القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٣١) ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"إذ قال له ربه أسلم"، إذ قال له ربه: أخلص لي العبادة، واخضع لي بالطاعة، وقد دللنا فيما مضى على معنى"الإسلام" في كلام العرب، فأغنى عن إعادته. [[انظر ما سلف ٢: ٥١٠، ٥١١، وهذا الجزء ٣: ٧٤.]]
* * *
وأما معنى قوله:"قال أسلمت لرب العالمين"، فإنه يعني تعالى ذكره، قال إبراهيم مجيبا لربه: خضعت بالطاعة، وأخلصت العبادة، لمالك جميع الخلائق ومدبرها دون غيره.
* * *
فإن قال قائل: قد علمت أن"إذ" وقت، فما الذي وقت به؟ وما الذي هو له صلة. [[في المطبوعة: "وما الذي صلته". والصواب ما أثبت.]]
قيل: هو صلة لقوله:"ولقد اصطفيناه في الدنيا". وتأويل الكلام: ولقد اصطفيناه في الدنيا، حين قال له ربه: أسلم. قال: أسلمت لرب العالمين. وإنما معنى الكلام: ولقد اصطفيناه في الدنيا حين قلنا له: أسلم. قال: أسلمت لرب العالمين. فأظهر اسم"الله" في قوله:"إذ قال له ربه أسلم"، على وجه الخبر عن غائب، وقد جرى ذكره قبل على وجه الخبر عن نفسه، كما قال خُفاف بن ندبة:
أقول له - والرمح يأطر متنه: ... تأمل خفافا إنني أنا ذالكا [[سلف تخريج هذا البيت في ١: ٢٢٧/ ٢: ٣٠٤.]]
* * *
ءفإن قال لنا قائل: وهل دعا اللهُ إبراهيمَ إلى الإسلام؟
قيل له: نعم، قد دعاه إليه.
فإن قال: وفي أي حال دعاه إليه؟
قيل حين قال: ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة الأنعام: ٧٨-٧٩] ، وذلك هو الوقت الذي قال له ربه: أسلم - من بعد ما امتحنه بالكواكب والقمر والشمس. [[قرأ الآيات من سورة الأنعام: ٧٤-٧٨.]]
{"ayah":"إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥۤ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}