الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"ووصى بها"، ووصى بهذه الكلمة. عنى ب"الكلمة" قوله [[في المطبوعة: "أعني بالكلمة"، وهو خطأ محض.]] "أسلمت لرب العالمين"، وهي"الإسلام" الذي أمر به نبيه ﷺ، وهو إخلاص العبادة والتوحيد لله، وخضوع القلب والجوارح له. [[انظر تفسير"الإسلام" قبل ٢: ٥١٠، ٥١١، وهذا الجزء ٣: ٧٤، ٩٢.]] * * * ويعني بقوله:"ووصى بها إبراهيم بنيه"، عهد إليهم بذلك وأمرهم به. * * * وأما قوله:"ويعقوب"، فإنه يعني: ووصى بذلك أيضا يعقوبُ بنيه، كما:- ٢٠٨٦- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب"، يقول: ووصى بها يعقوب بنيه بعد إبراهيم. ٢٠٨٧- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"ووصى بها إبراهيم بنيه"، وصاهم بالإسلام، ووصى يعقوب بمثل ذلك. * * * قال أبو جعفر: وقال بعضهم: قوله: ﴿ووصى بها إبراهيم بنيه﴾ ، خبر منقض. وقوله:"ويعقوب" خبر مبتدأ. فإنه قال:"ووصى بها إبراهيم بنيه". بأن يقولوا: أسلمنا لرب العالمين - ووصى يعقوب بنيه: أن:"يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون". ولا معنى لقول من قال ذلك. لأن الذي أوصى به يعقوب بنيه، نظير الذي أوصى به إبراهيم بنيه: من الحث على طاعة الله، والخضوع له، والإسلام. * * * فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت: من أن معناه: ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب: أن"يا بني" - فما بال"أن" محذوفة من الكلام؟ قيل: لأن الوصية قول، فحملت على معناها. وذلك أن ذلك لو جاء بلفظ القول، لم تحسن معه"أن"، وإنما كان يقال: وقال إبراهيم لبنيه ويعقوب:"يا بني". فلما كانت الوصية قولا حملت على معناها دون لفظها، [[في المطبوعة: "على معناها دون قولها"، وهو خطأ صوابه ما أثبت.]] فحذفت"أن" التي تحسن معها، كما قال تعالى ذكره: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ﴾ [سورة النساء: ١١] ، وكما قال الشاعر: إني سأبدي لك فيما أبدي ... لي شجنان شجن بنجد ... وشجن لي ببلاد السند [[معاني القرآن للفراء ١: ٨٠، ١٨٠، ولسان العرب (شجن) . وقوله"شجن": هوى النفس، والحاجة. وهو مجاز من"الشجن" الذي هو الحزن والهم. وكنوا به عن المرأة المحبوبة التي تشغل القلب بالهم والحزن، من فراق أو دلال أو تجن، يقول مسلم بن الوليد الأنصاري: وسرب من الأشجان يطوى له الحشا ... على شرق، من يلقه يتبلد يعني نساء، وقال أيضًا: أطال عمري، أم مد في أجلي، ... أم ليس في الظاعنين لي شجن؟ أي امرأة أحبها، وهوى يحزنني فراقه وبعده؟]] فحذفت"أن"، إذ كان الإبداء باللسان في المعنى قولا فحمله على معناه دون لفظه. [[انظر تفصيل هذا في معاني القرآن للفراء ١: ٨٠-٨١.]] * * * وقد قال بعض أهل العربية: إنما حذفت"أن" من قوله:"ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب"، اكتفاء بالنداء - يعني بالنداء قوله:"يا بني" وزعم أن علته في ذلك أن من شأن العرب الاكتفاء بالأدوات عن"أن"، كقولهم:"ناديت هل قمت؟ - وناديت أين زيد؟ ". قال: وربما أدخلوها مع الأدوات. فقالوا:"ناديت، أن هل قمت؟ ". * * * وقد قرأ جماعة من القرأة:"وأوصى بها إبراهيم"، بمعنى: عهد. وأما من قرأ"ووصى" مشددة، فإنه يعني بذلك أنه عهد إليهم عهدا بعد عهد، وأوصى وصية بعد وصية. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"إن الله اصطفى لكم الدين"، إن الله اختار لكم هذا الدين الذي عهد إليكم فيه، واجتباه لكم. [[انظر معنى"الاصطفاء" فيما سلف قريبا: ٩١.]] * * * وإنما أدخل"الألف واللام" في"الدين"، لأن الذين خوطبوا من ولدهما وبنيهما بذلك، كانوا قد عرفوه بوصيتهما إياهم به، وعهدهما إليهم فيه، ثم قالا لهم -بعد أن عرفاهموه-: إن الله اصطفى لكم هذا الدين الذي قد عهد إليكم فيه، فاتقوا الله أن تموتوا إلا وأنتم عليه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢) ﴾ قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: أوَ إلَى بني آدمَ الموتُ والحياةُ، فينهى أحدُهم أن يموت إلا على حالة دون حالة؟ قيل له: إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ظننتَ. وإنما معنى [[في المطبوعة: "وإنما معناه"، والصواب ما أثبت.]] "فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، أي: فلا تفارقوا هذا الدين -وهو الإسلام- أيام حياتكم. وذلك أن أحدا لا يدري متى تأتيه منيتُه، فلذلك قالا لهم:"فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، لأنكم لا تدرون متى تأتيكم مناياكم من ليل أو نهار، فلا تفارقوا الإسلام، فتأتيكم مناياكم وأنتم على غير الدين الذي اصطفاه لكم ربكم فتموتوا وربُّكم ساخط عليكم، فتهلكوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب