الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: وقت الحج أشهر معلومات. * * * "والأشهر" مرفوعات بـ "الحج"، وإن كان له وقتا، لا صفة ونعتا، إذ لم تكن محصورات بتعريف، بإضافة إلى معرفة أو معهود، فصار الرفع فيهن كالرفع في قول العرب في نظير ذلك من المحل:" المسلمون جانب، والكفار جانب"، برفع الجانب الذي لم يكن محصورا على حد معروف. ولو قيل:"جانب أرضهم، أو بلادهم"، لكان النصب هو الكلام. [[انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن لفراء ١: ١١٩.]] * * * ثم اختلف أهل التأويل في قوله:" الحج أشهر معلومات". فقال بعضهم: يعني بـ "الأشهر المعلومات": شوالا وذا القعدة، وعشرا من ذي الحجة. * ذكر من قال ذلك: ٣٥١٨ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قوله:" الحج أشهر معلومات" قال: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة. ٣٥١٩ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان وشريك، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله. ٣٥٢٠ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن مقسم عن ابن عباس، مثله. ٣٥٢١ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن نصر السلمي، قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: أشهر الحج شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. [[سقط من ترقيمنا رقم: ٣٥٢٢.]] ٣٥٢٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:" الحج أشهر معلومات"، وهن: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، جعلهن الله سبحانه للحج، وسائر الشهور للعمرة، فلا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج، والعمرة يحرم بها في كل شهر. ٣٥٢٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله:" الحج أشهر معلومات"، قال: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. ٣٥٢٥ - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن وأبو عامر قالا حدثنا سفيان = وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق = قال: أخبرنا الثوري عن المغيرة، عن إبراهيم مثله. ٣٥٢٦ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي مثله. ٣٥٢٧ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان وإسرائيل، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله. ٣٥٢٨ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر، مثله. ٣٥٢٩ - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، مثله. ٣٥٣٠ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٣٥٣١ - حدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني هشيم، قال: أخبرنا الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس = وأخبرنا مغيرة، عن إبراهيم والشعبي = وأخبرنا يونس، عن الحسن = وأخبرنا جويبر، عن الضحاك = وأخبرنا حجاج، عن عطاء ومجاهد، مثله. [[الأثر: ٣٥٣١ - القائل: "وأخبرنا مغيرة. . . = وأخبرنا جويبر. . . = إلخ" هو هشيم.]] ٣٥٣٢ - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا حماد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة في" الحج أشهر معلومات". ٣٥٣٣ - حدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا ورقاء، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال:" الحج أشهر معلومات" قال: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة. ٣٥٣٤ - حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا حسين بن عقيل، عن الضحاك، قال: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. ٣٥٣٥ - حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا حسين بن عقيل الخراساني، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول، فذكر مثله. * * * وقال آخرون: بل يعني بذلك شوالا وذا القعدة، وذا الحجة كله. * ذكر من قال ذلك: ٣٥٣٦ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا ابن جريج، قال: قلت لنافع: أكان عبد الله يسمي أشهر الحج؟ قال: نعم، شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. ٣٥٣٧ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا ابن جريج، قال: قلت لنافع: أسمعت ابن عمر يسمي أشهر الحج؟ قال: نعم، كان يسمي شوالا وذا القعدة، وذا الحجة. ٣٥٣٨ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. ٣٥٣٩ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء:" الحج أشهر معلومات"، قال عطاء: فهي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. ٣٥٤٠ - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. ٣٥٤١ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" الحج أشهر معلومات" أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة = وربما قال: وعشر ذي الحجة. ٣٥٤٢ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:" الحج أشهر معلومات" قال: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. ٣٥٤٣ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، مثله. ٣٥٤٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. * * * قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وما وجه قائلي هذه المقالة، وقد علمت أن عمل الحج لا يعمل بعد تقضي أيام منى؟ قيل: إن معنى ذلك غير الذي توهمته، وإنما عنوا بقيلهم: الحج ثلاثة أشهر كوامل، أنهن أشهر الحج لا أشهر العمرة، وأن شهور العمرة سواهن من شهور السنة. ومما يدل على أن ذلك معناهم في قيلهم ذلك ما:- ٣٥٤٥ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع، قال: قال ابن عمر: أن تفصلوا بين أشهر الحج والعمرة فتجعلوا العمرة في غير أشهر الحج، أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته. ٣٥٤٦ - حدثني نصر بن علي الجهضمي، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا شعبة، قال: ما لقيني - أيوب أو قال: ما لقيت أيوب - إلا سألني عن حديث قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: قلت لعبد الله: امرأة منا قد حجت، أو هي تريد أن تحج، أفتجعل مع حجها عمرة؟ فقال: ما أرى هؤلاء إلا أشهر الحج. قال: فيقول لي أيوب ومن عنده: مثل هذا الحديث حدثك قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أنه سأل عبد الله؟ !. ٣٥٤٧ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن ابن عون، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: إن العمرة في أشهر الحج ليست بتامة. قال: فقيل له: العمرة في المحرم؟ فقال: كانوا يرونها تامة. ٣٥٤٨ - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن ابن عون، قال: سألت القاسم بن محمد عن العمرة في أشهر الحج، قال: كانوا لا يرونها تامة. ٣٥٤٩ - حدثنا ابن بيان الواسطي، قال: أخبرنا إسحاق عن عبد الله بن عون، عن ابن سيرين أنه كان يستحب العمرة في المحرم، قال: تكون في أشهر الحج؟ قال: كانوا لا يرونها تامة. ٣٥٥٠ - حدثنا ابن بيان، قال: حدثنا إسحاق، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، قال: قال ابن عمر للحكم بن الأعرج أو غيره: إن أطعتني انتظرت حتى إذا أهل المحرم خرجت إلى ذات عرق فأهللت منها بعمرة. ٣٥٥١ - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن أبي يعقوب، قال: سمعت ابن عمر يقول: لأن أعتمر في عشر ذي الحجة أحب إلي من أن أعتمر في العشرين. ٣٥٥٢ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: سألت ابن مسعود عن امرأة منا أرادت أن تجمع مع حجها عمرة، فقال: أسمع الله يقول:" الحج أشهر معلومات" ما أراها إلا أشهر الحج. ٣٥٥٣ - حدثني أحمد بن المقدام، قال: حدثنا حزام القطعي، قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: ما أحد من أهل العلم شك أن عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج. = ونظائر ذلك مما يطول باستيعاب ذكره الكتاب، مما يدل على أن معنى قيل من قال: وقت الحج ثلاثة أشهر كوامل، أنهن من غير شهور العمرة، وأنهن شهور لعمل الحج دون عمل العمرة، وإن كان عمل الحج إنما يعمل في بعضهن لا في جميعهن. * * * وأما الذين قالوا: تأويل ذلك: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة، فإنهم قالوا: إنما قصد الله جل ثناؤه بقوله:" الحج أشهر معلومات" إلى تعريف خلقه ميقات حجهم، لا الخبر عن وقت العمرة. قالوا: فأما العمرة، فإن السنة كلها وقت لها، لتظاهر الأخبار عن رسول الله ﷺ أنه اعتمر في بعض شهور الحج، ثم لم يصح عنه بخلاف ذلك خبر. قالوا: فإذا كان ذلك كذلك، وكان عمل الحج ينقضي وقته بانقضاء العاشر من أيام ذي الحجة، علم أن معنى قوله:" الحج أشهر معلومات" إنما هو ميقات الحج، شهران وبعض الثالث. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، قول من قال: إن معنى ذلك: الحج شهران وعشر من الثالث؛ لأن ذلك من الله خبر عن ميقات الحج، ولا عمل للحج يعمل بعد انقضاء أيام منى، فمعلوم أنه لم يعن بذلك جميع الشهر الثالث، وإذا لم يكن معنيا به جميعه، صح قول من قال: وعشر ذي الحجة. * * * فإن قال قائل: فكيف قيل:" الحج أشهر معلومات" وهو شهران وبعض الثالث؟ قيل: إن العرب لا تمتنع خاصة في الأوقات من استعمال مثل ذلك، فتقول:" له اليوم يومان منذ لم أره"، وإنما تعني بذلك: يوما وبعض آخر، وكما قال جل ثناؤه: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] وإنما يتعجل في يوم ونصف. وقد يفعل الفاعل منهم الفعل في الساعة، ثم يخرجه عاما على السنة والشهر، فيقول:" زرته العام، وأتيته اليوم"، وهو لا يريد بذلك أن فعله أخذ من أول الوقت الذي ذكره إلى آخره، ولكنه يعني أنه فعله إذ ذاك، وفي ذلك الحين، فكذلك" الحج أشهر"، والمراد منه: الحج شهران وبعض آخر. [[انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء ١: ١٥٢.]] * * * فمعنى الآية إذا: ميقات حجكم أيها الناس شهران وبعض الثالث، وهو شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:" فمن فرض فيهن الحج"، فمن أوجب الحج على نفسه وألزمها إياه فيهن - يعني: في الأشهر المعلومات التي بينها. وإيجابه إياه على نفسه، العزم على عمل جميع ما أوجب الله على الحاج عمله، وترك جميع ما أمره الله بتركه. * * * وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي يكون به الرجل فارضا الحج، بعد إجماع جميعهم، على أن معنى" الفرض": الإيجاب والإلزام. فقال بعضهم: فرض الحج الإهلال. * ذكر من قال ذلك: ٣٥٥٤ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا ورقاء، عن عبد الله المدني بن دينار، عن ابن عمر قوله:" فمن فرض فيهن الحج" قال: من أهل بحج. ٣٥٥٥ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي = وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق = قال: أخبرنا الثوري، عن العلاء بن المسيب، عن عطاء، قال: التلبية. ٣٥٥٦ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران = وحدثنا علي، قال: حدثنا زيد= جميعا، عن سفيان الثوري:" فمن فرض فيهن الحج" قال: فالفريضة الإحرام، والإحرام التلبية. ٣٥٥٧ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا شريك، عن إبراهيم - يعني ابن مهاجر-، عن مجاهد:" فمن فرض فيهن الحج" قال: الفريضة: التلبية. ٣٥٥٨ - حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا ورقاء عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر:" فمن فرض فيهن الحج" قال: أهل. ٣٥٥٩ - حدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا شريك، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الفرض التلبية، ويرجع إن شاء ما لم يحرم. ٣٥٦٠ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" فمن فرض فيهن الحج" قال: الفرض: الإهلال. ٣٥٦١ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه:" فمن فرض فيهن الحج" قال: التلبية. ٣٥٦٢ - حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم، قال: حدثنا أبو عمرو الضرير، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن جبر بن حبيب، قال: سألت القاسم بن محمد عن:" من فرض فيهن الحج"، قال: إذا اغتسلت ولبست ثوبك ولبيت، فقد فرضت الحج. [[الخر: ٣٥٦٢ - إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن ماعز، أبو مسلم الكجي الحافظ: ثقة نبيل، مدحه البحتري. له كتاب في السنن. مات سنة ٢٩٢ وقد قارب المئة. مترجم في تذكرة الحفاظ ٢: ١٧٦- ١٧٧ن وتاريخ بغداد ٦: ١٢٠- ١٢٤. "أبو عمر الضرير الأكبر": هو حفص بن عمر البصري، وهو ثقة كان غاية في السنة وكان من العلماء بالفرائض والحساب والشعر وأيام الناس والفقه. مات سنة ٢٢٠، عن بضع وسبعين سنة. ووقع في المطبوعة"أبو عمرو". وهو خطأ. "جبر بن حبيب": ثقة وكان إماما في اللغة. مترجم في التهذيب والكبير ١/٢/٢٤٢، وابن أبي حاتم ١/١/٥٣٣. ولم يذكروا له رواية إلا عن أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق. فيستفاد من هذا الموضع روايته أيضًا عن ابن أخيها: القاسم بن محمد بن أبي بكر.]] وقال آخرون: فرض الحج إحرامه. * ذكر من قال ذلك: ٣٥٦٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:" فمن فرض فيهن الحج" يقول: من أحرم بحج أو عمرة. ٣٥٦٤ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن = وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد= وحدثني المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم = قالوا جميعا: حدثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم:" فمن فرض فيهن الحج" قال: فمن أحرم - واللفظ لحديث ابن بشار. ٣٥٦٥ - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك والحسن بن صالح، عن ليث، عن عطاء، قال: الفرض: الإحرام. ٣٥٦٦ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا الحجاج، عن عطاء وبعض أشياخنا عن الحسن في قوله:" فمن فرض فيهن الحج" قالا فرض الحج الإحرام. ٣٥٦٧ - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة:" فمن فرض فيهن الحج" فهذا عند الإحرام. ٣٥٦٨ - حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا حسين بن عقيل، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: الفرض الإحرام. ٣٥٦٩ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا حسين بن عقيل الخراساني، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول، فذكر مثله. ٣٥٧٠ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، قال: أخبرنا المغيرة، عن إبراهيم:" فمن فرض فيهن الحج" قال: من أحرم. * * * قال أبو جعفر: وهذا القول الثاني يحتمل أن يكون بمعنى ما قلنا من أن يكون الإحرام -كان عند قائله- الإيجاب بالعزم، ويحتمل أن يكون كان عنده بالعزم والتلبية، كما قال القائلون القول الأول. وإنما قلنا: إن فرض الحج الإحرام، لإجماع الجميع على ذلك. وقلنا: إن الإحرام هو إيجاب الرجل ما يلزم المحرم أن يوجبه على نفسه، على ما وصفنا آنفا، لأنه لا يخلو القول في ذلك من أحد أمور ثلاثة: إما أن يكون الرجل غير محرم إلا بالتلبية وفعل جميع ما يجب على الموجب الإحرام على نفسه فعله، فإن يكن ذلك كذلك، فقد يجب أن لا يكون محرما إلا بالتجرد للإحرام، وأن يكون من لم يكن له متجردا فغير محرم. وفي إجماع الجميع على أنه قد يكون محرما وإن لم يكن متجردا من ثيابه، بإيجابه الإحرام = ما يدل على أنه قد يكون محرما وإن لم يلب، إذ كانت التلبية بعض مشاعر الإحرام، كما التجرد له بعض مشاعره. وفي إجماعهم على أنه قد يكون محرما بترك بعض مشاعر حجه، ما يدل على أن حكم غيره من مشاعره حكمه. أو يكون - إذ فسد هذا القول - قد يكون محرما وإن لم يلب ولم يتجرد ولم يعزم العزم الذي وصفنا. وفي إجماع الجميع على أنه لا يكون محرما من لم يعزم على الإحرام ويوجبه على نفسه، إذا كان من أهل التكليف، ما ينبئ عن فساد هذا القول. وإذ فسد هذان الوجهان فبينة صحة الوجه الثالث، وهو أن الرجل قد يكون محرما بإيجابه الإحرام بعزمه على سبيل ما بينا، وإن لم يظهر ذلك بالتجرد والتلبية وصنيع بعض ما عليه عمله من مناسكه. وإذا صح ذلك صح ما قلنا من أن فرض الحج، هو ما قرن إيجابه بالعزم، [[في المطبوعة: "هو ما مر إيجابه بالعزم" وهو تحريف فاسد لا معنى له. والدليل على صحة ما ذهبت إليه في قراءة هذا النص قوله في أول تفسير هذه الكلمة من الآية: "وإيجابه إياه على نفسه، العزم على عمل جميع ما أوجب الله على الحاج عمله. . . " ثم ما جاء بعد ذلك في تفصيل معنى"الفرض". فالسياق يقتضي ما أثبت من قراءتي للنص.]] على نحو ما بينا قبل. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَلا رَفَثَ﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى" الرفث" في هذا الموضع، [[انظر ما سلف في معنى: "الرفث" من الجزء ٣: ٤٨٧، ٤٨٨]] فقال بعضهم: هو الإفحاش للمرأة في الكلام، وذلك بأن يقول:" إذا حللنا فعلت بك كذا وكذا"، لا يكني عنه، وما أشبه ذلك. * ذكر من قال ذلك: ٣٥٧١ - حدثنا أحمد بن حماد الدولابي ويونس قالا حدثنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عباس عن الرفث في قول الله:" فلا رفث ولا فسوق" قال: هو التعريض بذكر الجماع، وهي"العرابة" من كلام العرب، وهو أدنى الرفث. [[الخبر: ٣٥٧١- أحمد بن حماد الدولابي: مضت ترجمته في: ٢٥٩٣. والعرابة (بفتح الهين وكسرها) والإعراب والتعريب والإعرابة: ما قبح من الكلام أو التصريح بالهجر من الكلام والفاحش منه. وأعرب الرجل وعرب: أفحش. والجيد هنا أن يقال إن"العرابة" هو التعريض بالنكاح. وأنظر الآثار الآتية من رقم: ٣٥٨١ وما بعده.]] ٣٥٧٢ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن روح بن القاسم، عن ابن طاوس في قوله:" فلا رفث" قال: الرفث: العرابة والتعريض للنساء بالجماع. ٣٥٧٣ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن عون، قال: حدثنا زياد بن حصين، قال: حدثني أبي حصين بن قيس، قال: أصعدت مع ابن عباس في الحاج، وكنت له خليلا فلما كان بعدما أحرمنا قال ابن عباس، فأخذ بذنب بعيره، فجعل يلويه، وهو يرتجز ويقول: وهن يمشين بنا هميسا ... إن تصدق الطير ننك لميسا [[لم أعرف قائله، وسيأتي في هذا الجزء ١٢٧، ١٣٠ - ثم في ٥: ٦٨/ ثم ١٦: ١٥٧ (بولاق) وهو رجز كثير الدوران في الكتب. والهمس والهميس: الصوت الخفي الذي لا غور له في الكلام والوطء والأكل وغيرها. ولميس: اسم صاحبته. ويزيد بقوله: "إن تصدق الطير" أنه زجر الطير فتيامن بمرها ودلته على قرب اجتماعه بأصحابه وأهله.]] قال: فقلت: أترفث وأنت محرم؟ قال: إنما الرفث ما قيل عند النساء. ٣٥٧٤ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن رجل، عن أبي العالية الرياحي، عن ابن عباس أنه كان يحدو وهو محرم، ويقول: وهن يمشين بنا هميسا ... إن تصدق الطير ننك لميسا [[انظر التعليق السالف]] قال: قلت: تتكلم بالرفث وأنت محرم؟ قال: إنما الرفث ما قيل عند النساء. ٣٥٧٥ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الرفث إتيان النساء، والتكلم بذلك للرجال والنساء، إذا ذكروا ذلك بأفواههم. ٣٥٧٦ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي، مثله. ٣٥٧٧ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أيحل للمحرم أن يقول لامرأته:" إذا حللت أصبتك"؟ قال: لا ذاك الرفث. قال: وقال عطاء: الرفث ما دون الجماع. ٣٥٧٨ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثني محمد بن بكر، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: الرفث الجماع وما دونه من قول الفحش. ٣٥٧٩ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: قول الرجل لامرأته:" إذا حللت أصبتك"، قال: ذاك الرفث!. ٣٥٨٠ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن زيادة بن حصين، عن أبي العالية، قال: كنت أمشي مع ابن عباس وهو محرم، وهو يرتجز ويقول: وهن يمشين بنا هميسا ... إن تصدق الطير ننك لميسا [[انظر التعليق السالف: ١٢٦ تعليق: ١]] قال: قلت: أترفث يا ابن عباس وأنت محرم؟ قال: إنما الرفث ما روجع به النساء. ٣٥٨١ - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا سفيان ويحيى بن سعيد، عن ابن جريج، قال: أخبرنا ابن الزبير السبائي وعطاء: أنه سمع طاوسا قال: سمعت ابن الزبير يقول: لا يحل للمحرم الإعرابة. فذكرته لابن عباس، فقال: صدق! قلت لابن عباس: وما الإعراب؟ قال: التعريض. [[الخبر: ٣٥٨١ -ابن الزبير السبائي: هكذا ثبت في المطبوعة؛ ولا أدري ما هذا؟ ولا من هو؟ ولولا كلمة"السبائي" لظننا أنه"أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي المكي" التابعي المشهور، فإنه من هذه الطبقة. وانظر تفسير"الإعرابة" والإعراب" فيما سلف ص: ١٢٥، تعليق: ٣.]] ٣٥٨٢ - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني الحسن بن مسلم، عن طاوس أنه كان يقول: لا يحل للمحرم الإعرابة. قال طاوس: والإعرابة: أن يقول وهو محرم:" إذا حللت أصبتك". ٣٥٨٣ - حدثني أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا فطر، عن زياد بن حصين، عن أبي العالية، قال: لا يكون رفث إلا ما واجهت به النساء. [[الأثر: ٣٥٨٣ - فطر، هو فطر بن خليفة القرشي المخزومي مولاهم. وكان في المطبوعة"قطر" بالقاف، ومضى مرارا، وظننته تصحيفا مع الطابع ولكنه تكرر فنبهت هنا عليه، وعلى تصويبه.]] ٣٥٨٤ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن عطاء قال: كانوا يكرهون الإعرابة - يعني التعريض بذكر الجماع - وهو محرم. ٣٥٨٥ - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن ابن طاوس أنه سمع أباه أنه كان يقول: لا تحل الإعرابة."والإعرابة" التعريض. ٣٥٨٦ - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عباس عن قول الله تعالى:" فلا رفث" قال: الرفث الذي ذكر ههنا، ليس بالرفث الذي ذكر في: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] ومن" الرفث"، التعريض بذكر الجماع، وهي الإعرابة بكلام العرب. [[انظر ما سلف في الجزء ٣: ٤٨٧]] ٣٥٨٧ - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا أبو معاوية: قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء: أنه كره التعريب للمحرم. ٣٥٨٨ - حدثنا عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن طاوس أن أباه كان يقول: الرفث: الإعرابة مما وراه من شأن النساء، والإعرابة: الإيضاح بالجماع. [[في المطبوعة: "مما رواه من شأن النساء" والصواب ما أثبت ومعناه: مما كنى به من شأن النساء وما عرض به من ذكرهن.]] ٣٥٨٩ - حدثنا عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: حدثنا الحسن بن مسلم أنه سمع طاوسا يقول: لا يحل للمحرم الإعرابة. ٣٥٩٠ - حدثني علي بن داود، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:" فلا رفث" قال: الرفث: غشيان النساء والقبل والغمز، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام ونحو ذلك. ٣٥٩١ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد قال: كان ابن عمر يقول للحادي: لا تعرض بذكر النساء. ٣٥٩٢ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر وابن جريج، عن ابن طاوس عن أبيه، عن ابن عباس، قال: الرفث في"الصيام": الجماع، والرفث في"الحج" الإعرابة. وكان يقول: الدخول والمسيس الجماع. * * * وقال آخرون:"الرفث" في هذا الموضع: الجماع نفسه. * ذكر من قال ذلك: ٣٥٩٣ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن خصيف، عن مقسم، قال: الرفث: الجماع. ٣٥٩٤ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، مثله. ٣٥٩٥ - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس قال: الرفث: إتيان النساء. ٣٥٩٦ - حدثنا عبد الحميد قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال: سألت ابن عباس عن الرفث، فقال: الجماع. ٣٥٩٧ - حدثنا عبد الحميد، قال: حدثنا إسحاق، عن سفيان، عن عاصم الأحول، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عباس قال: الرفث: هو الجماع، ولكن الله كريم يكني عما شاء. ٣٥٩٨ - حدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن الأعمش، عن زياد بن حصين، عن أبي العالية قال: سمعت ابن عباس يرتجز وهو محرم، يقول: خرجن يسرين بنا هميسا ... إن تصدق الطير ننك لميسا [[انظر تخريجه فيما سلف: ١٢٦ تعليق ١. وهذه رواية تخالف الماضية: "وهن يمشين".]] = قال شريك:"إلا أنه لم يكن عن الجماع" - لميسا. [[يريد أن شريكا أنشد البيت: "إن تصدق الطير" ثم قطع الإنشاد وقال: "ألا إنه لم يكن الجماع" ثم عاد للإنشاد فقال: "لميسا"، ولم ينطق الكلمة.]] فقلت: أليس هذا الرفث؟ قال: لا إنما الرفث: إتيان النساء والمجامعة. ٣٥٩٩ - حدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن عون، عن زياد بن حصين، عن أبي العالية، عن ابن عباس بنحوه - إلا أن عونا صرح به. ٣٦٠٠ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفيان، عن عاصم، عن بكر، عن ابن عباس، قال: الرفث الجماع. ٣٦٠١ - حدثنا عبد الحميد، قال: حدثنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قوله:" فلا رفث" قال: الرفث إتيان النساء. ٣٦٠٢ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا حماد بن مسعدة، قال: حدثنا عوف، عن الحسن في قوله:" فلا رفث"، قال: الرفث: غشيان النساء. ٣٦٠٣ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عمرو بن دينار: الرفث: الجماع فما دونه من شأن النساء. ٣٦٠٤ - حدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار بنحوه. ٣٦٠٥ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء في قوله:" فلا رفث" قال: الرفث الجماع. ٣٦٠٦ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد:" فلا رفث"، قال: الرفث الجماع. ٣٦٠٧ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن سعيد، عن قتادة في قوله:" فلا رفث" قال: كان قتادة يقول: الرفث: غشيان النساء. ٣٦٠٨ - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة مثله. ٣٦٠٩ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: الرفث: الجماع. ٣٦١٠ -حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: أخبرنا إسرائيل، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضحى، عن ابن عباس، قال: الرفث: الجماع. ٣٦١١ -حدثنا أحمد، حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: الرفث: الجماع. ٣٦١٢ - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير، قال: الرفث: المجامعة. ٣٦١٣ -حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي:" فلا رفث" فلا جماع. ٣٦١٤ - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:" فلا رفث" قال: الرفث: الجماع. ٣٦١٥ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" فلا رفث" قال: جماع النساء. ٣٦١٦ - حدثنا المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله:" فلا رفث" قال: الرفث: الجماع. ٣٦١٧ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد، عن الحجاج، عن عطاء بن أبي رباح، قال: الرفث: الجماع. ٣٦١٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: الرفث الجماع. ٣٦١٩ - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشر، عن عكرمة قال: الرفث: الجماع. [[الأثر: ٣٦١٩ - يحيى بن بشر الخراساني ترجم له البخاري في الكبير ٤/٢/٢٦٣، وذكر أنه سمع عكرمة عن ابن عباس.]] ٣٦٢٠ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن النضر بن عربي، عن عكرمة، قال: الرفث: الجماع. ٣٦٢١ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن حسين بن عقيل = وحدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم = وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق = قالا أخبرنا حسين بن عقيل، عن الضحاك، قال: الرفث: الجماع. ٣٦٢٢ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس، مثله - قال: وأخبرنا عبد الملك، عن عطاء، مثله. ٣٦٢٣ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن = وأخبرنا مغيرة، عن إبراهيم = قالا مثل ذلك. ٣٦٢٤ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين - وأخبرنا مغيرة، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. ٣٦٢٥ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الرفث: النكاح. ٣٦٢٦ - حدثنا أحمد بن حازم قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا إسرائيل، قال: حدثني ثوير، قال: سمعت ابن عمر يقول الرفث: الجماع. ٣٦٢٧ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الرفث: غشيان النساء = قال معمر: وقال مثل ذلك الزهري عن قتادة. ٣٦٢٨ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الرفث: إتيان النساء، وقرأ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] ٣٦٢٩ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله:" فلا رفث" قال: الرفث: الجماع. ٣٦٣٠ - حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، مثله. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن الله جل ثناؤه نهى -من فرض الحج في أشهر الحج- عن الرفث، فقال:" فمن فرض فيهن الحج فلا رفث". و"الرفث" في كلام العرب: أصله الإفحاش في المنطق على ما قد بينا فيما مضى، ثم تستعمله في الكناية عن الجماع. [[انظر ما سلف في الجزء ٣: ٤٨٧، ٤٨٨.]] فإذ كان ذلك كذلك، [[في المطبوعة: "فإن كان ذلك كذلك" وهو خطأ والصواب ما أثبت.]] وكان أهل العلم مختلفين في تأويله، وفي هذا النهي من الله عن بعض معاني"الرفث" أم عن جميع معانيه؟ - وجب أن يكون على جميع معانيه، إذ لم يأت خبر = بخصوص"الرفث" الذي هو بالمنطق عند النساء من سائر معاني"الرفث" = [[السياق: "إذ لم يأت خبر يجب التسليم له".]] يجب التسليم له، إذ كان غير جائز نقل حكم ظاهر آية إلى تأويل باطن إلا بحجة ثابتة. * * * فإن قال قائل: إن حكمها من عموم ظاهرها إلى الباطن من تأويلها، [[في المطبوعة: "فإن قال قائل بأن حكمها. . . " والصواب ما أثبت وانظر مراجع"الظاهر والباطن" في فهارس الأجزاء السالفة، وهذا الجزء.]] منقول بإجماع. وذلك أن الجميع لا خلاف بينهم في أن"الرفث" عند غير النساء غير محظور على محرم، فكان معلوما بذلك أن الآية معني بها بعض"الرفث" دون بعض. وإذا كان ذلك كذلك، وجب أن لا يحرم من معاني"الرفث" على المحرم شيء إلا ما أجمع على تحريمه عليه، أو قامت بتحريمه حجة يجب التسليم لها. قيل: إن ما خص من الآية فأبيح، خارج من التحريم، والحظر ثابت لجميع ما لم تخصصه الحجة من معنى"الرفث" بالآية، كالذي كان عليه حكمه لو لم يخص منه شيء، لأن ما خص من ذلك وأخرج من عمومه إنما لزمنا إخراج حكمه من الحظر بأمر من لا يجوز خلاف أمره، فكان حكم ما شمله معنى الآية - بعد الذي خص منها- على الحكم الذي كان يلزم العباد فرضه بها لو لم يخصص منها شيء، لأن العلة فيما لم يخصص منها بعد الذي خص منها، نظير العلة فيه قبل أن يخص منها شيء. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلا فُسُوقَ﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى"الفسوق"، التي نهى الله عنها في هذا الموضع، [[انظر ما سلف في معنى"الفسق" ١: ٤٠٩-٤١٠/ ٢: ١١٨، ٣٩٩.]] فقال بعضهم: هي المعاصي كلها. * ذكر من قال ذلك: ٣٦٣١ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، قال الفسوق: المعاصي. ٣٦٣٢ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء:" ولا فسوق"، قال: الفسوق المعاصي. ٣٦٣٣ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثني محمد بن بكر، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: الفسوق: المعاصي كلها، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] ٣٦٣٤ - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: حدثنا إسحاق، عن ابن جريج، عن عطاء، مثله. ٣٦٣٥ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا حماد بن مسعدة، قال: حدثنا عوف، عن الحسن في قوله:" ولا فسوق"، قال: الفسوق المعاصي. ٣٦٣٦ - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: حدثنا إسحاق، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: الفسوق: المعصية. ٣٦٣٧ - حدثنا عبد الحميد، قال: حدثنا إسحاق، عن أبي بشر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الفسوق: المعاصي كلها. ٣٦٣٨ - حدثني يعقوب قال: أخبرنا ابن عيينة، عن روح بن القاسم، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله:" ولا فسوق"، قال: الفسوق: المعاصي. ٣٦٣٩ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي في قوله:" ولا فسوق" قال: الفسوق المعاصي كلها. ٣٦٤٠ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية = وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد = جميعا، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة:" ولا فسوق"، قال: الفسوق المعاصي. ٣٦٤١ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" ولا فسوق" قال: المعاصي. ٣٦٤٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٣٦٤٣ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير، قال: الفسوق المعاصي = قال: وقال مجاهد مثل قول سعيد. ٣٦٤٤ - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: الفسوق المعاصي. ٣٦٤٥ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" ولا فسوق"، قال: الفسوق: عصيان الله. ٣٦٤٦ - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله:" ولا فسوق" قال: الفسوق المعاصي. ٣٦٤٧ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد، عن الحجاج، عن عطاء بن أبي رباح، قال: الفسوق المعاصي. ٣٦٤٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري وقتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. ٣٦٤٩ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا الحجاج، عن عطاء، عن ابن عباس:" ولا فسوق" قال: المعاصي = قال: وأخبرنا عبد الملك، عن عطاء مثله. ٣٦٥٠ - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. ٣٦٥١ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن النضر بن عربي، عن عكرمة، مثله. ٣٦٥٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشر، عن عكرمة قال: الفسوق معصية الله، لا صغير من معصية الله. ٣٦٥٣ - حدثني علي بن داود، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس:" ولا فسوق" قال: الفسوق: معاصي الله كلها. ٣٦٥٤ - حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه = وعن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الفسوق: المعاصي. وقال مثل ذلك الزهري وقتادة. * * * وقال آخرون: بل"الفسوق" في هذا الموضع: ما عصي الله به في الإحرام مما نهى عنه فيه، من قتل صيد، وأخذ شعر، وقلم ظفر، وما أشبه ذلك مما خص الله به الإحرام، وأمر بالتجنب منه في خلال الإحرام. * ذكر من قال ذلك: ٣٦٥٥ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم. ٣٦٥٦ - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: الفسوق: ما أصيب من معاصي الله به، صيد أو غيره. [[قوله: "من معاصي الله به"، أي بالحرم.]] * * * وقال آخرون: بل"الفسوق" في هذا الموضع: السباب. * ذكر من قال ذلك: ٣٦٥٧ - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: الفسوق: السباب. ٣٦٥٨ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: الفسوق: السباب. ٣٦٥٩ - حدثني أحمد بن حازم الغفاري، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا إسرائيل، قال: حدثنا ثوير، قال: سمعت ابن عمر يقول: الفسوق: السباب. ٣٦٦٠ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام عن عمرو، عن عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد:" ولا فسوق"، قال: الفسوق السباب. ٣٦٦١ - حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في قوله:" ولا فسوق"، قال: أما الفسوق: فهو السباب. ٣٦٦٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا معلى بن أسد، قال: حدثنا خالد، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: الفسوق السباب. ٣٦٦٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا معلى، قال: حدثنا عبد العزيز، عن موسى بن عقبة، قال: سمعت عطاء بن يسار يحدث نحوه. ٣٦٦٤ - حدثنا القاسم، قال: حدثني الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن = قال: وأخبرنا مغيرة، عن إبراهيم = قالا الفسوق السباب. ٣٦٦٥ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: الفسوق: السباب. ٣٦٦٦ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله:" ولا فسوق" قال: الفسوق: السباب. ٣٦٦٧ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور عن إبراهيم، مثله. * * * وقال آخرون:"الفسوق": الذبح للأصنام. * ذكر من قال ذلك: ٣٦٦٨ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في"الفسوق": الذبح للأنصاب، وقرأ: ﴿أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [الأنعام: ١٤٥] فقطع ذلك أيضا، [[قوله: "قطع ذلك أيضًا " يشير إلى ما قطع من الرفث وحرم.]] قطع الذبح للأنصاب بالنبي ﷺ، حين حج فعلم أمته المناسك. * * * وقال آخرون:"الفسوق": التنابز بالألقاب. * ذكر من قال ذلك: ٣٦٦٩ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا حسين بن عقيل، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول، فذكر مثله. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال التي ذكرنا بتأويل الآية في ذلك، قول من قال: معنى قوله:" ولا فسوق" النهي عن معصية الله في إصابة الصيد، وفعل ما نهى الله المحرم عن فعله في حال إحرامه. وذلك أن الله جل ثناؤه قال:" فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق"، يعني بذلك: فلا يرفث، ولا يفسق، أي لا يفعل ما نهاه الله عن فعله في حال إحرامه، ولا يخرج عن طاعة الله في إحرامه. وقد علمنا أن الله جل ثناؤه قد حرم معاصيه على كل أحد، محرما كان أو غير محرم، وكذلك حرم التنابز بالألقاب في حال الإحرام وغيرها بقوله: ﴿وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ﴾ [الحجرات: ١١] وحرم على المسلم سباب أخيه في كل حال، فرض الحج أو لم يفرضه. فإذ كان ذلك كذلك، فلا شك أن الذي نهى الله عنه العبد من الفسوق في حال إحرامه وفرضه الحج، هو ما لم يكن فسوقا في حال إحلاله وقبل إحرامه بحجه، كما أن"الرفث" الذي نهاه عنه في حال فرضه الحج، هو الذي كان له مطلقا قبل إحرامه. لأنه لا معنى لأن يقال فيما قد حرم الله على خلقه في كل الأحوال:"لا يفعلن أحدكم في حال الإحرام ما هو حرام عليه فعله في كل حال". لأن خصوص حال الإحرام به لا وجه له، وقد عم به جميع الأحوال من الإحلال والإحرام. فإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذي نهى عنه المحرم من"الفسوق" فخص به حال إحرامه، وقيل له:" إذا فرضت الحج فلا تفعله"، هو الذي كان له مطلقا قبل حال فرضه الحج، وذلك هو ما وصفنا وذكرنا أن الله جل ثناؤه خص بالنهي عنه المحرم في حال إحرامه مما نهاه عنه: من الطيب، واللباس، والحلق، وقص الأظفار، وقتل الصيد، وسائر ما خص الله بالنهي عنه المحرم في حال إحرامه. * * * فتأويل الآية إذا: فمن فرض الحج في أشهر الحج فأحرم فيهن، فلا يرفث عند النساء فيصرح لهن بجماعهن، ولا يجامعهن، ولا يفسق بإتيان ما نهاه الله في حال إحرامه بحجه، من قتل صيد، وأخذ شعر، وقلم ظفر، وغير ذلك مما حرم الله عليه فعله وهو محرم. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في ذلك. فقال بعضهم: معنى ذلك: النهي عن أن يجادل المحرم أحدا. ثم اختلف قائلو هذا القول. فقال بعضهم: نهى عن أن يجادل صاحبه حتى يغضبه. * ذكر من قال ذلك: ٣٦٧٠ - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله:" ولا جدال في الحج"، قال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه. ٣٦٧١ - حدثنا عبد الحميد، قال: حدثنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال: سألت ابن عباس عن"الجدال"، فقال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه. ٣٦٧٢ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عيينة، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: الجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه. ٣٦٧٣ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك بن سليمان، عن عطاء، قال: الجدال: أن يماري الرجل أخاه حتى يغضبه. ٣٦٧٤ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير:" ولا جدال في الحج" قال: أن تمحن صاحبك حتى تغضبه. [[أنا في شك من هذه اللفظة: "تمحن"، وإن كان لها وجه في العربية، من قولهم: محنت الفضة: إذا أذبتها بالنار لتختبرها، ومحن الفرس بالعدو: جهده ومحنه بالسوط: ضربه. كل هذا صالح في مجاز المماراة والمخاصمة. ولكني أظن صوابها: "تمحك" من قولهم: محكه، إذا نازعه في الكلام وتمادى حتى يغضبه، منه حديث علي: "لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم". والمحك المشارة والمنازعة في الكلام، واللجاج والتمادي عند المساومة والغضب وغيرها.]] ٣٦٧٥ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عمرو، عن شعيب بن خالد، عن سلمة بن كهيل، قال: سألت مجاهدا عن قوله:" ولا جدال في الحج"، قال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه. ٣٦٧٦ - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: حدثنا إسحاق، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار قال: الجدال هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه. ٣٦٧٧ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا حماد بن مسعدة، قال: حدثنا عوف، عن الحسن، قال: الجدال: المراء. ٣٦٧٨ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: الجدال: أن تجادل صاحبك حتى تغضبه. ٣٦٧٩ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير، قال: الجدال: أن تصخب [على] صاحبك. [[الزيادة بين القوسين لا بد منها، والصخب الصياح والجلبة، صخب يصخب صخبا، وهو فعل غير متعد. وسيأتي في الآثار الآتية: أن الجدال هو الصخب والمراء.]] ٣٦٨٠ - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد:" ولا جدال في الحج" قال: المراء. ٣٦٨١ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق = وحدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم = قالا حدثنا حسين بن عقيل، عن الضحاك قال: الجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه. ٣٦٨٢ - حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا واقد الخلقاني، عن عطاء، قال: أما الجدال: فتماري صاحبك حتى تغضبه. [[الخبر: ٣٦٨٢ - واقد الخلقاني: هو"واقد بن عبد الله الخلقاني الكوفي الحنظل". ترجمه البخاري في الكبير ٤/٢/١٧٣ وقال: "سمع عطاء". وترجمه ابن أبي حاتم ٤/٢/٣٣، وزاد أنه"بياع الغنم" وأنه"روى عنه وكيع، ومروان الفزاري وأبو نعيم" وأنه سأل عنه أباه، فقال: "شيخ محله الصدق". وله رواية في المسند: ٥٣٩"عمن رأى عثمان بن عفان" ولكنه نسب فيه التميمي". و"الحنظلي": تميمي أيضًا. وقد وهم فيه الحسيني، وتعقبه الحافظ في التعجيل: ٤٣٥- ٤٣٦ فأحسن بيانه. و"الخلقاني" قال ابن الأثير في اللباب: "بضم الخاء [يعني المعجمة] وسكون اللام وفتح القاف وفي آخرها نون: هذه النسبة إلى بيع الخلق من الثياب وغيرها".]] ٣٦٨٣ - حُدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: الجدال: المراء، أن تماري صاحبك حتى تغضبه. ٣٦٨٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا المعلى بن أسد، قال: حدثنا خالد، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: الجدال المراء. ٣٦٨٥ - حدثني المثنى، قال: حدثنا المعلى، قال: حدثنا عبد العزيز، عن موسى بن عقبة، قال: سمعت عطاء بن يسار يحدث نحوه. ٣٦٨٦ - حدثني ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن أبي جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم بمثله. ٣٦٨٧ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد، عن الحجاج، عن عطاء بن أبي رباح، قال: الجدال: أن يماري بعضهم بعضا حتى يغضبوا. ٣٦٨٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشر، عن عكرمة:" ولا جدال " الجدال الغضب، أن تغضب عليك مسلما، إلا أن تستعتب مملوكا فتعظه من غير أن تغضبه، ولا إثم عليك إن شاء الله تعالى في ذلك. [[الأثر: ٣٦٨٨ - في تفسير ابن كثير ١: ٤٦٠ وفيه"ولا بأس عليك إن شاء الله". وفي المطبوعة هنا"ولا أمر عليك"، ولعل الصواب ما أثبت. واستعبه: رده عن الإساءة يعني تأديبه.]] ٣٦٨٩ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثني أبي، عن النضر بن عربي، عن عكرمة، قال: الجدال: أن تماري صاحبك حتى يغضبك أو تغضبه. ٣٦٩٠ - حدثنا المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري وقتادة قالا الجدال هو الصخب والمراء وأنت محرم. ٣٦٩١ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: الجدال ما أغضب صاحبك من الجدل. ٣٦٩٢ - حدثني علي، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:" ولا جدال في الحج"، قال: الجدال: المراء والملاحاة حتى تغضب أخاك وصاحبك، فنهى الله عن ذلك. ٣٦٩٣ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن مقسم عن ابن عباس، قال: الجدال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه. ٣٦٩٤ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، قال: الجدال: المراء. ٣٦٩٥ - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري وقتادة قالا هو الصخب والمراء وأنت محرم. ٣٦٩٦ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم:" ولا جدال في الحج"، كانوا يكرهون الجدال. * * * وقال آخرون منهم:"الجدال" في هذا الموضع، معناه: السباب. * ذكر من قال ذلك: ٣٦٩٧ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الجدال في الحج: السباب والمراء والخصومات. ٣٦٩٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: الجدال: السباب والمنازعة. ٣٦٩٩ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الجدال: السباب. ٣٧٠٠ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد = وحدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية = جميعا، عن سعيد، عن قتادة، قال: الجدال: السباب. * * * وقال آخرون منهم: بل عنى بذلك خاصا من الجدال والمراء، وإنما عنى الاختلاف فيمن هو أتم حجا من الحجاج. * ذكر من قال ذلك: ٣٧٠١ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي، قال:"الجدال"، كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء:"حجنا أتم من حجكم! "، وقال هؤلاء:"حجنا أتم من حجكم! ". * * * وقال آخرون منهم: بل ذلك اختلاف كان يكون بينهم في اليوم الذي فيه الحج، فنهوا عن ذلك. * ذكر من قال ذلك: ٣٧٠٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد، عن جبر بن حبيب، عن القاسم بن محمد أنه قال: الجدال في الحج أن يقول بعضهم:"الحج اليوم! "، ويقول بعضهم:"الحج غدا!. * * * وقال آخرون: بل اختلافهم ذلك في أمر مواقف الحج أيهم المصيب موقف إبراهيم. * ذكر من قال ذلك: ٣٧٠٣ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:" ولا جدال في الحج"، قال: كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون، كلهم يدعي أن موقفه موقف إبراهيم. فقطعه الله حين أعلم نبيه ﷺ بمناسكهم. * * * وقال آخرون: بل قوله جل ثناؤه:" ولا جدال في الحج"، خبر من الله تعالى عن استقامة وقت الحج على ميقات واحد لا يتقدمه ولا يتأخره، وبطول فعل النسيء. [[ستأتي صفة"النسيء" في الأثر: ٣٧٠٥، وقوله: "بطول" مصدر بطل الشيء بطولا وبطلانا. وقد أكثر الطبري من استعماله انظر ما سلف ٢: ٤٢٦ ثم الجزء ٣: ٢٠٥ن تعليق: ٦، والتعليق فيهما.]] * ذكر من قال ذلك: ٣٧٠٤ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد في قوله:" ولا جدال في الحج"، قال: قد استقام الحج ولا جدال فيه. ٣٧٠٥ - حدثني محمد بن عمرو، قال: أخبرنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد" ولا جدال في الحج"، قال: لا شهر ينسأ، ولا شك في الحج، قد بين. كانوا يسقطون المحرم ثم يقولون:"صفران" لصفر وشهر ربيع الأول، ثم يقولون:" شهرا ربيع" لشهر ربيع الآخر وجمادى الأولى، ثم يقولون:"جماديان" لجمادى الآخرة ولرجب، ثم يقولون لشعبان:"رجب"، ثم يقولون لرمضان:"شعبان"، ثم يقولون لشوال:"رمضان"، ويقولون لذي القعدة:"شوال"، ثم يقولون لذي الحجة:"ذا القعدة"، ثم يقولون للمحرم:"ذا الحجة"، فيحجون في المحرم. ثم يأتنفون فيحسبون على ذلك عدة مستقبلة على وجه ما ابتدءوا، [[استأنف الشيء وائتنفه: أخذ أوله وابتدأه. من قولهم: أنف الشيء أي أوله.]] فيقولون:"المحرم وصفر وشهرا ربيع"، فيحجون في المحرم ليحجوا في كل سنة مرتين، فيسقطون شهرا آخر، فيعدون على العدة الأولى، فيقولون:"صفران، وشهرا ربيع" نحو عدتهم في أول ما أسقطوا. ٣٧٠٦ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه. ٣٧٠٧ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: صاحب النسيء الذي ينسأ لهم أبو ثمامة رجل من بني كنانة. ٣٧٠٨ - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا ابن إسحاق، عن أبي بشر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" ولا جدال في الحج" قال: لا شبهة في الحج، قد بين الله أمر الحج. ٣٧٠٩ - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي" ولا جدال في الحج"، قال: قد استقام أمر الحج فلا تجادلوا فيه. ٣٧١٠ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" ولا جدال في الحج" قال: لا شهر ينسأ، ولا شك في الحج قد بين. ٣٧١١ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد:" ولا جدال في الحج"، قال: قد علم وقت الحج، فلا جدال فيه ولا شك. ٣٧١٢ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن عبد العزيز والعلاء، عن مجاهد، قال: هو شهر معلوم لا تنازع فيه. ٣٧١٣ - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن سالم، عن مجاهد:" ولا جدال في الحج"، قال: لا شك في الحج. ٣٧١٤ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس:" ولا جدال في الحج" قال: المراء بالحج. ٣٧١٥ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،" ولا جدال في الحج"، فقد تبين الحج. قال: كانوا يحجون في ذي الحجة عامين، وفي المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين. وكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين، ثم وافقت حجة أبي بكر من العامين في ذي القعدة قبل حجة النبي ﷺ بسنة، ثم حج النبي ﷺ من قابل في ذي الحجة، فذلك حين يقول رسول الله ﷺ:"إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض". ٣٧١٦ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله:" ولا جدال في الحج" قال: بين الله أمر الحج ومعالمه فليس فيه كلام. * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في قوله:" ولا جدال في الحج" بالصواب، قولُ من قال: معنى ذلك: قد بطل الجدال في الحج ووقته، واستقام أمره ووقته على وقت واحد، ومناسك متفقة غير مختلفة، ولا تنازع فيه ولا مراء. وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أن وقت الحج أشهر معلومات، ثم نفى عن وقته الاختلاف الذي كانت الجاهلية في شركها تختلف فيه. وإنما اخترنا هذا التأويل في ذلك، ورأيناه أولى بالصواب مما خالفه، لما قد قدمنا من البيان آنفا في تأويل قوله:" ولا فسوق"، أنه غير جائز أن يكون الذي خص بالنهي عنه في تلك الحال [إلا ما هو] مطلق مباح في الحال التي يخالفها، [[هذه الزيادة لا بد منها حتى يستقيم الكلام. وكان في الأصل أيضًا: "أنه غير جائز أن يكون الله خص. . " واستقامة الكلام تقتضي ما أثبت.]] وهي حال الإحلال. وذلك أن حكم ما خص به من ذلك حكم حال الإحرام، إن كان سواء فيه حال الإحرام وحال الإحلال، فلا وجه لخصوصه به حالا دون حال، وقد عم به جميع الأحوال. وإذ كان ذلك كذلك، وكان لا معنى لقول القائل في تأويل قوله:" ولا جدال في الحج"، أن تأويله: لا تمار صاحبك حتى تغضبه، إلا أحد معنيين: إما أن يكون أراد: لا تماره بباطل حتى تغضبه، فذلك ما لا وجه له. لأن الله عز وجل، قد نهى عن المراء بالباطل في كل حال، محرما كان المماري أو محلا فلا وجه لخصوص حال الإحرام بالنهي عنه، لاستواء حال الإحرام والإحلال في نهي الله عنه. أو يكون أراد: لا تماره بالحق، وذلك أيضا ما لا وجه له. لأن المحرم لو رأى رجلا يروم فاحشة، كان الواجب عليه مراءه في دفعه عنها، أو رآه يحاول ظلمه والذهاب منه بحق له قد غصبه عليه، كان عليه مراؤه فيه وجداله حتى يتخلصه منه. والجدال والمراء لا يكون بين الناس إلا من أحد وجهين: إما من قبل ظلم، وإما من قبل حق، فإذا كان من أحد وجهيه غير جائز فعله بحال، ومن الوجه الآخر غير جائز تركه بحال، فأي وجوهه التي خص بالنهي عنه حال الإحرام؟ وكذلك لا وجه لقول من تأوَّل ذلك أنه بمعنى السباب، لأن الله تعالى ذكره قد نهى المؤمنين بعضهم عن سباب بعض على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام في كل حال، فقال ﷺ: ٣٧١٧ -" سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر". [[الحديث: ٣٧١٧ - رواه الطبري بغير إسناد. وهو حديث صحيح ثابت من روايات كثيرة. فرواه أحمد في المسند: ٣٦٤٧، من حديث عبد الله بن مسعود. وكذلك رواه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه. وانظر بقية أرقامه في المسند في الاستدراك: ٨٨٦. وثبت أيضًا من رواية صحابة آخرين، انظر الفتح الكبير ٢: ١٥٠- ١٥١.]] = فإذا كان المسلم عن سب المسلم منهيا في كل حال من أحواله، محرما كان أو غير محرم، فلا وجه لأن يقال: لا تسبه قي حال الإحرام إذا أحرمت = وفيما روي عن رسول الله ﷺ من الخبر الذي:- ٣٧١٨ - حدثنا به محمد بن المثنى، قال: حدثني وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، خرج مثل يوم ولدته أمه". ٣٧١٩ - حدثني علي بن سهل، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا شعبة، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. [[الحديث: ٣٧١٨- ٣٧٢٠"سيار": بفتح السين وتشديد الياء: مضت ترجمته في: ٣٩. أبو حازم: هو الأشجعي واسمه"سلمان" مولى عزة الأشجعية. وهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وليس"أبو حازم" هنا-"أبا حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد" فإن سلمة لم يسمع من أبي هريرة، كما نص عليه الحافظ في الفتح ٣: ٣٠٢. والحديث رواه أبو داود الطيالسي: ٢٥١٩ عن سيار ومنصور- كلاهما عن أبي حازم. ورواه أحمد في المسند: ٩٣٠٢ (٢: ٤١٠ حلبي) والبخاري ٣: ٣٠٢- ٣٠٣، كلاهما من طريق شعبة، عن سيار به. وسيأتي مرة رابعة، من طريق شعبة عن سيار: ٣٧٢٥.]] ٣٧٢٠ - حدثنا أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ، مثل حديث ابن المثنى، عن وهب بن جرير. ٣٧٢١ - حدثني ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريره، عن النبي ﷺ، مثله أيضا. ٣٧٢٢ - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني منصور، قال: سمعت أبا حازم يحدث عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، نحوه. [[الحديثان: ٣٧٢١، ٣٧٢٢ - منصور: هو ابن المعتمر. وقد سمع منصور هذا الحديث من أبي حازم، كما صرح بذلك في الإسناد الثاني. فانتفت بذلك شبهة عدم سماعه هذا الحديث منه. كما سيأتي بيانه في: ٣٧٢٦، ٣٧٢٧. * والحديث من هذا الوجه -رواه الطيالسي: ٢٥١٩، عن شعبة- كما أشرنا من قبل. * ورواه أيضًا أحمد في المسند: ٩٣٠٠ (٢: ٤١٠ حلبي) والبخاري ٤: ١٧ (فتح) كلاهما من طريق شعبة عن منصور.]] ٣٧٢٣ - حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا محمد بن عبيد الله، عن الأعمش، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كما ولدته أمه". [[الحديث: ٣٧٢٣ -هو في معنى الأحاديث قبله وبعده. وقد رواه الدارقطني في سننه ص: ٢٨٢، من طريق حجاج بن أرطأة عن الأعمش بهذا الإسناد بلفظ: "من حج أو اعتمر، فلم يرفث ولم يفسق، يرجع كهيئته يوم ولدته أمه". فزاد الحجاج بن أرطأة لفظ"أو اعتمر". * وأشار الحافظ في الفتح ٣: ٣٠٢ -إلى رواية الدارقطني هذه، وقال: "لكن في الإسناد إلى الأعمش ضعف".]] ٣٧٢٤ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وأبو أسامة، عن سفيان، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ، فذكر مثله - إلا أنه قال: رجع كما ولدته أمه. [[الحديث: ٣٧٢٤ -سفيان: هو الثوري. والحديث -من هذا الوجه- رواه أحمد في المسند: ١٠٢٧٩ (٢: ٤٨٤ حلبي) عن وكيع وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سفيان. وكذلك رواه البخاري ٤: ١٧ (فتح) عن محمد بن يوسف -وهو الفريابي- عن سفيان. * وقد رواه أحمد أيضًا: ٧٣٧٥ (٢: ٢٤٨ حلبي) عن سفيان عن منصور. وسفيان هنا: هو ابن عيينة.]] ٣٧٢٥ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، عن شعبة، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ، فذكر نحوه، إلا أنه قال: رجع إلى أهله مثل يوم ولدته أمه". ٣٧٢٦ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير، عن إبراهيم بن طهمان، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال، فذكر نحوه - إلا أنه قال: رجع إلى أهله مثل يوم ولدته أمه. ٣٧٢٧ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير، عن إبراهيم بن طهمان، عن منصور عن هلال بن يساف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: من حج هذا البيت - يعني الكعبة- فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه. [[الحديثان: ٣٧٢٦، ٣٧٢٧ -هما إسناد واحد مكرر لحديث واحد. لم يذكر لفظه كاملا في أولهما، وذكره في ثانيهما. ولا أدري سبب هذا؟ * يعقوب بن إبراهيم: هو الدورقي الحافظ، مضى مرارا، آخرها: ٣٢٢٣. يحيى بن أبي بكير- بضم الباء الموحدة وفتح الكاف- الأسدي القيسي: ثقة معروف، أخرج له أصحاب الكتب الستة مات سنة ٢٠٨ أو ٢٠٩. ووقع في المطبوعة هنا"يحيى بن أبي كثير". وهو خطأ فإن ابن أبي كثير قديم الوفاة مات سنة ١٢٩ أو ١٣٢. ويعقوب الدورقي ولد سنة ١٦٦، فلا يعقل أن يروى عنه. * وإبراهيم بن طهمان الخراساني: ثقة صحيح الحديث، أخرج له الأئمة الستة. منصور: هو ابن المعتمر، كما مضى في بعض الأسانيد السابقة. * هلال بن يساف -ويقال: إساف- الأشجعي الكوفي: تابعي ثقة كبير، لعله أقدم من أبي حازم. و"يساف": بكسر الياء التحتية وفتح السين المهملة مخففة. وكذلك"إساف" بالهمزة بدل الياء. ووقع في المطبوعة هنا في الإسنادين"هلال بن يسار". وهو خطأ صرف. * والحديث -من هذا الوجه- رواه البيهقي في السنن الكبرى ٥: ٢٦٢ من طريق محمد بن إسماعيل الصائغ عن يحيى بن أبي بكير، بهذا الإسناد. * ومنصور قد سمع هذا الحديث من أبي حازم مباشرة، كما صرح بذلك في الرواية الماضية: ٣٧٢٢. فقال الحافظ في الفتح ٤: ١٧"فانتفى بذلك تعليل من أعله بالاختلاف على منصور. لأن البيهقي أورده من طريق إبراهيم بن طهمان عن منصور عن هلال بن يساف، عن أبي حازم زاد فيه رجلا. فإن كان إبراهيم حفظه، فلعله حمله منصور عن هلال، ثم لقى أبا حازم فسمعه منه، فحدث به على الوجهين". * ونزيد هنا أن الحديث رواه أيضًا أحمد في المسند: ١٠٤١٤ (٢: ٤٩٤ حلبي) عن جرير عن منصور عن أبي حاتم وكذلك رواه مسلم ١: ٣٨٢ من طريق جرير. * ورواه مسلم أيضًا من طريق أبي عوانة وأبي الأحوص ومسعر والثوري وشعبة -كلهم عن منصور عن أبي حازم. وكذلك رواه النسائي ٢: ٣- ٤ من طريق الفضيل بن عياض عن منصور به.]] ٣٧٢٨ - حدثنا الفضل بن الصباح، قال: حدثنا هشيم بن بشير، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كهيئة يوم ولدته أمه. [[الحديث: ٣٧٢٨ -رواه أحمد في المسند: ٧١٣٦، عن هشيم بهذا الإسناد وكذلك رواه مسلم ١: ٣٨٢- ٣٨٣، عن سعيد بن منصور عن هشيم به، وانظر ما سيأتي رقم: +٣٠٥٩.]] * * * [[أول هذا الكلام في ص ١٥٠، قوله: "فيما روي عن رسول الله ﷺ من الخبر. . . دلالة" وفصلت بين الخبر والمبتدأ الأحاديث المتتابعة.]] =دلالة واضحة على أن قوله:" ولا جدال في الحج" بمعنى النفي عن الحج بأن يكون في وقته جدال ومراء دون النهي عن جدال الناس بينهم فيما يعنيهم من الأمور أو لا يعنيهم. وذلك أنه ﷺ أخبر أنه من حج فلم يرفث ولم يفسق، استحق من الله الكرامة ما وصف أنه استحقه بحجه، تاركا للرفث والفسوق اللذين نهى الله الحاج عنهما في حجه، من غير أن يضم إليهما الجدال. فلو كان الجدال الذي ذكره الله في قوله:" ولا جدال في الحج" مما نهاه الله عنه بهذه الآية - على نحو الذي تأول ذلك من تأوله: من أنه المراء والخصومات أو السباب وما أشبه ذلك - لما كان ﷺ ليخص باستحقاق الكرامة التي ذكر أنه يستحقها الحاج الذي وصف أمره، باجتناب خلتين مما نهاه الله عنه في حجه دون الثالثة التي هي مقرونة بهما. ولكن لما كان معنى الثالثة مخالفا معنى صاحبتيها = في أنها خبر على المعنى الذي وصفنا، وأن الأخريين بمعنى النهي الذي أخبر النبي ﷺ أن مجتنبهما في حجه مستوجب ما وصف من إكرام الله إياه مما أخبر أنه مكرمه به - إذ كانتا بمعنى النهي- [[في المطبوعة: "إذا كانتا بمعنى النهي" وهو خطأ والصواب ما أثبت.]] وكان المنتهي عنهما لله مطيعا بانتهائه عنهما = ترك ذكر الثالثة، [[في المطبوعة: "وترك ذكر الثالثة" وهذه الواو مقحمة من النساخ بلا شك. وسياق هذه الجملة بطولها: "ولكن لما كان معنى الثالثة مخالفا معنى صاحبتيها. . .، إذا كانتا بمعنى النهي، وكان المنتهى عنهما لله مطيعا بانتهائه عنهما. . . ترك ذكر الثالثة" وبهذا يتبين صواب التصحيح في لموضعين السالفين.]] إذ لم تكن في معناهما، وكانت مخالفة سبيلها سبيلهما. * * * فإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بالقراءة من القراءات المخالفة بين إعراب "الجدال" وإعراب "الرفث والفسوق"، ليعلم سامع ذلك - إذا كان من أهل الفهم باللغات- أن الذي من أجله خولف بين إعرابيهما اختلاف معنييهما. وإن كان صوابا قراءة جميع ذلك باتفاق إعرابه على اختلاف معانيه، إذ كانت العرب قد تتبع بعض الكلام بعضا بإعراب، مع اختلاف المعاني، وخاصة في هذا النوع من الكلام. فأعجب القراءات إلي في ذلك - إذ كان الأمر على ما وصفت - قراءة من قرأ:" فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"، برفع"الرفث والفسوق" وتنوينهما، وفتح"الجدال" بغير تنوين. وذلك هو قراءة جماعة البصريين، وكثير من أهل مكة، منهم عبد الله بن كثير وأبو عمرو بن العلاء. [[انظر تفصيل ذلك مستوعبا في معاني القرآن للفراء ١: ١٢٠- ١٢٢.]] * * * وأما قول من قال: معناه: النهي عن اختلاف المختلفين في أتمهم حجا، والقائلين:، معناه النهي عن قول القائل:"غدا الحج" مخالفا به قول الآخر:"اليوم الحج"، فقول في حكايته الكفاية عن الاستشهاد على وهائه وضعفه، [[هكذا في الأصل"على وهائه" وهو خطأ قديم في كلام الفقهاء. قال المطرزي في المغرب ٢: ٢٦٥: "قوله: "فإن حاضت في حال وهاء الملك" لا يعتد به. الوهاء بالمد خطأ وإنما الوهي (بفتح فسكون) مصدر: "وهي الحبل يهى وهيا" إذا ضعف". وأخشى أن يكون ذلك من ناسخ التفسير، لا من أبي جعفر وأن أصله"على وهيه وضعفه" فهو قد استعمل كلمة"الوهي" مرارا فيما سلف من عباراته، ولكني لم أستطع أن أجدها في هذا البحر من الكلام، ثم وجدتها بعد ذلك في هذا الجزء ٤: ١٨، س: ٧.]] وذلك أنه قول لا تدرك صحته إلا بخبر مستفيض أوخبر صادق يوجب العلم أن ذلك كان كذلك، [[في المطبوعة: "وخبر صادق" بالواو، وهو مخل بالكلام.]] فنزلت الآية بالنهي عنه؛ أو أن معنى ذلك في بعض معاني الجدال دون بعض، ولا خبر بذلك بالصفة التي وصفنا. * * * وأما دلالتنا على قول ما قلنا من أنه نفي من الله جل وعز عن شهور الحج، فالاختلاف الذي كانت الجاهلية تختلف فيها بينها قبل كما وصفنا. [[في المطبوعة: "الاختلاف" بذف الفاء، والصواب إثباتها وإلا تخلع الكلام.]] وأما دلالتنا على أن الجاهلية كانت تفعل ذلك، فالخبر المستفيض في أهل الأخبار أن الجاهلية كانت تفعل ذلك، مع دلالة قول الله تقدس اسمه: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا﴾ [التوبة: ٣٧] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: افعلوا أيها المؤمنون ما أمرتكم به في حجكم، من إتمام مناسككم فيه، وأداء فرضكم الواجب عليكم في إحرامكم، وتجنب ما أمرتكم بتجنبه من الرفث والفسوق في حجكم، لتستوجبوا به الثواب الجزيل، فإنكم مهما تفعلوا من ذلك وغيره من خير وعمل صالح ابتغاء مرضاتي وطلب ثوابي، فأنا به عالم، ولجميعه محص، حتى أوفيكم أجره، وأجازيكم عليه، فإني لا تخفى علي خافية، ولا ينكتم عني ما أردتم بأعمالكم، لأني مطلع على سرائركم، وعالم بضمائر نفوسكم. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ قال أبو جعفر: ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا يحجون بغير زاد، وكان بعضهم إذا أحرم رمى بما معه من الزاد واستأنف غيره من الأزودة، [[الأزودة: جمع زاد على غير قياس، وقياسه: أزواد.]] فأمر الله جل ثناؤه من لم يكن يتزود منهم بالتزود لسفره، ومن كان منهم ذا زاد أن يحتفظ بزاده فلا يرمي به. * ذكر الأخبار التي رويت في ذلك: ٣٧٢٩ - حدثني الحسين بن علي الصدائي، قال: حدثنا عمرو بن عبد الغفار، قال: حدثنا محمد بن سوقة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كانوا إذا أحرموا ومعهم أزودة رموا بها واستأنفوا زادا آخر، فأنزل الله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتزودوا الكعك والدقيق والسويق. ٣٧٣٠ - حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: كانوا يحجون ولا يتزودون، فنزلت:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" [[الأثر: ٣٧٣٠ -محمد بن عبد الله بن المبارك القرشي المخرمي (بضم الميم وفتح الخاء، وراء مشددة مكسورة) أبو جعفر البغدادي المدائني الحافظ، قاضي حلوان. مات سنة ٢٥٤ ببغداد، كان أحد الثقات جليل القدر. وكان في المطبوعة: "المخزومي" هو خطأ كما ترى.]] ٣٧٣١ - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا سفيان، عن ابن سوقة، عن سعيد بن جبير في قوله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: الكعك والزيت. ٣٧٣٢ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن ابن سوقة، عن سعيد بن جبير، قال: هو الكعك والسويق. ٣٧٣٣ - وحدثنا عمرو، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة، قال: كان أناس يحجون، ولا يتزودون، فأنزل الله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". ٣٧٣٤ - حدثنا عمرو، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا عبد الملك بن عطاء، كوفي لنا = [[الخبر: ٣٧٣٤ -عبد الملك بن عطاء: هو البكائي العامري، ختن الشعبي وهو ثقة وثقه ابن معين وغيره. و"البكائي": بفتح الباء وتشديد الكاف وبعد الألف همزة، نسبة إلى"البكاء" وهو"ربيعة بن عامر" من بني عامر بن صعصعة. وقوله هنا"كوفي لنا"- لا أدري ما وجهه؟ ولعل أصله"كوفي جار لنا" أو نحو ذلك لأن سفيان ابن عيينة كوفي، ثم سكن مكة. فإني لم أجد لعبد الملك هذا ترجمة إلا عند ابن أبي حاتم ٢/٢/٣٦١ وروى فيها بإسناده إلى ابن نمير، قال: "عبد الملك بن عطاء، كان شيخا ثقة، روى عنه شيوخنا وهو كوفي له حديث أو حديثين".]] ٣٧٣٥ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عبد الملك، عن الشعبي في قوله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" قال: التمر والسويق. ٣٧٣٦ - حدثنا عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا حنظلة، قال: سئل سالم عن زاد الحاج، فقال: الخبز واللحم والتمر. قال عمرو: وسمعت أبا عاصم مرة يقول: حدثنا حنظلة سئل سالم عن زاد الحاج، فقال الخبز والتمر. ٣٧٣٧ - حدثنا عمرو، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: كان ناس من الأعراب يحجون بغير زاد، ويقولون:" نتوكل على الله! "، فأنزل الله جل ثناؤه:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". ٣٧٣٨ - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن عمر بن ذر، عن مجاهد، قال: كان الحاج منهم لا يتزود، فأنزل الله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". ٣٧٣٩ - حدثنا عمرو، قال: حدثنا يحيى، عن عمر بن ذر = وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عمر بن ذر = عن مجاهد قال: كانوا يسافرون ولا يتزودون، فنزلت:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". وقال الحسن بن يحيى في حديثه: كانوا يحجون ولا يتزودون. ٣٧٤٠ - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا المحاربي، عن عمر بن ذر، عن مجاهد نحوه. ٣٧٤١ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا عمر بن ذر، قال: سمعت مجاهدا يحدث فذكر نحوه. ٣٧٤٢ - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن أبي بشر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: كان أهل الآفاق يخرجون إلى الحج يتوصلون بالناس بغير زاد، يقولون:" نحن متكلون". فأنزل الله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". ٣٧٤٣ - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل:" وتزودوا"، قال: كان أهل الآفاق يخرجون إلى الحج، يتوصلون بالناس بغير زاد، فأمروا أن يتزودوا. ٣٧٤٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: كان أهل اليمن يتوصلون بالناس، فأمروا أن يتزودوا ولا يستمتعوا. قال: وخير الزاد التقوى. ٣٧٤٥ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: كانوا لا يتزودون، فأمروا بالزاد، وخير الزاد التقوى. ٣٧٤٦ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، فكان الحسن يقول: إن ناسا من أهل اليمن كانوا يحجون ويسافرون، ولا يتزودون، فأمرهم الله بالنفقة والزاد في سبيل الله، ثم أنبأهم أن خير الزاد التقوى. ٣٧٤٧ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة في قوله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: قال قتادة: كان ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون - ثم ذكر نحو حديث بشر عن يزيد. ٣٧٤٨ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: كان ناس من أهل اليمن يخرجون بغير زاد إلى مكة، فأمرهم الله أن يتزودوا، وأخبرهم أن خير الزاد التقوى. ٣٧٤٩ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: كان ناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة، يقولون:" نحج بيت الله ولا يطعمنا! ". فقال الله: تزودوا ما يكف وجوهكم عن الناس. ٣٧٥٠ - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، فكان ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، فأمرهم الله أن يتزودوا، وأنبأ أن خير الزاد التقوى. ٣٧٥١ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن محمد بن سوقة، عن سعيد بن جبير:" وتزودوا" قال: السويق والدقيق والكعك. ٣٧٥٢ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن محمد بن سوقة، عن سعيد بن جبير:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: الخشكانج والسويق. [[في اللسان (كعك) وفي المغرب لجواليقي: ١٣٤"الخشكنان" قد تكلمت به العرب قال الراجز: يا حبذا الكعك بلحم مثرود ... وخشكنان وسويق مقنود والخشكنانج هو الخشكنان: وهو طعام من دقيق مصنوع.]] ٣٧٥٣ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن عبد الملك بن عطاء البكائي، قال: سمعت الشعبي يقول في قوله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: هو الطعام، وكان يومئذ الطعام قليلا. قال: قلت: وما الطعام؟ قال: التمر والسويق. [[الخبر: ٣٧٥٣ - مضت ترجمة"عبد الملك بن عطاء" في: ٣٧٣٤ وأنه"البكائي". ووقع في المطبوعة هنا"البكالي" باللام بدل الهمزة وهو خطأ وتصحيف.]] ٣٧٥٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، وخير زاد الدنيا المنفعة من اللباس والطعام والشراب. ٣٧٥٥ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: كان الناس يتزودون إلى عقبة، فإذا انتهوا إلى تلك العقبة توكلوا ولم يتزودوا. [[العقبة (بضم فسكون) قدر ما يسير السائر حتى ينزل.]] ٣٧٥٦ - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا المحاربي، قال: قال سفيان في قوله:" وتزودوا"، قال: أمروا بالسويق والكعك. ٣٧٥٧ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرني أبي أنه سمع عكرمة يقول في قوله:" وتزودوا"، قال: هو السويق والدقيق. ٣٧٥٨ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: كانت قبائل من العرب يحرمون الزاد إذا خرجوا حجاجا وعمارا لأن يتضيفوا الناس، فقال الله تبارك تعالى لهم:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". ٣٧٥٩ - حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: حدثنا سفيان عن عمرو، عن عكرمة قال: كان الناس يقدمون مكة بغير زاد، فأنزل الله:" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". [[الخبر: ٣٧٥٩ -عمرو بن عبد الحميد الآملي- شيخ الطبري: لم أعرف من هو؟ ولم أجد له ترجمة ولعله محرف عن شيء لا أعرفه.]] * * * قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذا: فمن فرض في أشهر الحج الحج فأحرم فيهن، فلا يرفثن ولا يفسقن. فإن أمر الحج قد استقام لكم، وعرفكم ربكم ميقاته وحدوده، فاتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه من أمر حجكم ومناسككم، فإنكم مهما تفعلوا من خير أمركم به أو ندبكم إليه، يعلمه. وتزودوا من أقواتكم ما فيه بلاغكم إلى أداء فرض ربكم عليكم في حجكم ومناسككم، فإنه لا بر لله جل ثناؤه في ترككم التزود لأنفسكم ومسألتكم الناس ولا في تضييع أقواتكم وإفسادها، ولكن البر في تقوى ربكم باجتناب ما نهاكم عنه في سفركم لحجكم وفعل ما أمركم به، فإنه خير التزود، فمنه تزودوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن الضحاك بن مزاحم. ٣٧٦٠ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:" فإن خير الزاد التقوى"، قال: والتقوى عمل بطاعة الله. وقد بينا معنى"التقوى" فيما مضى بما أغنى عن إعادته. [[انظر ما سلف ١: ٢٣٢، ٢٣٣، ٣٦٤.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ (١٩٧) قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واتقون يا أهل العقول والأفهام بأداء فرائضي عليكم التي أوجبتها عليكم في حجكم ومناسككم وغير ذلك من ديني الذي شرعته لكم = وخافوا عقابي باجتناب محارمي التي حرمتها عليكم، تنجوا بذلك مما تخافون من غضبي عليكم وعقابي، وتدركوا ما تطلبون من الفوز بجناتي. * * * وخص جل ذكره بالخطاب بذلك أولي الألباب، لأنهم هم أهل التمييز بين الحق والباطل، وأهل الفكر الصحيح والمعرفة بحقائق الأشياء التي بالعقول تدرك وبالألباب تفهم، ولم يجعل لغيرهم من أهل الجهل في الخطاب بذلك حظا، إذ كانوا أشباحا كالأنعام، وصورا كالبهائم، بل هم منها أضل سبيلا. و"الألباب": جمع"لب"، وهو العقل. [[انظر ما سلف في الجزء ٣: ٣٨٣.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب