الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (١١٣) ﴾ اختلفت القرّاء في قراءة قوله: ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾ وفي قوله: ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة على وجه الخبر: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ ، وكذلك قوله: ﴿قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ﴾ . ووجه هؤلاء تأويل الكلام إلى أن الله قال لهؤلاء الأشقياء من أهل النار وهم في النار: ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾ ؟ وأنهم أجابوا الله فقالوا: ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ ، فنسِي الأشقياء؛ لعظيم ما هم فيه من البلاء والعذاب مدة مكثهم التي كانت في الدنيا، وقَصُرَ عندهم أمد مكثهم الذي كان فيها؛ لما حلّ بهم من نقمة الله، حتى حسبوا أنهم لم يكونوا مكثوا فيها إلا يوما أو بعض يوم. ولعلّ بعضهم كان قد مكث فيها الزمان الطويل، والسنين الكثيرة. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة على وجه الأمر لهم بالقول، كأنه قال لهم: قولوا كم لبثتم في الأرض؟ وأخرج الكلام مخْرج الأمر للواحد، والمعنيُّ به الجماعة، إذ كان مفهوما معناه، وإنما اختار هذه القراءة من اختارها من أهل الكوفة؛ لأن ذلك في مصاحفهم: "قُلْ" بغير ألف، وفي غير مصاحفهم بالألف. وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ ذلك: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ على وجه الخبر، لأن وجه الكلام لو كان ذلك أمرا، أن يكون قولوا على وجه الخطاب للجمع؛ لأن الخطاب فيما قبل ذلك وبعده، جرى لجماعة أهل النار، فالذي هو أولى أن يكون كذلك قوله قولوا لو كان الكلام جاء على وجه الأمر، وإن كان الآخر جائزا، أعني التوحيد، لما بيَّنت من العلة لقارئ ذلك كذلك، وجاء الكلام بالتوحيد في قراءة جميع القراء، كان معلوما أن قراءة ذلك على وجه الخبر عن الواحد أشبه، إذ كان ذلك هو الفصيح المعروف من كلام العرب، فإذا كان ذلك ذلك، فتأويل الكلام: قال الله كم لبثتم في الدنيا من عدد سنين؟ قالوا مجيبين له: لبثنا فيها يوما أو بعض يوم، فاسأل العادّين، لأنا لا ندري، قد نسينا ذلك. واختلف أهل التأويل في المعني بالعادين، فقال بعضهم: هم الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم، ويُحْصُون عليهم ساعاتهم. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ﴿فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ قال: الملائكة. ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: بل هم الحُسّاب. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قَتادة: ﴿فاسأل الْعَادِّينَ﴾ قال: فاسأل الحُسّاب. ⁕ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة: ﴿فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ قال: فاسأل أهل الحساب. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يقال كما قال الله جلّ ثناؤه: ﴿فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ وهم الذين يَعُدّون عدد الشهور والسنين وغير ذلك، وجائز أن يكونوا الملائكة، وجائز أن يكونوا بني آدم وغيرهم، ولا حجة بأيّ ذلك من أيّ ثبتت صحتها، فغير جائز توجيه معنى ذلك إلى بعض العادّين دون بعض.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب