القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (٤٩) ﴾
يقول تعالى ذكره: والله الذي أرسل الرياح الملقحة ﴿بُشْرًا﴾ : حياة أو من الحيا والغيث الذي هو منزله على عباده ﴿وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ يقول: وأنزلنا من السحاب الذي أنشأناه بالرياح من فوقكم أيها الناس ماء طهورا. ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ يعني أرضا قَحِطة عذية لا تُنبت. وقال: ﴿بَلْدَةً مَيْتًا﴾ ولم يقل ميتة، لأنه أريد بذلك لنحيي به موضعًا ومكانًا ميتًا ﴿وَنُسْقِيَهُ﴾ من خلقنا ﴿أَنْعَامًا﴾ من البهائم ﴿وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾ يعني الأناسيّ: جمع إنسان وجمع أناسي، فجعل الياء عوضا من النون التي في إنسان، وقد يجمع إنسان: إناسين، كما يجمع النَشْيان [[يقال: رجل نشوان، من السكر؛ ونشيان للخبر: يختبر الأخبار أول ورودها، ويبحث عنها. وأصلها الواو.]] نشايين. فإن قيل: أناسيّ جمع واحده إنسيّ، فهو مذهب أيضًا محكي، وقد يجمع أناسي مخففة الياء، وكأن من جمع ذلك كذلك أسقط الياء التي بين عين الفعل ولامه، كما يجمع القرقور: قراقير وقراقر. ومما يصحح جمعهم إياه بالتخفيف، قول العرب: أناسية كثيرة.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا (٥٠) ﴾
يقول تعالى ذكره: ولقد قسمنا هذا الماء الذي أنزلناه من السماء طهورا لنحيي به الميت من الأرض بين عبادي، ليتذكروا نعمي عليهم، ويشكروا أيادي عندهم وإحساني إليهم ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا﴾ يقول: إلا جحودا لنعمي عليهم، وأياديّ عليهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: سمعت الحسن بن مسلم يحدّث طاوسا، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: ما عام بأكثر مطرا من عام، ولكنّ الله يصرّفه بين خلقه؛ قال: ثم قرأ: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ﴾ .
⁕ حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، قال: ثنا الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جُبير، قال: قال ابن عباس: ما عام بأكثر مطرا من عام، ولكنه يصرفه في الأرضين، ثم تلا ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا﴾ .
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ﴾ قال: المطر ينزله في الأرض، ولا ينزله في الأرض الأخرى، قال: فقال عكرِمة: صرفناه بينهم ليذّكروا.
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا﴾ قال: المطر مرّة هاهنا، ومرّة هاهنا.
⁕ حدثنا سعيد بن الربيع الرازي، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن يزيد بن أبي زياد، أنه سمع أبا جحيفة يقول: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: ليس عام بأمطر من عام، ولكنه يصرفه، ثم قال عبد الله: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ﴾ .
وأما قوله: ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا﴾ فإن القاسم حدثنا قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج عن ابن جُرَيج، عن عكرمة: ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا﴾ قال: قولهم في الأنواء.
{"ayahs_start":48,"ayahs":["وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ طَهُورࣰا","لِّنُحۡـِۧیَ بِهِۦ بَلۡدَةࣰ مَّیۡتࣰا وَنُسۡقِیَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَاۤ أَنۡعَـٰمࣰا وَأَنَاسِیَّ كَثِیرࣰا","وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَـٰهُ بَیۡنَهُمۡ لِیَذَّكَّرُوا۟ فَأَبَىٰۤ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورࣰا"],"ayah":"وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ طَهُورࣰا"}