الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (٨٣) ﴾ يقول تعالى ذكره: قالوا: لقد وعدنا هذا الوعد الذي تعدنا يا محمد، وَوَعَد آباءنا من قبلنا قومٌ ذكروا أنهم لله رسل من قبلك، فلم نره حقيقة ﴿إِنْ هَذَا﴾ يقول: ما هذا الذي تعدنا من البعث بعد الممات ﴿إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ يقول: ما سطره الأولون في كتبهم من الأحاديث والأخبار، التي لا صحة لها ولا حقيقة. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قُلْ لِمَنِ الأرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥) ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: قل يا محمد لهؤلاء المكذّبين بالآخرة من قومك: لمن ملك الأرض ومن فيها من الخلق، إن كنتم تعلمون من مالكها؟ ثم أعلمه أنهم سيقرّون بأنها لله ملكا، دون سائر الأشياء غيره ﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ يقول: فقل لهم إذا أجابوك بذلك كذلك أفلا تذكرون، فتعلمون أن من قدر على خلق ذلك ابتداء فهو قادر على إحيائهم بعد مماتهم وإعادتهم خلقا سويا بعد فنائهم. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: قل لهم يا محمد: من ربّ السماوات السبع، وربّ العرش المحيط بذلك؟ سيقولون: ذلك كله لله، وهو ربه، فقل لهم: أفلا تتقون عقابه على كفركم به وتكذيبكم خبره وخبر رسوله؟ وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز والعراق والشام: ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ سوى أبي عمرو، فإنه خالفهم فقرأه: "سَيَقُولُونَ الله" في هذا الموضع، وفي الآخر الذي بعده إتباعا لخط المصحف، فإن ذلك كذلك في مصاحف الأمصار، إلا في مصحف أهل البصرة، فإنه في الموضعين بالألف، فقرءوا بالألف كلها اتباعا لخط مصحفهم، فأما الذين قرءوه بالألف فلا مؤنة في قراءتهم ذلك كذلك؛ لأنهم أجروا الجواب على الابتداء، وردّوا مرفوعا على مرفوع، وذلك أن معنى الكلام على قراءتهم: قل من رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، سيقولون ربّ ذلك الله، فلا مؤنة في قراءة ذلك كذلك. وأما الذين قرءوا ذلك في هذا، والذي يليه بغير ألف، فإنهم قالوا: معنى قوله: قل من رب السماوات: لمن السماوات؟ لمن ملك ذلك؟ فجعل الجواب على المعنى، فقيل: لله؛ لأن المسألة عن ملك ذلك لمن هو؟ قالوا: وذلك نظير قول قائل لرجل: مَنْ مولاك؟ فيجيب المجيب عن معنى ما سئل، فيقول: أنا لفلان؛ لأنه مفهوم لذلك من الجواب ما هو مفهوم بقوله: مولاي فلان. وكان بعضهم يذكر أن بعض بني عامر أنشده: وأعْلَمُ أنَّنِي سأكُونُ رَمْسًا ... إذَا سَارَ النَّوَاجِعُ لا يَسِيرُ فقال السائلون لمن حفرتم؟ ... فقال المخبرون لهم وزيرُ [[البيتان مما أنشده الفراء عن بعض بني عامر، في كتابه (معاني القرآن) الورقة ٢١٦ من مصورة الجامعة رقم ٢٤٠٥٩ قال الفراء: وقوله ﴿قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله﴾ هذه مسألة فيها؛ لأنه قد استفهم بلام، فرجعت في خبر المستفهم. وأما الأخريان، فإن أهل المدينة وعامة أهل الكوفة يقرءونها كقراءة أبي كذلك: لله، لله، لله، ثلاثتهنَّ. وأهل البصرة يقرءون الأخريين: الله، الله، وهو في العربية أبين، لأنه مردود مرفوع؛ ألا ترى أن قوله: ﴿قل من رب السماوات﴾ مرفوع، لا خفض فيه، فجرى جوابه على مبتدأ به، وكذلك هي في قراءة عبد الله. والعلة في إدخال اللام في الأخريين في قول أبي وأصحابه: أنك لو قلت لرجل: من مولاك؟ فقال: أنا لفلان، كفاك من أن يقول: مولاي فلان، فلما كان المعنيان واحدًا، جرى ذلك في كلامهم؛ أنشدني بعض بني عامر " وأعلم أنني سأكون رمسا.. . " البيتين. فرفع، أراد: الميت وزير. والنواجع: جمع ناجعة، وهي الجماعة تترك منازلها في طلب الكلأ]] فأجاب المخفوض بمرفوع؛ لأن معنى الكلام: فقال السائلون: من الميت؟ فقال المخبرون: الميت وزير. فأجابوا عن المعنى دون اللفظ. والصواب من القراءة في ذلك أنهما قراءتان قد قرأ بهما علماء من القرّاء، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أني مع ذلك أختار قراءة جميع ذلك بغير ألف؛ لإجماع خطوط مصاحف الأمصار على ذلك، سوى خط مصحف أهل البصرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب