الباحث القرآني

القول في تأويل قوله عز وجل: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (١٦٣) ﴾ قال أبو جعفر: قد بينا فيما مضى معنى"الألوهية"، وأنها اعتباد الخلق. [[انظر ما سلف ١: ١٢٢-١٢٦.]] فمعنى قوله:"وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إلهَ إلا هو الرحمن الرحيم": والذي يستحق عَليكم أيها الناس الطاعةَ له، ويستوجب منكم العبادة، معبودٌ واحدٌ وربٌّ واحد، فلا تعبدوا غيرَه، ولا تشركوا معه سواه، فإنّ من تُشركونه معه في عبادتكم إياه، هو خَلقٌ من خلق إلهكم مثلكم، وإلهكم إله واحد، لا مثلَ لهُ وَلا نَظير. * * * واختُلِف في معنى وَحدانيته تعالى ذكره، فقال بعضهم: معنى وحدانية الله، معنى نَفي الأشباه والأمثال عنه، كما يقال:"فلان واحدُ الناس - وهو وَاحد قومه"، يعني بذلك أنه ليسَ له في الناس مثل، ولا له في قومه شبيه ولا نظيرٌ. فكذلك معنى قول:"اللهُ واحد"، يعني به: الله لا مثل له ولا نظير. فزعموا أن الذي دلَّهم على صحة تأويلهم ذلك، أنّ قول القائل:"واحد" يفهم لمعان أربعة. أحدها: أن يكون"واحدًا" من جنس، كالإنسان"الواحد" من الإنس. والآخر: أن يكون غير متفرِّق، كالجزء الذي لا ينقسم. [[في المطبوعة: "غير متصرف"، وهو تصحيف، والصواب ما أثبت.]] والثالث: أن يكون معنيًّا به: المِثلُ والاتفاق، كقول القائل:"هذان الشيئان واحد"، يراد بذلك: أنهما متشابهان، حتى صارَا لاشتباههما في المعاني كالشيء الواحد. والرابع: أن يكون مرادًا به نفي النظير عنه والشبيه. قالوا: فلما كانت المعاني الثلاثةُ من معاني"الواحد" منتفيةً عنه، صح المعنى الرابع الذي وَصَفناه. * * * وقال آخرون: معنى"وحدانيته" تعالى ذكره، معنى انفراده من الأشياء، وانفراد الأشياء منه. قالوا: وإنما كان منفردًا وحده، لأنه غير داخل في شيء ولا داخلٌ فيه شيء. قالوا: ولا صحة لقول القائل:"واحد"، من جميع الأشياء إلا ذلك. وأنكر قائلو هذه المقالة المعاني الأربعةَ التي قالها الآخرون. * * * وأما قوله:"لا إله إلا هو"، فإنه خبرٌ منه تعالى ذكره أنه لا رب للعالمين غيرُه، ولا يستوجبُ على العبادِ العبادةَ سواه، وأنّ كلّ ما سواه فهُم خَلقه، والواجبُ على جميعهم طاعته والانقيادُ لأمره، وتركُ عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة، وهجْر الأوثان والأصنام. لأنّ جميع ذلك خلقُه، وعلى جميعهم الدينونة له بالوحدانية والألوهة، ولا تَنبغي الألوهة إلا له، إذ كان ما بهم من نعمة في الدنيا فمنه، دون ما يعبدونه من الأوثان ويشركون معه من الأشراك؛ [[الأشراك جمع شريك، كما يقال: شريف وأشراف، ونصير وأنصار، ويجمع أيضًا على"شركاء".]] وما يصيرون إليه من نعمة في الآخرة فمنه، وأن ما أشركوا معه من الأشراك لا يضر ولا ينفعُ في عاجل ولا في آجل، ولا في دنيا ولا في آخرة. وهذا تنبيه من الله تعالى ذكره أهلَ الشرك به على ضلالهم، ودعاءٌ منه لهم إلى الأوبة من كفرهم، والإنابة من شركهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب