الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٣) ﴾ يقول تعالى ذكره: هلا جاء هؤلاء العصبة الذين جاءوا بالإفك، ورموا عائشة بالبهتان، بأربعة شهداء يشهدون على مقالتهم فيها وما رَمَوها به، فإذا لم يأتوا بالشهداء الأربعة على حقيقة ما رَمَوْها به ﴿فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ يقول: فالعُصْبة الذين رَمَوها بذلك عند الله هم الكاذبون فيما جاءوا به من الإفك. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٤) ﴾ يقول تعالى ذكره: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ أيها الخائضون في أمر عائشة، المُشِيعُون فيها الكذب والإثم، بتركه تعجيل عقوبتكم ﴿وَرَحْمَتُهُ﴾ إياكم لعفوه عنكم ﴿فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ بقبول توبتكم مما كان منكم في ذلك؛ ﴿لَمَسَّكُمْ فِيمَا﴾ خضتم فيه من أمرها عاجلا في الدنيا ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ هذا للذين تكلموا فنشروا ذلك الكلام، ﴿لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ . * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (١٥) ﴾ يقول تعالى ذكره: لمسَّكم فيما أفضتم فيه من شأن عائشة عذاب عظيم، حين تلَّقونه بألسنتكم، و" إذ" من صلة قوله "لمسَّكم" ويعني بقوله: ﴿تَلَقَّوْنَهُ﴾ تتلقون الإفك الذي جاءت به العصبة من أهل الإفك، فتقبلونه، ويرويه بعضكم عن بعض يقال: تلقيت هذا الكلام عن فلان، بمعنى أخذته منه، وقيل ذلك؛ لأن الرجل منهم فيما ذُكِرَ يَلْقى آخر، فيقول: أوَمَا بلغك كذا وكذا عن عائشة؟ ليُشيع عليها بذلك الفاحشة. وذكر أنها في قراءة أُبيّ: " إذ تَتَلقَّوْنه" بتاءين، وعليها قراءة الأمصار، غير أنهم قرءوها: ﴿تَلَقَّوْنَهُ﴾ بتاء واحدة؛ لأنها كذلك في مصاحفهم. وقد رُوي عن عائشة في ذلك، ما:- ⁕ حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكَم، قال: ثنا خالد بن نزار، عن نافع، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة زوج النبيّ ﷺ أنها كانت تقرأ هذه الآية: " إذْ تَلِقُونَهُ بِألْسِنَتكُمْ" تقول: إنما هو وَلْق الكذب، وتقول: إنما كانوا يلقون الكذب. قال ابن أبي مليكة: وهي أعلم بما فيها أنزلت، قال نافع: وسمعت بعض العرب [[لم نقف عليه فيما بأيدينا من كتب اللغة، فلعله مصحف.]] يقول: اللَّيق: الكذب. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا نافع بن عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الجمحِيّ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، أنها كانت تقرأ: "إذْ تَلِقُونَهُ بألْسِنَتِكم" وهي أعلم بذلك وفيها أنزلت، قال ابن أبي مليكة: هو من وَلْق الكذب. قال أبو جعفر: وكأن عائشة وجَّهت معنى ذلك بقراءتها "تَلِقُونَهُ" بكسر اللام وتخفيف القاف، إلى: إذ تستمرّون في كذبكم عليها، وإفككم بألسنتكم، كما يقال: ولق فلان في السير فهو يَلِق: إذا استمرّ فيه؛ وكما قال الراجز: إنَّ الجُلَيْدَ زَلِقٌ وَزُمَلِقْ ... جاءتْ بِهِ عَنْسٌ مِنَ الشَّأمِ تَلِقْ مُجَوَّعُ البَطْنِ كِلابيُّ الخُلُقْ [[هذه الأبيات ثلاثة من مشطور الرجز، للقلاخ بن حزن المنقري نقلها صاحب (اللسان: زلق) . قال: رجل زلق وزملق مثال هديد وزمالق وزملق (بتشديد الميم) ، وهو الذي ينزل قبل أن يجامع. قال القلاخ بن حزن المنقري.. . الأبيات: ثم قال: والجليد: هو الجليد الكلابي. التهذيب: والعرب تقول: زلق وزملق، وهو الشكاز، الذي ينزل إذا حدث المرأة من غير جماع. قال ويقال للخفيف الطياش: زمل وزملوق وزمالق وفي (اللسان: ولق) . قال: وولق في سيره ولقا: أسرع. ونسب أبيات الشاهد للشماخ، ولم أجدها في ديوان الشماخ المطبوع بمصر سنة ١٣٢٧. ١ هـ.]] وقد رُوي عن العرب في الوَلْق: الكذب: الألْق، والإلِق: بفتح الألف وكسرها، ويقال في فعلت منه: ألقت، فأنا ألق، وقال بعضهم: مَنْ لِيَ بالمُزَرَّرِ اليَلامِقِ ... صاحِبِ أدْهانٍ وألقٍ آلِقِ [[هذان بيتان من الرجز أنشدها الأزهري عن بعضهم (اللسان: ولق) . وألق الكلام: متابعته في سرعة. والألق: الاستمرار في الكذب وألق يألق ألقا مثال ضرب يضرب ضربا. واليلامق: جمع يلمق، وهو القباء (فارسي معرب) .. . واستشهد المؤلف بالبيتين على أن بعضهم قرأ قوله تعالى: ﴿إذ تلقونه بألسنتكم﴾ بكسر اللام، وتخفيف القاف، على أنه بمعنى الاستمرار في الكذب]] والقراءة التي لا أستجيز غيرها: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ﴾ على ما ذكرت من قراءة الأمصار، لإجماع الحجة من القرّاء عليها. وبنحو الذي قلنا من التأويل في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ قال: تَرْوُونه بعضُكم عن بعض. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ﴾ قال: تَرْوُونه بعضكم عن بعض. * * * قوله: ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ يقول تعالى ذكره: وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم من الأمر الذي تَرْوُونه، فتقولون: سمعنا أن عائشة فعلت كذا وكذا، ولا تعلمون حقيقة ذلك ولا صحته، ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا﴾ وتظنون أن قولكم ذلك وروايتكموه بألسنتكم، وتلقِّيكموه بعضكم عن بعض هين سهل، لا إثم عليكم فيه ولا حرج، ﴿وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ يقول: وتلقِّيكم ذلك كذلك وقولُكموه بأفواهكم، عند الله عظيم من الأمر؛ لأنكم كنتم تؤذون به رسول الله ﷺ وحليلته.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب