الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا﴾ قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره:"الشيطان يعدكم"، أيها الناس- بالصدقة وأدائكم الزكاة الواجبة عليكم في أموالكم [[قوله: "بالصدقة ... "، أي بسبب الصدقة، وهي جملة فاصلة، والسياق"يعدكم ... أن تفتقروا"، كما هو بين.]] - أن تفتقروا="ويأمركم بالفحشاء"، يعني: ويأمركم بمعاصي الله عز وجل، وترك طاعته= [[انظر ما سلف في تفسير"الفحشاء" ٣: ٣٠٢.]] "والله يعدكم مغفرة منه" [[انظر تفسير"المغفرة"، فيما سلف من فهارس اللغة.]] يعني أن الله عز وجل يعدكم أيها المؤمنون، أن يستر عليكم فحشاءكم، بصفحه لكم عن عقوبتكم عليها، فيغفر لكم ذنوبكم بالصدقة التي تتصدقون="وفضلا" يعني: ويعدكم أن يخلف عليكم من صدقتكم، فيتفضل عليكم من عطاياه ويسبغ عليكم في أرزاقكم. [[انظر تفسير"الفضل" فيما سلف ٢: ٣٤٤ /ثم ٥: ١٦٤.]] . كما:- ٦١٦٨ - حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: اثنان من الله، واثنان من الشيطان:"الشيطان يعدكم الفقر"، يقول: لا تنفق مالك، وأمسكه عليك، فإنك تحتاج إليه= ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه"، على هذه المعاصي="وفضلا" في الرزق. ٦١٦٩ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا"، يقول: مغفرة لفحشائكم، وفضلا لفقركم. ٦١٧٠ - حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن مرة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: إن للشيطان لمة من ابن آدم، وللملك لمة: فأما لمة الشيطان، فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق. وأما لمة الملك، فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق. فمن وجد ذلك، فليعلم أنه من الله وليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان، ثم قرأ:"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء". [[الحديث: ٦١٧٠ -أبو الأحوص: هو سلام بن سليم الكوفي الحافظ. سبق توثيقه: ٢٠١٥٨. عطاء بن السائب: مضى في: ١٥٨، ٤٤٣٣ أنه تغير في آخر عمره، وأن من سمع منه قديما فحديثه صحيح. والظاهر من مجموع كلامهم أن اختلاطه كان حين قدم البصرة. قال أبو حاتم: "في حديث البصريين عنه تخاليط كثيرة، لأنه قدم عليهم في آخر عمره". وعطاء كوفي، والراوي عنه هنا أبو الأحوص كوفي أيضًا. فالظاهر أنه سمع منه قبل الاختلاط. مرة: هو مرة الطيب، وهو ابن شراحيل الهمداني الكوفي. مضت ترجمته: ٢٥٢١. عبد الله: هو ابن مسعود. والحديث رواه الترمذي ٤: ٧٧ -٧٨، عن هناد -وهو ابن السري، شيخ الطبري هنا -بهذا الإسناد. وقال: "هذا حديث حسن غريب [وفي بعض نسخه: حسن صحيح غريب] . وهو حديث أبي الأحوص. لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث أبي الأحوص". وذكره ابن كثير ٢: ٤٤، من رواية ابن أبي حاتم، عن أبي زرعة، عن هناد. ووقع في إسناده هناك تخليط من الناسخين. ثم أشار إلى بعض رواياته مرفوعا وموقوفا. وذكر ابن كثير أنه رواه أيضًا النسائي في كتاب التفسير من سننه، عن هناد بن السري. وأنه رواه ابن حبان في صحيحه، عن أبي يعلي الموصلي، عن هناد. وكتاب التفسير في النسائي إنما هو في السنن الكبرى. وذكره السيوطي ١: ٣٤٨، وزاد نسبته لابن المنذر، والبيهقي في الشعب. وسيأتي بنحوه، موقونا على ابن مسعود: ٦١٧١، ٦١٧٢، ٦١٧٤، ٦١٧٦، من رواية عطاء، عن مرة، عن مسعود. ويأتي موقونا أيضًا: ٦١٧٣، من رواية الزهري، عن عبيد الله، عن ابن مسعود. و: ٦١٧٥، من رواية المسيب بن رافع، عن عامر بن عبدة، عن ابن مسعود. وكأن الترمذي -وتبعه ابن كثير -يريدان الإشارة إلى تعليل هذا الإسناد المرفوع، برواية الحديث موقوفا. ولكن هذه علة غير قادحة بعد صحة الإسناد. فإن الرفع زيادة من ثقة، فهي مقبولة. وأيضًا: فإن هذا الحديث مما يعلم بالرأي، ولا يدخله القياس، فلا يعلم إلا بالوحي من المعصوم ﷺ. فالروايات الموقوفة لفظا، هي مرفوعة حكما.]] ٦١٧١ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الحكم بن بشير بن سليمان، قال: حدثنا عمرو، عن عطاء بن السائب، عن مرة، عن عبد الله، قال: إن للإنسان من الملك لمة، ومن الشيطان لمة. فاللمة من الملك إيعاد بالخير، وتصديق بالحق، واللمة من الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق. وتلا عبد الله:"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا"= قال عمرو: وسمعنا في هذا الحديث أنه كان يقال: إذا أحس أحدكم من لمة الملك شيئا فليحمد الله، وليسأله من فضله، وإذا أحس من لمة الشيطان شيئا، فليستغفر الله وليتعوذ من الشيطان. [[الحديث: ٦١٧١ -الحكم بن بشير بن سلمان: مضت ترجمته في: ١٤٩٧. ووقع اسم جده في المطبوعة هنا"سليمان"، وهو خطأ. عمرو: هو ابن قيس الملائي. مضت ترجمته في: ٨٨٦. والحديث في معنى ما قبله. وهو هنا موقوف لفظا، ولكنه مرفوع حكما، كما ذكرنا. ولكن قول عمرو بن قيس في آخره: "وسمعنا في هذا الحديث أنه كان يقال ... " -يكون بلاغا منقطعا في هذا الإسناد، وأن كان صحيحا في ذاته بالأسانيد الأخر.]] . ٦١٧٢ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن أبي الأحوص= أو عن مرة= قال: قال عبد الله: ألا إن للملك لمة وللشيطان لمة. فلمة الملك: إيعاد بالخير وتصديق بالحق، ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وذلكم بأن الله يقول: [[في المطبوعة: "وذلكم بأن الله ... " بزيادة واو، وأثبت ما في المخطوطة.]] . "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم"، فإذا وجدتم من هذه شيئا فاحمدوا الله عليه، وإذا وجدتم من هذه شيئا فتعوذوا بالله من الشيطان. [[الحديث: ٦١٧٢ -أبو الأحوص -شيخ عطاء بن السائب: هو عوف بن مالك ابن نضلة، وهو تابعي ثقة معروف، وثقه ابن معين وغيره. وتردد عطاء بن السائب في أنه عن"أبي الأحوص" هذا، أو عن"مرة الطيب" -لا يؤثر في صحة الحديث، فأنه انتقال من ثقة إلى ثقة. ولعله مما أخطأ فيه عطاء، لأن ابن علية بصري، فيكون ممن سمع منه بعد تغيره. وقد نص على ذلك الدار قطي، كما في ترجمة عطاء في التهذيب. ولكن ذكر ابن كثير ٢: ٤٤ أنه رواه"مسعر، عن عطاء بن السائب، عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة، عن ابن مسعود. فجعله من قوله. فهذا يثبت حفظ رواية عطاء إياه عن أبي الأحوص أيضًا. لأن مسعر بن كدام كوفي قديم، من طبقة شعبة والثوري، فهو ممن سمع من عطاء قبل تغيره. ولم يشر ابن كثير إلى شيء من الروايات الموقوفة لهذا الحديث، إلا إلى رواية مسعر وحده. والروايات الموقوفة بين يديه في الطبري ستة كما ترى.]] . ٦١٧٣ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود في قوله:"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء"، قال: إن للملك لمة، وللشيطان لمة. فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجدها فليحمد الله؛ ولمة الشيطان: إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، فمن وجدها فليستعذ بالله. [[الحديث: ٦١٧٣ -وهذا إسناد صحيح آخر للحديث، من وجه آخر، يؤيد رواية عطاء بن السائب. وهو وإن كان موقوفا لفظا فهو مرفوع حكما، كما قلنا من قبل.]] . ٦١٧٤ - حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا حجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، عن مرة الهمداني أن ابن مسعود قال: إن للملك لمة، وللشيطان لمة. فلمة الملك: إيعاده بالخير وتصديق بالحق، ولمة الشيطان: إيعاد بالشر وتكذيب بالحق. [[في المطبوعة: "إيعاد بالخير ... إيعاد بالشر" بغير إضافتها إلى الضمير. وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب. وصواب أيضًا يقرآا جميعا"ايعادةٌ"، على معنى المرة من"الإيعاد".]] فمن أحس من لمة الملك شيئا فليحمد الله عليه، ومن أحس من لمة الشيطان شيئا فليتعوذ بالله منه. ثم تلا هذه الآية:"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم". [[الحديث: ٦١٧٤ -وهذا إسناد صحيح. لأن حماد بن سلمة سمع من عطاء قبل تغيره، كما نص عليه يعقوب بن سفيان وابن الجارود، في نقل التهذيب عنهما ٧: ٢٠٧.]] . ٦١٧٥ - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن فطر، عن المسيب بن رافع، عن عامر بن عبدة، عن عبد الله، بنحوه. [[الحديث: ٦١٧٥ -فطر -بكسر الفاء وسكون الطاء المهملة وآخره راء: هو ابن خليفة الكوفي، وهو ثقة، وثقه أحمد، وابن معين، وغيرهما. المسيب بن رافع الكاهلي الكوفي: تابعي ثقة، مضى في: ١٢٨. عامر بن عبدة -بفتح العين المهملة والباء الموحدة -البجلي، أبو إياس الكوفي: تابعي ثقة، والكني للدولابي ١: ١١٥، والمشتبه للذهبي، ص: ٣٣٩. وهذا إسناد ثالث للحديث صحيح، من وجه آخر، يؤيد روايات عطاء عن مرة، وأبي الأحوص عن ابن مسعود، ورواية الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود.]] . ٦١٧٦ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن مرة بن شراحيل، عن عبد الله بن مسعود، قال: إن للشيطان لمة، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فتكذيب بالحق وإيعاد بالشر، وأما لمة الملك: فإيعاد بالخير وتصديق بالحق. فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله عليه. ومن وجد الأخرى فليستعذ من الشيطان. ثم قرأ:"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا". [[الحديث: ٦١٧٦ -وهذا إسناد حسن، لأن سماع جرير -وهو ابن عبد الحميد الضبي -من عطاء كان بعد تغيره ولكنه يرتفع إلى درجة الصحة بالمتابعات السابقة الصحيحة.]] . * * * القول في تأويل قوله: ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨) ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره:"والله واسع" الفضل الذي يعدكم أن يعطيكموه من فضله وسعة خزائنه= [[انظر تفسير"واسع عليم"فيما سلف ٢: ٥٣٧ /ثم ٥: ٥١٦.]] "عليم" بنفقاتكم وصدقاتكم التي تنفقون وتصدقون بها، يحصيها لكم حتى يجازيكم بها عند مقدمكم عليه في آخرتكم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب