الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ﴾ قال أبو جعفر: ذُكِر أن أحبارَ اليهود والمنافقين كانوا يأمرون الناس بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولا يفعلونه، فأمرهم الله بإقام الصلاة مع المسلمين المصدِّقين بمحمد وبما جاء به، وإيتاء زكاة أموالهم معهم، وأن يخضعوا لله ولرسوله كما خضعوا. ٨٣٩ - كما حُدِّثت عن عمار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة، في قوله:"وأقيموا الصلاةَ وآتُوا الزكاة"، قال: فريضتان واجبتان، فأدُّوهما إلى الله [[الأثر: ٨٣٩- لم أجده في مكان.]] . وقد بينا معنى إقامة الصلاة فيما مضى من كتابنا هذا، فكرهنا إعادته [[انظر ما مضى ص: ٢٤١-٢٤٢.]] . أما إيتاءُ الزكاة، فهو أداء الصدقة المفروضة. وأصل الزَّكاة، نماءُ المال وتثميرُه وزيادتُه. ومن ذلك قيل: زكا الزرع، إذا كثر ما أخرج الله منه. وزَكتِ النَّفقة، إذا كثرتْ. وقيل زكا الفَرْدُ، إذا صارَ زَوْجًا بزيادة الزائد عليه حتى صار به شفْعًا، كما قال الشاعر: كَانُوا خَسًا أو زَكًا مِنْ دُونِ أَرْبَعَةٍ ... لَمْ يُخْلَقُوا، وَجُدُودُ النَّاسِ تَعْتَلجُ [[اللسان (خسا) ، وفيه: "الفراء: العرب تقول للزوج زكا، وللفرد خسا. . . قال، وأنشدتني الدبيرية. . . " وأنشد البيت. وتعتلج: تصطرع ويمارس بعضها بعضا.]] وقال آخر: فَلا خَسًا عَدِيدُهُ وَلا زَكا ... كَمَا شِرَارُ الْبَقْلِ أَطْرَافُ السَّفَا [[لرجل من بني سعد، ثم أحد بني الحارث في عمرو بن كعب بن سعد. وهذا الرجز في خبر للأغلب العجلي، (طبقات فحول الشعراء: ٥٧٢ / ومعجم الشعراء: ٤٩٠ / والأغاني ١٨: ١٦٤) ورواية الطبقات والأغاني: "كما شرار الرعى". والرعى (بكسر فسكون) : الكلأ نفسه، والمرعى أيضًا. والسفا: شوط البهمي والسنبل وكل شيء له شوك. يقول: أنت في قومك كالسفا في البهمي، هو شرها وأخبثها. والبيت الأول زيادة ليست في المراجع المذكورة.]] قال أبو جعفر: السفا شوك البُهْمَى، والبُهْمى الذي يكون مُدَوَّرًا في السُّلاء [[البهمي: من أحرار البقول، (وهي ما رق منها ورطب وأكل غير مطبوخ) ، تنبت كما ينبت الحب، ثم يبلغ بها النبت إلى أن تصير مثل الحب، ترتفع قدر الشبر، ونباتها ألطف من نبات البر، وطعمها طعم الشعير، ويخرج لها إذا يبست شوك مثل شوك السنبل، (وهو السفا) ، وإذا وقع في أنوف الإبل أنفت منه، حتى ينزعه الناس من أفواهها وأنوفها. وفي المطبوعة: "في السلى" بتشديد الياء، وفي المخطوطة"في السلى" بضم السين وتشديد اللام. والصواب ما أثبته، والسلاء جمع سلاءة، وهي شوكة النخلة، وأراد بها سفا البهمي أي شوكها.]] . يعني بقوله:"ولا زكا"، لم يُصَيِّرْهم شَفعًا من وَترٍ، بحدوثه فيهم [[قوله: "بحدوثه فيهم"، أي بوجوده في هؤلاء القوم. والعديد (في الرجز) ، من قولهم فلان عديد بني فلان: أي يعد فيهم وليس منهم: يريد أنه إذا دخل في قوم لم يعد فيهم شيئًا، فإذا كانوا شفعًا، لم يصيرهم دخوله وترًا، وإذا كانوا وترًا لم يصيرهم شفعًا، فهو كلا شيء في العدد. يهجوه ويستسقطه.]] . وإنما قيل للزكاة زكاة، وهي مالٌ يخرجُ من مال، لتثمير الله - بإخراجها مما أخرجت منه - ما بقي عند ربِّ المال من ماله. وقد يحتمل أن تكون سُمِّيت زكاة، لأنها تطهيرٌ لما بقي من مال الرجل، وتخليص له من أن تكون فيه مَظْلمة لأهل السُّهْمان [[السهمان جمع سهم، كالسهام: وهو النصيب والحظ.]] ، كما قال جل ثناؤه مخبرًا عن نبيه موسى صلوات الله عليه: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ [سورة الكهف: ٧٤] ، يعني بريئة من الذنوب طاهرة. وكما يقال للرجل: هو عدل زَكِيٌّ - لذلك المعنى [[في المطبوعة: "بذلك المعنى" وليست بشيء.]] . وهذا الوجه أعجب إليّ - في تأويل زكاة المال - من الوجه الأوّل، وإن كان الأوّل مقبولا في تأويلها. وإيتاؤها: إعطاؤُها أهلها. وأما تأويل الرُّكوع، فهو الخضوع لله بالطاعة. يقال منه: ركع فلانٌ لكذا وكذا، إذا خضع له، ومنه قول الشاعر: بِيعَتْ بِكَسْرٍ لَئِيمٍ وَاسْتَغَاثَ بِهَا ... مِنَ الْهُزَالِ أَبُوهَا بَعْدَ مَا رَكَعَا [[هذا البيت من أبيات لعصام بن عبيد الزماني (من بني زمان بن مالك بن صعب بن علي بن بكر بن وائل) رواها أبو تمام في الوحشيات رقم ١٣٠ (مخطوطة عندي) ، ورواها الجاحظ في الحيوان ٤: ٢٨١، وجاء فيه: "قال الزيادي" وهو تحريف وتصحيف كما ترى. وهذه الأبيات من مناقضة كانت بين الزماني ويحيى بن أبي حفصة. وذلك أن يحيى تزوج بنت طلبة بن قيس بن عاصم المنقري فهاجاه عصام الزماني وقال: أَرَى حَجْرًا تغيَّر واقشعرَّا ... وبُدِّل بعد حُلْو العيش مُرًّا فأجابه يحيى بأبيات منها: ألا مَنْ مُبلغٌ عنِّى عِصَامًا ... بأَنِّي سَوْفَ أَنْقُضُ مَا أَمرَّا هكذا روى المرزباني في معجم الشعراء: ٢٧٠، وروى أبو الفرج في أغانيه ١٠: ٧٥ أن يحيى خطب إلى مقاتل بن طلبة المنقري ابنته وأختيه، فأنعم له بذلك. فبعث يحيى إلى بنيه سليمان وعمر وجميل، فأتوه فزوجهن بنيه الثلاثة، ودخلوا بهن ثم حملوهن إلى حجر، (وهو مكان) . وأبيات عصام الزماني، ونقيضتها التي ناقضه بها يحيى، من جيد الشعر، فاقرأها في الوحشيات، والحيوان، والشعر والشعراء: ٧٤٠، ورواية الحيوان والوحشيات "بِيعَتْ بوَكْسٍ قَليلٍ واسْتَقَلَّ بِهَا" الوكس: اتضاع الثمن في البيع. وفي المخطوطة والمطبوعة"بكسر لئيم"، وهو تحريف لا معنى له، وأظن الصواب ما أثبت اجتهادًا. والكسر: أخس القليل. وقوله: "بيعت" الضمير لابنة مقاتل بن طلبة المنقري التي تزوجها يحيى أو أحد بنيه. يقول: باعها أبوها بثمن بخس دنئ خسيس، فزوجها مستغيثًا ببيعها مما نزل به من الجهد والفاقة، فزوجها هذا الغنى اللئيم الدنيء، ليستعين بمهرها.]] يعني: بعد مَا خضَع من شِدَّة الجهْد والحاجة. قال أبو جعفر: وهذا أمرٌ من الله جل ثناؤه - لمن ذكر من أحبار بني إسرائيل ومنافقيها - بالإنابة والتوبة إليه، وبإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والدخولِ مع المسلمين في الإسلام، والخضوع له بالطاعة؛ ونهيٌ منه لهم عن كتمان ما قد علموه من نبوة محمد ﷺ، بعد تظاهر حججه عليهم، بما قد وصفنا قبل فيما مضى من كتابنا هذا، وبعد الإعذار إليهم والإنذارِ، وبعد تذكيرهم نعمه إليهم وإلى أسلافهم تعطُّفًا منه بذلك عليهم، وإبلاغًا في المعذرة [[في المطبوعة: "وإبلاغا إليهم. . . " بالزيادة.]] . * * * بسم الله الرحمن الرحيم
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب