الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (٦٤) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (٦٥) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٦٦) ﴾ يقول تعالى ذكره: والذين يبيتون لربهم يصلون لله، يراوحون بين سجود في صلاتهم وقيام. * * * وقوله: ﴿وَقِيَامًا﴾ جمع قائم، كما الصيام جمع صائم ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ﴾ يقول تعالى ذكره: والذين يدعون الله أن يصرف عنهم عقابه وعذابه حذرا منه ووجلا. * * * وقوله: ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ يقول: إن عذاب جهنم كان غراما ملحا دائما لازما غير مفارق من عذِّب به من الكفار، ومهلكا له. ومنه قولهم: رجل مُغْرم، من الغُرْم والدَّين. ومنه قيل للغريم غَريم لطلبه حقه، وإلحاحه على صاحبه فيه. ومنه قيل للرجل المولع للنساء: إنه لمغرَم بالنساء، وفلان مغرَم بفلان: إذا لم يصبر عنه؛ ومنه قول الأعشى: إنْ يُعَاقِب يَكُنْ غَرَاما وَإِنْ يُعْـ ... ـطِ جَزِيلا فَإِنَّهُ لا يبالي [[البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبع القاهرة، بشرح الدكتور محمد حسين، ص ٩) وهو من قصيدة يمدح بها الأسود بن المنذر اللخمي، وأولها ما بكاء الكبير بالأطلال والغرام الشر الدائم، ومنه قوله تعالى ﴿إن عذابها كان غرامًا﴾ أي هلاكًا ولزامًا لهم. يقول: إن عاقب كان غرامًا، وإن أعطى لم يبال العذال.]] يقول: إن يعاقب يكن عقابه عقابا لازما، لا يفارق صاحبه مهلكا له، وقول بشر بن أبي خازم: وَيوْمَ النِّسارِ وَيَوْمَ الجِفا ... رِ كَانَ عِقَابًا وَكَانَ غَرَاما [[البيت لبشر بن أبي خازم كما قال المؤلف. وفي اللسان نسبه للطرماح. قال: والغرام: اللازم من العذاب، والشر الدائم، والبلاء، والحب، والعشق، وما لا يستطاع أن يتفصى منه، وقال الزجاج: هو أشد العذاب في اللغة. قال الله عز وجل: ﴿إن عذابها كان غرامًا﴾ ، وقال الطرماح: " ويوم النسار.. . " البيت. وقوله عز وجل: ﴿إن عذابها كان غرامًا﴾ : أي ملحًا دائمًا ملازمًا. وفي معجم ما استعجم للبكري (طبعة القاهرة ص ٣٨٥) الجفار: بكسر أوله، وبالراء المهملة: موضع بنجد، وهو الذي عنى بشر بن أبي خازم بقوله: " ويوم الجفار.. . " البيت. وقال أبو عبيدة: الجفار: في بلاد بني تميم. وقال البكري في رسم النسار: النسار، بكسر أوله: على لفظ الجمع، وهي أجبل صغار، شبهت بأنسر واقعة، وذكر ذلك أبو حاتم. وقال في موضع آخر: هي ثلاث قارات سود، تسمى الأنسر. وهناك أوقعت طيئ وأسد وغطفان، وهم حلفاء لبني عامر وبني تميم، ففرت تميم، وثبتت بنو عامر، فقتلوهم قتلا شديدًا؛ فغضبت بنو تميم لبني عامر، فتجمعوا ولقوهم يوم الجفار، فلقيت أشد مما لقيت بنو عامر، فقال بشر ابن أبي خازم: غَضِبَتْ تَمِيمٌ أنْ تُقْتَّلَ عَامِر ... يَوْمَ النِّسَارِ فَأُعْقِبُوا بِالصَّيْلَمِ قلت: الصيلم: الداهية المستأصلة. وفي رواية: فأعتبوا]] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني علي بن الحسن اللاني، قال: أخبرنا المعافي بن عمران الموصلي، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب في قوله: ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ قال: إن الله سأل الكفار عن نعمه، فلم يردّوها إليه، فأغرمهم، فأدخلهم النار. ⁕ قال: ثنا المعافي، عن أبي الأشهب، عن الحسن، في قوله: ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ قال: قد علموا أن كلّ غريم مفارق غريمه إلا غريم جهنم. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ قال: الغرام: الشرّ. ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، في قوله: ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ قال: لا يفارقه. * * * وقوله ﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ يقول: إن جهنم ساءت مستقرًّا ومقاما، يعني بالمستقرّ: القرار، وبالمقام: الإقامة؛ كأن معنى الكلام: ساءت جهنم منزلا ومقاما. وإذا ضمت الميم من المقام فهو من الإقامة، وإذا فتحت فهو من قمت، ويقال: المقام إذا فتحت الميم أيضا هو المجلس، ومن المُقام بضمّ الميم بمعنى الإقامة، قول سلامة بن جندل: يَوْمانِ: يَوْمُ مُقَاماتٍ وأَنْدِيَةٍ ... وَيَوْمُ سَيْرٍ إلى الأعْداءِ تَأوِيبَ [[البيت لسلامة بن جندل، كما قال المؤلف. (وانظر اللسان: أوب) . والمقامات جمع مقامة، بمعنى الإقامة، والتأويب في كلام العرب: سير النهار كله إلى الليل. يقول: إننا نمضي حياتنا على هذا النحو: نجعل يوماً للإقامة، يجتمع أولو الرأي فينا في أنديتهم ومجالسهم، ليتشاوروا ويدبروا أمر القبيلة؛ واليوم الآخر نجعله للإغارة على الأعداء نشنها عليهم، ولو سرنا إليهم النهار كله فما نبالي، لأننا أهل عزة ومنعة. واستشهد به المؤلف عند قوله تعالى في صفة جهنم: ﴿إنها ساءت مستقرًا ومقامًا﴾ أي إقامة.]] ومن المُقام الذي بمعنى المجلس، قول عباس بن مرداس: فأيِّي ما وأيُّكَ كانَ شَرًّا ... فقِيدَ إلى المَقَامَة لا يَرَاها [[البيت لعباس بن مرداس، أنشده ابن بري في (اللسان: قوم) وهو شاهد على أن المقام والمقامة، بفتح الميم: المجلس. وقال البغدادي في الخزانة (٢: ٢٣٠) يدعو على الشر منهما، أي من كان منا شرَّا أعماه الله في الدنيا، فلا يبصر حتى يقاد إلى مجلسه. وقال شارح اللباب: أي قيد إلى مواضع إقامة الناس وجمعهم في العرصات لا يراها، أي قيد أعمى لا يرى المقامة. والبيت من جملة أبيات للعباس بن مرداس السلمي، قالها لخفاف بن ندبه في أمر شجر بينهما.]] يعني: المجلس.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب