الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (٧٣) ﴾ يقول تعالى ذكره: قالت السحرة لفرعون لما توعدهم بما توعدهم به ﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ﴾ فنتبعك ونكذب من أجلك موسى ﴿عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ﴾ يعني من الحجج والأدلة على حقيقة ما دعاهم إليه موسى ﴿وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾ يقول: قالوا: لن نؤثرك على الذي جاءنا من البينات، وعلى الذي فطرنا، ويعني بقوله ﴿فَطَرَنا﴾ خلقنا، فالذي من قوله ﴿وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾ خفض على قوله ﴿مَا جَاءَنَا﴾ وقد يحتمل أن يكون قوله ﴿وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾ خفضا على القسم، فيكون معنى الكلام: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والله، وقوله ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾ يقول: فاصنع ما أنت صانع، واعمل بنا ما بدا لك ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ يقول: إنما تقدر أن تعذّبنا في هذه الحياة الدنيا التي تفنى، ونصب الحياة الدنيا على الوقت وجعلت إنما حرفا واحدا. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه ﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾ أي على الله على ما جاءنا من الحجج مع بينة ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾ أي اصنع ما بدا لك ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ أي ليس لك سلطان إلا فيها، ثم لا سلطان لك بعده. * * * وقوله ﴿إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا﴾ يقول تعالى ذكره: إنا أقررنا بتوحيد ربنا، وصدقنا بوعده ووعيده، وأن ما جاء به موسى حق ﴿لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا﴾ يقول: ليعفو لنا عن ذنوبنا فيسترها علينا ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ يقول: ليغفر لنا ذنوبنا، وتعلمنا ما تعلمناه من السحر، وعملنا به الذي أكرهتنا على تعلُّمه والعمل به، وذُكر أن فرعون كان أخذهم بتعليم السحر. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني موسى بن سهل، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ قال: غلمان دفعهم فرعون إلى السحرة، تعلمهم السحر بالفَرَما. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ قال: أمرهم بتعلم السحر، قال: تركوا كتاب الله، وأمروا قومهم بتعليم السحر. ﴿وما أكرهتنا عليه من السحر﴾ قال: أمرتنا أن نتعلمه. * * * وقوله ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ يقول: والله خير منك يا فرعون جزاء لمن أطاعه، وأبقى عذابا لمن عصاه وخالف أمره. كما:- ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ : خير منك ثوابا، وأبقى عذابا. ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب، ومحمد بن قيس في قول الله ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ قالا خيرا منك إن أطيع، وأبقى منك عذابا إن عُصي.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب