الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠) ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل وعز بذلك: وأن تتصدقوا برؤوس أموالكم على هذا المعسر، ="خير لكم" أيها القوم من أن تنظروه إلى ميسرته، لتقبضوا رؤوس أموالكم منه إذا أيسر ="إن كنتم تعلمون" موضع الفضل في الصدقة، وما أوجب الله من الثواب لمن وضع عن غريمه المعسر دينه. * * * واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معنى ذلك:"وأن تصدقوا" برؤوس أموالكم على الغني والفقير منهم ="خير لكم". * ذكر من قال ذلك: ٦٢٩٧ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم"، والمال الذي لهم على ظهور الرجال جعل لهم رؤوس أموالهم حين نزلت هذه الآية. فأما الربح والفضل فليس لهم، ولا ينبغي لهم أن يأخذوا منه شيئا ="وأن تصدقوا خير لكم"، يقول: أن تصدقوا بأصل المال، خير لكم. [[الأثر: ٦٢٩٧- سلف برقم: ٦٢٦٨. وانظر التعليق هناك.]] ٦٢٩٨ - حدثني يعقوب قال حدثنا ابن علية، عن سعيد، عن قتادة: "وأن تصدقوا"، أي برأس المال، فهو خير لكم. ٦٢٩٩ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم: ﴿وأن تصدقوا خير لكم﴾ قال: من رؤوس أموالكم. ٦٣٠٠ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم بمثله. ٦٣٠١- حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم:"وأن تصدقوا خير لكم"، قال: أن تصدقوا برؤوس أموالكم. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: وأن تصدقوا به على المعسر، خير لكم - نحو ما قلنا في ذلك. * ذكر من قال ذلك: ٦٣٠٢ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وأن تصدقوا خير لكم"، قال: وأن تصدقوا برؤوس أموالكم على الفقير، فهو خير لكم، فتصدق به العباس. ٦٣٠٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ ، يقول: وإن تصدقت عليه برأس مالك فهو خير لك. ٦٣٠٤ - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ، قال أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك في قوله: ﴿وأن تصدقوا خير لكم﴾ ، يعني: على المعسر، فأما الموسر فلا ولكن يؤخذ منه رأس المال، والمعسر الأخذ منه حلال والصدقة عليه أفضل. ٦٣٠٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: وأن تصدقوا برؤوس أموالكم، خير لكم من نظرة إلى ميسرة. فاختار الله عز وجل الصدقة على النظارة. [[النظارة (بكسر النون) : الإنظار وهو الإمهال. وهو مصدر لم أجده في كتب اللغة، ولكنه عريق في عربيته. كالنذارة، من الإنذار، وهو عزيز، ولكنه عربي البناء والقياس.]] ٦٣٠٦ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم"، قال: من النظرة ="إن كنتم تعلمون". ٦٣٠٧- حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: ﴿فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم﴾ ، والنظرة واجبة، وخير الله عز وجل الصدقة على النظرة، [[يقال: "اخترت فلانا على فلان" بمعنى: فضلت فلانا على فلان، ولذلك عدى بعلى. ومثله"خير فلانا على فلان"، أي فضله عليه. وقد جاء في الأثر: "خير بين دور الأنصار"، أي فضل بعضها على بعض. وقلما تجد هذا التعبير.]] والصدقة لكل معسر، فأما الموسر فلا. * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب تأويل من قال: معناه:"وأن تصدقوا على المعسر برءوس أموالكم خير لكم" لأنه يلي ذكر حكمه في المعنيين. وإلحاقه بالذي يليه، أحب إلي من إلحاقه بالذي بعد منه. * * * قال أبو جعفر: وقد قيل إن هذه الآيات في أحكام الربا، هن آخر آيات نزلت من القرآن. * ذكر من قال ذلك: ٦٣٠٨ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد = وحدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد، = عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب قال: كان آخر ما نزل من القرآن آية الربا، وإن نبي الله ﷺ قبض قبل أن يفسرها، فدعوا الربا والريبة. [[الحديث: ٦٣٠٨- سعيد: هو ابن أبي عروبة. والحديث رواه أحمد في المسند: ٢٤٦، عن يحيى، وهو القطان. و: ٣٥٠، عن ابن علية - كلاهما عن ابن أبي عروبة. بهذا الإسناد. ورواه ابن ماجه: ٢٢٧٦، من طريق خالد بن الحارث، عن سعيد، وهو ابن أبي عروبة، به. وذكره ابن كثير ٢: ٥٨، عن الموضع الأول من المسند. وذكره السيوطي في الدر المنثور ١: ٣٦٥، وزاد نسبته لابن الضريس، وابن المنذر. وأشار إليه في الإتقان ١: ٣٣، موجزا، منسوبا لأحمد وابن ماجه فقط. وهذا الحديث - على جلالة رواته وثقتهم - ضعيف الإسناد، لانقطاعه. فإن سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر، كما بينا في شرح المسند: ١٠٩، وانظر كتاب المراسيل لابن أبي حاتم، ص: ٢٦-٢٧.]] ٦٠٣٩- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا داود، عن عامر: أن عمر رضي الله عنه قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:"أما بعد، فإنه والله ما أدري لعلنا نأمركم بأمر لا يصلح لكم، وما أدري لعلنا ننهاكم عن أمر يصلح لكم، وإنه كان من آخر القرآن تنزيلا آيات الربا، فتوفي رسول الله ﷺ قبل أن يبينه لنا، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم". [[الحديث: ٦٣٠٩- داود: هو ابن أبي هند. عامر: هو الشعبي. وهذا الإسناد ضعيف أيضًا، فإن الشعبي لم يدرك عمر، كما قلنا فيما مضى: ١٦٠٨، نقلا عن ابن كثير. وذكره الحافظ في الفتح ٨: ١٥٣، منسوبا للطبري، وقال: "وهو منقطع، فإن الشعبي لم يدرك عمر". وذكر ابن كثير ٢: ٥٨، نحو معناه، قال: "رواه ابن ماجه وابن مردويه، من طريق هياج ابن بسطام، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: خطبنا عمر. . . " إلخ. وهياج بن بسطام الهروي: اختلفوا فيه جدا، فضعفه أحمد، وابن معين، وابن أبي حاتم، وغيرهم. وقال المكي بن إبراهيم - شيخ البخاري: "ما علمنا الهياج إلا ثقة صادقا عالما". ووثقه محمد ابن يحيى الذهلي. وقد أنكروا عليه أحاديث، ثم ظهر أن الحمل فيها على ابنه خالد الذي رواها عنه. والراجح عندنا هذا، فإن البخاري ترجمه في الكبير ٤/٢/٢٤٢، فلم يذكر فيه جرحا. وكأنه ذهب فيه إلى ما اختاره شيخاه: المكي بن إبراهيم، ومحمد بن يحيى الذهلي. وابن كثير لم يبين من رواه عن الهياج. ثم لم أعرف موضعه في ابن ماجه، وليس عندي كتاب ابن مردويه. ولكني وجدت له إسنادا إلى الهياج. فرواه الخطيب في ترجمته في تاريخ بغداد ١٤: ٨٠-٨١، من طريق محمد بن بكار بن الريان، -وهو ثقة- عن الهياج، بهذا الإسناد. فعن هذا ظهر أن إسناده صحيح، والحمد لله.]] ٦٣١٠ - حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال، حدثنا قبيصة قال، حدثنا سفيان الثوري، عن عاصم الأحول، عن الشعبي، عن ابن عباس قال: آخر ما أنزل على رسول الله ﷺ آية الربا، وإنا لنأمر بالشيء لا ندري لعل به بأسا، وننهى عن الشيء لعله ليس به بأس. [[الحديث: ٦٣١٠- أبو زيد عمر بن شبة - بفتح الشين المعجمة وتشديد الباء الموحدة - النميري النحوي: ثقة صاحب عربية وأدب. قال الخطيب: "كان ثقة عالما بالسير وأيام الناس". مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣/١/١١٦، وتاريخ بغداد ١١: ٢٠٨-٢١٠. قبيصة: هو ابن عقبة. مضت ترجمته في: ٤٨٩، ٢٧٩٢. وهذا الحديث من روايته عن سفيان الثوري. وقد بينا هناك أن روايته عنه صحيحة، خلافا لمن تكلم فيها. عاصم الأحول: هو عاصم بن سليمان. وقد مضى مرارا. ووقع في المطبوعة هنا"عاصم عن الأحول". وهو خطأ مطبعي. وثبت على الصواب في المخطوطة. وهذا الحديث رواه البخاري في الصحيح ٨: ١٥٣ (فتح) ، عن قبيصة، بهذا الإسناد. ولكنه اقتصر على أوله، إلى قوله"آية الربا" لأن الباقي موقوف من كلام ابن عباس. وذكر السيوطي ١: ٣٦٥ رواية البخاري، وزاد نسبتها لأبي عبيد، والبيهقي في الدلائل. وقال الحافظ في الفتح: "المراد بالآخرية في الربا: تأخر نزول الآيات المتعلقة به من سورة البقرة. وأما حكم تحريم الربا فنزوله سابق لذلك بمدة طويلة، على ما يدل عليه قوله تعالى في آل عمران، في أثناء قصة أحد: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) الآية".]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب