الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ذكره بقوله: فقلنا لقوم موسى الذين ادارءوا في القتيل [[في المطبوعة: ". . بقوله فقلنا لقوم موسى"، والصواب زيادة لفظ الآية، كما فعلت.]] - الذي قد تقدم وصفنا أمره -: اضربوا القتيل. و"الهاء" التي في قوله: ﴿اضربوه﴾ من ذكر القتيل؛ ﴿ببعضها﴾ أي: ببعض البقرة التي أمرهم الله بذبحها فذبحوها. * * * ثم اختلف العلماء في البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، وأي عضو كان ذلك منها. فقال بعضهم: ضرب بفخذ البقرة القتيل. * ذكر من قال ذلك: ١٣٠٥ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: ضرب بفخذ البقرة فقام حيا، فقال: قتلني فلان. ثم عاد في ميتته. ١٣٠٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: ضرب بفخذ البقرة، ثم ذكر مثله. ١٣٠٧ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح، عن النضر بن عربي، عن عكرمة: ﴿فقلنا اضربوه ببعضها﴾ ، قال: بفخذها، فلما ضرب بها عاش، وقال: قتلني فلان. ثم عاد إلى حاله. [[الخبر: ١٣٠٧ - النضر بن عربي الباهلي: ثقة من أتباع التابعين، وثقه ابن معين وغيره، مات سنة ١٦٨، مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ٤ / ٢ /٨٩، وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ٤٧٥.]] ١٣٠٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن خالد بن يزيد، عن مجاهد قال: ضرب بفخذها الرجل، فقام حيا فقال: قتلني فلان. ثم عاد في ميتته. ١٣٠٩ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، قال أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة: ضربوا المقتول ببعض لحمها -وقال معمر، عن قتادة -: ضربوه بلحم الفخذ فعاش، فقال: قتلني فلان. ١٣١٠ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أنهم ضربوه بفخذها، فأحياه الله فأنبأ بقاتله الذي قتله، وتكلم ثم مات. * * * وقال آخرون: الذي ضرب به منها، هو البضعة التي بين الكتفين. [[البضعة: القطعة من اللحم، قولهم: بضع اللحم: قطعه.]] * ذكر من قال ذلك: ١٣١١ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿فقلنا اضربوه ببعضها﴾ ، فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش، فسألوه: من قتلك؟ فقال لهم: ابن أخي. وقال آخرون: الذي أمروا أن يضربوه به منها، عظم من عظامها. * ذكر من قال ذلك: ١٣١٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: أمرهم موسى أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل. ففعلوا، فرجع إليه روحه، فسمى لهم قاتله، ثم عاد ميتا كما كان. فأخذ قاتله، وهو الذي أتى موسى فشكا إليه، فقتله الله على أسوأ عمله. * * * وقال آخرون بما:- ١٣١٣ - حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: ضربوا الميت ببعض آرابها فإذا هو قاعد - [[آراب جمع إرب (بكسر فسكون) : وهو العضو، يقال: قطعه إربا إربا، أي عضوا عضوا.]] قالوا: من قتلك؟ قال: ابن أخي. قال: وكان قتله وطرحه على ذلك السبط، أراد أن يأخذ ديته. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل قوله عندنا: ﴿فقلنا اضربوه ببعضها﴾ ، أن يقال: أمرهم الله جل ثناؤه أن يضربوا القتيل ببعض البقرة ليحيا المضروب. ولا دلالة في الآية، ولا [في] خبر تقوم به حجة، [[الزيادة بين القوسين، أولى من حذفها.]] على أي أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به. وجائز أن يكون الذي أمروا أن يضربوه به هو الفخذ، وجائز أن يكون ذلك الذنب وغضروف الكتف، وغير ذلك من أبعاضها. ولا يضر الجهل بأي ذلك ضربوا القتيل، ولا ينفع العلم به، مع الإقرار بأن القوم قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها فأحياه الله. * * * قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وما كان معنى الأمر بضرب القتيل ببعضها؟ قيل: ليحيا فينبئ نبي الله موسى ﷺ والذين ادارءوا فيه - من قاتله. فإن قال قائل: وأين الخبر عن أن الله جل ثناؤه أمرهم بذلك لذلك؟ قيل: ترك ذلك اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام الدال عليه - نحو الذي ذكرنا من نظائر ذلك فيما مضى. ومعنى الكلام: فقلنا: اضربوه ببعضها ليحيا، فضربوه فحيي - كما قال جل ثناؤه: ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ﴾ [الشعراء: ٦٣] ، والمعنى: فضرب فانفلق - دل على ذلك قوله: [[في المطبوعة: "يدل على ذلك قوله. . "، وليست بشيء.]] ﴿كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون﴾ . * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى﴾ قال أبو جعفر: وقوله: ﴿كذلك يحيى الله الموتى﴾ ، مخاطبة من الله عباده المؤمنين، واحتجاج منه على المشركين المكذبين بالبعث، وأمرهم بالاعتبار بما كان منه جل ثناؤه من إحياء قتيل بني إسرائيل بعد مماته في الدنيا. فقال لهم تعالى ذكره: أيها المكذبون بالبعث بعد الممات، اعتبروا بإحيائي هذا القتيل بعد مماته، فإني كما أحييته في الدنيا، فكذلك أحيي الموتى بعد مماتهم، فأبعثهم يوم البعث. وإنما احتج جل ذكره بذلك على مشركي العرب، [[في المطبوعة: "فإنما احتج. . "، والفاء ليست بشيء هنا.]] وهم قوم أميون لا كتاب لهم، لأن الذين كانوا يعلمون علم ذلك من بني إسرائيل كانوا بين أظهرهم، وفيهم نزلت هذه الآيات، فأخبرهم جل ذكره بذلك، ليتعرفوا علم من قِبَلَهم. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣) ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ذكره: ويريكم الله أيها الكافرون المكذبون بمحمد ﷺ، وبما جاء به من عند الله - من آياته = وآياته: أعلامه وحججه الدالة على نبوته = [[انظر ما سلف ١: ٥٥٢، وهذا الجزء ٢: ١٣٩.]] لتعقلوا وتفهموا أنه محق صادق، فتؤمنوا به وتتبعوه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ قال أبو جعفر: يعني بذلك كفار بني إسرائيل، وهم -فيما ذكر- بنو أخي المقتول، فقال لهم:"ثم قست قلوبكم": أي جفت وغلظت وعست، كما قال الراجز: وقد قسوت وقسا لداتي [[لم أعرف قائله، وسيأتي في ٦: ٩٩ (بولاق) ، وكان في الأصل هنا"وقسا لدنى"، وهو خطأ. ولداتى جمع لدة، ولدة الرجل: تربه، ولد معه. وقسا هنا بمعنى: أسن وكبر وولي شبابه، وجف عوده. ولم ترد بذلك المعنى في المعاجم.]] يقال:"قسا" و"عسا" و"عتا" بمعنى واحد، وذلك إذا جفا وغلظ وصلب. يقال: منه: قسا قلبه يقسو قسوا وقسوة وقساوة وقَساء. [[أنا في شك في ضبطه المصدر الأول من هذه المصادر الأربعة وهو"قسوا"، وتبعت في ضبطه القاموس المحيط، وإن، كان قد ضبط بالقلم، وأخشى أن يكون مصدرا على"فعول" مثل دنا يدنوا دنوا، وسما يسمو سموا.]] * * * ويعني بقوله: ﴿من بعد ذلك﴾ ، من بعد أن أحيا المقتول لهم الذي - ادارءوا في قتله، فأخبرهم بقاتله، وما وبالسبب الذي من أجله قتله، [[في المطبوعة: "وما السبب" وليست بشيء.]] كما قد وصفنا قبل على ما جاءت الآثار والأخبار - وفصل الله تعالى ذكره بخبره بين المحق منهم والمبطل [[سياق العبارة بلا فصل"من بعد أن أحيى المقتول لهم. . وفصل بخبره بين المحق منهم والمبطل".]] . وكانت قساوة قلوبهم التي وصفهم الله بها، أنهم -فيما بلغنا- أنكروا أن يكونوا هم قتلوا القتيل الذي أحياه الله، فأخبر بني إسرائيل بأنهم كانوا قتلته، بعد إخباره إياهم بذلك، وبعد ميتته الثانية، كما:- ١٣١٤ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما ضرب المقتول ببعضها - يعني ببعض البقرة - جلس حيا، فقيل له: من قتلك؟ فقال: بنو أخي قتلوني. ثم قبض فقال بنو أخيه حين قبض: والله ما قتلناه! فكذبوا بالحق بعد إذ رأوه، فقال الله: ﴿ثم قست قلوبكم من بعد ذلك﴾ -يعني بني أخي الشيخ- ﴿فهي كالحجارة أو أشد قسوة﴾ . ١٣١٥ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: ﴿ثم قست قلوبكم من بعد ذلك﴾ ، يقول: من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى، وبعد ما أراهم من أمر القتيل - ما أراهم،"فهي كالحجارة أو أشد قسوة".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب