الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤) ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك:"وقاتلوا"، أيها المؤمنون="في سبيل الله"، يعني: في دينه الذي هداكم له، [[انظر ما سلف في تفسير: "سبيل الله" ٣: ٥٨٣، ٥٩٢، والمراجع هناك.]] لا في طاعة الشيطان= أعداء دينكم، [["أعداء. . . " مفعول"قاتلوا"، والسياق: "قاتلوا أيها المؤمنون. . . أعداء دينكم".]] الصادين عن سبيل ربكم، ولا تحتموا عن قتالهم عند لقائهم، ولا تجبنوا عن حربهم، [[في المخطوطة"ولا تحموا عن قتاله عند لقائهم، ولا تحبوا عن حربهم" غير منقوطة، بإفراد ضمير"قتاله"، فغيرها مصححوا المطبوعة، إذ لم يحسنوا قراءتها فجعلوها: "ولا تجبنوا عن لقائهم، ولا تقعدوا عن حربهم" غيروا وبدلوا واسقطوا وفعلوا ما شاءوا!! . وقوله: "ولا تحتموا عن قتالهم" من قولهم: احتميت من كذا وتحاميته: إذا اتقيته وامتنعت منه. و"من" و"عن" في هذا الموضع سواء.]] فإن بيدي حياتكم وموتكم. ولا يمنعن أحدكم من لقائهم وقتالهم حذر الموت وخوف المنية على نفسه بقتالهم، فيدعوه ذلك إلى التعريد عنهم والفرار منهم، [[في المطبوعة: "فيدعوه ذلك إلى التفريد"، وهو خطأ، وزاده خطأ بعض من علق على التفسير، بشرح هذا اللفظ المنكر. والتعريد: الفرار وسرعة الذهاب في الهزيمة. يقال: "عرد الرجل عن قوله"، إذا أحجم عنه ونكل وفر.]] فتذلوا، ويأتيكم الموت الذي خفتموه في مأمنكم الذي وألتم إليه، [[وأل إلى المكان يئل، وؤولا ووئيلا ووألا: لجأ إليه طلب النجاة. والموئل: الملجأ.]] كما أتى الذين خرجوا من ديارهم فرارا من الموت، الذين قصصت عليكم قصتهم، فلم ينجهم فرارهم منه من نزوله بهم حين جاءهم أمري، وحل بهم قضائي، ولا ضر المتخلفين وراءهم ما كانوا لم يحذروه، إذ دافعت عنهم مناياهم، وصرفتها عن حوبائهم، [[الحوباء: النفس، أو ورع القلب.]] فقاتلوا في سبيل الله من أمرتكم بقتاله من أعدائي وأعداء ديني، فإن من حيي منكم فأنا أحييه، [[في المطبوعة: "فأنا أحيحه"، وأثبت ما في المخطوطة.]] ومن قتل منكم فبقضائي كان قتله. ثم قال تعالى ذكره لهم: واعلموا، أيها المؤمنون، أن ربكم"سميع" لقول من يقول من منافقيكم لمن قتل منكم في سبيلي: لو أطاعونا فجلسوا في منازلهم ما قتلوا="عليم" بما تجنه صدورهم من النفاق والكفر وقلة الشكر لنعمتي عليهم، [[في المطبوعة: "بما تخفيه صدورهم"، وأثبت ما في المخطوطة. وأجن الشيء: ستره وكتمه وأخفاه.]] وآلائي لديهم في أنفسهم وأهليهم، ولغير ذلك من أمورهم وأمور عبادي. يقول تعالى ذكره لعباده المؤمنين: فاشكروني أنتم بطاعتي فيما أمرتكم من جهاد عدوكم في سبيلي، وغير ذلك من أمري ونهيي، إذ كفر هؤلاء نعمي. واعلموا أن الله سميع لقولهم، وعليم بهم وبغيرهم وبما هم عليه مقيمون من الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، محيط بذلك كله، حتى أجازي كلا بعمله، إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا. * * * قال أبو جعفر: ولا وجه لقول من زعم أن قوله:"وقاتلوا في سبيل الله"، أمر من الله الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف بالقتال، بعد ما أحياهم. لأن قوله:"وقاتلوا في سبيل الله"، لا يخلو- إن كان الأمر على ما تأولوه- من أحد أمور ثلاثة: = إما أن يكون عطفا على قوله:"فقال لهم الله موتوا"، وذلك من المحال أن يميتهم، ويأمرهم وهم موتى بالقتال في سبيله. = أو يكون عطفا على قوله:"ثم أحياهم"، وذلك أيضا مما لا معنى له. لأن قوله:"وقاتلوا في سبيل الله"، أمر من الله بالقتال، وقوله:"ثم أحياهم"، خبر عن فعل قد مضى. وغير فصيح العطف بخبر مستقبل على خبر ماض، لو كانا جميعا خبرين، لاختلاف معنييهما. فكيف عطف الأمر على خبر ماض؟ = أو يكون معناه: ثم أحياهم وقال لهم: قاتلوا في سبيل الله، ثم أسقط"القول"، كما قال تعالى ذكره: ﴿إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا﴾ [سورة السجدة: ١٢] ، بمعنى يقولون: ربنا أبصرنا وسمعنا. وذلك أيضا إنما يجوز في الموضع الذي يدل ظاهر الكلام على حاجته إليه، ويفهم السامع أنه مراد به الكلام وإن لم يذكر. فأما في الأماكن التي لا دلالة على حاجة الكلام إليه، فلا وجه لدعوى مدع أنه مراد فيها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب