الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) ﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله: ﴿قالوا﴾ قال قوم موسى - الذين أمروا بذبح البقرة - لموسى. فترك ذكر موسى، وذكر عائد ذكره، اكتفاء بما دل عليه ظاهر الكلام. وذلك أن معنى الكلام: قالوا له:"ادع ربك". فلم يذكر"له" لما وصفنا. وقوله: ﴿يبين لنا ما هي﴾ ، خبر من الله عن القوم بجهلة منهم ثالثة. وذلك أنهم لو كانوا، إذ أمروا بذبح البقرة، ذبحوا أيتها تيسرت مما يقع عليه اسم بقرة، كانت عنهم مجزئة، ولم يكن عليهم غيرها، لأنهم لم يكونوا كلفوها بصفة دون صفة. فلما سألوا بيانها بأي صفة هي، بين لهم أنها بسن من الأسنان دون سن سائر الأسنان، [[في المطبوعة: "فبين لهم أنها بسن. . "، والفاء لا مكان لها هنا.]] فقيل لهم: هي عوان بين الفارض والبكر والضرع. [[الضرع: الضعيف الضاوي الجسم.]] فكانوا - إذْ بينت لهم سنها- لو ذبحوا أدنى بقرة بالسن التي بينت لهم، كانت عنهم مجزئة، لأنهم لم يكونوا كلفوها بغير السن التي حدت لهم، ولا كانوا حصروا على لون منها دون لون. فلما أبوا إلا أن تكون معرفة لهم بنعوتها، مبينة بحدودها التي تفرق بينها وبين سائر بهائم الأرض، فشددوا على أنفسهم - شدد الله عليهم بكثرة سؤالهم نبيهم واختلافهم عليه. ولذلك قال نبينا ﷺ لأمته:- ١٢٣٤ -"ذروني ما تركتكم، فإنما أُهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشيء فأتوه، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه ما استطعتم". [[الحديث: ١٢٣٤ - رواه هنا دون إسناد. وهو من حديث أبي هريرة. ووقع في آخره خطأ، قلب معناه. واللفظ الصحيح، بالمعنى الصحيح؛"فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم". هذا لفظ البخاري. وقد أفاض الحافظ في شرحه، في الفتح ١٣: ٢١٩ - ٢٢٦. ورواه أيضًا أحمد: ٧٣٦١، بنحو معناه. وأشرنا هناك إلى كثير من طرقه في المسند وغيره وكذلك رواه مسلم ٢: ٢٢١، بنحوه، من طرق. وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه، من طرق: ١٧، ١٨، ١٩، ٢٠ (بتحقيقنا) وفي رواية ابن حبان: ١٧، "قال ابن عجلان: فحدثت به أبان بن صالح، فقال لي: ما أجود هذه الكلمة، قوله: فأتوا منه ما استطعتم". وهو الحديث التاسع من الأربعين النووية، وقد شرحه ابن رجب، في جامع العلوم والحكم، شرحا مسهبا. ولعل الخطأ الذي وقع هنا خطأ من الناسخين. فما أظن الطبري يخفي عليه ما في هذا اللفظ من تهافت.]] قال أبو جعفر: ولكن القوم لما زادوا نبيهم موسى ﷺ أذى وتعنتا، زادهم الله عقوبة وتشديدا، كما:- ١٢٣٥ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثام بن علي، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لو أخذوا أدنى بقرة اكتفوا بها، لكنهم شددوا فشدد الله عليهم. ١٢٣٦ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عَبيدة قال: لو أنهم أخذوا أدنى بقرة لأجزأت عنهم. [[الخبر: ١٢٣٦ - جاء شيخ الطبري هنا باسم"عمرو بن عبد الأعلى"! وما وجدت راويا يسمى بهذا. وإنما هو"محمد بن عبد الأعلى الصنعاني"، من شيوخ مسلم وأبي داود وغيرهما، كما مضى مثل هذا الإسناد على الصواب: ١١٧٢. ومحمد بن عبد الأعلى: بصري ثقة، مات سنة ٢٤٥، مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ١ / ١ / ١٧٤، وابن أبي حاتم ٤ / ١ /١٦.]] ١٢٣٧ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر عن أيوب- ١٢٣٨ - وحدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن هشام بن حسان جميعا، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني قال: سألوا وشددوا فشدد الله عليهم. ١٢٣٩ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: لو أخذ بنو إسرائيل بقرة لأجزأت عنهم. ولولا قولهم: ﴿وإنا إن شاء الله لمهتدون﴾ ، لما وجدوها. ١٢٤٠ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ﴿وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة﴾ ، لو أخذوا بقرة ما كانت، لأجزأت عنهم. ﴿قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر﴾ ، قال: لو أخذوا بقرة من هذا الوصف لأجزأت عنهم. ﴿قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين﴾ ، قال: لو أخذوا بقرة صفراء لأجزأت عنهم. ﴿قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي * قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث﴾ الآية. ١٢٤١ - حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه، وزاد فيه: ولكنهم شددوا فشدد عليهم. ١٢٤٢ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثتي حجاج قال، قال ابن جريج قال، مجاهد:"لو أخذوا بقرة مَّا كانت أجزأت عنهم. قال ابن جريج، قال لي عطاء: لو أخذوا أدنى بقرة كفتهم. قال ابن جريج، قال رسول الله ﷺ: إنما أمروا بأدنى بقرة، ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شُدد الله عليهم؛ وأيم الله لو أنهم لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد". [[الخبر: ١٢٤٢ - جاء في آخره حديث مرفوع، ذكره ابن جريج. وهو مرسل لا تقوم به حجة. وسيأتي أيضًا: ١٢٤٤، عن قتادة مرسلا. وذكر معناه ابن كثير ١: ٢٠٣، من تفسيرى ابن أبي حاتم وابن مردويه، بإسناديهما، من رواية الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، مرفوعا، بنحوه. قال ابن كثير: "وهذا حديث غريب من هذا الوجه. وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة كما تقدم مثله عن السدي ".]] ١٢٤٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: لو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة، استعرضوا بقرة فذبحوها لكانت إياها، ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، ولولا أن القوم استثنوا فقالوا: ﴿وإنا إن شاء الله لمهتدون﴾ ، لما هدوا إليها أبدا. ١٢٤٤ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله ﷺ كان يقول:"إنما أمر القوم بأدنى بقرة، ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد عليهم. والذي نفس محمد بيده، لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد. ١٢٤٥ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس قال: لو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا وتعنتوا موسى فشدد الله عليهم. ١٢٤٦ - حدثنا أبو كريب قال، قال أبو بكر بن عياش، قال ابن عباس: لو أن القوم نظروا أدنى بقرة -يعني بني إسرائيل- لأجزأت عنهم، ولكن شددوا فشدد عليهم، فاشتروها بملء جلدها دنانير. [[الخبر: ١٢٤٦ - هذا الإسناد منقطع بين أبي بكر بن عياش وابن عباس، كما هو ظاهر لأن ابا بكر يروى عن التابعين، ومولده بعد موت ابن عباس بدهر. وهذا الخبر ذكره السيوطي ١: ٧٧، ونسبه لابن جرير، وابن أبي حاتم"من طرق".]] ١٢٤٧ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: لو أخذوا بقرة كما أمرهم الله كفاهم ذلك، ولكن البلاء في هذه المسائل، فقالوا: ﴿ادع لنا ربك يبين لنا ما هي﴾ ، فشدد عليهم، فقال: ﴿إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك﴾ ، فقالوا: ﴿ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها، قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين﴾ ، قال: وشدد عليهم أشد من الأول، فقرأ حتى بلغ: ﴿مسلمة لا شية فيها﴾ فأبوا أيضا فقالوا: ﴿ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون﴾ فشدد عليهم، فقال: "إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لا شية فيها) ، قال: فاضطروا إلى بقرة لا يعلم على صفتها غيرها، وهي صفراء، ليس فيها سواد ولا بياض. [[الأثر: ١٢٤٧ - سيأتي تمامه في رقم: ١٢٧٣.]] * * * قال أبو جعفر: وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه - من الصحابة والتابعين والخالفين بعدهم، من قولهم إن بني إسرائيل لو كانوا أخذوا أدنى بقرة فذبحوها أجزأت عنهم، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم - من أوضح الدلالة على أن القوم كانوا يرون أن حكم الله، فيما أمر ونهى في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ، على العموم الظاهر، دون الخصوص الباطن، [[انظر ما مضى في تفسير" الظاهر، والباطن": ٢: ١٥ والمراجع.]] إلا أن يخص، بعض ما عمه ظاهر التنزيل، كتاب من الله أو رسولُ الله، وأن التنزيل أو الرسول، إن خص بعض ما عمه ظاهر التنزيل بحكم خلاف ما دل عليه الظاهر، فالمخصوص من ذلك خارج من حكم الآية التي عمت ذلك الجنس خاصة، وسائر حكم الآية على العموم؛ على نحو ما قد بيناه في كتابنا ﴿كتاب الرسالة﴾ من ﴿لطيف القول في البيان عن أصول الأحكام﴾ - في قولنا في العموم والخصوص، وموافقة قولهم في ذلك قولنا، ومذهبهم مذهبنا، وتخطئتهم قول القائلين بالخصوص في الأحكام، وشهادتهم على فساد قول من قال: حكم الآية الجائية مجيء العموم على العموم، ما لم يختص منها بعض ما عمته الآية. فإن خص منها بعض، فحكم الآية حينئذ على الخصوص. وذلك أن جميع من ذكرنا قوله آنفا - ممن عاب على بني إسرائيل مسألتهم نبيهم ﷺ عن صفة البقرة التي أمروا بذبحها وسنها وحليتها - رأوا أنهم كانوا في مسألتهم رسول الله ﷺ موسى ذلك مخطئين، وأنهم لو كانوا استعرضوا أدنى بقرة من البقر - إذ أمروا بذبحها بقوله: ﴿إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة﴾ ، فذبحوها - كانوا للواجب عليهم من أمر الله في ذلك مؤدين، وللحق مطيعين، إذْ لم يكن القوم حصروا على نوع من البقر دون نوع، وسن دون سن. ورأوا مع ذلك أنهم - إذْ سألوا موسى عن سنها فأخبرهم عنها، وحصرهم منها على سن دون سن، ونوع دون نوع، وخص من جميع أنواع البقر نوعا منها - كانوا في مسألتهم إياه في المسألة الثانية، بعد الذي خص لهم من أنوع البقر، من الخطأ على مثل الذي كانوا عليه من الخطأ في مسألتهم إياه المسألة الأولى. وكذلك رأوا أنهم في المسألة الثالثة على مثل الذي كانوا عليه من ذلك في الأولى والثانية، وأن اللازم كان لهم في الحالة الأولى، استعمال ظاهر الأمر، وذبح أي بهيمة شاؤوا مما وقع عليها اسم بقرة. وكذلك رأوا أن اللازم كان لهم في الحال الثانية، استعمال ظاهر الأمر وذبح أي بهيمة شاؤوا مما وقع عليها اسم بقرة عوان لا فارض ولا بكر، ولم يروا أن حكمهم - إذ خص لهم بعض البقر دون البعض في الحالة الثانية - انتقل عن اللازم الذي كان لهم في الحالة الأولى، من استعمال ظاهر الأمر إلى الخصوص. ففي إجماع جميعهم على ما روينا عنهم من ذلك - مع الرواية التي رويناها عن رسول الله ﷺ بالموافقة لقولهم - دليل واضح على صحة قولنا في العموم والخصوص، وأن أحكام الله جل ثناؤه في آي كتابه - فيما أمر ونهى - على العموم، ما لم يخص ذلك ما يجب التسليم له. وأنه إذا خص منه شيء، فالمخصوص منه خارج حكمه من حكم الآية العامة الظاهر، وسائر حكم الآية على ظاهرها العام - ومؤيد حقيقة ما قلنا في ذلك، [[في المطبوعة: " ويؤيد حقيقة ما قلنا. . . "، وهو خطأ، وقوله"مؤيد حقيقة ما قلنا" معطوف على قوله آنفًا: " ففي إجماع جميعهم. . دليل واضح. . ومؤيد حقيقة ما قلنا. . وشاهد عدل. . ".]] وشاهد عدل على فساد قول من خالف قولنا فيه. وقد زعم بعض من عظمت جهالته، واشتدت حيرته، أن القوم إنما سألوا موسى ما سألوا بعد أمر الله إياهم بذبح بقرة من البقر، لأنهم ظنوا أنهم أمروا بذبح بقرة بعينها خصت بذلك، كما خصت عصا موسى في معناها، فسألوه أن يحليها لهم ليعرفوها. ولو كان الجاهل تدبر قوله هذا، لسهل عليه ما استصعب من القول. وذلك أنه استعظم من القوم مسألتهم نبيهم ما سألوه تشددا منهم في دينهم، ثم أضاف إليهم من الأمر ما هو أعظم مما استنكره أن يكون كان منهم. فزعم أنهم كانوا يرون أنه جائز أن يفرض الله عليهم فرضا، ويتعبدهم بعبادة، ثم لا يبين لهم ما يفرض عليهم ويتعبدهم به، حتى يسألوا بيان ذلك لهم! فأضاف إلى الله تعالى ذكره ما لا يجوز إضافته إليه، ونسب القوم من الجهل إلى ما لا ينسب المجانين إليه، فزعم أنهم كانوا يسألون ربهم أن يفرض عليهم الفرائض، فنعوذ بالله من الحيرة، ونسأله التوفيق والهداية. * * * وأما قوله: ﴿إن البقر تشابه علينا﴾ ، فإن"البقر" جماع بقرة. وقد قرأ بعضهم: ﴿إن الباقر﴾ ، وذلك - وإن كان في الكلام جائزا، لمجيئه في كلام العرب وأشعارها، كما قال ميمون بن قيس: [[يعني الأعشى الكبير.]] وما ذنبه أن عافت الماء باقر ... وما إن تعاف الماء إلا ليضربا [[ديوانه: ٩٠، والحيوان ١: ١٩ (وانظر أيضًا ١: ٣٠١، ٦: ١٧٤) ، واللسان (ثور) وغيرها. من قصيدة يقولها لبني قيس بن سعد، وما كان بينه وبينهم من قطيعة بعد مواصلة ومودة، وقبل البيت: وإني وما كلفتموني - وربكم ... ليعلم من أمسى أعق وأحربا لكالثور، والجِنِّيّ يضرب ظهره ... وما ذنبه إن عافت الماء مشربا قال الجاحظ: "كانوا إذا أوردوا البقر فلم تشرب، إما لكدر الماء أو لقلة العطش، ضربوا الثور ليقتحم، لأن البقر تتبعه كما تتبع الشول الفحل، وكما تتبع أتن الوحش الحمار. . وكانوا يزعمون أن الجن هي التي تصد الثيران عن الماء، حتى تمسك البقر عن الشرب، حتى تهلك. . كأنه قال: إذا كان يضرب أبدا لأنها عافت الماء، فكأنها إنما عافت الماء ليضرب".]] وكما قال أمية: [[يعني: أمية بن أبي الصلت.]] ويسوقون باقر السهل للط ... ود مهازيل خشية أن تبورا [[ديوانه: ٣٥، والحيوان ٤: ٤٦٧، والأزمنة والأمكنة ٢: ١٢٤، وغيرها. وفي الأصل المطبوع: "باقر الطود للسهل"، وفي الديوان والحيوان"باقرا يطرد السهل"، وصواب الرواية ما أثبته من الأزمنة. قال الجاحظ في ذكر نيران العرب: ""ونار أخرى: وهي النار التي كانوا يستمطرون بها في الجاهلية الأولى. فإنهم كانوا إذا تتابعت عليهم الأزمات، وركد عليهم البلاء، واشتد الجدب، واحتاجوا إلى الاستمطار، اجتمعوا وجمعوا ما قدروا عليه من البقر، ثم عقدوا في أذنابها وبين عراقيبها السلع والعشر، ثم صعدوا بها في جبل وعر، وأشعلوا فيها النيران، وضجوا بالدعاء والتضرع، فكانوا يرون أن ذلك من أسباب السقيا"، وقال ابن الكلبي: " كانوا يضرمون تفاؤلا للبرق" والمهازيل جمع مهزول، مثل هزيل وجمعه هزلي: وهي التي ضعفت ضعفا شديدا وذهب سمنها. وتبور: تهلك.]] - فغير جائزة القراءة به لمخالفته القراءة الجائية مجيء الحجة، بنقل من لا يجوز - عليه فيما نقلوه مجمعين عليه - الخطأ والسهو والكذب. * * * وأما تأويل: ﴿تشابه علينا﴾ ، فإنه يعني به، التبس علينا. والقَرَأَة مختلفة في تلاوته. [[في المطبوعة: "والقراء"، ورددتها إلى ما جرى عليه لفظ الطبري، كما سلف مرارا.]] فبعضهم كانوا يتلونه:"تشابه علينا"، بتخفيف الشين ونصب الهاء على مثال "تفاعل"، ويُذَكِّر الفعل، وإن كان "البقر" جماعا. لأن من شأن العرب تذكير كل فعل جمع كانت وحدانه بالهاء، وجمعه بطرح الهاء - وتأنيثه، [[وحدان جمع واحد: ويعني أفراده. وقوله"وتأنيثه" معطوف على قوله"تذكير كل فعل".]] كما قال الله تعالى في نظيره في التذكير: ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ﴾ [القمر: ٢٠] ، فذكر"المنقعر" وهو من صفة النخل، لتذكير لفظ"النخل" - وقال في موضع آخر: ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧] ، فأنث"الخاوية" وهي من صفة"النخل" - بمعنى النخل. [[السياق: "فأنث (الخاوية) . . بمعنى النخل"، يعني أنثها من أجل معناه وهو جمع مؤنث، ولم يذكره من أجل لفظه، وهو مذكر.]] لأنها وإن كانت في لفظ الواحد المذكر -على ما وصفنا قبل- فهي جماع"نخلة". * * * وكان بعضهم يتلوه: ﴿إن البقر تشَّابهُ علينا﴾ ، بتشديد الشين وضم الهاء، فيؤنث الفعل بمعنى تأنيث"البقر"، كما قال: ﴿أعجاز نخل خاوية﴾ ، ويدخل في أول"تشابه" تاء تدل على تأنيثها، ثم تدغم التاء الثانية في"شين""تشابه" لتقارب مخرجها ومخرج"الشين" فتصير"شينا" مشددة، وترفع"الهاء" بالاستقبال والسلامة من الجوازم والنواصب. * * * وكان بعضهم يتلوه: ﴿إن البقر تشَّابهُ علينا﴾ ، فيخرج"يشابه" مخرج الخبر عن الذكر، لما ذكرنا من العلة في قراءة من قرأ ذلك: ﴿تشابه﴾ بالتخفيف ونصب"الهاء"، غير أنه كان يرفعه ب"الياء" التي يحدثها في أول"تشابه" التي تأتي بمعنى الاستقبال، وتدغم"التاء" في"الشين" كما فعله القارئ في"تشابه" ب"التاء" والتشديد. * * * قال ابو جعفر: والصواب في ذلك من القراءة عندنا: ﴿إن البقر تَشَابَهَ علينا﴾ ، بتخفيف"شين""تشابه" ونصب"هائه"، بمعنى"تفاعل"، لإجماع الحجة من القراء على تصويب ذلك، ودفعهم ما سواه من القراءات. [[في المطبوعة: "ورفعهم"، والصواب ما أثبته.]] ولا يعترض على الحجة بقول من يَجُوز عليه فيما نقل السهو والغفلة والخطأ. * * * وأما قوله: ﴿وإنا إن شاء الله لمهتدون﴾ ، فإنهم عنوا: وإنا إن شاء الله لمبين لنا ما التبس علينا وتشابه من أمر البقرة التي أمرنا بذبحها. ومعنى"اهتدائهم" في هذا الموضع معنى:"تبينهم" أي ذلك الذي لزمهم ذبحه مما سواه من أجناس البقر. [[يعني أن ذلك من قولهم: هداه، أي بين له، ومنه قوله تعالى: "وأما ثمود فهد يناهم"، أي بينا لهم طريق الهدى.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب