الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولا جناح عليكم، أيها الرجال، فيما عرضتم به من خطبة النساء، للنساء المعتدات من وفاة أزواجهن في عددهن، ولم تصرحوا بعقد نكاح. والتعريض الذي أبيح في ذلك، هو ما: - ٥٠٩٨- حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس قوله:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: التعريض أن يقول:"إني أريد التزويج"، و"إني لأحب امرأة من أمرها وأمرها"، يعرض لها بالقول بالمعروف. ٥٠٩٩- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس:"لا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال:"إني أريد أن أتزوج". ٥١٠٠- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد: عن ابن عباس قال: التعريض ما لم ينصب للخطبة، [[نصب الشيء ينصب نصبا: إذا قصده وتجرد له.]] = قال مجاهد: قال رجل لامرأة في جنازة زوجها: لا تسبقيني بنفسك! قالت: قد سبقت! ٥١٠١- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: في هذه الآية:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: التعريض، ما لم ينصب للخطبة. ٥١٠٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس:"فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: التعريض أن يقول للمرأة في عدتها:"إني لا أريد أن أتزوج غيرك إن شاء الله"، و"لوددت أني وجدت امرأة صالحة"، ولا ينصب لها ما دامت في عدتها. ٥١٠٣- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، يقول: يعرض لها في عدتها، يقول لها:"إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك، ولوددت أن الله قد هيأ بيني وبينك"، ونحو هذا من الكلام، فلا حرج. ٥١٠٤- حدثني المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: هو أن يقول لها في عدتها:"إني أريد التزويج، ووددت أن الله رزقني امرأة"، ونحو هذا، ولا ينصب للخطبة. ٥١٠٥- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد، عن عبيدة في هذه الآية، قال: يذكرها إلى وليها، يقول:"لا تسبقني بها". ٥١٠٦- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد في قوله:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: يقول:"إنك لجميلة، وإنك لنافقة، وإنك إلى خير". ٥١٠٧- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد أنه كره أن يقول:"لا تسبقيني بنفسك". ٥١٠٨- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قل: هو قول الرجل للمرأة:"إنك لجميلة، وإنك لنافقة، وإنك إلى خير". ٥١٠٩- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: يعرض للمرأة في عدتها فيقول: والله إنك لجميلة، وإن النساء لمن حاجتي، وإنك إلى خير إن شاء الله". ٥١١٠- حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير قال: هو قول الرجل:"إني أريد أن أتزوج، وإني إن تزوجت أحسنت إلى امرأتي"، هذا التعريض. ٥١١١- حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير في قوله:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: يقول:"لأعطينك، لأحسنن إليك، لأفعلن بك كذا وكذا. [[في المخطوطة والمطبوعة"لأحسن إليك"، والصواب ما أثبت.]] ٥٠١٢- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، سمعت يحيى بن سعيد قال، أخبرني عبد الرحمن بن القاسم في قوله:"فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: قول الرجل للمرأة في عدتها يعرض بالخطبة:"والله إني فيك لراغب، وإني عليك لحريص"، ونحو هذا. ٥١١٣- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال، سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم: أنه سمع القاسم بن محمد يقول:"فيما عرضتم به من خطبة النساء"، هو قول الرجل للمرأة:"إنك لجميلة، وإنك لنافقة، وإنك إلى خير". ٥١١٤- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: كيف يقول الخاطب؟ قال: يعرض تعريضا، ولا يبوح بشيء. يقول:"إن إلي حاجة، وأبشري، وأنت بحمد الله نافقة"، ولا يبوح بشيء. قال عطاء: وتقول هي:"قد أسمع ما تقول"، ولا تعده شيئا، ولا تقول:"لعل ذاك". ٥١١٥- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن سعيد قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم: أنه سمع القاسم يقول في المرأة يتوفى عنها زوجها، والرجل يريد خطبتها ويريد كلامها، ما الذي يجمل به من القول؟ قال يقول:"إني فيك لراغب، وإني عليك لحريص، وإني بك لمعجب"، وأشباه هذا من القول. ٥١١٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم في قوله:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: لا بأس بالهدية في تعريض النكاح. ٥١١٧- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة قال: كان إبراهيم لا يرى بأسا أن يهدى لها في العدة، إذا كانت من شأنه. [[قوله: "من شأنه"، أي من حاجته وإرادته وقصده. يقال: شأن شأنه، أي قصد قصده.]] ٥١١٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر في قوله:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال يقول:"إنك لنافقة، وإنك لمعجبة، وإنك لجميلة" [[في المخطوطة: "وإنك لمعجبة، لجميلة"، وهما سواء.]] وإن قضى الله شيئا كان". ٥١١٩- حدثنا عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه قوله:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: كان إبراهيم النخعي يقول:"إنك لمعجبة، وإني فيك لراغب". ٥١٢٠- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، وأخبرني - يعني شبيبا- عن سعيد، عن شعبة، عن منصور، عن الشعبي أنه قال في هذه الآية:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: لا تأخذ ميثاقها ألا تنكح غيرك. [[في المطبوعة: "لا يأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيره"، وأثبت ما في المخطوطة.]] ٥١٢١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: كان أبي يقول: كل شيء كان، دون أن يعزما عقدة النكاح، فهو كما قال الله تعالى ذكره:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء". ٥١٢٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران= وحدثني علي قال حدثنا زيد =جميعا، عن سفيان قوله:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، والتعريض فيما سمعنا أن يقول الرجل وهي في عدتها:"إنك لجميلة، إنك إلى خير، إنك لنافقة، إنك لتعجبيني"، ونحو هذا، فهذا التعريض. ٥١٢٣- حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الرحمن بن سليمان، عن خالته سكينة ابنة حنظلة بن عبد الله بن حنظلة قالت: دخل علي أبو جعفر محمد بن علي وأنا في عدتي، فقال: يا ابنة حنظلة، أنا من علمت قرابتي من رسول الله ﷺ، وحق جدي علي، وقدمي في الإسلام. فقلت: غفر الله لك يا أبا جعفر، أتخطبني في عدتي، وأنت يؤخذ عنك! فقال: أو قد فعلت! إنما أخبرك بقرابتي من رسول الله ﷺ وموضعي! قد دخل رسول الله ﷺ على أم سلمة، وكانت عتد ابن عمها أبي سلمة، فتوفي عنها، فلم يزل رسول الله ﷺ يذكر لها منزلته من الله وهو متحامل على يده، حتى أثر الحصير في يده من شده تحامله على يده، فما كانت تلك خطبة. [[الأثر: ٥١٢٣- عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة بن أبي عامر الراهب" يعرف بابن الغسيل، وهو جد أبيه، حنظلة الذي غسلته الملائكة يوم أحد. وقال ابن معين: "ليس به بأس"، كان يخطئ ويهم، قال أحمد: صالح. مات سنة ١٧١. مترجم في التهذيب. و"أبو جعفر محمد بن علي" هو محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابنه جعفر الصادق، وكان من فقهاء المدينة، وسيد بني هاشم في زمانه، جمع العلم والفقه والشرف والديانة والثقة والسؤدد وكان يصلح للخلافة، وهو أحد الاثنى عشر الذين تعتقد الرافضة عصمتهم - ولا عصمة إلا لنبي! توفى سنة ١١٤. مترجم في التهذيب، وتاريخ الإسلام للذهبي ٤: ٢٩٩. ولم أجد هذا الخبر إلا في البغوي بهامش تفسير ابن كثير ١: ٥٦٧.]] ٥١٢٤- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: لا جناح على من عرض لهن بالخطبة قبل أن يحللن، إذا كنوا في أنفسهن من ذلك. [[كن الشيء في صدره وأكنه واكتنه: أخفاه وستره.]] ٥١٢٥- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أييه أنه كان يقول في قول الله تعالى ذكره:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء": أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدة من وفاه زوجها:"إنك علي لكريمة، وإني فيك لراغب، وإن الله سائق إليك خيرا ورزقا"، ونحو هذا من الكلام. * * * قال أبو جعفر: واختلف أهل العربية في معنى"الخطبة". فقال بعضهم:"الخطبة" الذكر، و"الخطبة": التشهد. [[هذا قول الأخفش، وانظر تفسير البغوي ١: ٥٦٧.]] وكأن قائل هذا القول، تأول الكلام: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من ذكر النساء عندهن. [[في المخطوطة والمطبوعة: "عندهم" وهو لا يستقيم، والصواب ما أثبت، وانظر أيضًا تفسير البغوي ١: ٥٦٧.]] وقد زعم صاحب هذا القول أنه قال:"لا تواعدوهن سرا"، لأنه لما قال:"ولا جناح عليكم"، كأنه قال: اذكروهن، ولكن لا تواعدوهن سرا. * * * وقال آخرون منهم:"خطبه، خطبة وخطبا". [[في المطبوعة: "وقال آخرون منهم: الخطبة أخطب خطبه وخطبا"، وهو كلام فاسد التركيب، فيه زيادة من ناسخ. وفي المخطوطة: "وقال آخرون منهم: "الخطبة وخطبه وخطبا"، وهو فاسد أيضًا، والصواب ما أثبت. فإن يكن في كلام الطبري نقص أو خرم، فهو تفسير هذه الكلمة، وقد أبان عنها صاحب أساس البلاغة فقال: "فلان يخطب عمل كذا: يطلبه. وقد أخطبك الصيد فارمه - أي أكثبك وأمكنك. وأخطبك الأمر، وهو أمر مخطب: ومعناه: أطلبك- من"طلبت إليه حاجة فأطلبني". وما خطبك: ما شأنك الذي تخطبه. ومنه: هذا خطب يسير، وخطب جليل. وهو يقاسي خطوب الدهر". فقد أبان ما نقلته عن الزمخشري أنه أراد أن يقول: خطب الأمر يخطبه خطبة وخطبا، أي طلبه. ولم يستوف أبو جعفر تفسير هذه الكلمة في"سورة طه" الآية: ٩٥، فأثبت تفسيره هنالك.]] قال: وقول الله تعالى ذكره: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ﴾ [سورة طه: ٩٥] ، يقال إنه من هذا. قال: وأما"الخطبة" فهو المخطوب [به] ، من قولهم: [[هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها، يعني: الكلام المخطوب به.]] "خطب على المنبر واختطب". * * * قال أبو جعفر:"والخطبة" عندي هي"الفعلة"من قول القائل:"خطبت فلانة" ك"الجلسة"، من قوله:"جلس" أو"القعدة" من قوله"قعد". [[يعني أنه مصدر، وانظر ما سلف في وزن"فعلة" في فهارس مباحث العربية في الأجزاء السالفة، وانظر معاني القرآن للفراء ١: ١٥٢، وتفسير أبي حيان ٢: ٢٢١.]] ومعنى قولهم:"خطب فلان فلانة"، سألها خطبه إليها في نفسها، وذلك حاجته، من قولهم:"ما خطبك"؟ بمعنى: ما حاجتك، وما أمرك؟ * * * وأما"التعريض"، فهو ما كان من لحن الكلام الذي يفهم به السامع الفهم ما يفهم بصريحه. [[لحن الكلام: هو الإيماء في الكلام دون التصريح، وعبارة الطبري في تفسير هذه الكلمة، عبارة جيدة. ليس لها شبيه في كتب اللغة في شرح هذا الحرف.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"أو أكننتم في أنفسكم"، أو أخفيتم في أنفسكم، فأسررتموه، من خطبتهن، وعزم نكاحهن وهن في عددهن، فلا جناح عليكم أيضا في ذلك، إذا لم تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله. * * * يقال منه:"أكن فلان هذا الأمر في نفسه، فهو يكنه إكنانا"، و"كنه"، إذا ستره،"يكنه كنا وكنونا"، و"جلس في الكن" ولم يسمع"كننته في نفسي"، [[ذكر أصحاب اللغة أن ذلك قيل، واستشهدوا بقول أبي قطيفة: قد يكتم الناس أسرارا فأعلمها ... وما ينالون حتى الموت مكنوني]] وإنما يقال:"كننته في البيت أو في الأرض"، إذا خبأته فيه، ومنه قوله تعالى ذكره: ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾ [سورة الصافات: ٤٩] ، أي مخبوء، ومنه قول الشاعر: [[لم أستطع أن أعرف قائله.]] ثلاث من ثلاث قداميات ... من اللائي تكن من الصقيع [[معاني الفراء ١: ١٥٢، واللسان (كنن) . قداميات جمع قدامى، والقدامى واحد. وجمع، وهو هنا واحد. والقدامى والقوادم في الطير: عشر ريشات في كل جناح. وقوله: "ثلاث من ثلاث قداميات"، كأنه يريد أنه اختار من قوادم ثلاث من الطير، ثلاث ريشات من ريشه، وكأنه يريد ذلك لأسهمه، يريش الأسهم بها. والصقيع: الذي يسقط بالليل، شبيه بالثلج.]] و"تكن" بالتاء، وهو أجود، و"يكن". [[في المطبوعة: "بالتاء هو أجود"، وزيادة الواو من المخطوطة. هذه الجملة غير بينة المعنى عندي، وكأن صوابها"وتكن بالتاء المضمومة، وهو أجود وتكن". ويعني أن الأول من"أكن يكن"، وأن الأخرى من"كن يكن". كما هو ظاهر من استدلاله هذا. وقد عقب الفراء على هذا البيت بقوله: "وبعضهم يرويه"تكن" من"أكننت". فهذا يرجح ما ذهبت إليه.]] ويقال:"أكنته ثيابه من البرد""وأكنه البيت من الريح". * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٥١٢٦- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"أو أكنتم في أنفسكم"، قال: الإكنان: ذكر خطبتها في نفسه، لا يبديه لها. هذا كله حل معروف. ٥١٢٧- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله. ٥١٢٨- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"أو أكننتم في أنفسكم"، قال: أن يدخل فيسلم ويهدي إن شاء، ولا يتكلم بشيء. ٥١٢٩- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال، سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم: أنه سمع القاسم بن محمد يقول، فذكر نحوه. ٥١٣٠- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"أو أكننتم في أنفسكم"، قال: جعلت في نفسك نكاحها وأضمرت ذلك. ٥١٣١- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران= وحدثني علي قال، حدثنا زيد= جميعا، عن سفيان:"أوأكننتم في أنفسكم"، أن يسر في نفسه أن يتزوجها. ٥١٣٢- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا هوذة قال، حدثنا عوف، عن الحسن في قوله:"أو أكننتم في أنفسكم"، قال: أسررتم. * * * قال أبو جعفر: وفي إباحة الله تعالى ذكره ما أباح من التعريض بنكاح المعتدة لها في حال عدتها وحظره التصريح، [[قوله: "لها" متعلق بقوله: "التعريض"، أي: التعريض لها، وسياق هذه الجملة والتي تليها: "وفي إباحة الله تعالى ذكره. . . ما أبان عن افتراق حكم التعريض". وقوله: "منه" في الجملة التالية، أي: افتراق حكم التعريض من حكم التصريح.]] ما أبان عن افتراق حكم التعريض في كل معاني الكلام وحكم التصريح، منه. وإذا كان ذلك كذلك، تبين أن التعريض بالقذف غير التصريح به، وأن الحد بالتعريض بالقذف لو كان واجبا وجوبه بالتصريح به، لوجب من الجناح بالتعريض بالخطبة في العدة، نظير الذي يجب بعزم عقدة النكاح فيها. وفي تفريق الله تعالى ذكره بين حكميها في ذلك، الدلالة الواضحة على افتراق أحكام ذلك في القذف. * * * القول في تأويل قوله: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: علم الله أنكم ستذكرون المعتدات في عددهن بالخطبة في أنفسكم وبألسنتكم، كما: - ٥١٣٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن:"علم الله أنكم ستذكرونهن"، قال: الخطبة. ٥١٣٤- حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال، حدثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد في قوله:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: ذكرك إياها في نفسك. قال: فهو قول الله:"علم الله أنكم ستذكرونهن". ٥١٣٥- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن في قوله:"علم الله أنكم ستذكرونهن"، قال: هي الخطبة. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى"السر" الذي نهى الله تعالى عباده عن مواعدة المعتدات به. فقال بعضهم: هو الزنا. * ذكر من قال ذلك: ٥١٣٦- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا همام، عن صالح الدهان، عن جابر بن زيد:"ولكن لا تواعدوهن سرا"، قال: الزنا. [[الأثر: ٥١٣٦-"صالح الدهان"، هو صالح بن إبراهيم الدهان الجهني، أبو نوح. وهو ثقة. ترجم في الجرح والتعديل ٢ / ١ / ٣٩٣، وانظر التهذيب ٤: ٣٨٨. وجابر بن زيد الأزدي أبو الشعثاء. مترجم في التهذيب، وروي عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير. مات سنة ٩٣.]] ٥١٣٧- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي مجلز قوله:"ولكن لا تواعدوهن سرا" قال: الزنا. ٥١٣٨- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا سليمان التيمي، عن أبي مجلز مثله. ٥١٣٩- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز مثله. ٥١٤٠- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن أبي مجلز:"ولكن لا تواعدوهن سرا" قال: الزنا= قيل لسفيان التيمي: ذكره؟ قال: نعم. ٥١٤١- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر، عن أبيه، عن رجل، عن الحسن في المواعدة مثل قولة أبي مجلز. ٥١٤٢- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا يزيد بن إبراهيم، عن الحسن قال: الزنا. ٥١٤٣- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا أشعث وعمران، عن الحسن مثله. ٥١٤٤- حدثنا ابن بشار قال حدثنا، عبد الرحمن ويحيى قالا حدثنا سفيان، عن السدي قال: سمعت إبراهيم يقول:"لا تواعدوهن سرا" قال: الزنا. ٥١٤٥- حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن السدي، عن إبراهيم مثله. ٥١٤٦- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله:"لا تواعدوهن سرا" قال: الزنا. ٥١٤٧- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن:"ولكن لا تواعدوهن سرا" قال: الزنا. ٥١٤٨- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن في قوله:"ولكن لا تواعدوهن سرا" قال: الفاحشة. ٥١٤٩- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك= وحدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا جويبر عن الضحاك:"لا تواعدوهن سرا"، قال: السر: الزنا. ٥١٥٠- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"لا تواعدوهن سرا"، قال: فذلك السر: الريبة. [[في المطبوعة: "الزنية" في هذا الموضع والذي يليه، والصواب من المخطوطة. والريبة (بكسر الراء) : الشك والظنة والتهمة، وهو كناية عن كل أمر قبيح يرتاب فيه وفي صاحبه.]] كان الرجل يدخل من أجل الريبة وهو يعرض بالنكاح، فنهى الله عن ذلك إلا من قال معروفا. ٥١٥١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا منصور، عن الحسن وجويبر، عن الضحاك وسليمان التيمي، عن أبي مجلز أنهم قالوا: الزنا. ٥١٥٢- حدثنا عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله:"ولكن لا تواعدوهن سرا"، للفحش والخضع من القول. [[الخضع (بفتح فسكون) مصدر خضع الرجل: ألان الكلام للمرأة: وقد ضبط في المخطوطة بضم الخاء، ولم أجده. و"خضع" من باب"نفع"، نص على ذلك صاحب معيار اللغة. وفي حديث عمر أن رجلا في زمانه مر برجل وامرأة قد خضعا بينهما حديثا فضربه حتى شجه، فرفع إلى عمر فأهدره" أي: لينا بينهما الحديث، وتكلما بما يطمع كلا منهما في الآخر. وسيأتي"خضع القول" أيضًا في تفسيره ٢٢: ٣ (بولاق) ، وسيأتي أيضًا في الأثر رقم: ٥١٦٢.]] ٥١٥٣- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الحسن:"ولكن لا تواعدوهن سرا"، قال: هو الفاحشة. * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك لا تأخذوا ميثاقهن وعهودهن في عددهن أن لا ينكحن غيركم. * ذكر من قال ذلك: ٥١٥٤- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"لا تواعدوهن سرا"، يقول: لا تقل لها:"إني عاشق، وعاهديني أن لا تتزوجي غيري"، ونحو هذا. ٥١٥٥- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير في قوله:"لا تواعدوهن سرا"، قال: لا يقاضها على كذا وكذا أن لا تتزوج غيره. [[في المطبوعة: "لا يقاصها"، وهو كذلك في المخطوطة غير منقوط، وصواب قراءته ما أثبت. قاضاه على الأمر: فصل فيه وأبرمه وحتمه وفرغ منه. وفي كتاب صلح الحديبية: "هذا ما قاضى عليه محمد. . . " وهو شبيه بالمعاهدة.]] ٥١٥٦- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر. ومجاهد وعكرمة قالوا: لا يأخذ ميثاقها في عدتها، أن لا تتزوج غيره. ٥١٥٧- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور قال: ذكر في عن الشعبي أنه قال في هذه الآية:"لا تواعدوهن سرا"، قال: لا تأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيرك. ٥١٥٨- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن الشعبي:"ولكن لا تواعدوهن سرا"، قال: لا يأخذ ميثاقها في أن لا تتزوج غيره. ٥١٥٩- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن الشعبي قال: سمعته يقول في قوله:"لا تواعدوهن سرا"، قال: لا تأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيرك، ولا يوجب العقدة حتى تنقضي العدة. [[في المطبوعة: "ويأخذ عليها عهدا أن لا تنكحي". . . "بزيادة"أن"، وأثبت ما في المخطوطة، فهو الصواب الجيد.]] ٥١٦٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الشعبي:"لا تواعدوهن سرا"، قال: لا يأخذ عليها ميثاقا أن لا تتزوج غيره. ٥١٦١- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ولكن لا تواعدهن سرا"، يقول:"أمسكي علي نفسك، فأنا أتزوج"= ويأخذ عليها عهدا="لا تنكحي غيري". [[في المطبوعة: "ويأخذ عليها عهدا أن لا تنكحي". . . . "بزيادة"أن"، وأثبت ما في المخطوطة، فهو الصواب الجيد.]] ٥١٦٢- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"ولكن لا تواعدوهن سرا"، قال: هذا في الرجل يأخذ عهد المرأة وهي في عدتها أن لا تتزوج غيره، فنهى الله عن ذلك وقدم فيه، وأحل الخطبة والقول بالمعروف، ونهى عن الفاحشة والخضع من القول. [[انظر التعليق على الأثر السالف: ٥١٥٢.]] ٥١٦٣- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران، وحدثني علي قال، حدثنا زيد= جميعا، عن سفيان:"ولكن لا تواعدوهن سرا"، قال: إن تواعدها سرا على كذا وكذا،"على أن لا تنكحي غيري". ٥١٦٤- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"لا تواعدوهن سرا"، قال: موعدة السر أن يأخذ عليها عهدا وميثاقا أن تحبس نفسها عليه، ولا تنكح غيره. ٥١٦٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه. * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن يقول لها الرجل:"لا تسبقيني بنفسك". * ذكر من قال ذلك: ٥١٦٦ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن أبن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"ولكن لا تواعدوهن سرا"، قال: قول الرجل للمرأة:"لا تفوتيني بنفسك، فإني ناكحك"، هذا لا يحل. ٥١٦٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن أبن أبي نجيح، عن مجاهد قال: هو قول الرجل للمرأة:"لا تفوتيني". ٥١٦٨- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد:"ولكن لا تواعدوهن سرا"، قال: المواعدة أن يقول:"لا تفوتيني بنفسك". ٥١٦٩- حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد:"ولكن لا تواعدوهن سرا"، أن يقول:"لا تفوتيني بنفسك". * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا تنكحوهن في عدتهن سرا. * ذكر من قال ذلك: ٥١٧٠- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ولكن لا تواعدوهن سرا" يقول: لا تنكحوهن سرا، ثم تمسكها، حتى إذا حلت أظهرت ذلك وأدخلتها. ٥١٧١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ولكن تواعدوهن سرا"، قال: كان أبي يقول: لا تواعدوهن سرا، ثم تمسكها، وقد ملكت عقدة نكاحها، فإذا حلت أظهرت ذلك وأدخلتها. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك، تأويل من قال:"السر"، في هذا الموضع، الزنا. وذلك أن العرب تسمي الجماع وغشيان الرجل المرأة"سرا"، لأن ذلك مما يكون بين الرجال والنساء في خفاء غير ظاهر مطلع عليه، فيسمى لخفائه"سرا"، من ذلك قوله رؤبة بن العجاج: فعف عن أسرارها بعد العسق ... ولم يضعها بين فرك وعشق [[ديوانه: ١٠٤، واللسان (عسق) (عشق) (فرك) (سرر) ، وفي اللسان في بعض مواده"إسرارها" بالكسر، وهو خطأ، وفي بعضها"الغسق"، وهو خطأ أيضًا. والأسرار جمع سر. والعسق، مصدر"عسق به يعسق": لزمه وأولع به. والفرك (بكسر الفاء وسكون الراء) بغضة الرجل امرأته، أو بغضة امرأته له. وامرأة فارك وفروك، تكره زوجها. ورجل مفرك (بتشديد الراء) . لا يحظى عند النساء. والعشق (بكسر فسكون) والعشق (بفتحتين) مصدر"عشق يعشق". والضمير في قوله: "فعف"، عائد إلى حمار الوحش الذي يصفه ويصف أتنه. والضمير في"أسرارها" عائد إلى الأتن.]] يعني بذلك: عف عن غشيانها بعد طول ملازمته ذلك، ومنه قول الحطيئة: ويحرم سر جارتهم عليهم ... ويأكل جارهم أنف القصاع [[ديوانه: ٩٣، واللسان (أنف) يمدح بني رياح وبني كليب من بني يربوع. أنف كل شيء: طرفه وأوله. والقصاع جمع قصعة: وهي الجفنة الضخمة. يذكر عفتهم وحفاظهم وامتناعهم من انتهاك حرمة الجارة، واقتراف الإثم في حقها، ويصف كرمهم وإيثارهم جارهم بالطعام على أنفسهم، فلا يتقدمونه إلى الطعام حتى يأخذ منه ما يشتهي وما يكفيه. وقبل البيت: فليس الجار جار بني رياح ... بمقصى في المحل ولا مضاع هم صنعوا لجارهم، وليست ... يد الخرقاء مثل يد الصناع]] وكذلك يقال لكل ما أخفاه المرء في نفسه:"سرا". ويقال:"هو في سر قومه"، يعني: في خيارهم وشرفهم. فلما كان"السر" إنما يوجه في كلامها إلى أحد هذه الأوجه الثلاثة، وكان معلوما أن أحدهن غير معني به قوله:"ولكن لا تواعدوهن سرا"، وهو السر الذي هو معنى الخيار والشرف= فلم يبق إلا الوجهان الآخران، وهو"السر" الذي بمعنى ما أخفته نفس المواعد بين المتواعدين، [[في المطبوعة: "نفس المواعدين المتواعدين"، والصواب من المخطوطة.]] "والسر" الذي بمعنى الغشيان والجماع. فلما لم يبق غيرهما، وكانت الدلالة واضحة على أن أحدهما غير معني به، صح أن الآخر هو المعني به. * * * فإن قال [قائل] : [[هذه الزيادة استظهرتها من مئات أشباهها مضت.]] فما الدلالة على أن مواعدة القول سرا، غير معني به= على ما قال من قال إن معنى ذلك: أخذ الرجل ميثاق المرأة أن لا تنكح غيره، أو على ما قال من قال: قول الرجل لها:"لا تسبقيني بنفسك"؟ قيل: لأن"السر" إذا كان بالمعنى الذي تأوله قائلو ذلك، فلن يخلو ذلك"السر" من أن يكون هو مواعدة الرجل المرأة ومسألته إياها أن لا تنكح غيره= أو يكون هو النكاح الذي سألها أن تجيبه إليه، بعد انقضاء عدتها، وبعد عقده له، دون الناس غيره. فإن كان"السر" الذي نهى الله الرجل أن يواعد المعتدات، هو أخذ العهد عليهن أن لا ينكحن غيره، فقد بطل أن يكون"السر" معناه: ما أخفى من الأمور في النفوس، أو نطق به فلم يطلع عليه، وصارت العلانية من الأمر سرا. وذلك خلاف المعقول في لغة من نزل القرآن بلسانه. إلا أن يقول قائل هذه المقالة: إنما نهى الله الرجال عن مواعدتهن ذلك سرا بينهم وبينهن، لا أن نفس الكلام بذلك - وإن كان قد أعلن- سر. فيقال له إن قال ذلك: فقد يجب أن تكون جائزة مواعدتهن النكاح والخطبة صريحا علانية، إذ كان المنهي عنه من المواعدة، إنما هو ما كان منها سرا. فإن قال: إن ذلك كذلك، خرج من قول جميع الأمة. على أن ذلك ليس من قيل أحد ممن تأول الآية أن"السر" ها هنا بمعنى المعاهدة أن لا تنكح غير المعاهد. وإن قال: ذلك غير جائز. قيل له: فقد بطل أن يكون معنى ذلك: إسرار الرجل إلى المرأة بالمواعدة. لأن معنى ذلك، لو كان كذلك، لم يحرم عليه مواعدتها مجاهرة وعلانية. وفي كون ذلك عليه محرما سرا وعلانية، ما أبان أن معنى"السر" في هذا الموضع، غير معنى إسرار الرجل إلى المرأة بالمعاهدة أن لا تنكح غيره إذا انقضت عدتها= أو يكون، إذا بطل هذا الوجه، معنى ذلك: الخطبة والنكاح الذي وعدت المرأة الرجل أن لا تعدوه إلى غيره. فذلك إذا كان، فإنما يكون بولي وشهود علانية غير سر. وكيف يجوز أن يسمى سرا، وهو علانية لا يجوز إسراره؟ وفي بطول هذه الأوجه أن يكون تأويلا لقوله:"ولكن لا تواعدوهن سرا" بما عليه دللنا من الأدلة، وضوح صحة تأويل ذلك أنه بمعنى الغشيان والجماع. وإذ كان ذلك صحيحا، فتأويل الآية: ولا جناح عليكم، أيها الناس، فيما عرضتم به للمعتدات من وفاه أزوجهن، من خطبة النساء، وذلك حاجتكم إليهن، فلم تصرحوا لهن بالنكاح والحاجة إليهن، إذا أكننتم في أنفسكم، فأسررتم حاجتكم إليهن وخطبتكم إياهن في أنفسكم، ما دمن في عددهن؛ علم الله أنكم ستذكرون خطبتهن وهن في عددهن، فأباح لكم التعريض بذلك لهن، وأسقط الحرج عما أضمرته نفوسكم -حكم منه [[في المطبوعة: "حلما منه" وأثبت صوب ما في المخطوطة.]] ولكن حرم عليكم أن تواعدوهن جماعا في عددهن، بأن يقول أحدكم لإحداهن في عدتها:"قد تزوجتك في نفسي، وإنما أنتظر أنقضاء عدتك"، فيسألها بذلك القول إمكانه من نفسها الجماع والمباضعة، فحرم الله تعالى ذكره ذلك. * * * القول في تأويل قوله: ﴿إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا﴾ قال أبو جعفر: ثم قال تعالى ذكره:"إلا أن تقولوا قولا معروفا"، فاستثنى القول المعروف مما نهي عنه، من مواعدة الرجل المرأة السر، وهو من غير جنسه، ولكنه من الاستثناء الذي قد ذكرت قبل: أن يأتي بمعنى خلاف الذي قبله في الصفة خاصة، وتكون"إلا" فيه بمعنى"لكن"، [[انظر ما سلف ٢: ٢٦٣-٢٦٥ / ثم ٣: ٢٠٤ - ٢٠٦.]] فقوله:"إلا أن تقولوا قولا معروفا" منه- ومعناه: ولكن قولوا قولا معروفا. فأباح الله تعالى ذكره أن يقول لها المعروف من القول في عدتها، وذلك هو ما أذن له بقوله:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، كما: - ٥١٧٢- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير:"إلا أن تقولوا قولا معروفا"، قال: يقول: إني فيك لراغب، وإني لأرجو أن نجتمع. ٥١٧٣- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"إلا أنه تقولوا قولا معروفا"، قال: هو قوله:"إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك". ٥١٧٤- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد:"إلا أن تقولوا قولا معروفا"، قال: يعني التعريض. ٥١٧٥- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد:"إلا أن تقولوا قولا معروفا"، قال: يعني التعريض. ٥١٧٦- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به خطبة النساء" إلى"حتى يبلغ الكتاب أجله"، قال: هو الرجل يدخل على المرأة وهي في عدتها فيقول:"والله إنكم لأكفاء كرام، وإنكم لرغبة، [[في المطبوعة والمخطوطة: "لرعة"، وهي في المخطوطة غير منقوطة، وقرأتها كذلك - لأنه أوفق، ولأني لم أجد لقوله"رعة" معنى. وسمى المرأة"رغبة"، كما يسميها"هوى" بالمصدر، أي: يرغب فيك. ومنه الرغيبة: وهو الشيء المرغوب فيه.]] وإنك لتعجبيني، وإن يقدر شيء يكن". فهذا القول المعروف. ٥١٧٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران، وحدثني علي قال، حدثنا زيد- قالا جميعا، قال سفيان:"إلا أن تقولوا قولا معروفا"، قال يقول:"إني فيك لراغب، وإني أرجو إن شاء الله أن نجتمع". ٥١٧٨- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"إلا أن تقولوا قولا معروفا"، قال يقول:"إن لك عندي كذا، ولك عندي كذا، وأنا معطيك كذا وكذا". قال: هذا كله وما كان قبل أن يعقد عقدة النكاح، فهذا كله نسخه قوله:"ولا تعزموا وعقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله". ٥١٧٩- حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك:"إلا أن تقولوا قولا معروفا"، قال: المرأة تطلق أو يموت عنها زوجها، فيأتيها الرجل فيقول:"احبسي علي نفسك، فإن لي بك رغبة، فتقول:"وأنا مثل ذلك"، فتتوق نفسه لها. [[في المخطوطة: "فتؤتي نفسه لها"، ولم أجدها في مكان آخر، والذي في المطبوعة لا بأس به، وهو قريب الدلالة على المعنى.]] فذلك القول المعروف. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"ولا تعزموا عقدة النكاح"، ولا تصححوا عقدة النكاح في عدة المرأة المعتدة، فتوجبوها بينكم وبينهن، وتعقدوها قبل انقضاء العدة ="حتى يبلغ الكتاب أجله"، يعني: يبلغن أجل الكتاب الذي بينه الله تعالى ذكره بقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ ، فجعل بلوغ الأجل للكتاب، والمعنى للمتناكحين، أن لا ينكح الرجل المرأة المعتدة، فيعزم عقدة النكاح عليها حتى تنقضي عدتها، فيبلغ الأجل الذي أجله الله في كتابه لانقضائها، كما: - ٥١٨٠- حدثنا محمد بن بشار وعمرو بن علي قالا حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، وحدثنا الحسن بن يحيى قال، حدثنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن ليث، عن مجاهد:"حتى يبلغ الكتاب أجلا"، قال: حتى تنقضي العدة. ٥١٨١- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"حتى يبلغ الكتاب أجله"، قال: حتى تنضي أربعة أشهر وعشر. ٥١٨٢- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"حتى يبلغ الكتاب أجله"، قال: حتى تنقضي العدة. ٥١٨٣- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله. ٥١٨٤- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"حتى يبلغ الكتاب أجله"، قال: تنقضي العدة. ٥١٨٥- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله:"ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله"، قال: حتى تنقضي العدة. ٥١٨٦- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله:"حتى يبلغ الكتاب أجله"، قال: لا يتزوجها حتى يخلو أجلها. [[خلا الشيء يخلو خلوا: مضى وانقضى.]] ٥١٨٧- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو قتيبة قال، حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن الشعبي في قوله:"ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله"، قال: مخافة أن تتزوج المرأة قبل انقضاء العدة. [[الأثر: ٥١٨٧-"أبو قتيبة"، هو: سلم بن قتيبة الشعيري، أبو قتيبة الخراساني. "ثقة، ليس به بأس، يكتب حديثه"، مات سنة ٢٠١. مترجم في التهذيب.]] ٥١٨٨- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله"، حتى تنقضي العدة. ٥١٨٩- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران= وحدثني علي قال، حدثنا زيد= جميعا، عن سفيان قوله:"حتى يبلغ الكتاب أجله"، قال: حتى تنقضي العدة. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥) ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: واعلموا، أيها الناس، أن الله يعلم ما في أنفسكم من هواهن ونكاحهن وغير ذلك من أموركم، فاحذروه. يقول: فاحذروا الله واتقوه في أنفسكم أن تأتوا شيئا مما نهاكم عنه، من عزم عقدة نكاحهن، أو مواعدتهن السر في عددهن، وغير ذلك مما نهاكم عنه في شأنهن في حال ما هن معتدات، وفي غير ذلك="واعلموا أن الله غفور"، [[انظر"غفور" فيما سلف، في فهارس اللغة في الأجزاء السالفة.]] يعني أنه ذو ستر لذنوب عباده وتغطية عليها، فيما تكنه نفوس الرجال من خطبة المعتدات، وذكرهم إياهن في حال عددهن، وفي غير ذلك من خطاياهم= وقوله:"حليم"، يعني أنه ذو أناة لا يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم. * * * القول في تأويل قوله: ﴿لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"لا جناح عليكم"، لا حرج عليكم إن طلقتم النساء. [[انظر تفسير"الجناح" فيما سلف ٣: ٢٣٠، ٢٣١ / ثم ٤: ١٦٢، ٥٦٦ / ثم ٥: ٧١]] يقول: لا حرج عليكم في طلاقكم نساءكم وأزواجكم، ="ما لم تماسوهن"، [[في المطبوعة والمخطوطة، نص الآية"تمسوهن"، وفي التفسير"تماسوهن"، وهذا دليل على أنها كانت قراءة الطبري في أصله، أما قراءة كاتب النسخة المخطوطة، وقراءتنا في مصحفنا هذا، فهي"تمسوهن"، وسيذكر الطبري القراءتين.]] يعني بذلك: ما لم تجامعوهن. * * * "والمماسة"، في هذا الموضع، كناية عن اسم الجماع، كما: - ٥١٩٠- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع= وحدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر= قالا جميعا، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال، قال ابن عباس: المس الجماع، ولكن الله يكني ما يشاء بما شاء. [[في المطبوعة: "ما يشاء بما شاء"، وأثبت ما في المخطوطة.]] ٥١٩١- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: المس: النكاح. * * * قال أبو جعفر: وقد اختلف القرأة في قراءة ذلك. [[في المطبوعة: "وقد اختلفت القراء"، وأثبت ما في المخطوطة. والقَرَأَة (بفتحات) جمع قارئ.]] فقرأته عامة قرأة أهل الحجاز والبصرة:"ما لم تمسوهن"، بفتح"التاء" من"تمسوهن"، بغير"ألف"، من قولك: مسسته أمسه مسا ومسيسا ومسيسى" مقصور مشدد غير مجرى. وكأنهم اختاروا قراءة ذلك، إلحاقا منهم له بالقراءة المجتمع عليها في قوله: ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ [سورة آل عمران: ٤٧، سورة مريم: ٢٠] . * * * وقرأ ذلك آخرون:"ما لم تماسوهن"، بضم"التاء والألف" بعد"الميم"، إلحاقا منهم ذلك بالقراءة المجمع عليها في قوله: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [سورة المجادلة: ٣] ، وجعلوا ذلك بمعنى فعل كل واحد من الرجل والمرأة بصاحبه من قولك:"ماسست الشيء أمماسه مماسة ومساسا. [[ليس في المطبوعة: "أماسه" وزدتها في المخطوطة.]] * * * قال أبو جعفر: والذي نرى في ذلك، أنهما قراءتان صحيحتا المعنى، متفقا التأويل، وإن كان في إحداهما زيادة معنى، غير موجبة اختلافا في الحكم والمفهوم. وذلك أنه لا يجهل ذو فهم إذا قيل له:"مسست زوجتي"، أن الممسوسة قد لاقى من بدنها بدن الماس، ما لاقاه مثله من بدن الماس. فكل واحد منهما = وإن أفرد الخبر عنه بأنه الذي ماس صاحبه= [[في المخطوطة والمطبوعة: "ماس صاحبه"، والأجود أن يقول: "مس صاحبه".]] معقول بذلك الخبر نفسه أن صاحبه المسوس قد ماسه. [[في المخطوطة: "فذلك الخبر نفسه"، وفي المطبوعة: "كذلك الخبر. . . "، وكلتاهما فاسدة مسلوبة المعنى.]] فلا وجه للحكم لإحدى القراءتين= مع اتفاق معانيهما، وكثرة القرأة بكل واحدة منهما= [[في المطبوعة: "وكثرة القراءة"، وهو فاسد، والقَرَأَة جمع قارئ كما سلف.]] بأنها أولى بالصواب من الأخرى، بل الواجب أن يكون القارئ، بأيتهما قرأ، مصيب الحق في قراءته. * * * قال أبو جعفر: وإنما عنى الله تعالى ذكره بقوله:"لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن"، المطلقات قبل الإفضاء إليهن في نكاح قد سمي لهن فيه الصداق. وإنما قلنا أن ذلك كذلك، لأن كل منكوحة فإنما هي إحدى اثنتين: إما مسمى لها الصداق، أو غير مسمى لها ذلك. فعلمنا بالذي يتلو ذلك من قوله تعالى ذكره، أن المعنية بقوله:"لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن"، إنما هي المسمى لها. لأن المعنية بذلك، لو كانت غير المفروض لها الصداق، لما كان لقوله:"أو تفرضوا لهن فريضة"، معنى معقول. إذ كان لا معنى لقول قائل:"لا جناح عليكم إذا طلقتم النساء ما لم تفرضوا لهن فريضة في نكاح لم تماسوهن فيه، أو ما لم تفرضوا لهن فريضة". فإذا كان لا معنى لذلك، فمعلوم أن الصحيح من التأويل في ذلك: لا جناح عليكم إن طلقتم المفروض لهن من نسائكم الصداق قبل أن تماسوهن، وغير المفروض لهن قبل الفرض.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب