الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (١١١) ﴾ يقول تعالى ذكره: استرّت وجوه الخلق، واستسلمت للحيّ القيوم الذي لا يموت، القيوم على خلقه بتدبيره إياهم، وتصريفهم لما شاءوا، وأصل العنو الذلّ، يقال منه: عنا وجهه لربه يعنو عنوا، يعني خضع له وذلّ، وكذلك قيل للأسير: عان لذلة الأسر، فأما قولهم: أخذت الشيء عنوة، فإنه يكون وإن كان معناه يئول إلى هذا أن يكون أخذه غلبة، ويكون أخذه عن تسليم وطاعة، كما قال الشاعر: هَلْ أنْتَ مُطِيعي أيُّها القلب عنوة ... ولم تلح نفس لم تلم في اختيالها [[لم أقف على قائل البيت. وعنوة: قال في اللسان (عنو) في حديث الفتح أنه دخل مكة عنوة: أي قهرا وغلبة. قال ابن الأثير: هو من عنا يعنو: إذا ذل وخضع. والعنوة: المرة منه، كأن المأخوذ بها يخضع ويذل. وأخذت البلاد عنوة: بالقهر والإذلال. ابن الأعرابي: عنا يعنو: إذا أخذ الشيء قهرا. وعنا يعنو عنوة: إذا أخذ الشيء صلحا، بإكرام ورفق. والعنوة أيضا المودة قال الأزهري: أخذت الشيء عنوة: يعني غلبة، ويكون عن تسليم وطاعة مما يؤخذ منه الشيء. وأنشد الفراء لكثير: فَمَا أخَذُوها عَنْوَةً عَنْ مَوَدَّةٍ ... وَلَكِنَّ ضَرْبَ المَشْرَفِيّ اسْتَقَالَهَا فهذا على معنى التسليم والطاعة بلا قتال. وقال الأخفش في قوله تعالى: " وعنت الوجوه ": استأسرت. قال: والعاني: الأسير. وقال أبو الهيثم: العاني الخاضع.]] وقال آخر: هَلْ أخَذُوها عَنْوَةً عَنْ مَوَدَّةٍ ... وَلَكِنْ بِحَدِّ المَشْرَفِي اسْتَقالَهَا [[البيت لكثير عزة، كما في (اللسان: عنا) وقد تقدم القول في معناه في الشاهد السابق عليه. المشرفي: السيف منسوب إلى قرية يقال لها مشارف بالشام أو اليمن. واستقلالها: أخذها وانتزاعها.]] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ يقول: ذلت. ⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمى، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ يعني بعنت: استسلموا لي. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ﴾ قال: خشعت. ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيْج، عن مجاهد، مثله. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ أي ذلَّت الوجوه للحيّ القيوم. ⁕ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ قال: ذلت الوجوه. ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: قال طلق: إذا سجد الرجل فقد عنا وجهه، أو قال: عنا. ⁕ حدثني أبو حُصَن عبد الله بن أحمد، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن عمرو بن مرة عن طلق بن حبيب، في هذه الآية ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ قال: هو وضع الرجل رأسه ويديه وأطراف قدميه. ⁕ حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن عمرو بن مرّة، عن طلق بن حبيب في قوله ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ قال: وهو وضعك جبهتك وكفيك وركبتيك وأطراف قدميك في السجود. ⁕ حدثنا خلاد بن أسلم، قال ثنا محمد بن فضيل، عن حصين، عن عمرو بن مرّة، عن طلق بن حبيب في قوله ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ قال: وضع الجبهة والأنف على الأرض. ⁕ حدثني يعقوب: قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عمرو بن مرّه، عن طلق بن حبيب، في قوله ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ قال: هو السجود على الجبهة والراحة والركبتين والقدمين. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ قال: أستأسرت الوجوه للحيّ القيوم، صاروا أسارى كلهم له، قال: والعاني: الأسير، وقد بيَّنا معنى الحيّ القيوم فيما مضى، بما أغنى عن إعادته هاهنا. * * * وقوله ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ يقول تعالى ذكره: ولم يظفر بحاجته وطلبته من حمل إلى موقف القيادة شركا بالله، وكفرا به، وعملا بمعصيته. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ قال: من حمل شركا. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ قال: من حمل شركا. الظلم هاهنا: الشرك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب