الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (٥٩) ﴾ يقول تعالى ذكره: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾ ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ فقال: ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ وقد ذكر السماوات والأرض، والسماوات جماع، لأنه وجه ذلك إلى الصنفين والشيئين، كما قال القطامي: ألَمْ يَحْزُنْكَ أنَّ حِبالَ قَيْسٍ ... وتَغْلِبَ قَدْ تَبايَنَتا انقِطاعا [[البيت للقطامي، وقد سبق الكلام عنه مفصلا، والشاهد فيه هنا: أن الشاعر قال: "تباينتا" بالتثنية، مع أن حبال جمع حبل. والمسوغ لذلك: أن حبال قيس جماعة، وحبال تغلب جماعة أخرى، فعاملهما في إعادة الضمير عليهما معاملة المفردين، ومثله في القرآن: ﴿الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما﴾ لأنه وجه ذلك إلى الصفتين.]] يريد: وحبال تغلب فثنى، والحبال جمع، لأنه أراد الشيئين والنوعين. * * * وقوله: ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ قيل: كان ابتداء ذلك يوم الأحد، والفراغ يوم الجمعة ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ﴾ يقول: ثم استوى على العرش الرحمن وعلا عليه، وذلك يوم السبت فيما قيل. * * * وقوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ يقول: فاسأل يا محمد خبيرا بالرحمن، خبيرا بخلقه، فإنه خالق كلّ شيء، ولا يخفى عليه ما خلق. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ قال: يقول لمحمد ﷺ: إذا أخبرتك شيئا، فاعلم أنه كما أخبرتك، أنا الخبير، والخبير في قوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ منصوب على الحال من الهاء التي في قوله به. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (٦٠) ﴾ يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء الذين يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم: ﴿اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ﴾ أي اجعلوا سجودكم لله خالصا دون الآلهة والأوثان. قالوا: ﴿أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا﴾ . واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة: ﴿لِمَا تَأْمُرُنَا﴾ بمعنى: أنسجد نحن يا محمد لما تأمرنا أنت أن نسجد له. وقرأته عامة قرّاء الكوفة "لمَا يَأْمُرُنا"بالياء، بمعنى: أنسجد لما يأمر الرحمن، وذكر بعضهم أن مُسيلمة كان يُدعى الرحمن، فلما قال لهم النبيّ ﷺ اسجدوا للرحمن، قالوا: أنسجد لما يأمرنا رحمن اليمامة؟ يعنون مُسَيلمة بالسجود له. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان مستفيضتان مشهورتان، قد قرأ بكل واحد منهما علماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. * * * وقوله: ﴿وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ يقول: وزاد هؤلاء المشركين قول القائل لهم: اسجدوا للرحمن من إخلاص السجود لله، وإفراد الله بالعبادة بعدا مما دعوا إليه من ذلك فرارا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب