الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى ذكره ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهْ﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره:"ومن حَيثُ خرجت فول وَجهك شطر المسجد الحرام": من أيّ مكان وبُقعة شَخصتَ فخرجت يا محمد، فولِّ وجهك تلقاء المسجد الحرام، وهو شَطره. ويعني بقوله:"وحيث ما كنتم فولُّوا وُجوهكم"، وأينما كنتم أيها المؤمنون من أرض الله، فولُّوا وجوهكم في صلاتكم تُجاهه وقِبَله وقَصْدَه. [[في المخطوطة: "فولوا في صلاتكم"، أسقط"وجوهكم".]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ قال أبو جعفر: فقال جماعة من أهل التأويل: عنى الله تعالى ب"الناس" في قوله:"لئلا يكون للناس"، أهلَ الكتاب. * ذكر من قال ذلك: ٢٢٩٢- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"لئلا يكون للناس عليكم حجة"، يعني بذلك أهلَ الكتاب. قالوا -حين صُرف نبيُّ الله ﷺ إلى الكعبة البيت الحرام-: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه! ٢٢٩٣- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"لئلا يكونَ للناس عليكم حجة"، يعني بذلك أهلَ الكتاب، قالوا -حين صُرف نبيُّ الله ﷺ إلى الكعبة-: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه! * * * فإن قال قائل: فأيّةُ حُجة كانت لأهل الكتاب بصلاة رسول الله ﷺ وأصحابه نحوَ بيت المقدس، على رسول الله ﷺ وأصحابه؟ قيل: قد ذكرنا فيما مضى ما روي في ذلك. قيل: إنهم كانوا يقولون: ما درَى مُحمد وأصحابهُ أين قبلتهم حتى هديناهم نحن! وقولهم: يُخالفنا مُحمد في ديننا ويتبع قبلتنا! [[انظر ما سلف في هذا الجزء رقم: ٢٢٣٤، ٢٢٣٥.]] فهي الحجة التي كانوا يحتجُّون بها عَلى رسول الله ﷺ وأصحابه، على وجه الخصومة منهم لهم، والتمويه منهم بها على الجهالّ وأهل الغباء من المشركين. [[في المطبوعة: "وأهل العناد من المشركين"، والصواب من المخطوطة.]] وقد بينا فيما مضى أن معنى حِجاج القوم إيَّاه، الذي ذكره الله تعالى ذكره في كتابه، إنّما هي الخصومات والجدال. فقطع الله جل ثناؤه ذلك من حجتهم وَحسمه، بتحويل قبلة نبيّه ﷺ والمؤمنين به، من قبلة اليهود إلى قبلة خليله إبراهيم عليه السلام. وذلك هو معنى قول الله جل ثناؤه:"لئلا يكون للناس عليكم حجة"، يعني ب"الناس"، الذين كانوا يحتجون عليهم بما وصفت. * * * وأما قوله:"إلا الذين ظَلموا منهم"، فإنهم مُشركو العرب من قريش، فيما تأوَّله أهلُ التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٢٢٩٤- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"إلا الذين ظَلموا منهم"، قومُ محمد ﷺ. ٢٢٩٥- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قال: هم المشركون من أهل مكة. ٢٢٩٦- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"إلا الذين ظلموا منهم"، يعني مشركي قريش. ٢٢٩٧- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، وابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"إلا الذين ظلموا منهم" قال، هم مشركو العرب. ٢٢٩٨- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قوله:"إلا الذين ظلموا منهم"، و"الذين ظلموا": مشركو قريش. ٢٢٩٩- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال عطاء: هم مشركو قريش - قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدًا يقولُ مثل قول عطاء. * * * فإن قال قائل: وأيّةُ حجة كانت لمشركي قريش على رسول الله ﷺ وأصحابه، في توجههم في صلاتهم إلى الكعبة؟ وهل يجوز أن يكون للمشركين على المؤمنين -فيما أمرهم الله به أو نهاهم عنه- حُجة؟ [[في المطبوعة: ". . . على المؤمنين حجة فيما أمرهم الله تعالى ذكره به، أو نهاهم عنه"، قدم"حجة" وزاد الثناء على الله.]] قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما توهمتَ وذهبتَ إليه. وإنما"الحجة" في هذا الموضع، الخصومة والجدال. [[انظر ما سلف في تفسير: "أتحاجوننا"، في هذا الجزء ٣: ١٢١.]] ومعنى الكلام: لئلا يكون لأحد من الناس عليكم خُصُومةٌ ودعوى باطلٌ غيرَ مشركي قريش، فإن لهم عليكم دعوى بَاطلا وخصومةً بغير حق، [[في المطبوعة: "دعوى باطلة" في الموضعين، ولا بأس بها. يقال: "دعوى باطل وباطلة"]] بقيلهم لكم:"رَجَع محمدٌ إلى قبلتنا، وسيرجع إلى ديننا". فذلك من قولهم وأمانيّهم الباطلة، هي"الحجة" التي كانت لقريش على رسول الله ﷺ وأصحابه. ومن أجل ذلك استثنى الله تعالى ذكره"الذين ظلموا" من قريش من سائر الناس غيرهم، إذ نفى أن يكون لأحد منهم في قبلتهم التي وجّههم إليها حُجة. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٢٣٠٠- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره:"لئلا يكون للناس عليكم حُجة إلا الذين ظلموا منهم"، قومُ محمد ﷺ. قال مجاهد: يقول: حُجتهم، قولهم: قد راجعتَ قبلتنا! ٢٣٠١- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله - إلا أنه قال: قولهم: قد رَجَعت إلى قبلتنا! ٢٣٠٢- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، حدثنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم"، قالا هم مشركو العرب، قالوا حين صرفت القبلة إلى الكعبة: قد رجع إلى قبلتكم، فيوشك أن يرجع إلى دينكم! قال الله عز وجل:"فلا تَخشوْهم واخشوْني". ٢٣٠٣- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله:"إلا الذين ظلموا منهم"، و"الذين ظلموا": مشركُو قريش. يقول: إنهم سيحتجون عليكم بذلك، فكانت حجتهم على نبيّ الله ﷺ =انصرافَهُ إلى البيت الحرام= [[في المطبوعة والدر المنثور ١: ١٤٨"بانصرافه" وأثبت ما في المخطوطة وابن كثير ١: ٣٥٨، وقوله: "انصرافه" منصوب على الظرفية أي عند انصرافه.]] أنهم قالوا سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا! فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك كله. [[الأثر: ٢٣٠٣- في تفسير ابن كثير ١: ٣٥٨، والدر المنثور ١: ١٤٨. والذي في المخطوطة والمطبوعة سواء"فأنزل الله في ذلك كله". أما في الدر المنثور: "فأنزل الله في ذلك كله: "يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين". والذي في الطبري يكاد لا يستقيم، والذي في الدر المنثور لا يستقيم، وكأن صواب العبارة: "فأنزل الله في ذلك، ذلك كله إلى قوله: "يا أيها الذين آمنوا. . . ".]] ٢٣٠٤- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله. ٢٣٠٥- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي فيما يذكر، عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله ﷺ قالوا: لما صُرف نبيّ الله ﷺ نحوَ الكعبة، بعد صلاته إلى بيت المقدس، قال المشركون من أهل مكة: تحيّر على محمد دينه! فتوجّه بقبلته إليكم، وعلم أنكم كنتم أهدى منه سبيلا ويُوشك أن يدخل في دينكم! فأنزل الله جل ثناؤه فيهم:"لئلا يَكونَ للناس عليكم حجةٌ إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني". [[الأثر: ٢٣٠٥- انظر الأثر السالف: ٢٢٠٤.]] ٢٣٠٦- حدثنا القاسم قال، حدثني الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قلت لعطاء: قوله:"لئلا يَكون للناس عَليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم" قال، قالت قريش - لما رَجَع إلى الكعبة وأمِر بها:- ما كان يستغني عنا! قد استقبل قبلتنا! فهي حُجتهم، وهم"الذين ظلموا" - قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدًا يقول مثل قول عطاء، فقال مجاهد: حُجتهم، قولهم: رجعت إلى قبلتنا! * * * فقد أبان تأويلُ من ذكرنا تأويلَه من أهل التأويل قوله:"إلا الذين ظلموا منهم"، عن صحّة ما قلنا في تأويله، وأنه استثناءٌ على مَعنى الاستثناء المعروف، الذي ثبتَ فيهم لما بعدَ حرف الاستثناء ما كان منفيًّا عما قبله. [[في المطبوعة: "الذي يثبت فيهم لما بعد حرف الاستثناء ما كان منفيًا عما قبلهم"، وهو خطأ صرف، والصواب ما في المخطوطة.]] كما قولُ القائل [[في المطبوعة: "كما أن قول القائل"، زادوا"أن" لتكون دارجة على نهجهم، والصواب ما في المخطوطة.]] "ما سَارَ من الناس أحدٌ إلا أخوك"، إثباتٌ للأخ من السير ما هو مَنفيٌّ عن كل أحد من الناس. فكذلك قوله:"لئلا يكونَ للناس عليكم حُجة إلا الذين ظلموا منهم"، نَفى عن أن يكون لأحد خُصومةٌ وجدلٌ قِبَلَ رسول الله ﷺ ودعوى باطلٍ عليه وعَلى أصحابه، بسبب توجُّههم في صلاتهم قبل الكعبة - إلا الذين ظلموا أنفسهم من قريش، فإن لهم قبلهم خصومةً ودعوى باطلا بأن يقولوا: [[في المطبوعة: "ودعوى باطلة" في الموضعين. وانظر ما سلف: ٢٠١ تعليق: ٣.]] إنما توجهتم إلينا وإلى قبلتنا، لأنا كنا أهدى منكم سبيلا وأنكم كنتم بتوجهكم نحو بيت المقدس على ضلال وباطل. وإذ كان ذلك معنى الآية بإجماع الحجة من أهل التأويل، فبيِّنٌ خطأُ قول من زعم أن معنى قوله:"إلا الذين ظلموا منهم": ولا الذين ظلموا منهم، وأن"إلا" بمعنى"الواو". [[زاعم هذا القول هو أبو عبيدة في مجاز القرآن: ٦٠-٦١، وانظر معاني القرآن للفراء ١: ٨٩-٩٠.]] لأن ذلك لو كان معناه، لكان النفيُ الأول عن جميع الناس - أنْ يكون لهم حُجة على رسول الله ﷺ وأصحابه في تحوُّلهم نحو الكعبة بوجوههم - مبيِّنًا عن المعنى المراد، ولم يكن في ذكر قوله بعد ذلك:"إلا الذين ظَلموا منهم" إلا التلبيس الذي يتعالى عن أن يُضافَ إليه أو يوصف به. [[رد الطبري على أبي عبيدة أمثل من رد الفراء وأقوم.]] هذا مع خروج معنى الكلام =إذا وجّهت"وإلا" إلى معنى"الواو"، ومعنى العطف= من كلام العرب. وذلك أنه غيرُ موجودة"إلا" في شيء من كلامها بمعنى"الواو"، إلا مع استثناء سابق قد تقدمها. كقول القائل:"سار القوم إلا عمرًا إلا أخاك"، بمعنى: إلا عمرًا وأخاك، فتكون"إلا" حينئذ مؤدّية عما تؤدي عنه"الواو"، لتعلق"إلا" الثانية ب"إلا" الأولى. [[في المخطوطة: "إلى الأول"، وكأنه غير صواب.]] ويجمع فيها أيضًا بين"إلا" و"الواو" فيقال:"سار القوم إلا عمرًا وإلا أخاك"، فتحذف إحداهما، فتنوب الأخرى عنها، فيقال: [[في المخطوطة: "ويجمع أيضًا فيها إلا والواو فيها فيقول: " ولم أستبن ما يقول، والذي في المطبوعة سياق صحيح.]] "سار القوم إلا عمرًا وأخاك - أو إلا عمرًا إلا أخاك"، لما وصفنا قبل. وإذ كان ذلك كذلك، فغير جائز لمدَّعٍ من الناس أن يدَّعي أنّ"إلا" في هذا الموضع بمعنى"الواو" التي تأتي بمعنى العطف. * * * وواضحٌ فسادُ قول من زعم أن معنى ذلك: إلا الذين ظلموا منهم، فإنهم لا حجة لهم، فلا تخشوْهم. كقول القائل في الكلام: [[في المطبوعة: "في كلامه"، والصواب من المخطوطة، ومعاني القرآن للفراء، فهو نص كلامه.]] "الناس كلهم لك حامدون إلا الظالم [لك] المعتدي عليك"، فإن ذلك لا يعتدّ بعُداوَنه ولا بتركه الحمد، [[في المطبوعة، وفي معاني القرآن للفراء: "بعداوته"، والصواب ما في المخطوطة.]] لموضع العداوة. وكذلك الظالم لا حجة له، وقد سُمي ظالمًا = [[السياق: "وواضح فساد قول من زعم. . . لإجماع جميع أهل التأويل".]] لإجماع جميع أهل التأويل على تخطئة ما ادَّعى من التأويل في ذلك. وكفى شاهدًا على خطأ مقالته إجماعُهم على تخطئتها. * * * وظاهر بُطُول قول من زَعَم: [[في المطبوعة: "بطلان" صحيحة المعنى، وفي المخطوطة: "دخول" تصحيف وتحريف لما أثبت. والبطول والبطلان مصدران من الباطل. وهما سواء في المعنى، وقد سلف أن استعملها الطبري مرارًا. انظر ما سلف ٢: ٤٢٦، تعليق: ١ / ٤٣٩ س: ١١/٤٧٩ س: ١٣.]] أنّ"الذين ظلموا" هاهنا، ناسٌ من العرب كانوا يَهودًا ونصارَى، فكانوا يحتجون على النبي ﷺ، فأما سائرُ العرب، فلم تكن لهم حجة، وكانت حُجة من يحتجُّ منكسرة. لأنك تقول لمن تريد أن تَكسِر عليه حجته:"إنّ لك عليّ حجة ولكنها منكسرة، وإنك لتحتج بلا حجة، وحجتك ضعيفة". ووَجَّه معنى:"إلا الذين ظَلموا منهم" إلى معنى: إلا الذينَ ظلموا منهم، منْ أهل الكتاب، فإنّ لَهُم عليكم حُجة وَاهية أو حجة ضعيفة. * * * ووَهْيُ قَولِ من قال:"إلا" في هذا الموضع بمعنى"لكن". وضَعْفُ قولِ من زعم أنه ابتداء بمعنى: إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم. [[قوله"ووهي قول. . . "، و"وضعف قول. . . " معطوف على قوله آنفًا: "وظاهر بطول قول من زعم. . . ".]] لأن تأويل أهل التأويل جاء في ذلك بأنّ ذلك من الله عز وجل خَبرٌ عن الذين ظلموا منهم: أنهم يحتجون على النبي ﷺ وأصحابه بما قد ذكرنا، ولم يقصِد في ذلك إلى الخبر عن صفة حُجتهم بالضعف ولا بالقوة -وإن كانت ضعيفةً لأنها باطلة- وإنما قصد فيه الإثباتَ للذين ظلموا، ما قد نَفى عن الذين قبل حرف الاستثناء من الصفة. ٢٣٠٧- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه قال، قال الربيع: إنّ يهوديًّا خاصم أبا العالية فقال: إن مُوسَى عليه السلام كان يصلِّي إلى صخرة بيت المقدس. فقال أبو العالية: كان يصلّي عند الصخرة إلى البيت الحرام. قال: قال: فبيني وبينك مسجدُ صالح، فإنه نحته من الجبل. قال أبو العالية: قد صلّيت فيه وقِبلتُه إلى البيت الحرام. قال الربيع: وأخبرني أبو العالية أنه مرّ على مسجد ذي القرنين، وقِبلتُه إلى الكعبة. * * * وأما قوله:"فلا تخشوْهم واخشوْني"، يعني: فلا تخشوا هؤلاء الذين وصفت لَكم أمرهم من الظَّلمة في حجتهم وجدالهم وقولهم ما يقولون [[في المطبوعة: "من الظلم في حجتهم"، والصواب من المخطوطة. ثم فيها: "وقولهم ما يقولون من أن محمدًا"، وصوابه من المخطوطة.]] في أنّ محمدًا ﷺ قد رجع إلى قبلتنا، وسيرجع إلى ديننا! - أو أن يَقدروا لكم على ضرّ في دينكم أو صدِّكم عما هداكم الله تعالى ذكره له من الحق، ولكن اخشوني، فخافوا عقابي، في خلافكم أمري إن خالفتموه. وذلك من الله جل ثناؤه تقدُّمٌ إلى عباده المؤمنين، [[تقدم إليه بكذا: أمره به.]] بالحضّ على لزوم قبلتهم والصلاة إليها، وبالنهي عن التوجُّه إلى غيرها. يقول جل ثناؤه: واخشوْني أيها المؤمنون، في ترك طاعتي فيما أمرتكم به من الصلاة شَطرَ المسجد الحرام. وقد حكي عن السدي في ذلك ما:- ٢٣٠٨- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"فلا تخشوْهم واخشوْني"، يقول: لا تخشوا أن أردَّكم في دينهم [[إلى هنا انتهى ما عثرنا عليه من الأوراق التي ذكرناها في ص: ١٨٩ تعليق: ١، وفي آخره ما نصه: "تَمَّ المجلد الثاني بعون الله تعالى، والصلاة على نبيّه محمد وآله وصحبه وسلم. يتلوهُ في الثالث إن شاء الله تعالى، القول في تأويل قوله تعالى: (ولأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون) إن شاء الله تعالى، وهو بقية الجزء السادس والعشرون؟؟ "]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلأتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠) ﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"ولأتمَّ نعمتي عليكم"، ومن حيث خرجتَ من البلاد والأرض، وإلى أيّ بقعة شخصت [[في المطبوعة: "إلى أي بقعة"، بحذف الواو، والصواب ما أثبت.]] فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام، وحيثُ كنت، يا محمد والمؤمنون، فولُّوا وجوهكم في صلاتكم شَطرَه، واتخذوه قبلة لكم، كيلا يكون لأحد من الناس -سوى مشركي قريش- حجةٌ، ولأتمّ بذلك =من هدايتي لكم إلى قبلة خليلي إبراهيم عليه السلام، الذي جعلته إمامًا للناس= نعمتي، فأكمل لكم به فضلي عليكم، وأتمم به شرائع ملتكم الحنيفية المسلمة التي وصيتُ بها نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر الأنبياء غيرهم. وذلك هو نعمته التي أخبر جل ثناؤه أنه متمُّها على رسوله ﷺ والمؤمنين به من أصحابه. * * * وقوله:"ولعلكم تهتدون"، يعني: وكي ترشدوا للصواب من القبلة. [[انظر ما سلف في معنى"لعل" بمعنى"كي" ١: ٣٦٤ / ثم ٢: ٦٩، ٧٢، ١٦١.]] و"لعلكم" عطف على قوله:"ولأتم نعمتي عليكم"،"ولأتم نعمتي عليكم" عطف على قوله:"لئلا يكون".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب