نسمعه، لأنا لا نفهمه، وإنما هذا تقريع لهم، وذلك أنه تعالى ذكره قال: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ . ثم قال: لم يعرضوا عنه لأنهم لا يفهمون معانيه، بل يفهمونها، لأنه تنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين بلسانهم العربيّ، ولكنهم أعرضوا عنه تكذيبا به واستكبارا ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ . كما أتى هذه الأمم التي قصصنا نبأها في هذه السورة حين كذّبت رسلها أنباء ما كانوا به يكذّبون.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب