الباحث القرآني

القول في تأويل قوله جل ثناؤه ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ قال أبو جعفر: أجمع أهل العلم بالتأويل جميعا على أن هذه الآية نزلت جوابا لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم. ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك. فقال بعضهم: إنما كان سبب قيلهم ذلك، من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله ﷺ في أمر نبوته. * ذكر من قال ذلك: ١٦٠٥ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، [[في المطبوعة: "يونس عن بكير"، وهو خطأ محض.]] عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس أنه قال: حضرت عصابة من اليهود رسول الله ﷺ فقالوا: يا أبا القاسم، حدثنا عن خلال نسألك عنهن، لا يعلمهن إلا نبي. فقال رسول الله ﷺ: سلوا عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله، وما أخذ يعقوب على بنيه، لئن أنا حدثتكم شيئا فعرفتموه، لتتابعُني على الإسلام. فقالوا: ذلك لك. فقال رسول الله ﷺ: سلوني عما شئتم. فقالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن: أخبرنا، أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل؟ وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم ومن وليه من الملائكة؟ فقال رسول الله ﷺ:"عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعني! فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق. فقال:"نشدتكم بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديدا فطال سقمه منه، فنذر نذرا لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل - قال أبو جعفر: فيما أروي: [[في المطبوعة: "فيما أرى" - وانظر ما سلف قريبا: ٣٧٦.]] وأحب الشراب إليه ألبانها؟ فقالوا: اللهم نعم. فقال رسول الله ﷺ: أشهد الله عليكم وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، الذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله؟ قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم اشهد! قال: وأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا: اللهم نعم! قال: اللهم اشهد! قالوا: أنت الآن تحدثنا من وليك من الملائكة، [[في تفسير ابن كثير ١: ٢٣٩"أنت الآن فحدثنا. . "، وهي جيدة.]] فعندها نتابعك أو نفارقك. قال: فإن وليي جبريل، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه. قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليك سواه من الملائكة، تابعناك وصدقناك. قال:"فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا: إنه عدونا. فأنزل الله عز وجل: ﴿من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله﴾ إلى قوله ﴿كأنهم لا يعلمون﴾ ، فعندها باءوا بغضب على غضب. [[الأثر: ١٦٠٥ - إسناده صحيح. يونس بن بكير بن واصل الشيباني: ثقة، من تكلم فيه فلا حجة له، وأخرج له مسلم في صحيحه. وترجمته في التهذيب، والكبير للبخاري ٤ / ٢ / ٤١١، وابن سعد ٦: ٢٧٩، وابن أبي حاتم ٤ /٢ /٢٣٦. ووقع في المطبوعة هنا"يونس عن بكير" وهو خطأ واضح. عبد الحميد بن بهرام - بفتح الباء وسكون الهاء - الفزاري: ثقة، وثقه أحمد وابن معين وغيرهما. وتكلم فيه بعضهم من أجل روايته عن شهر بن حوشب، وهو راويته، ولكن شهر ثقة أيضًا، كما أشرنا في: ١٤٨٩. والحديث رواه أحمد في المسند، مطولا: ٢٥١٤، وابن سعد في الطبقات ١/١/١١٥ - ١١٦، كلاهما من هاشم بن القاسم، عن عبد الحميد بن بهرام، بهذا الإسناد. ثم رواه أحمد: ٢٥١٥، عن محمد بن بكار، عن عبد الحميد بن بهرام، به ولم يذكر لفظه، إحالة على ما قبله. ورواه أحمد أيضًا: ٢٤٧١، مختصرا، عن حسين، هو ابن محمد المروزي عن عبد الحميد بن بهرام. ورواه أيضًا: ٢٤٨٣، من وجه آخر، أطول قليلا. وكذلك رواه أبو نعيم في الحلية ٤: ٣٠٤ - ٣٠٥ من هذا الوجه. وذكر الهيثمي الرواية: ٢٤٨٣، وأشار إلى ما في الرواية: ٢٥١٤ من الزيادة، في مجمع الزوائد ٨: ٢٤١ - ٢٤٢، وقال:"رواه أحمد والطبراني، ورجالهما ثقات".ونقل ابن كثير في التفسير ١: ٢٣٨ - ٢٣٩ رواية الطبري التي هنا، ثم أشار إلى رواية المسند: ٢٥١٤. ثم نقل رواية المسند: ٢٤٨٣ فيه ١: ٢٤٠، ونقل روايتي المسند أيضًا ٢: ١٨٦ - ١٨٧.]] ١٦٠٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن إسحاق قال، حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين -يعني المكي-، عن شهر بن حوشب الأشعري: أن نفرا من اليهود جاءوا رسول الله ﷺ فقالوا: يا محمد، أخبرنا عن أربع نسألك عنهن، فإن فعلت اتبعناك وصدقناك وآمنا بك. فقال رسول الله ﷺ: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه، لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدقني؟ قالوا: نعم. قال: فاسألوا عما بدا لكم. فقالوا: أخبرنا كيف يشبه الولد أمه، وإنما النطفة من الرجل؟ فقال رسول الله ﷺ: أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة، ونطفة المرأة صفراء رقيقة، فأيتهما علت صاحبتها كان لها الشبه؟ [[في المطبوعة: "فأيهما غلبت صاحبتها"، والصواب من نص سيرة ابن هشام ٢: ١٩١ - ١٩٢.]] نعم. قالوا: فأخبرنا كيف نومك؟ قال: أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ [[نص ابن إسحاق في رواية ابن هشام ٢: ١٩٢: "هل تعلمون أن نوم الذي تزعمون أني لست به، تنام عيناه وقلبه يقظان؟ فقالوا: اللهم نعم. قال: فكذلك نومي، تنام عيني وقلبي يقظان. قالوا: فأخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه؟ " وبعد ذلك اختلاف أيضًا في رواية ابن جرير عن ابن إسحاق.]] قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم اشهد! قالوا أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ قال: هل تعلمون أنه كان أحب الطعام والشراب إليه ألبان الإبل ولحومها، وأنه اشتكى شكوى فعافاه الله منها، فحرم أحب الطعام والشراب إليه شكرا لله، فحرم على نفسه لحوم الإبل وألبانها؟ قالوا: اللهم نعم. قالوا: فأخبرنا عن الروح. قال: أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أنه جبريل، [[في سيرة ابن هشام: "هل تعلمونه"، وهو أشبه بالصواب.]] وهو الذي يأتيني؟ قالوا: نعم، ولكنه لنا عدو، وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء، فلولا ذلك اتبعناك. فأنزل الله فيهم: ﴿قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك﴾ إلى قوله ﴿كأنهم لا يعلمون﴾ . [[الأثر: ١٦٠٦ - هو حديث مرسل، مضى جزء منه، بهذا الإسناد: ١٤٨٩. وأشار إليه ابن كثير ٢٣٩:١ - ٢٤٠، عقب حديث ابن عباس الذي قبله، وصرح أيضًا بأنه رواه محمد بن إسحاق مرسلا. وفي سيرة ابن هشام ٢: ١٩١ - ١٩٢، وفيه اختلاف في بعض اللفظ. وقد ساق ابن كثير هذين الأثرين (١٦٠٥، ١٦٠٦) وخرجهما، وواستوفى الكلام في هذه القصة في تفسيره ١: ٢٣٨ - ٢٤٥.]] ١٦٠٧ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، حدثني القاسم بن أبي بزة: أن يهود سألوا النبي ﷺ: من صاحبه الذي ينزل عليه بالوحي؟ فقال: جبريل. قالوا: فإنه لنا عدو ولا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال! فنزل: ﴿من كان عدوا لجبريل﴾ الآية. قال ابن جريج: وقال مجاهد: قالت يهود: يا محمد، ما ينزل جبريل إلا بشدة وحرب! وقالوا: إنه لنا عدو! [[في تفسير ابن كثير ١: ٢٤٠: "إلا بشدة وحرب وقتال فإنه لنا عدو".]] فنزل: ﴿من كان عدوا لجبريل﴾ الآية. [[الأثر: ١٦٠٧ - وهذا منقطع، وقد ذكره ابن كثير ١: ٢٤٠، عن هذا الموضع و"القاسم بن أبي بزة": سبق في: ٦٣١، وهو يروى عن التابعين.]] * * * وقال آخرون: بل كان سبب قيلهم ذلك، من أجل مناظرة جرت بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبينهم، في أمر النبي ﷺ. * ذكر من قال ذلك: ١٦٠٨ - حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا ربعي بن علية، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: نزل عمر الروحاء، فرأى رجالا يبتدرون أحجارا يصلون إليها، فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: يزعمون أن رسول الله ﷺ صلى ههنا. فكره ذلك وقال: أيما؟ رسول الله ﷺ أدركته الصلاة بواد فصلى، ثم ارتحل فتركه! [[في المطبوعة: "وقال: إنما رسول الله ﷺ أدركته الصلاة"، وهي عبارة ركيكة. وأثبت ما جاء في تفسير ابن كثير عن الطبري ١: ٢٤٠. وقوله"أيما" استفهام وتعجب، وأكثر ما تكتب: "أيم" (بفتح فسكون ففتح) ، وبحذف الألف. تقول: أيم تقول؟ أي: أي شيء تقول؟ وانظر اللسان (أيم) . يتعجب عمر من فعلهم.]] ثم أنشأ يحدثهم فقال: كنت أشهد اليهود يوم مدراسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان، ومن الفرقان كيف يصدق التوراة! فبينما أنا عندهم ذات يوم قالوا: يا ابن الخطاب، ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك. قلت: ولم ذلك؟ قالوا: إنك تغشانا وتأتينا. قال: قلت إني آتيكم فأعجب من الفرقان كيف يصدق التوراة، ومن التوراة كيف تصدق الفرقان! قال: ومر رسول الله ﷺ فقالوا: يا ابن الخطاب، ذاك صاحبكم فالحق به. قال: فقلت لهم عند ذلك: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه، أتعلمون أنه رسول الله؟ قال: فسكتوا، قال: فقال عالمهم وكبيرهم: إنه قد عظم عليكم فأجيبوه. [[في تفسير ابن كثير ١: ٢٤٢: "قد غلظ عليكم".]] قالوا: أنت عالمنا وسيدنا، فأجبه أنت. قال: أما إذ نشدتنا به، فإنا نعلم أنه رسول الله. قال: قلت: ويحكم! إذا هلكتم! [[في المطبوعة: "أي هلكتم"، والصواب في تفسير ابن كثير.]] قالوا إنا لم نهلك. قال: قلت: كيف ذاك، وأنتم تعلمون أنه رسول الله ﷺ، ثم لا تتبعونه ولا تصدقونه؟ قالوا: إن لدينا عدوا من الملائكة وسلما من الملائكة، وإنه قرن به عدونا من الملائكة. [[السلم: المسالم. تقول: أنا سلم لمن سالمني. رجل سلم، وقوم سلم، وامرأة سلم.]] قال: قلت: ومن عدوكم؟ ومن سلمكم؟ قالوا: عدونا جبريل، وسلمنا ميكائيل. قال: قلت: وفيم عاديتم جبريل؟ وفيم سالمتم ميكائيل؟ قالوا: إن جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا، وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا. قال: قلت: وما منزلتهما من ربهما؟ قالوا: أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره. قال: قلت: فوالله الذي لا إله إلا هو، إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما، وسلم لمن سالمهما، ما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل، ولا لميكائيل أن يسالم عدو جبريل! قال: ثم قمت فاتبعت النبي ﷺ، فلحقته وهو خارج من مخرفة لبني فلان، [[في المطبوعة: "خرقة"، وفي تفسير ابن كثير"خوخة" والصواب"مخرفة" كما أثبتها. والمخرفة: البستان، أو سكة بين صفين من نخل. خرف النخل والثمر: اجتناه، واجتناء الثمر هـ"الخرفة" (بضم فسكون) .]] فقال لي: يا ابن الخطاب، ألا أقرئك آيات نزلن؟ فقرأ على: ﴿قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه﴾ حتى قرأ الآيات. قال: قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، [[في المطبوعة: "بأبي وأمي يا رسول الله" بإسقاط"أنت"، وأثبت ما في تفسير ابن كثير]] والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك الخبر، فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر! [[الحديث: ١٦٠٨ - وهذا مرسل أيضًا. ذكره ابن كثير ١: ٢٤١ - ٢٤٣، عن هذا الموضع، ثم عن تفسير ابن أبي حاتم، من رواية مجالد عن عامر - وهو الشعبي - وسيأتي نحوها أيضًا من رواية مجالد رقم: ١٦١٤. ثم قال ابن كثير:"وهذان الإسنادان يدلان على أن الشعبي حدث به عن عمر. ولكن فيه انقطاع بينه وبين عمر، فإنه لم يدرك زمانه". وقال السيوطي في الدر المنثور ١: ٩٠"صحيح الإسناد ولكن الشعبي لم يدرك عمر". رِبْعِي، بكسر الراء والعين المهملة، بينهما باء موحدة ساكنة، وآخره ياء تحتية مشددة: هو"ربعي بن إبراهيم بن مقسم الأسدي" عرف"بابن علية"، كأخيه"إسماعيل بن علية". وربعي: ثقة مأمون، من شيوخ أحمد وأبي خيثمة وغيرهما. وقال عبد الرحمن بن مهدي:"كنا نعد ربعي بن علية من بقايا شيوخنا". وفي المسند: ٧٤٤٤ أن أحمد بن حنبل قال:"كان يفضل على أخيه". وهو مترجم في التهذيب، والكبير ٢ / ١ /٢٩٩، وابن أبي حاتم ١ /٢ /٥٠٩ - ٥١٠.داود بن أبي هند: ثقة، جيد الإسناد، رفع، من حفاظ البصرين. ترجمته في التهذيب، والكبير ٢/١/٢١١ -٢١٢، والصغير: ١٦٠، وابن أبي حاتم ١ /٢ /٤١١ - ٤١٢. الشعبي: هو عامر بن شراحيل الهمداني، إمام جليل الشأن، من كبار التابعين. ولكنه لم يدرك عمر، كما قال ابن كثير. فإنه ولد سنة ١٩، أو سنة ٢٠.]] ١٦٠٩ - حدثني يعقوب بن ابرهيم قال، حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي قال، قال عمر: كنت رجلا أغشى اليهود في يوم مدراسهم، ثم ذكر نحو حديث ربعي. [[الأثر: ١٦٠٩ - في المطبوعة: "حدثني يعقوب قال حدثنا إبراهيم قال حدثنا ابن علية" والصواب ما أثبته، يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وقد سلف مرارا بهذا الإسناد، وروايته عن ابن علية]] ١٦١٠ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب انطلق ذات يوم إلى اليهود، فلما أبصروه رحبوا به. فقال لهم عمر: أما والله ما جئت لحبكم ولا للرغبة فيكم، ولكن جئت لأسمع منكم. فسألهم وسألوه، فقالوا: من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم: جبريل. فقالوا: ذاك عدونا من أهل السماء، يطلع محمدا على سرنا، وإذا جاء جاء بالحرب والسنة [[السنة: الجدب والقحط.]] ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل، وكان إذا جاء جاء بالخصب وبالسلم، فقال لهم عمر: أفتعرفون جبريل وتنكرون محمدا؟ ففارقهم عمر عند ذلك، وتوجه نحو رسول الله ﷺ ليحدثه حديثهم، فوجده قد أنزل عليه هذه الآية: ﴿قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله﴾ . ١٦١١ - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن قتادة قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب أقبل على اليهود يوما، فذكر نحوه. ١٦١٢ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: ﴿من كان عدوا لجبريل﴾ ، قال: قالت اليهود: إن جبريل هو عدونا، لأنه ينزل بالشدة والحرب والسنة، وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب، فجبريل عدونا. فقال الله جل ثناؤه: ﴿من كان عدوا لجبريل﴾ . ١٦١٣ - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه﴾ ، قال: كان لعمر بن الخطاب أرض بأعلى المدينة، فكان يأتيها، وكان ممره على طريق مدراس اليهود، وكان كلما دخل عليهم سمع منهم. وإنه دخل عليهم ذات يوم فقالوا: يا عمر ما في أصحاب محمد ﷺ أحد أحب إلينا منك، إنهم يمرون بنا فيؤذوننا، وتمر بنا فلا تؤذينا، وإنا لنطمع فيك. فقال لهم عمر: أي يمين فيكم أعظم؟ قالوا: الرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء. فقال لهم عمر: فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء، أتجدون محمدا ﷺ عندكم؟ فأَسْكتوا. [[سكت الرجل: صمت. وأسكت الرجل (غير متعد) : انقطع كلامه فلم يتكلم، وأطرق من فكرة انتابته وقطعته.]] فقال: تكلموا، ما شأنكم؟ فوالله ما سألتكم وأنا شاك في شيء من ديني. فنظر بعضهم إلى بعض، فقام رجل منهم فقال: أخبروا الرجل، لتخبرنه أو لأخبرنه. قالوا: نعم، إنا نجده مكتوبا عندنا، ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي هو جبريل، وجبريل عدونا، وهو صاحب كل عذاب أو قتال أو خسف، ولو أنه كان وليه ميكائيل، إذًا لآمنا به، فإن ميكائيل صاحب كل رحمة وكل غيث. فقال لهم عمر: فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء، أين مكان جبريل من الله؟ قالوا: جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره. قال عمر: فأشهدكم أن الذي هو عدو للذي عن يمينه، عدو للذي هو عن يساره؛ والذي هو عدو للذي هو عن يساره؛ عدو للذي هو عن يمينه؛ وأنه من كان عدوهما، فانه عدو لله. ثم رجع عمر ليخبر النبي ﷺ، فوجد جبريل قد سبقه بالوحي، فدعاه النبي ﷺ فقرأ عليه، فقال عمر: والذي بعثك بالحق، لقد جئتك وما أريد إلا أن أخبرك! [[الأثر: ١٦١٣ - في الدر المنثور ١ - ٩١ مع اختلاف يسير في اللفظ واختصار في روايته.]] ١٦١٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن الحجاج الرازي قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء أبو زهير، عن مجالد، عن الشعبي قال: انطلق عمر إلى يهود فقال: إني أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تجدون محمدا في كتابكم؟ قالوا: نعم. قال: فما يمنعكم أن تتبعوه؟ قالوا: إن الله لم يبعث رسولا إلا كان له كفل من الملائكة، وإن جبريل هو الذي يتكفل لمحمد، وهو عدونا من الملائكة، وميكائيل سلمنا، فلو كان هو الذي يأتيه اتبعناه. قال: فإني أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى، ما منزلتهما من رب العالمين؟ قالوا: جبريل عن يمينه، وميكائيل عن جانبه الآخر. فقال: إني أشهد ما يقولان إلا بإذن الله، [[في تفسير ابن كثير ١: ٢٤٣: "ما ينزلان إلا بإذن الله"، وكأنه هو الصواب.]] وما كان لميكائيل أن يعادي سلم جبريل، وما كان جبريل ليسالم عدو ميكائيل. [فبينما هو عندهم] ، إذ مر نبي الله ﷺ، [[ما بين القوسين زيادة لا بد منها، زدتها من تفسير ابن كثير ١: ٢٤٢، من رواية ابن أبي حاتم في تفسيره.]] فقالوا: هذا صاحبك يا ابن الخطاب. فقام إليه، فأتاه وقد أنزل عليه: ﴿من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله﴾ إلى قوله: ﴿فإن الله عدو للكافرين﴾ . [[الحديث: ١٦١٤ - وهذا إسناد مرسل أيضًا، ووقع فيه في المطبوعة خطأ في موضعين أثبتنا الصواب لليقين به. وكان في المطبوعة"حدثنا عبد الرحمن بن مغراء قال حدثنا زهير عن مجاهد عن الشعبي". فلا يوجد في شيوخ ابن مغراء، ولا في الرواة عن"مجاهد" أو"مجالد" من يسمى"زهيرا". و"مجاهد عن الشعبي" خطأ أيضًا، وكلاهما من كبار التابعين، من طبقة واحدة، ومجاهد أقدم قليلا. وعبد الرحمن بن مغراء لا يدرك أن يروى عن مجاهد، ولا عن الشعبي. ومجالد: هو ابن سعيد الهمداني، وهو ثقة، ضعفه بعض الأئمة. وروى عنه من الأئمة: شعبة والسفيانان وابن المبارك، ورجحنا تصحيح حديث القدماء عنه، في شرح المسند: ٣٧٨١، لأن أعدل كلمة فيه قول عبد الرحمن بن مهدي:"حديث مجالد عند الأحداث، يحيى بن سعيد وأبي أسامة، ليس بشيء، ولكن حديث شعبة وحماد بن زيد وهشيم وهؤلاء القدماء،". قال ابن حاتم:"يعني أنه تغير حفظه في آخر عمره". وذكر ابن سعد في ترجمته ٦: ٢٤٣ جرح يحيى القطان إياه، ثم قال:"وقد روى عنه يحيى بن سعيد القطان مع هذا، وروى عنه سفيان الثورى، وشعبة، وغيرهم". وترجمته في التهذيب، والكبير للبخاري ٤/ ٢/٩، والصغير: ١٦٨، ١٦٩، وابن أبي حاتم ٤ /١/ ٣٦١ - ٣٦٢. إسحاق بن الحجاج الرازي: هو الطاحوني المقرئ، ترجمنا له فيما مضى: ٢٣٠. وعبد الرحمن بن مغراء بن عياض الدوسي، أبو زهير: ثقة، تكلم بعضهم في روايته عن الأعمش، وهو مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم ٢ /٢ /٢٩٠ - ٢٩١. وهذا الحديث نقله ابن كثير ١: ٢٤٢ - ٢٤٣، من تفسير ابن أبي حاتم."حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة، عن مجالد، عن عامر.." - وهو الشعبي، فذكر نحوه. ثم بين ابن كثير أنه منقطع، كما أشرنا آنفًا. الراجح عندي أن عبد الرحمن بن مغراء ممن روى عن مجالد بعد تغيره.]] ١٦١٥ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ليلى في قوله: ﴿من كان عدوا لجبريل﴾ . قال: قالت اليهود للمسلمين: لو أن ميكائيل كان الذي ينزل عليكم لتبعناكم، فإنه ينزل بالرحمة والغيث، وإن جبريل ينزل بالعذاب والنقمة، وهو لنا عدو. قال: فنزلت هذه الآية: ﴿من كان عدوا لجبريل﴾ . ١٦١٦ - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك، عن عطاء بنحو ذلك. * * * قال أبو جعفر: وأما تأويل الآية - أعني قوله: ﴿قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله﴾ - فهو: أن الله يقول لنبيه: قل يا محمد - لمعاشر اليهود من بني إسرائيل، الذين زعموا أن جبريل لهم عدو، من أجل أنه صاحب سطوات وعذاب وعقوبات، لا صاحب وحي وتنزيل ورحمة، فأبوا اتباعك، وجحدوا نبوتك، وأنكروا ما جئتهم به من آياتي وبينات حكمي، من أجل أن جبريل وليك وصاحب وحيي إليك، وزعموا أنه عدو لهم -: من يكن من الناس لجبريل عدوا، ومنكرا أن يكون صاحب وحي الله إلى أنبيائه، وصاحب رحمته، فإني له ولي وخليل، ومقر بأنه صاحب وحي إلى أنبيائه ورسله، وأنه هو الذي ينزل وحي الله على قلبي من عند ربي، بإذن ربي له بذلك، يربط به على قلبي، ويشد فؤادي، كما:- ١٦١٧ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: ﴿قل من كان عدوا لجبريل﴾ ، قال: وذلك أن اليهود قالت - حين سألت محمدا ﷺ عن أشياء كثيرة، فأخبرهم بها على ما هي عندهم -"إلا جبريل"، فإن جبريل كان عند اليهود صاحب عذاب وسطوة، ولم يكن عندهم صاحب وحي - يعني: تنزيل من الله على رسله - ولا صاحب رحمة، فأخبرهم رسول الله ﷺ فيما سألوه عنه: أن جبريل صاحب وحي الله، وصاحب نقمته. وصاحب رحمته، فقالوا: ليس بصاحب وحي ولا رحمة، هو لنا عدو! فأنزل الله عز وجل إكذابا لهم: ﴿قل﴾ يا محمد: ﴿من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك﴾ ، يقول: فإن جبريل نزله. يقول: نزل القرآن - بأمر الله يشد به فؤادك، ويربط به على قلبك"، يعني: بوحينا الذي نزل به جبريل عليك من عند الله- وكذلك يفعل بالمرسلين والأنبياء من قبلك. ١٦١٨ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله﴾ ، يقول: أنزل الكتاب على قلبك بإذن الله. ١٦١٩ - وحدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ﴿فإنه نزله على قلبك﴾ ، يقول: نزل الكتاب على قليك جبريل. * * * قال أبو جعفر: وإنما قال جل ثناؤه: ﴿فإنه نزله على قلبك﴾ - وهو يعني بذلك قلب محمد ﷺ، وقد أمر محمدا في أول الآية أن يخبر اليهود بذلك عن نفسه - ولم يقل: فإنه نزله على قلبي = ولو قيل:"على قلبي" كان صوابا من القول = لأن من شأن العرب إذا أمرت رجلا أن يحكي ما قيل له عن نفسه، أن تخرج فعل المأمور مرة مضافا إلى كناية نفس المخبر عن نفسه، إذ كان المخبر عن نفسه؛ ومرة مضافا إلى اسمه، كهيئة كناية اسم المخاطب لأنه به مخاطب. فتقول في نظير ذلك:"قل للقوم إن الخير عندي كثير" - فتخرج كناية اسم المخبر عن نفسه، لأنه المأمور أن يخبر بذلك عن نفسه-: و"قل للقوم إن الخير عندك كثير" - فتخرج كناية اسمه كهيئة كناية اسم المخاطب، لأنه وإن كان مأمورا بقيل ذلك، فهو مخاطب مأمور بحكاية ما قيل له. وكذلك:"لا تقل للقوم إني قائم" و"لا تقل لهم إنك قائم"، و"الياء" من"إني" اسم المأمور بقول ذلك، على ما وصفنا. ومن ذلك قول الله عز وجل: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾ و ﴿تغلبون﴾ [آل عمران: ١٢] ، بالياء والتاء. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٦٣.]] * * * وأما"جبريل" فإن للعرب فيه لغات. فأما أهل الحجاز فإنهم يقولون"جبريل، وميكال" بغير همز، بكسر الجيم والراء من"جبريل" وبالتخفيف. وعلى القراءة بذلك عامة قَرَأَة أهل المدينة والبصرة. أما تميم وقيس وبعض نجد فيقولون:"جَبرئيل وميكائيل" على مثال"جبرعيل وميكاعيل"، بفتح الجيم والراء، وبهمز، وزيادة ياء بعد الهمزة. وعلى القراءة بذلك عامة قَرَأَة أهل الكوفة، كما قال جرير بن عطية: عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد ... وبجَبرَئيل وكذبوا ميكالا [[ديوانه: ٤٥٠، ونقائض جرير والأخطل: ٨٧، من قصيدته الدامغة في هجاء الأخطل، والضمير إلى تغلب، رهط الأخطل، وقبله: قبح الإله وجوه تغلب، كلما ... شَبَح الحجيج وكبروا إهلالا]] وقد ذكر عن الحسن البصري وعبد الله بن كثير أنهما كانا يقرآن:"جبريل" بفتح الجيم. وترك الهمز. قال أبو جعفر: وهي قراءة غير جائزةٍ القراءةُ بها، لأن"فعليل" في كلام العرب غير موجود. [[في المطبوعة: "فعيل"، هو خطأ.]] وقد اختار ذلك بعضهم، وزعم أنه اسم أعجمي، كما يقال:"سمويل"، وأنشد في ذلك: [[هو الربيع بن زياد العبسي، أحد الكملة من بني فاطمة بنت الخرشب الأنمارية.]] بحيث لو وزنت لخم بأجمعها ... ما وازنت ريشة من ريش سمويلا [[الأغاني ١٤: ٩٢، ١٦: ٢٢، واللسان (سمل) ، من أبيات أرسلها الربيع إلى النعمان ابن المنذر في خبر طويل، حين قال لبيد في رجزه: مهلا، أبيت اللعن، لا تأكل معه وزعم أنه أبرص الخبيثة، وذكر من فعله قبيحا كريها، فرحل الربيع عن النعمان، وكان له نديما، وأرسل إليه أبياته. لئن رحلت جمالي لا إلى سعة ... ما مثلها سعة عرضا ولا طولا بحيث لو وزنت لخم بأجمعها ... لم يعدلوا ريشة من ريش سمويلا ترعى الروائم أحرار البقول بها ... لا مثل رعيكم ملحا وغسويلا فاثبت بأرضك بعدي، واخل متكئا ... مع النطاسي طورا وابن توفيلا ولخم: هم رهط آل المنذر ملوك الحيرة.]] وأما بنو أسد فإنها تقول"جِبرين" بالنون. وقد حكي عن بعض العرب أنها تزيد في"جبريل""ألفا" فتقول: جبراييل وميكاييل. وقد حكي عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ:"جَبْرَئِلّ" بفتح الجيم، والهمز، وترك المد، وتشديد اللام. فأما"جبر" و"ميك"، فإنهما الاسمان اللذان أحدهما بمعنى:"عبد"، والآخر بمعنى:"عبيد". * * * وأما"إيل" فهو الله تعالى ذكره، كما:- ١٦٢٠ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جرير بن نوح الحماني، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير قال، قال ابن عباس:"جبريل" و"ميكائيل"، كقولك: عبد الله. ١٦٢١ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"جبريل" عبد الله؛ و"ميكائيل"، عبيد الله. وكل اسم"إيل" فهو: الله. ١٦٢٢ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن عمير مولى ابن عباس: أن"إسرائيل، وميكائيل وجبريل، وإسرافيل" كقولك: عبد الله. ١٦٢٣ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث قال:"إيل"، الله، بالعبرانية. ١٦٢٤ - حدثنا الحسين بن يزيد الضحاك قال، حدثنا إسحاق بن منصور قال، حدثنا قيس، عن عاصم، عن عكرمة، قال:"جبريل" اسمه: عبد الله؛ و"ميكائيل" اسمه: عبيد الله."إيل": الله. ١٦٢٥ - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن علي بن حسين قال: اسم"جبريل" عبد الله، واسم"ميكائيل" عبيد الله، واسم"إسرافيل": عبد الرحمن. وكل معبد،"إيل"، فهو عبد الله. [[الخبر: ١٦٢٥ - الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي: ضعيف قال أبو زرعة: "لا يصدق". وهو مترجم في لسان الميزان، وابن أبي حاتم ١/٢/٦١ -٦٢، والأنساب، في الورقة: ٤٠١. و"العنقزي": بفتح العين المهلة والقاف بينهما نون ساكنة وبالزاي. ووقع في المطبوعة"العبقري"، وهو تصحيف. وكذلك سيأتي في رقم: ١٦٥٥، بالتصحيف، وصححناه هناك.]] ١٦٢٦ - حدثنا المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان، عن محمد المدني - قال المثنى: قال قبيصة: أراه محمد بن إسحاق - عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن علي بن حسين، قال: ما تعدون"جبريل" في أسمائكم؟ قال:"جبريل" عبد الله، و"ميكائيل" عبيد الله. وكل اسم فيه"إيل"، فهو مُعَبَّدٌ لله. ١٦٢٧ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن علي بن حسين قال: قال لي: هل تدري ما اسم"جبريل" من أسمائكم؟ قلت: لا. قال: عبد الله. قال: فهل تدري ما اسم"ميكائيل" من أسمائكم؟ قلت: لا. [[في المطبوعة: "قال: لا"، والصواب ما أثبت.]] قال: عبيد الله. وقد سمى لي"إسرائيل" باسم نحو ذلك فنسيته، إلا أنه قد قال لي: أرأيت، كل اسم يرجع إلى"إيل" فهو معبد له. ١٦٢٨ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة في قوله: ﴿جبريل﴾ قال:"جبر" عبد،"إيل" الله، و"ميكا" قال: عبد."إيل": الله. [[لعله"وميكا". قال: "عبيد" بالتصغير، كما سلف آنفًا.]] * * * قال أبو جعفر: فهذا تأويل من قرأ"جبرئيل" بالفتح، والهمز، والمد. وهو -إن شاء الله- معنى من قرأ بالكسر، وترك الهمز. وأما تأويل من قرأ ذلك بالهمز، وترك المد، وتشديد اللام، فإنه قصد بقوله ذلك كذلك، إلى إضافة"جبر" و"ميكا" إلى اسم الله الذي يسمى به بلسان العرب دون السرياني والعبراني. وذلك أن"الإلّ" بلسان العرب: الله، كما قال: ﴿لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً﴾ [التوبة: ١٠] . فقال جماعة من أهل العلم:"الإل" هو الله. ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه - لوفد بني حنيفة، حين سألهم عما كان مسيلمة يقول، فأخبروه - فقال لهم: ويحكم" أين ذهب بكم؟ والله، إن هذا الكلام ما خرج من إل ولا بر. يعني"من إل": من الله * وقد:- ١٦٢٩ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز في قوله: ﴿لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة﴾ قال: قول"جبريل" و"ميكائيل" و"إسرافيل". كأنه يقول: حين يضيف"جبر" و"ميكا" و"إسرا" إلى"إيل" يقول: عبد الله. [[لعل الصواب أن يقول: "إسراف"، مكان"إسرا"، أو تكون الأولى"إسرائيل" مكان"إسرافيل".]] ﴿لا يرقبون في مؤمن إلا﴾ ، كأنه يقول: لا يرقبون الله عز وجل. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿مصدقا لما بين يديه﴾ ، القرآن. ونصب "مصدقا" على القطع من"الهاء" التي في قوله: ﴿نزله على قلبك﴾ . [[القطع: الحال هنا. وانظر ما سلف ١: ٢٣٠ - ٢٣٢، ٣٣٠، ٥٦١.]] فمعنى الكلام: فإن جبريل نزل القرآن على قلبك، يا محمد، مصدقا لما بين يدي القرآن. يعني بذلك: مصدقا لما سلف من كتب الله أمامه، ونزلت على رسله الذين كانوا قبل محمد ﷺ. وتصديقه إياها، موافقة معانيه معانيها في الأمر باتباع محمد ﷺ وما جاء به من عند الله، وهي تصدقه. [[في المطبوعة: "وهي تصديقه" والصواب ما أثبت، يريد: وهي توافقه. كما فسر قبل.]] كما:- ١٦٣٠ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق عن الضحاك، عن ابن عباس. (مصدقا لما بين يديه) ، يقول: لما قبله من الكتب التي أنزلها الله، والآيات، والرسل الذين بعثهم الله بالآيات، نحو موسى ونوح وهود وشعيب وصالح، وأشباههم من الرسل صلى الله عليهم. ١٦٣١ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿مصدقا لما بين يديه﴾ ، من التوراة والإنجيل. ١٦٣٢ - حُدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) ﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: ﴿وهدى﴾ ودليل وبرهان. وإنما سماه الله جل ثناؤه"هدى"، لاهتداء المؤمن به. و"اهتداؤه به" اتخاذه إياه هاديا يتبعه، وقائدا ينقاد لأمره ونهيه وحلاله وحرامه. و"الهادي" من كل شيء: ما تقدم أمامه. ومن ذلك قيل لأوائل الخيل:"هواديها"، وهو ما تقدم أمامها، وكذلك قيل للعنق:"الهادي"، لتقدمها أمام سائر الجسد. [[انظر ما سلف ١: ١٦٦ - ١٧٠، ٢٣٠، ٢٤٩ ثم ٥٤٩ - ٥٥١.]] * * * وأما"البشرى" فإنها البشارة. أخبر الله عباده المؤمنين جل ثناؤه، أن القرآن لهم بشرى منه، لأنه أعلمهم بما أعد لهم من الكرامة عنده في جناته، وما هم إليه صائرون في معادهم من ثوابه، وذلك هو"البشرى" التي بشر الله بها المؤمنين في كتابه. لأن البشارة في كلام العرب، هي: إعلام الرجل بما لم يكن به عالما مما يسره من الخبر، قبل أن يسمعه من غيره، أو يعلمه من قبل غيره. [[انظر ما سلف ١: ٣٨٣.]] وقد روي في ذلك عن قتادة قول قريب المعنى مما قلناه: ١٦٣٣ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿هدى وبشرى للمؤمنين﴾ ، لأن المؤمن إذا سمع القرآن حفظه ووعاه، وانتفع به واطمأن إليه، وصدق بموعود الله الذي وعد فيه، وكان على يقين من ذلك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب