الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:" للذين يؤلون"، للذين يقسمون أليَّة،"والألية" الحلف، كما:- ٤٤٧٨ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا مسلمة بن علقمة قال، حدثنا داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب في قوله:" للذين يؤلون"، يحلفون. * * * يقال:"آلى فلان يُؤْلي إيلاء وأليَّة"، كما قال الشاعر: كَفَيْنَا مَنْ تَغَيَّبَ في تُرَابٍ ... وَأَحْنَثْنَا أَليَّةَ مُقْسِمِينَا [[لم أجد البيت ولم أعرف قائله. وكان في المخطوطة والمطبوعة: "من تراب" وصواب معناه يقتضي ما أثبت.]] ويقال:"أَلْوة وأُلْوة"، كما قال الراجز: * يَا أُلْوَةٌ مَا أُلْوَةٌ مَا أُلْوَتِي * [[لم أجد هذا الرجز. وفي المطبوعة: "ما ألوى" والصواب من المخطوطة.]] وقد حكي عنهم أيضًا أنهم يقولون:"إلوة" مكسورة الألف. * * * "والتربص": النظر والتوقف. * * * ومعنى الكلام: للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربص أربعة أشهر، فترك ذكر"أن يعتزلوا"، اكتفاء بدلالة ما ظهر من الكلام عليه. * * * واختلف أهل التأويل في صفة اليمين التي يكون بها الرجل موليًا من امرأته. فقال بعضهم: اليمين التي يكون بها الرجل موليًا من امرأته: أن يحلف عليها في - حال غضب على وجه الضِّرار - أن لا يجامعها في فرجها، [[في المطبوعة: "على وجه الإضرار لها". والضرار: إلحاق الضرر بها، وفي الموضع التالي: "الإضرار" في المطبوعة والمخطوطة.]] فأما إن حلف على غير وجه الإضرار، وعلى غير غضب، فليس هو موليًا منها. * ذكر من قال ذلك: ٤٤٧٩ - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن حريث بن عميرة، عن أم عطية قالت، قال جبير: أرضعي ابن أخي مع ابنك! فقالت: ما أستطيع أن أرضع اثنين! فحلف أن لا يقرَبها حتى تفطِمه. فلما فطمته مرّ به على المجلس، فقال له القوم: حسنًا ما غَذَوْتموه! قال جبير: إنيّ حلفت ألا أقربها حتى تفطمه! فقال له القوم: هذا إيلاءٌ!! فأتى عليًا فاستفتاه، فقال: إن كنتَ فعلت ذلك غضبًا فلا تصلح لك امرأتك، وإلا فهي امرأتك. [[الآثار: ٤٤٧٩- ٤٤٨٥- خبر سماك ذكره البخاري في الكبير ٤/١/١٢"عطية بن جبير العنزي قاله شعبة عن سماك. وقال سفيان عن سماك عن أبي عطية بن جبير. وقال أبو الأحوص عن حريث بن عميرة عن أم عطية: أن جبيرا حلف فأتى عليًا". وفي الجرح والتعديل ١/٢/٢٦٢: "حريث بن عميرة روى عن أم عطية. روى عنه سماك بن حرب في رواية أبي الأحوص عن سماك عنه. وروى إبراهيم بن طهمان عن سماك عن حريث عن عطية بن جبير عن أبيه قال: قلت لعلي - سمعت أبي يقول ذلك". وذكره ابن أبي حاتم أيضًا في الجرح والتعديل ٣/١٣٨١- ٣٨٢: "عطية بن جبير العنزي" واختلف فيه الرواة من سماك بن حرب. فقال شعبة عن سماك عن عطية بن جبير، قال قلت لعلي رضي الله عنه. وروى أبو الأحوص عن سماك عن حريث بن عمير عن عطية عن علي. وروى حماد بن سلمة عن سماك، عن أم عطية عن علي. وروى سفيان الثوري عن سماك عن أبي عطية بن جبير، عن علي - سمعت أبي يقول بعض ذلك وبعضه من قبلي" ورواه البيهقي في السنن ٧: ٣٨١- ٣٨٢ من طريق داود بن أبي هند عن سماك عن رجل من بني عجل، عن أبي عطية أنه تزوج امرأة أخيه وهي ترضع بابن أخيه" ورواه من طريق عبيد الله بن معاذ، عن أبيه عن شعبة عن سماك عن عطية بن جبير قال: كانت أمي ترضع صبيًا. . . "]] ٤٤٨٠ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك، أنه سمع عطية بن جبير قال: توفيت أمُّ صبيٍّ نسيبةٌ لي، فكانت امرأة أبي تُرضعه، فحلف أن لا يقربها حتى تفطمه. فلما مضت أربعة أشهر قيل له: قد بانت منك! - وأحسب، شك أبو جعفر، قال -: فأتى عليًا يستفتيه فقال: إن كنت قلت ذلك غضبًا فلا امرأة لك، وإلا فهي امرأتك. ٤٤٨١ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة قال، أخبرني سماك قال، سمعت عطية بن جبير - يذكر نحوه عن علي. ٤٤٨٢ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد قال، حدثنا داود، عن سماك، عن رجل من بني عجل، عن أبي عطية: أنه توفي أخوه وترك ابنًا له صغيرًا، فقال أبو عطية لامرأته: أرضعيه! فقالت: إنى أخشى أن تُغِيلهما، [[أغالت المرأة ولدها، وأغال فلان ولده: إذ غشى أمه وهو ترضعه. واسم لبنها ذاك"الغيل" كانوا يقولون: إذا شربه الولد ضوى واعتل منه، واسم الفعل"الغيلة" (بكسر الغين) وفي سني البيهقي: "إني أخشى أن تغتاله" وهي اشتقاق منها، لم يرد في كتب اللغة.]] فحلف أن لا يقربها حتى تفطمهما، ففعل حتى فطمتهما. فخرج ابن أخي أبي عطية إلى المجلس، فقالوا: لَحُسْنَ ما غذا أبو عطية ابن أخيه! [[في المطبوعة: "غذي" وما في المخطوطة أجود وقوله: "لحسن" أصلها"حسن" فعل (بفتح الحاء وضم السين) فنقل إلى معنى المدح فخففت السين وسكنت ونقلت حركتها إلى الحاء قال سهم بن حنظلة الغنوي: لم يمْنِعْ النَّاسُ مِنِّي مَا أَرَدْتُ وَمَا ... أُعْطِيهِمُ مَا أَرَادُوا حُسْنَ ذَا أَدَبَا فهي بمنزلة"نعم وبئس".]] قال: كلا! زعمت أم عطية أنيّ أغيلهما، فحلفتُ أن لا أقربها حتى تفطمهما. فقالوا له: قد حرُمت عليك امرأتك! فذكرت ذلك لعلي رضي الله عنه، فقال علي: إنما أردتَ الخيرَ، وإنما الإيلاء في الغضب. ٤٤٨٣ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن سماك، عن أبي عطية: أن أخاه توفي - فذكر نحوه. ٤٤٨٤ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب: أن رجلا هلك أخوه فقال لامرأته: أرضعي ابن أخي. فقالت: أخاف أن تقع عليّ! فحلف أن لا يمسَّها حتى تفطِم. فأمسك عنها، حتى إذا فطمته أخرج الغلامَ إلى قومه، فقالوا: لقد أحسنت غذاءه! فذكر لهم شأنه، فذكروا امرأته، قال: فذهب إلى علي - فاستحلفه بالله:"ما أردت بذلك؟ "، يعني إيلاءً، قال: فردَّها عليه. ٤٤٨٥ - حدثنا علي بن عبد الأعلى قال، [[هكذا في المخطوطة والمطبوعة. وأظن الصواب"محمد بن عبد الأعلى الصنعاني" شيخ الطبري. ولم أجد في شيوخه: "علي بن عبد الأعلى". وانظر ما سيأتي رقم: ٤٦٦٩.]] حدثنا المحاربي، عن أشعث بن سوار، عن سماك، عن عطية بن أبي عطية قال، توفي أخ لي وترك يتيما له رضيعًا، وكنت رجلا معسرًا، لم يكن بيدي ما أسترضع له. قال: فقالت لي امرأتي، وكان لي منها ابن ترضعه - إن كفيتني نفسَك كفيتكهما! فقلت: وكيف أكفيك نفسي؟ قالت: لا تقربني. فقلت: والله لا أقربك حتى تفطميهما. قال: ففطمتهما وخرجا على القوم، فقالوا: ما نراك إلا قد أحسنت ولايتهما! قال: فقصصت عليهم القصة، فقالوا: ما نراك إلا آليت منها وبانت منك! قال: فأتيت عليًا فقصصت عليه القصة، فقال: إنما الإيلاء ما أريد به الإيلاء. ٤٤٨٦ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن بكر البرساني قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: لا إيلاء إلا بغضب. ٤٤٨٧ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لا إيلاء إلا بغضب. ٤٤٨٨ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا ابن وكيع، عن أبي فزارة، عن يزيد بن الأصم، عن ابن عباس قال: لا إيلاء إلا بغضب. [[الأثر: ٤٤٨٨-"عبد الرحمن" هو عبد الرحمن بن مهدي. "أبو وكيع" هو: الجراح ابن مليح الرؤاسي. قال أبو داود: ثقة. وقال النسائي: ليس به بأس. وسئل الدارقطني عنه فقال: ليس بشيء هو كثير الوهم. قيل: يعتبر به؟ قال: لا. وفي المخطوطة والمطبوعة: "ابن وكيع" وهو خطأ. وانظر المحل لابن حزم ١٠: ٤٥ و"أبو فزارة" هو: راشد بن كيسان العبسي. قال ابن معين: ثقة. وقال ابن حبان: مستقيم الحديث إذا كان فوقه ودونه ثقة. وله عند مسلم حديث واحد.]] ٤٤٨٩ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن سماك بن حرب، عن أبي عطية، عن عليّ قال: لا إيلاء إلا بغضب. [[الأثر: ٤٤٨٩- مختصر رقم: ٤٤٨٢ من طريق آخر، وانظر التعليق السالف على الأثر رقم: ٤٤٧٩.]] ٤٤٩٠ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، أن عليا قال: إذا قال الرجل لامرأته وهي تُرضع:"والله لا قرَبتُك حتى تفطمي ولدي"، يريد به صلاحَ ولده، قال: ليس عليه إيلاء. ٤٤٩١ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسحاق بن منصور السلولي، عن محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى عليّ فقال: إني قلت لامرأتي لا أقرَبُها سنتين. قال: قد آليت منها. قال: إنما قلت لأنها ترضع! قال: فلا إذًا. ٤٤٩٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن أبي عطية، عن علي أنه كان يقول: إنما الإيلاء ما كان في غضب، يقول الرجل:"والله لا أقربك، والله لا أمسُّك! ". فأما ما كان في إصلاح من أمر الرضاع وغيره، فإنه لا يكون إيلاء، ولا تَبِين منه. [[الأثر: ٤٤٩٢- طريق آخر لحديث أبي عطية السالف رقم: ٤٤٨٢ وانظر التعليق على الأثر: ٤٤٧٩.]] ٤٤٩٣ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - قال، حدثنا حماد بن زيد، عن حفص، عن الحسن: أنه سئل عنها فقال: لا والله، ما هو بإيلاء. ٤٤٩٤ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا بشر بن منصور، عن ابن جريج، عن عطاء قال: إذا حلف من أجل الرَّضاع فليس بإيلاء. ٤٤٩٥ - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني يونس قال: سألت ابن شهاب عن الرجل يقول: والله لا أقرب امرأتي حتى تفطم ولدي! قال: لا أعلم الإيلاء يكون إلا بحلف بالله، فيما يريد المرء أن يضارَّ به امرأتَه من اعتزالها، ولا نعلم فريضةَ الإيلاء إلا على أولئك، فلا ترى أنّ هذا الذي أقسم بالاعتزال لامرأته حتى تفطم ولده، أقسم إلا على أمر يتحرَّى به فيه الخير، فلا نرى وَجبَ على هذا ما وجب على المولي الذي يُولِي في الغضب. * * * وقال آخرون: سواءٌ إذا حلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها في فرجها، كان حلفه في غضب أو غير غضب، كلّ ذلك إيلاء. * ذكر من قال ذلك: ٤٤٩٦ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم - في رجل قال لامرأته:"إن غَشِيتُك حتى تفطمي ولدَك فأنت طالق"، فتركها أربعة أشهر. قال: هو إيلاء. ٤٤٩٧ - حدثنا محمد بن يحيى قال، أخبرنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي قال: كل شيء يحول بينه وبين غشيانها، فتركها حتى تمضي أربعة أشهر، فهو داخلٌ عليه. ٤٤٩٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، حدثنا ابن المبارك قال، أخبرنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن القعقاع قال: سألت الحسن عن رجل ترضع امرأته صبيًا، فحلف أن لا يطأها حتى تفطم ولدها، فقال: ما أرى هذا بغضب، وإنما الإيلاء في الغضب = قال: وقال ابن سيرين: ما أدري ما هذا الذي يحدِّثون؟! إنما قال الله:" للذين يؤلون من نسائهم" إلى" فإن الله سميع عليم"، إذا مضت أربعة أشهر، فليخطبها إن رغب فيها. [[الأثر: ٤٤٨٩- حبان بن موسى بن سوار السلمي، أبو محمد المرزوي روى عن ابن المبارك وأبي حمزة السكري وغيرهما، وعنه البخاري ومسلم. ذكره ابن حبان في الثقات، مات سنة ٢٣٣. مترجم في التهذيب. وفي المخطوطة والمطبوعة: "حسان بن موسى" وقد مضى على الصواب في رقم: ٢٩١٤ وسيأتي على الصواب في رقم: ٤٥٢٨. و"أبو عوانة" هو: الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة. وسئل ابن المبارك: من أروى الناس -أو أصح الناس- حديثًا عن مغيرة؟ قال: أبو عوانة. مترجم في التهذيب.]] ٤٤٩٩ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم - في رجل حلفَ أن لا يكلم امرأته - قال: كانوا يرون الإيلاء في الجماع. ٤٥٠٠ - حدثنا أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال، قال: كل يمين منعت جماعًا حتى تمضي أربعه أشهر، فهي إيلاء. ٤٥٠١ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت إسماعيل وأشعث، عن الشعبي مثله. ٤٥٠٢ - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي قالا كل يمين منعت جماعًا فهي إيلاء. * * * وقال آخرون: كل يمين حلف بها الرجل في مَسَاءة امرأته، فهي إيلاء منه منها، على الجماع حلف أو غيره، في رضًا حلف أو سخط. * ذكر من قال ذلك: ٤٥٠٣ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن خصيف، عن الشعبي قال: كل يمين حالت بين الرجل وبين امرأته فهي إيلاء، إذا قال:"والله لأغضبنَّك، والله لأسوأنَّك، والله لأضربنَّك"، وأشباه هذا. ٤٥٠٤ - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثني أبي وشعيب، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ابن أبي ذئب العامريّ: أن رجلا من أهله قال لامرأته:"إن كلمتك سنة فأنت طالق"، واستفتى القاسم وسالمًا فقالا إن كلمتها قبل سنة فهي طالق، وإن لم تكلمها فهي طالقٌ إذا مضت أربعة أشهر. ٤٥٠٥ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان قال، سمعت حمادًا قال، قلت لإبراهيم: الإيلاء: أن يحلفَ أن لا يجامعها ولا يكلمها ولا يجمع رأسه برأسها، أو ليغضبنَّها، أو ليحرِمنَّها، أو ليسوأنَّها؟ قال: نعم. ٤٥٠٦ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال: سألت الحكم عن رجل قال لامرأته:"والله لأغيظنك"! فتركها أربعة أشهر، قال: هو إيلاء. ٤٥٠٧ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، سمعت شعبة قال: سألت، الحكم فذكر مثله. ٤٥٠٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثنا يونس قال، قال ابن شهاب، حدثني سعيد بن المسيب: [[في المطبوعة: "حدثني سعيد بن المسيب أنه قال إن حلف. . . " والصواب من المخطوطة بحذف"قال".]] أنه إن حلف رجل أن لا يكلم امرأته يومًا أو شهرًا، قال: فإنا نرى ذلك يكون إيلاءً. وقال: إلا أن يكون حلف أن لا يكلمها، فكان يمسُّها فلا نرى ذلك يكون من الإيلاء. والفَيْءُ، أن يفيء إلى امرأته فيكلمها أو يمسها. فمن فعل ذلك، قبل أن تمضي الأربعة أشهر، [[في المطبوعة: "الأربعة الأشهر" والذي في المخطوطة صواب في العربية لا بأس به.]] فقد فاء. ومن فاء بعد أربعة أشهر وهي في عِدَّتها، فقد فاء وملك امرأته، غير أنه مضت لها تطليقة. * * * قال أبو جعفر: وعلة من قال:"إنما الإيلاء في الغضب والضَرار": أنّ الله تعالى ذكره إنما جعل الأجلَ الذي أجَّل في الإيلاء مخرجًا للمرأة من عَضْل الرجل وضراره إياها، [[العضل من الزوج لامرأته: أن يضارها ولا يحسن عشرتها، فهو لا يعاملها معاملة الأزواج ولا يتركها تتصرف في نفسها.]] فيما لها عليه من حُسن الصحبة والعِشرة بالمعروف. وإذا لم يكن الرجل لها عاضلا ولا مُضارًا بيمينه وحلفه على ترك جماعها، بل كان طالبًا بذلك رضاها، وقاضيًا بذلك حاجتها، لم يكن بيمينه تلك مُوليًا، لأنه لا معنى هنالك لَحِق المرأةَ به من قِبَل بعلها مساءةٌ وسوء عشرة، [[في المطبوعة: "يلحق المرأة" والصواب من المخطوطة.]] فيجعل الأجل - الذي جُعل للمولي - لها مخرجًا منه. [[في المخطوطة والمطبوعة: "الذي جعل المولى" وصواب السياق يقتضي ما أثبت. والضمير في"منه" راجع إلى"لا معنى هنالك".]] * * * وأما علة من قال:"الإيلاء في حال الغضب والرضا سواء"، عموم الآية، وأن الله تعالى ذكره لم يخصص من قوله:" للذين يؤلون من نسائهم تربُّص أربعة أشهر" بعضًا دون بعض، بل عمّ به كلَّ مُولٍ ومُقسِم. فكل مقسِم على امرأته أن لا يغشاها مدةً هي أكثر من الأجل الذي جَعل الله له تربُّصه، فمُولٍ من امرأته عند بعضهم. وعند بعضهم: هو مُولٍ، وإن كانت مدة يمينه الأجل الذي جُعل له تربُّصه. * * * وأما علة من قال بقول الشعبي والقاسم وسالم: أن الله تعالى ذكره جعل الأجل الذي حدَّه للمُولي مخرجًا للمرأة مِن سوء عشرتها بعلها إياها وضراره بها. وليست اليمين عليها بأن لا يجامعها ولا يقرَبها، بأولى بأن تكون من معاني سوء العشرة والضِّرار، من الحلف عليها أن لا يكلمها أو يسوءَها أو يغيظها. لأن كل ذلك ضررٌ عليها وسوء عشرة لها. * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك بالصواب، قولُ من قال: كل يمين منَعت المقسم الجماعَ أكثر من المدة التي جعل الله للمولي تربُّصَها، قائلا في غضب كان ذلك أو رضًا. وذلك للعلة التي ذكرناها قبل لقائلي ذلك. وقد أتينا على فساد قول من خالف ذلك في كتابنا ﴿كتاب اللطيف﴾ بما فيه الكفاية، فكرهنا إعادته في هذا الموضع. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: فإن رجعوا إلى ترك ما حلَفوا عليه أن يفعلوه بهن من ترك جماعهن، فجامعوهن وحنِثوا في أيمانهم ="فإن الله غفورٌ"، لما كان منهم من الكذب في أيمانهم بأن لا يأتوهن ثم أتوهُن، ولما سلف منهم إليهن، [[في المخطوطة والمطبوعة: "وبما سلف" والسياق يتطلب ما أثبت.]] من اليمين على ما لم يكن لهم أن يحلفوا عليه فحلفوا عليه ="رحيم" بهم وبغيرهم من عباده المؤمنين. * * * وأصل"الفيء"، الرجوع من حال إلى حال، ومنه قوله تعالى ذكره: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ إلى قوله ﴿حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ [سورة الحجرات: ٩] ، يعني: حتى ترجع إلى أمر الله. ومنه قول الشاعر: [[هو سحيم عبد بني الحسحاس.]] فَفاءَتْ وَلَمْ تَقْضِ الَّذِي أَقْبَلَتْ لَهُ ... وَمِنْ حَاجَةِ الإنْسَانِ مَا لَيْسَ قَاضِيَا [[ديوانه: ١٩ وحماسة ابن الشجري: ١٦٠ وغيرهما من قصيدته الغراء العجيبة وقد مضى منها بيت فيما سلف ١: ١٠٦ن ٤٤٧. والضمير في قوله: "ففاءت" إلى صاحبته التي ذكرها وذكر ما بينه وبينها. ورواية الطبري وابن الشجري أحب إي من رواية الديوان: "ولم تقض الذي هو أهله". يقول: عادت إلى أهلها وقد أضاعت ما كانت مزمعة أن تفعله، أنساها حبه وغزله ما كانت نوته وإرادته. فيعزيها بأن المرء ربما طلب قضاء شيء ويشاء الله غيره فإذا هو لا يقتضيه.]] يقال منه:"فاء فلان يفيء فَيْئة" - مثل"الجيئة" و"فَيْأ". و"الفَيْئة" المرة. [[يريد أنه بناء المرة الواحدة إلا أنه وضع موضع المصدر مثل: "الرجفة والرحمة" والاسم من ذلك"الفيئة والجئة" (بكسر الفاء والجيم منهما) .]] فأما في الظلّ فإنه يقال:"فاء الظلّ يفيء فُيُوءًا وفَيْأ"، وقد يقال:"فيوءًا" أيضًا في المعنى الأول، [[أكثر كتب اللغة تجعل"الفيوء" مصدرًا في المعنى الأول ولا تجعله مصدرًا في معنى الظل. وما قاله الطبري حسن وثيق.]] لأن"الفيء" في كل الأشياء بمعنى الرجوع. * * * وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أنهم اختلفوا فيما يكون به المولي فائيًا. فقال بعضهم: لا يكون فائيًا إلا بالجماع. * ذكر من قال ذلك: ٤٥٠٩ - حدثنا علي بن سهل الرملي قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: الفيء الجماع. ٤٥١٠ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو نعيم، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: الفيء الجماع. [[الأثر: ٤٥١٠- يزيد بن زياد بن أبي الجعد الأشجعي الغطفاني مولى لهم، روى عن الحكم بن عتيبة وعاصم الجحدري وعمه عبيد بن أبي الجعد، وأخيه سلمة بن زياد وغيرهم. وعنه وكيع وابن نمير وأبو نعيم وغيرهم. ذكره ابن حبان في الثقات. وكان في المطبوعة"يزيد بن أبي زياد عن أبي الجعد" والصواب من المخطوطة.]] ٤٥١١ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس مثله. ٤٥١٢ - حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن صاحب له، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس مثله. ٤٥١٣ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حصين، عن الشعبي، عن مسروق قال: الفيءُ الجماع. ٤٥١٤ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن حصين، عن الشعبي، عن مسروق مثله. ٤٥١٥ - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل قال: كان عامر لا يرى الفيء إلا الجماع. ٤٥١٦ - حدثنا تميم بن المنتصر قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا إسماعيل، عن عامر بمثله. ٤٥١٧ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير قال: الفيء الجماع. ٤٥١٨ - حدثنا أبو عبد الله النشائي قال، حدثنا إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير مثله. [[الأثر: ٤٥١٨-"أبو عبد الله النشائي" هو محمد بن حرب بن حرمان النشائي، ويقال النشاستجي، أبو عبد الله الواسطي. روى عن إسماعيل بن علية ومحمد بن يزيد الواسطي وإسحاق بن يوسف الأزرق وغيرهم. مات سنة ٢٥٥. مترجم في التهذيب.]] ٤٥١٩ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن سعيد بن جبير قال: الفيءُ الجماع، لا عذرَ له إلا أن يجامع وإن كان في سجن أو سفر - سعيدٌ القائل. ٤٥٢٠ - حدثني محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن جبير أنه قال: لا عذرَ له حتى يغشى. ٤٥٢١ - حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن حماد وإياس، عن الشعبي = قال أحدهما: عن مسروق = قال: الفيء الجماع = وقال الآخر: عن الشعبي: الفيء الجماع. ٤٥٢٢ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب - في رجل آلى من امرأته، ثم شغله مرض - قال: لا عذر له حتى يغشى. ٤٥٢٣ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي، عن قتادة، عن سعيد بن جبير - في الرجل يولي من امرأته قبل أن يدخل بها أو بعد ما دخل بها، فيعرض له عارضٌ يحبسه، أو لا يجد ما يَسُوق: أنه إذا مضت أربعة أشهر، أنها أحق بنفسها. ٤٥٢٤ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم والشعبي قالا إذا آلى الرجل من امرأته، ثم أراد أن يفيء، فلا فيء إلا الجماع. * * * وقال آخرون:"الفيء": المراجعة باللسان أو القلب في حال العذر، وفي غير حال العذر الجماع. * ذكر من قال ذلك: ٤٥٢٥ - حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن وعكرمة أنهما قالا إذا كان له عذرٌ فأشهد، فذاك له = يعني في رجل آلى من امرأته فشغله مرضٌ أو طريق، فأشهد على مراجعة امرأته. ٤٥٢٦ - حدثنا محمد بن يحيى قال، أخبرنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن صاحب له، عن الحكم قال: تذاكرنا أنا والنخعي ذاك، [[في المطبوعة: "ذلك" وأثبت ما في المخطوطة وهما سواء.]] فقال النخعي: إذا كان له عذر فأشهد، فقد فاء. وقلت أنا: لا عذر له حتى يغشى. فانطلقنا إلى أبي وائل، فقال: إني أرجو إذا كان له عذر فأشهد، جاز. [[الأثر: ٤٥٢٦-"أبو وائل" وهو شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي أدرك رسول الله ﷺ ولم يره. وروى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ وغيرهم من الصحابة والتابعين. قال الأعمش قال لي أبو وائل: يا سليمان لو رأيتني ونحن هراب من خالد بن الوليد فوقعت من البعير فكادت تندق عنقي! فلو مت يومئذ كانت النار! قال: وكنت يومئذ ابن إحدى عشرة سنة. ومات بعد الجماجم سنة ٨٣. مترجم في التهذيب.]] ٤٥٢٧ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الحسن قال: إنْ آلى، ثم مرض أو سُجن أو سافر فراجع، فإنّ له عذرًا أن لا يجامع = قال: وسمعت الزهري يقول مثل ذلك. ٤٥٢٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم - في النفساء يُولي منها زوجها - قال: هذه في مُحارِب، سئل عنها أصحاب عبد الله فقالوا: إذا لم يستطع كفَّر عن يمينه، وأشهد على الفيء. [[الأثر: ٤٥٢٨- انظر"حبان بن موسى" فيما سلف الأثر رقم: ٤٤٩٨. وقوله: "هذه في محارب" يعني قبيلة محارب الذين منهم أبو الشعثاء المحاربي: "سليم بن أسود بن حنظلة المحاربي" سيظهر في الآثار التالية، ولا سيما الأثر رقم: ٤٥٣٥ فقد ذكر صاحب الإيلاء هناك.]] ٤٥٢٩ - حدثنا أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي الشعثاء قال: نزل به ضيفٌ فآلى من امرأته فنفست، [[نفست المرأة (بالبناء للمجهول) ونفست (بفتح فكسر) نفسًا (بفتحتين) ونفاسًا: ولدت. وأصله من"النفس" (بفتح فسكون) وهو: الدم وسميت بذلك لما يكون مع الولد وبعده من الدم.]] فأراد أن يفيء، فلم يستطع أن يقرَبها من أجل نفاسها، فأتى علقمة فذكر ذلك له، فقال: أليس قد فئتَ بقلبك ورَضيت؟ قال: بلى! قال: فقد فئت! هي امرأتك! ٤٥٣٠ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الأعمش، عن إبراهيم: أن رجلا آلى من امرأته فولدت قبل أن تمضي أربعة أشهر، أراد الفيئة فلم يستطع من أجل الدم حتى مضت أربعة أشهر، فسأل عنها علقمة بن قيس فقال: أليس قد راجعتها في نفسك؟ قال: بلى! قال: فهي امرأتك. ٤٥٣١ - حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث قال، أخبرنا عامر، عن الحسن قال: إذا آلى من امرأته ثم لم يقدر أن يغشاها من عذر، قال: يُشهد أنه قد فاء، وهي امرأته. ٤٥٣٢ - حدثنا عمران قال، حدثنا عبد الوارث قال، حدثنا عامر، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة بمثله. ٤٥٣٣ - حدثنا ابن بشار = قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثنى أبي، عن قتادة، عن عكرمة قال: وحدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة قال: إذا آلى من امرأته فجهد أن يغشاها فلم يستطع، فله أن يُشهد على رَجْعتها. ٤٥٣٤ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن وعكرمة: أنهما سئلا عن رجل آلى من امرأته، فشغله أمر، فأشهد على مراجعة امرأته، قالا إذا كان له عذرٌ فذاك له. ٤٥٣٥ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا غندر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم قال: انطلقت أنا وإبراهيم إلى أبي الشعثاء، فحدَّث أن رجلا من بني سعد بن همّام آلى من امرأته فنُفِست، فلم يستطع أن يقرَبها، فسأل الأسود - أو بعض أصحاب عبد الله - فقال: إذا أشهد فهي امرأته. ٤٥٣٦ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا غندر قال، حدثنا شعبة، عن حماد، عن إبراهيم أنه قال: إن كان له عذرٌ فأشهد، فذلك له - يعني المُولي من امرأته. ٤٥٣٧ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم: أنه كان يحدث عن أبي الشعثاء، عن علقمة وأصحاب عبد الله أنهم قالوا - في الرجل إذا آلى من امرأته فنُفِست - قالوا: إذا أشهد فهي امرأته. ٤٥٣٨ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد قال: إذا آلى الرجل من امرأته ثم فاء، فليشهد على فَيْئه. وإذا آلى الرجل من امرأته وهو في أرض غير الأرض التي فيها امرأته، فليشهد على فيئه. فإن أشهدَ وهو لا يعلم أن ذلك لا يجزيه من وقوعه عليها، فمضت أربعة أشهر قبل أن يجامعها، فهي امرأته. وإن علم أنه لا فيء إلا في الجماع في هذا الباب، ففاء وأشهد على فيئه ولم يقع عليها حتى مضت أربعة أشهر، فقد بانتْ منه. ٤٥٣٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني يونس قال: قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب: أنه إذا آلى الرجل من امرأته، قال: فإن كان به مرضٌ ولا يستطيع أن يمسَّها، أو كان مسافرًا فحبس، قال: فإذا فاء وكفَّر عن يمينه، فأشهد على فيئه قبل أن تمضي أربعة أشهر، فلا نراه إلا قد صلح له أن يُمسك امرأته، ولم يذهب من طلاقها شيء. قال، وقال ابن شهاب - في رجل يُولي من امرأته، ولم يبق لها عليه إلا تطليقة، فيريد أن يفيء في آخر ذلك وهو مريض أو مسافر، أو هي مريضة أو طامث أو غائبة لا يقدر على أن يبلغها، حتى تمضي أربعة أشهر - أله في شيء من ذلك رخصة، أن يكفر عن يمينه ولم يقدر على أن يطأ امرأته؟ قال: نرى، والله أعلم، إن فاء قبل الأربعة الأشهر فهي امرأته، بعد أن يشهد على ذلك، ويكفِّر عن يمينه، وإن لم يبلغها ذلك من فيئته، فإنه قد فاء قبل أن يكون طلاقًا. ٤٥٤٠ - حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: الفيء الجماع. فإن هو لم يقدر على المجامعة وكانت به علة مرض أو كان غائبًا أو كان محرمًا أو شيء له فيه عذر، ففاء بلسانه وأشهد على الرضا، فإنّ ذلك له فيءٌ إن شاء الله. * * * وقال آخرون:"الفيء" المراجعة باللسان بكلّ حال. * ذكر من قال ذلك: ٤٥٤١ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا الضحاك بن مخلد، عن سفيان، عن منصور وحماد، عن إبراهيم قال: الفيء أن يفيء بلسانه. ٤٥٤٢ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن زياد الأعلم، عن الحسن قال: الفيء الإشهاد. [[الأثر: ٤٥٤٢-"زياد الأعلم" هو زياد بن حسان بن قرة الباهلي روى عن أنس والحسن وابن سيرين. وعنه عون والحمادان. وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم. وقال أحمد: "ثقة ثقة" قال أبو حاتم: "هو من قدماء أصحاب الحسن". وقال الدارقطني: "هو قليل الحديث". مترجم في التهذيب.]] ٤٥٤٣ - حدثنا المثنى قال، حدثني الحجاج قال، حدثنا حماد، عن زياد الأعلم، عن الحسن مثله. ٤٥٤٤ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: إن فاء في نفسه أجزأه، يقول: قد فاء. ٤٥٤٥ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن إسماعيل بن رجاء قال: ذكروا الإيلاء عند إبراهيم فقال: أرأيت إن لم ينتشر ذكره؟ إذا أشهدَ فهي امرأته. * * * قال أبو جعفر: وإنما اختلف المختلفون في تأويل"الفيء" على قدر اختلافهم في معنى اليمين التي تكون"إيلاءً". فمن كان من قوله: إن الرجل لا يكون موليًا من امرأته الإيلاءَ الذي ذكره الله في كتابه إلا بالحلف عليها أن لا يجامعها، جعل الفيءَ الرجوعَ إلى فعل ما حلف عليه أن لا يفعله من جماعها، وذلك الجماعُ في الفرج إذا قدر على ذلك وأمكنه = وإذا لم يقدر عليه ولم يمكنه، فإحداثَ النية أن يفعله إذا قدر عليه وأمكنه، [[في المطبوعة: "بإحداث النية" وهو خطأ صرف صوابه من المخطوطة. وقوله"فإحداث" منصوب عطفًا على قوله: "جعل الفيء الرجوع. . . " بمعنى أنه إذا لم يقد عليه ولم يمكنه، جعل الفيء إحداث النية.]] وإبداء ما نوى من ذلك بلسانه ليعلمه المسلمون، [[في المطبوعة: "وأبدى" وهو خطأ مخل بالكلام، لم يحسن قراءة الخط القديم، وهو"وابدا" وظنه فعلا كالذي سبقه قوله: "وإبداء" منصوب عطفًا على قوله: "فإحداث" كما بينته في التعليق الآنف.]] في قول من قال ذلك. * * * وأما قولُ من رأى أنّ الفيء هو الجماع دون غيره، فإنه لم يجعل العائقَ له عذرًا، ولم يجعل له مخرجًا من يمينه غيرَ الرجوع إلى ما حلف على تركه، وهو الجماع. * * * وأما من كان من قوله أنه قد يكون موليًا منها بالحلف على ترك كلامها، أو على أن يسوءَها أو يغيظها أو ما أشبه ذلك من الأيمان، فإن الفيء عنده الرجوعُ إلى ترك ما حلف عليه أن يفعله - مما فيه من مساءتها - بالعزم على الرجوع عنه، وإبداء ذلك بلسانه، [[في المطبوعة: "وأبدى ذلك بلسانه" خطأ فاسد، وانظر التعليق السالف. وقوله: "وإبداء مرفوع معطوف على"الرجوع" في قوله: "فإن الفيء عنده الرجوع. . . "]] في كل حال عزم فيها على الفيء. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة في ذلك عندنا، قولُ من قال:"الفيء هو الجماع"، لأن الرجل لا يكون موليًا عندنا من امرأته إلا بالحلف على ترك جماعها المدةَ التي ذكرنا، للعلل التي وصفنا قبلُ. فإذ كان ذلك هو الإيلاء، [[في المطبوعة: "فإذا كان ذلك" خطأ وضعف والصواب الجيد من المخطوطة.]] فالفيء الذي يبطل حكم الإيلاء عنه، لا شك أنه غير جائز أن يكون إلا ما كان للذي آلى عليه خلافًا. [[في المطبوعة: "إلا ما كان الذي آلى. . . " وهو فساد والصواب من المخطوطة وقوله: "خلافًا" أي مخالفًا، كما سلف مئات من المرات.]] لأنه لما جعل حكمه إن لم يفئ إلى ما آلى على تركه، الحكمَ الذي بينه الله لهم في كتابه، كان الفيء إلى ذلك، معلومٌ أنه فعلُ ما آلى على تركه إن أطاقه، [[في المطبوعة: "معلومًا أنه. . . " والذي في المخطوطة جيد صحيح.]] وذلك هو الجماع. غير أنه إذا حيل بينه وبين الفيء - الذي هو جماعٌ - [[في المطبوعة: "هو الجماع" والصواب من المخطوطة.]] بعذر، فغير جائز أن يكون تاركًا جماعها على الحقيقة [[في المخطوطة: "فغير جائز تاركًا جماعها" ثم غير في المطبوعة إلى: "فغير كائن تاركًا جماعها" والجيد الذي يدل عليه السياق، زيادة"أن يكون" كما فعلت. وإن كان آخر كلام أبي جعفر قد حسن هذا التغيير الذي جاء في المطبوعة.]] . لأن المرء إنما يكون تاركًا = ما له إلى فعله وتركه سبيل. فأما من لم يكن له إلى فعل أمر سبيل، فغير كائنٍ تاركَهُ. وإذ كان ذلك كذلك، فإحداث العزم في نفسه على جماعها، مجزئ عنه في حال العذر، حتى يجد السبيل إلى جماعها. وإن أبدى ذلك بلسانه وأشهدَ على نفسه في تلك الحال بالأوبة والفيء، كان أعجبَ إليّ. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) ﴾ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معنى ذلك:"فإن الله غفورٌ" لكم فيما اجترمتم بفيئكم إليهنّ، من الحِنْث في اليمين التي حلفتم عليهن بالله أن لا تَغْشَوْهنّ ="رحيم" بكم في تخفيفه عنكم كفَّارةَ أيمانكم التي حلفتم عليهن، ثم حنِثتم فيه. * ذكر من قال ذلك: ٤٥٤٦ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن:" فإن فاءوا فإن الله غفور رحيمٌ"، قال: لا كفارة عليه. ٤٥٤٧ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الحسن قال: إذا فاء فلا كفَّارة عليه. ٤٥٤٨ - حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: كانوا يرون في قول الله:" فإن فاءوا فإنّ الله غفور رحيم": أن كفارته فيؤه. [[الأثر: ٤٥٤٨-"حبان بن موسى" سلف في هذا الإسناد برقم: ٤٥٢٨، وانظر أيضًا رقم: ٤٤٩٨ والتعليق عليه، وقد كان في المطبوعة والمخطوطة هنا: "حماد بن موسى" وهو خطأ وتحريف. وانظر ما سيأتي رقم: ٤٥٤٩.]] * * * قال أبو جعفر: وهذا التأويل الذي ذكرنا هو التأويل الواجبُ على قول من زعم أنّ كل حانث في يمين هو في المُقام عليها حَرِجٌ، [["حرج": آثم. وقد أسلفنا قول أهل اللغة في هذا الحرف، في الجزء ٢: ٤٢٣ تعليق: ١، ثم في هذا الجزء ٤: ٢٢٤، تعليق: ١]] فلا كفارة عليه في حنثه فيها، وأن كفارته الحنث فيها. * * * وأما على قول من أوجب على الحانث في كل يمين حلف بها [كفارة] ، [[الزيادة بين القوسين لا بد منها، ويدل عليها سياق التفسير الآتي.]] برًّا كان الحنِث فيها أو غير بِرّ، فإن تأويله:"فإن الله غفور" للمُولين من نسائهم فيما حنِثوا فيه من إيلائهم، فإن فاؤوا فكفّروا أيمانهم، بما ألزم الله الحانثين في أيمانهم من الكفارة ="رحيم" بهم، بإسقاطه عنهم العقوبة في العاجل والآجل على ذلك، بتكفيره إياه بما فرض عليهم من الجزاء والكفارة، وبما جعل لهم من المَهَل الأشهرَ الأربعة، [[المهل (بفتح فسكون، وبفتحتين) مصدر"مهلته" وهي كأمهلته: أي أنظرته ولم أعاجله.]] فلم يجعل فيها للمرأة التي آلى منها زوجها ما جعل لها بعد الأشهر الأربعة، كما:- ٤٥٤٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا حبان قال، أخبرنا ابن المبارك قال، حدثنا يحيى بن بشر، أنه سمع عكرمة يقول:" للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم * وإن عزموا الطلاق" - قال: وتلك رحمة الله! مَلَّكه أمرَها الأربعة الأشهر إلا من معذرة. لأن الله قال: ﴿وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ [سورة النساء: ٣٤] . [[الأثر: ٤٥٤٩- انظر التعليق على الأثر السالف رقم: ٤٥٤٨. و"يحيى بن بشر الخراساني أبو وهب روى عن عكرمة وروى عنه ابن المبارك. قال ابن المبارك: "إذا حدثك يحيى ابن بشر عن إنسان فلا تبالي أن لا تسمعه منه". مترجم في الكبير ٤/٢/٢٦٣ والجرح والتعديل ٤/١٢/١٣. وقد سلف في إسناد الطبري رقم: ٣٦١٩، ٣٦٥٢ ويأتي في رقم: ٤٧٤٩.]] * * * * ذكر بعض من قال: إذا فاء المولي فعليه الكفارة. ٤٥٥٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:" للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر"، وهو الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها، فيتربَّص أربعة أشهر، فإن هو نكحها كفَّر يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. ٤٥٥١ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال: حدثني يونس قال، حدثني ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب بنحوه. ٤٥٥٢ - حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم قال: إذا آلى فغشيها قبل الأربعة الأشهر، كفَّر عن يمينه. ٤٥٥٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا حبان قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم - في النُّفَساء يولي منها زوجها - قال: هذه في مُحارب، سئل عنها أصحاب عبد الله، فقالوا: إذا لم يستطع كفر عن يمينه وأشهد على الفيء. [[الأثر: ٤٥٥٣- انظر الأثر السالف ٤٥٢٨، ثم الآثار التي تليه والتعليق عليها.]] ٤٥٥٤ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: إن فاء فيها كفَّر يمينه، وهي امرأته. ٤٥٥٥ - حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله. ٤٥٥٦ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثام، عن الأعمش، عن إبراهيم في الإيلاء قال: يوقَف قبل أن تمضي الأربعة الأشهر، فإن راجعها فهي امرأته، وعليه يمين: يكفِّرها إذا حنِث. * * * قال أبو جعفر: وهذا التأويل الثاني هو الصحيح عندنا في ذلك، لما قد بينا من العلل في كتابنا ﴿كتاب الأيمان﴾ ، من أن الحنث موجبٌ الكفارةَ في كل ما ابتدئ فيه الحنث من الأيمان بعد الحلف، على معصية كانت اليمين أو على طاعة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب