الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨) ﴾ يقول تعالى ذكره: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا﴾ يقول: أمهلتهم وأخَّرت عذابهم، وهم بالله مشركون، ولأمره مخالفون، وذلك كان ظلمهم الذي وصفهم الله به جلّ ثناؤه، فلم أعجل بعذابهم، ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهَا﴾ يقول: ثم أخذتها بالعذاب، فعذّبتها في الدنيا بإحلال عقوبتنا بهم، ﴿وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ يقول: وإليّ مصيرهم أيضا بعد هلاكهم، فيلقون من العذاب حينئذ ما لا انقطاع له؛ يقول تعالى ذكره: فكذلك حال مستعجليك بالعذاب من مشركي قومك، وإن أمليت لهم إلى آجالهم التي أجلتها لهم، فإني آخذهم بالعذاب، فقاتلهم بالسيف، ثم إليّ مصيرهم بعد ذلك فموجعهم إذن عقوبة على ما قدّموا من آثامهم. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (٥١) ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: قل يا محمد لمشركي قومك الذين يجادلونك في الله بغير علم، اتباعا منهم لكل شيطان مريد: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ أنذركم عقاب الله أن ينزل بكم في الدنيا، وعذابه في الآخرة أن تصلوه مبين: يقول: أبين لكم إنذاري ذلك وأظهره، لتنيبوا من شرككم وتحذروا ما أنذركم من ذلك، لا أملك لكم غير ذلك، فأما تعجيل العقاب وتأخيره الذي تستعجلونني به، فإلى الله ليس ذلك إليّ، ولا أقدر عليه؛ ثم وصف نذارته وبشارته، ولم يجر للبشارة ذكر، ولما ذكرت النذارة على عمل علم أن البشارة على خلافه، فقال: والذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات منكم أيها الناس ومن غيركم ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ يقول: لهم من الله ستر ذنوبهم التي سلفت منهم في الدنيا عليهم في الآخرة ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ يقول: ورزق حسن في الجنة. كما:- ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جُرَيج، قوله: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ قال: الجنة. * * * وقوله: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾ يقول: والذين عملوا في حججنا فصدّوا عن اتباع رسولنا، والإقرار بكتابنا الذي أنزلناه، وقال في آياتنا فأدخلت فيه في كما يقال: سعى فلان في أمر فلان. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ﴿مُعاجِزينَ﴾ فقال بعضهم: معناه: مشاقين. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن ابن عباس، أنه قرأها: ﴿معاجزين﴾ في كل القرآن، يعني بألف، وقال: مشاقين. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم ظنوا أنهم يعجزون الله فلا يقدر عليهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قَتادة: ﴿فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾ قال: كذبوا بآيات الله فظنوا أنهم يعجزون الله، ولن يعجزوه. ⁕ حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، مثله. وهذان الوجهان من التأويل في ذلك على قراءة من قرأه: ﴿فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾ بالألف، وهي قراءة عامة قرّاء المدينة والكوفة. وأما بعض قرّاء أهل مكة والبصرة، فإنه قرأه: "مُعَجِّزِينَ" بتشديد الجيم بغير ألف، بمعنى أنهم عجزوا الناس وثبطوهم عن اتباع رسول الله ﷺ والإيمان بالقرآن. * ذكر من قال ذلك كذلك من قراءته: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: "مُعَجِّزِينَ" قال: مبطِّئين يبطِّئون الناس عن اتباع النبيّ ﷺ. ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، متقاربتا المعنى؛ وذلك أن من عجز عن آيات الله، فقد عاجز الله، ومن معاجزة الله التعجيز عن آيات الله، والعمل بمعاصيه وخلاف أمره، وكان من صفة القوم الذين أنزل الله هذه الآيات فيهم أنهم كانوا يبطِّئون الناس عن الإيمان بالله، واتباع رسوله، ويغالبون رسول الله ﷺ، يحسبون أنهم يعجزونه ويغلبونه، وقد ضمن الله له نصره عليهم، فكان ذلك معاجزتهم الله. فإذ كان ذلك كذلك، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب الصواب في ذلك. وأما المعاجزة فإنها المفاعلة من العجز، ومعناه: مغالبة اثنين، أحدهما صاحبه أيهما يعجزه فيغلبه الآخر ويقهره. وأما التعجيز: فإنه التضعيف وهو التفعيل من العجز. * * * وقوله: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم هم سكان جهنم يوم القيامة وأهلها الذين هم أهلها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب