الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (٧٩) ﴾ يقول تعالى ذكره: فسرى موسى ببني إسرائيل إذ أوحينا إليه أن أسر بهم، فأتبعهم فرعون بجنوده حين قطعوا البحر، فغشي فرعون وجنده في اليم ما غشيهم، فغرقوا جميعا ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾ يقول جلّ ثناؤه: وجاوز فرعون بقومه عن سواء السبيل، وأخذ بهم على غير استقامة، وذلك أنه سلك بهم طريق أهل النار، بأمرهم بالكفر بالله، وتكذيب رسله ﴿وَمَا هَدَى﴾ يقول: وما سلك بهم الطريق المستقيم، وذلك أنه نهاهم عن اتباع رسول الله موسى، والتصديق به، فأطاعوه، فلم يهدهم بأمره إياهم بذلك، ولم يهتدوا باتباعهم إياه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ وَنزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي (٨١) ﴾ يقول تعالى ذكره: فلما نجا موسى بقومه من البحر، وغشي فرعون قومه من اليم ما غشيهم، قلنا لقوم موسى ﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فِرْعَوْنَ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ وَنزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾ وقد ذكرنا كيف كانت مواعدة الله موسى وقومه جانب الطور الأيمن، وقد بيَّنا المنّ والسلوى باختلاف المختلفين فيهما، وذكرنا الشواهد على الصواب من القول في ذلك فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. واختلفت القرّاء في قراءة قوله ﴿قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ﴾ فكانت عامة قرّاء المدينة والبصرة يقرءونه ﴿قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ﴾ بالنون والألف وسائر الحروف الأخرى معه كذلك، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة ﴿قَدْ أنْجَيْتُكُمْ﴾ بالتاء، وكذلك سائر الحروف الأخر، إلى قوله ﴿وَنزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾ فإنهم وافقوا الآخرين في ذلك وقرءوه بالنون والألف. والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان باتفاق المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ ذلك فمصيب. * * * وقوله ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ يقول تعالى ذكره لهم: كلوا يا بني إسرائيل من شهيات رزقنا الذي رزقناكم، وحلاله الذي طيبناه لكم ﴿وَلا تَطْغَوْا فِيهِ﴾ يقول: ولا تعتدوا فيه، ولا يظلم فيه بعضكم بعضا. كما:- ⁕ حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: ﴿وَلا تَطْغَوْا فِيهِ﴾ يقول: ولا تظلموا. * * * وقوله ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ يقول: فينزل عليكم عقوبتي. كما:- ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة، قوله ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ يقول: فينزل عليكم غضبي. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والمدينة والبصرة والكوفة ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ﴾ بكسر الحاء ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ﴾ بكسر اللام، ووجهوا معناه إلى: فيجب عليكم غضبي، وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة ﴿فَيَحُلَّ عَلَيْكُم﴾ بضم الحاء، ووجهوا تأويله إلى ما ذكرنا عن قَتادة من أنه فيقع وينزل عليكم غضبي. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، وقد حذّر الله الذين قيل لهم هذا القول من بني إسرائيل وقوع بأسه بهم ونزوله بمعصيتهم إياه إن هم عصوه، وخوّفهم وجوبه لهم، فسواء قرئ ذلك بالوقوع أو بالوجوب، لأنهم كانوا قد خوّفوا المعنيين كليهما. "٨١"
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب