الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ﴾ قال أبو جعفر: قد دللنا -فيما مضى من كتابنا هذا- على أن"الميثاق""مفعال" من"التوثق باليمين" ونحوها من الأمور التي تؤكد القول. [[انظر ما سلف ١: ٤١٤، وهذا الجزء ٢: ١٥٦.]] فمعنى الكلام إذًا: واذكروا أيضا يا معشر بني إسرائيل، إذ أخذنا ميثاقكم لا تعبدون إلا الله، كما:- ١٤٤٧ - حدثني به ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس: ﴿وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل﴾ -أي ميثاقكم- ﴿لا تعبدون إلا الله﴾ . * * * قال أبو جعفر: والقَرَأَة مختلفة في قراءة قوله [[في المطبوعة: "والقراء مختلفة"، ورددتها إلى ما جرى عليه الطبري في كل ما سلف.]] ﴿لا تعبدون﴾ . فبعضهم يقرؤها بالتاء، وبعضهم يقرؤها بالياء، والمعنى في ذلك واحد. وإنما جازت القراءة بالياء والتاء، وأن يقال ﴿لا تعبدون﴾ و ﴿لا يعبدون﴾ وهم غَيَب، [[غيب (بفتح الغين والياء) جمع غائب، مثل خادم وخدم.]] لأن أخذ الميثاق، بمعنى الاستحلاف. فكما تقول:"استحلفت أخاك ليقومن" فتخبر عنه خبرك عن الغائب لغيبته عنك. وتقول:"استحلفته لتقومن"، فتخبر عنه خبرك عن المخاطب، لأنك قد كنت خاطبته بذلك - فيكون ذلك صحيحا جائزا. فكذلك قوله: ﴿وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله﴾ و ﴿لا يعبدون﴾ . من قرأ ذلك"بالتاء" فمعنى الخطاب، إذ كان الخطاب قد كان بذلك. ومن قرأ"بالياء" فلأنهم ما كانوا مخاطبين بذلك في وقت الخبر عنهم. * * * وأما رفع"لا تعبدون"، فبالتاء التي في"تعبدون"، ولا ينصب بـ "أن" التي كانت تصلح أن تدخل مع ﴿لا تعبدون إلا الله﴾ . لأنها إذا صلح دخولها على فعل فحذفت ولم تدخل، كان وجه الكلام فيه الرفع، كما قال جل ثناؤه: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾ [الزمر: ٦٤] ، فرفع"أعبد" إذ لم تدخل فيها"أن" - بالألف الدالة على معنى الاستقبال، وكما قال الشاعر: [[هو طرفة بن العبد.]] ألا أيهذا الزاجري أحضرُ الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي [[ديوانه: ٣١٧ (أشعار الستة الجاهليين) ، من معلقته النفيسة وسيأتي في ٢١: ٢٢ / ٣٠: ١٣٠ (بولاق) ، وسيبويه ١: ٤٥٢.]] فرفع"أحضر" وإن كان يصلح دخول"أن" فيها -إذ حذفت، بالألف التي تأتي بمعنى الاستقبال. وإنما صلح حذف"أن" من قوله: ﴿وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون﴾ ، لدلالة ما ظهر من الكلام عليها، فاكتفى - بدلالة الظاهر عليها - منها. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٥٣ - ٥٤.]] * * * وقد كان بعض نحويي البصرة يقول: معنى قوله: ﴿وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله﴾ ، حكاية، كأنك قلت: استحلفناهم: لا تعبدون، أي قلنا لهم: والله لا تعبدون - وقالوا: والله لا يعبدون. والذي قال من ذلك، قريب معناه من معنى القول الذي قلنا في ذلك. وبنحو الذي قلنا في قوله: ﴿وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله﴾ ، تأوله أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٤٤٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له، وأن لا يعبدوا غيره. ١٤٤٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: ﴿وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله﴾ ، قال: أخذنا ميثاقهم أن يخلصوا لله ولا يعبدوا غيره. ١٤٥٠ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: ﴿وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله﴾ ، قال: الميثاق الذي أخذ عليهم في المائدة. [[قوله تعالى في سورة المائدة: ١٢: (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا) إلى آخر الآية.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ قال أبو جعفر: وقوله جل ثناؤه: ﴿وبالوالدين إحسانا﴾ عطف على موضع"أن" المحذوفة في ﴿لا تعبدون إلا الله﴾ . فكان معنى الكلام: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بأن لا تعبدوا إلا الله وبالوالدين إحسانا. فرفع ﴿لا تعبدون﴾ لما حذف"أن"، ثم عطف بالوالدين على موضعها، كما قال الشاعر: [[عقيبة بن هبيرة الأسدي، جاهلي إسلامي.]] معاوي إننا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا [[سيبويه ١: ٣٤، ٣٧٥، ٤٤٨، والخزانة ١: ٣٤٣، وسمط اللآلئ: ١٤٩ وفيه تحقيق جيد. وهذا البيت مما أخطأ فيه سيبويه، وكان عقيبة وفد على معاوية، ودفع إليه رقعة فيها هذه الأبيات: معاوي إننا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديد فهبها أمة ذهبت ضياعا ... يزيد أميرها وأبو يزيد أكلتم أرضنا فجردتموها ... فهل من قائم أو من حصيد ؟ ذروا خَوْنَ الخلافة واستقيموا ... وتأمير الأراذل والعبيد وأعطونا السوية، لا تزركم ... جنود مردفات بالجنود فدعاه معاوية فقال له: ما أجرأك علي؟ قال: نصحتك إذ غشوك، وصدقتك إذ كذبوك. فقال معاوية: ما أظنك إلا صادقا.]] فنصب"الحديد" على العطف به على موضع"الجبال"، لأنها لو لم تكن فيها"باء" خافضة كانت نصبا، فعطف بـ "الحديد" على معنى "الجبال"، لا على لفظها. فكذلك ما وصفت من قوله: ﴿وبالوالدين إحسانا﴾ . * * * وأما"الإحسان" فمنصوب بفعل مضمر يؤدي معناه قوله: ﴿وبالوالدين﴾ ، إذ كان مفهوما معناه، فكان معنى الكلام - لو أظهر المحذوف -: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل، بأن لا تعبدوا إلا الله، وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانا، فاكتفى بقوله: ﴿وبالوالدين﴾ من أن يقال: وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانا، إذ كان مفهوما أن ذلك معناه بما ظهر من الكلام. * * * وقد زعم بعض أهل العربية في ذلك أن معناه: وبالوالدين فأحسنوا إحسانا، فجعل"الباء" التي في"الوالدين" من صلة الإحسان، مقدمة عليه. * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن لا تعبدوا إلا الله، وأحسنوا بالوالدين إحسانا. فزعموا أن"الباء" التي في"الوالدين" من صلة المحذوف - أعني أحسنوا - فجعلوا ذلك من كلامين. وإنما يصرف الكلام إلى ما ادعوا من ذلك، إذا لم يوجد لاتساق الكلام على كلام واحد وجه. فأما وللكلام وجه مفهوم على اتساقه على كلام واحد، فلا وجه لصرفه إلى كلامين. وأخرى: أن القول في ذلك لو كان على ما قالوا، لقيل: وإلى الوالدين إحسانا، لأنه إنما يقال:"أحسن فلان إلى والديه" ولا يقال: أحسن بوالديه، إلا على استكراه للكلام. ولكن القول فيه ما قلنا، وهو: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بكذا، وبالوالدين إحسانا - على ما بينا قبل. فيكون والإحسان حينئذ مصدرا من الكلام لا من لفظه، كما بينا فيما مضى من نظائره. [[انظر ما سلف ١: ١٣٨.]] * * * فإن قال قاتل: وما ذلك"الإحسان" الذي أخذ عليهم وبالوالدين الميثاق؟ قيل: نظير ما فرض الله على أمتنا لهما من فعل المعروف لهما، والقول الجميل، وخفض جناح الذل رحمة بهما، والتحنن عليهما، والرأفة بهما، والدعاء بالخير لهما، وما أشبه ذلك من الأفعال التي ندب الله عباده أن يفعلوا بهما. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله: ﴿وذي القربي﴾ ، وبذي القربى أن يصلوا قرابته منهم ورحمه. * * * و"القربي" مصدر على تقدير"فعلى"، من قولك،"قربت مني رحم فلان قرابة وقربي وقربا"، بمعنى واحد. * * * وأما"اليتامى". فهم جمع"يتيم"، مثل"أسير وأسارى". ويدخل في اليتامى الذكور منهم والإناث. * * * ومعنى ذلك: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وحده دون من سواه من الأنداد، وبالوالدين إحسانا، وبذي القربي: أن تصلوا رحمه، وتعرفوا حقه، وباليتامى: أن تتعطفوا عليهم بالرحمة والرأفة، وبالمساكين: أن تؤتوهم حقوقهم التي ألزمها الله أموالكم. * * * و"المسكين"، هو المتخشع المتذلل من الفاقة والحاجة، وهو"مفعيل" من"المسكنة". و"المسكنة" هي ذل الحاجة والفاقة. [[انظر ما سلف في هذا الجزء: ٢: ١٣٧.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ قال أبو جعفر: إن قال قائل: كيف قيل: ﴿وقولوا للناس حسنا﴾ ، فأخرج الكلام أمرا ولما يتقدمه أمر، بل الكلام جار من أول الآية مجرى الخبر؟ قيل: إن الكلام، وإن كان قد جرى في أول الآية مجرى الخبر، فإنه مما يحسن في موضعه الخطاب بالأمر والنهي. فلو كان مكان:"لا تعبدون إلا الله"، لا تعبدوا إلا الله - على وجه النهي من الله لهم عن عبادة غيره - كان حسنا صوابا. وقد ذكر أن ذلك كذلك في قراءة أبي بن كعب. وإنما حسن ذلك وجاز - لو كان مقروءا به - لأن أخذ الميثاق قول. فكان معنى الكلام -لو كان مقروءا كذلك-: وإذ قلنا لبني إسرائيل: لا تعبدوا إلا الله، كما قال جل ثناؤه في موضع آخر: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ [البقرة: ٦٣] . فلما كان حسنا وضع الأمر والنهي في موضع: ﴿لا تعبدون إلا الله﴾ ، عطف بقوله: ﴿وقولوا للناس حسنا﴾ ، على موضع ﴿لا تعبدون﴾ ، وإن كان مخالفا كل واحد منهما معناه معنى ما فيه، [[في المطبوعة:"ومعناه" بزيادة الواو، والصواب حذفها.]] لما وصفنا من جواز وضع الخطاب بالأمر والنهي موضع"لا تعبدون". فكأنه قيل: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا إلا الله، وقولوا للناس حسنا. وهو نظير ما قدمنا البيان عنه: من أن العرب تبتدئ الكلام أحيانا على وجه الخبر عن الغائب في موضع الحكاية لما أخبرت عنه، [[في المطبوعة: "في موضع الحكايات كما أخبرت عنه"، والصواب ما أثبته.]] ثم تعود إلى الخبر على وجه الخطاب؛ وتبتدئ أحيانا على وجه الخطاب، ثم تعود إلى الإخبار على وجه الخبر عن الغائب، لما في الحكاية من المعنيين، [[انظر ما سلف ١: ١٥٣ - ١٥٤، وسيأتي في هذا الجزء ٢: ٣٥٧.]] كما قال الشاعر: [[هو كثير عزة.]] أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مَقْلِيَّةً إن تَقَلَّت [[ديوانه ١: ٥٣ من قصيدته المشهورة. قلاه يقليه قلى فهو مقلي: كرهه وأبغضه. وتقلى تبغض، أي استعمل من الفعل أو القول ما يدعو إلى بغضه.]] يعني: تقليت. * * * وأما"الحسن" فإن القَرَأَة اختلفت في قراءته. [[في المطبوعة: "فإن القراء"، ورددته إلى ما مضى عليه أبو جعفر في عبارته، كما سلف مرارا.]] فقرأته عامة قَرَأَة الكوفة غير عاصم: ﴿وقولوا للناس حَسَنا﴾ بفتح الحاء والسين. وقرأته عامة قراء المدينة: ﴿حُسْنا﴾ بضم الحاء وتسكين السين. وقد روي عن بعض القَرَأَة أنه كان يقرأ: "وقولوا للناس " حُسْنَى " على مثال "فُعلى". * * * واختلف أهل العربية في فرق ما بين معنى قوله: "حُسْنا" و"حَسَنا". فقال بعض البصريين: هو على أحد وجهين: إما أن يكون يراد بـ"الحَسَن" "الحُسن" وكلاهما لغة، كما يقال: "البُخل والبَخَل"، وإما أن يكون جعل "الحُسن" هو "الحَسن" في التشبيه. وذلك أن الحُسن "مصدر" و "الحَسن" هو الشيء الحسن. ويكون ذلك حينئذ كقولك:"إنما أنت أكل وشرب"، وكما قال الشاعر: [[يقال هو: عمرو بن معد يكرب الزبيدي. (الخزانة ٤: ٥٦) ، وليس في قصيدته التي على هذا الوزن في الأصمعيات: ٤٣، ولكنه أتى في نوادر أبي زيد: ١٤٩ - ١٥٠ أنه لعمرو بن معد يكرب. فكأنه له، وكأنه سقط من رواية الأصمعي، وهو في رواية غيره.]] وخيل قد دلفت لها بخيل ... تحية بينهم ضرب وجيع [[نوادر أبي زيد: ١٥٠، وسيبويه ١: ٣٦٥، ٤٢٩ والخزانة ٤: ٥٣. وغيرها.]] فجعل"التحية" ضربا. وقال آخر: بل "الحُسن" هو الاسم العام الجامع جميع معاني الحسن. و"الحسن" هو البعض من معاني"الحُسن". قال: ولذلك قال جل ثناؤه إذ أوصى بالوالدين: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [العنكبوت: ٨] يعني بذلك أنه وصاه فيهما بجميع معاني الحُسن، وأمر في سائر الناس ببعض الذي أمره به في والديه، فقال: ﴿وقولوا للناس حسنا﴾ ، يعني بذلك بعض معاني الحُسن. * * * قال أبو جعفر: والذي قاله هذا القائل في معنى"الحسن" بضم الحاء وسكون السين، غير بعيد من الصواب، وأنه اسم لنوعه الذي سمي به. وأما"الحسن" فإنه صفة وقعت لما وصف به، وذلك يقع بخاص. وإذا كان الأمر كذلك، فالصواب من القراءة في قوله: ﴿وقولوا للناس حَسنا﴾ ، لأن القوم إنما أمروا في هذا العهد الذي قيل لهم:"وقولوا للناس" باستعمال الحَسن من القول، دون سائر معاني الحسن الذي يكون بغير القول. وذلك نعت لخاص من معاني الحُسن، وهو القول. فلذلك اخترت قراءته بفتح الحاء والسين، على قراءته بضم الحاء وسكون السين. * * * وأما الذي قرأ ذلك: ﴿وقولوا للناس حسنى﴾ ، فإنه خالف بقراءته إياه كذلك، قراءة أهل الإسلام. وكفى شاهدا على خطأ القراءة بها كذلك، خروجها من قراءة أهل الإسلام، لو لم يكن على خطئها شاهد غيره. فكيف وهي مع ذلك خارجة من المعروف من كلام العرب؟ وذلك أن العرب لا تكاد أن تتكلم بـ "فعلى" "وأفعل" إلا بالألف واللام أو بالإضافة. لا يقال:"جاءني أحسن"، حتى يقولوا:"الأحسن". ولا يقال:"أجمل"، حتى يقولوا،"الأجمل". وذلك أن"الأفعل والفعلى"، لا يكادان يوجدان صفة إلا لمعهود معروف، كما تقول: بل أخوك الأحسن - وبل أختك الحسنى". وغير جائز أن يقال: امرأة حسنى، ورجل أحسن. * * * وأما تأويل القول الحسن الذي أمر الله به الذين وصف أمرهم من بني إسرائيل في هذه الآية، أن يقولوه للناس، [[في المطبوعة: "لأن يقولوه للناس" بزيادة اللام، فاسدة.]] فهو ما:- ١٤٥١ - حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: ﴿وقولوا للناس حسنا﴾ ، أمرهم أيضا بعد هذا الخلق: أن يقولوا للناس حسنا: أن يأمروا بـ "لا إله إلا الله" من لم يقلها ورغب عنها، حتى يقولوها كما قالوها، فإن ذلك قربة من الله جل ثناؤه. وقال الحسن أيضا، لين القول، من الأدب الحسن الجميل والخلق الكريم، وهو مما ارتضاه الله وأحبه. ١٤٥٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: ﴿وقولوا للناس حسنا﴾ ، قال، قولوا للناس معروفا. ١٤٥٣ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج: ﴿وقولوا للناس حسنا﴾ ، قال: صدقا في شأن محمد ﷺ. ١٤٥٤ - وحدثت عن يزيد بن هارون قال، سمعت سفيان الثوري يقول في قوله: ﴿وقولوا للناس حسنا﴾ ، قال: مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر. [[الأثر: ١٤٥٤ - أخشى أن يكون سقط من إسناده شيء.]] ١٤٥٥ - حدثني هارون بن إدريس الأصم قال، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي قال، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال، سألت عطاء بن أبي رباح، عن قول الله جل ثناؤه: ﴿وقولوا للناس حسنا﴾ ، قال: من لقيت من الناس فقل له حسنا من القول. قال: وسألت أبا جعفر، فقال مثل ذلك. [[الخبر: ١٤٥٥ - هارون بن إدريس الأصم، شيخ الطبري: لم أجد له ترجمة، ولا وجدته في مكان، إلا في رواية الطبري عنه في التاريخ أيضًا ١: ٢٥٣، و٢: ١٢٦. روى عنه، عن المحاربي. عبد الملك بن أبي سليمان: هو العرزمي، أحد الأئمة الثقات الحفاظ. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٢ / ٢ /٣٦٦ - ٣٦٨.]] ١٤٥٦ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا القاسم قال، أخبرنا عبد الملك، عن أبي جعفر وعطاء بن أبي رباح في قوله: ﴿وقولوا للناس حسنا﴾ ، قال: للناس كلهم. ١٤٥٧ - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك، عن عطاء مثله. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله: ﴿وأقيموا الصلاة﴾ ، أدوها بحقوقها الواجبة عليكم فيها * كما:- ١٤٥٨ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن مسعود قال: ﴿وأقيموا الصلاة﴾ ، هذه و"إقامة الصلاة" تمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع، والإقبال عليها فيها. [[انظر ما سلف ١: ٢٤١، ٥٧٣.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ قال أبو جعفر: قد بينا فيما مضى قبل، معنى"الزكاة" وما أصلها. [[انظر ما سلف ١: ٥٧٣ - ٥٧٤.]] * * * وأما الزكاة التي كان الله أمر بها بني إسرائيل الذين ذكر أمرهم في هذه الآية، فهي ما:- ١٤٥٩ - حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: ﴿وآتوا الزكاة﴾ ، قال: إيتاء الزكاة، ما كان الله فرض عليهم في أموالهم من الزكاة، وهي سنة كانت لهم غير سنة محمد ﷺ. كانت زكاة أموالهم قربانا تهبط إليه نار فتحملها، فكان ذلك تقبله. ومن لم تفعل النار به ذلك كان غير متقبل، وكان الذي قرب من مكسب لا يحل: من ظلم أو غشم، أو أخذ بغير ما أمره الله به وبينه له. ١٤٦٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿وآتوا الزكاة﴾ ، يعني"بالزكاة": طاعة الله والإخلاص. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣) ﴾ قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن يهود بني إسرائيل، أنهم نكثوا عهده ونقضوا ميثاقه، بعدما أخذ الله ميثاقهم على الوفاء له، بأن لا يعبدوا غيره، وأن يحسنوا إلى الآباء والأمهات، ويصلوا الأرحام، ويتعطفوا على الأيتام، ويؤدوا حقوق أهل المسكنة إليهم، ويأمروا عباد الله بما أمرهم الله به ويحثوهم على طاعته، ويقيموا الصلاة بحدودها وفرائضها، ويؤتوا زكاة أموالهم - فخالفوا أمره في ذلك كله، وتولوا عنه معرضين، إلا من عصمه الله منهم، فوفى لله بعهده وميثاقه، كما:- ١٤٦١ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما فرض الله جل وعز عليهم - يعني: على هؤلاء الذين وصف الله أمرهم في كتابه من بني إسرائيل - هذا الذي ذكر أنه أخذ ميثاقهم به، أعرضوا عنه استثقالا له وكراهية، وطلبوا ما خف عليهم إلا قليلا منهم، وهم الذين استثنى الله فقال: ﴿ثم توليتم﴾ ، يقول: أعرضتم عن طاعتي، ﴿إلا قليلا منكم﴾ ، قال: القليل الذين اخترتهم لطاعتي، وسيحل عقابي بمن تولى وأعرض عنها يقول: تركها استخفافا بها. [[انظر معنى "تولى" فيما سلف من هذا الجزء ٢: ١٦٢.]] . ١٤٦٢ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير، أو عن عكرمة، عن ابن عباس: ﴿ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون﴾ ، أي تركتم ذلك كله. * * * وقال بعضهم: عنى الله جل ثناؤه بقوله: ﴿وأنتم معرضون﴾ ، اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله ﷺ، وعنى بسائر الآية أسلافهم. كأنه ذهب إلى أن معنى الكلام: ﴿ثم توليتم إلا قليلا منكم﴾ : ثم تولى سلفكم إلا قليلا منهم، ولكنه جعل خطابا لبقايا نسلهم -على ما ذكرناه فيما مضى قبل- [[انظر ما سلف في هذا الجزء ٢: ٣٨، ٣٩ ثم: ١٦٤، ثم: ٢٤٥، ثم ٣٠٢.]] ثم قال: وأنتم يا معشر بقاياهم معرضون أيضا عن الميثاق الذي أخذ عليكم بذلك، وتاركوه ترك أوائلكم. * * * وقال آخرون: بل قوله: ﴿ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون﴾ ، خطاب لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله ﷺ من يهود بني إسرائيل، وذم لهم بنقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم في التوراة، وتبديلهم أمر الله، وركوبهم معاصيه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب