الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية. فقال بعضهم بما: ١٧٧٧ - حدثنا به أبو كريب قال، حدثني يونس بن بكير - وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل- [[في المطبوعة: "قال حدثنا إسحاق" والصواب ما أثبت.]] قالا حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة عن ابن عباس: قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد لرسول الله ﷺ: ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه، وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك! فأنزل الله في ذلك من قولهما: [[في المطبوعة: "من قولهم"، والصواب ما أثبت من سيرة ابن هشام.]] ﴿أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل﴾ ، الآية. [[الأثر ١٧٧٧ - في سيرة ابن هشام ٢: ١٩٧.]] * * * وقال آخرون بما:- ١٧٧٨ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل﴾ ، وكان موسى يسأل، فقيل له: ﴿أرنا الله جهرة﴾ . ١٨٨٩ - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل﴾ ، أن يريهم الله جهرة. فسألت العرب رسول الله ﷺ أن يأتيهم بالله فيروه جهرة. * * * وقال آخرون بما:- ١٧٨٠ - حدثني به محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله الله: ﴿أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل﴾ ، أن يريهم الله جهرة. فسألت قريش محمدا ﷺ أن يجعل الله لهم الصفا ذهبا، قال: نعم! وهو لكم كمائدة بني إسرائيل إن كفرتم"! فأبوا ورجعوا. ١٧٨١ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: سألت قريش محمدا أن يجعل لهم الصفا ذهبا، فقال:"نعم! وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل إن كفرتم! فأبوا ورجعوا، فأنزل الله: ﴿أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل﴾ ، أن يريهم الله جهرة. ١٧٨٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. * * * وقال آخرون بما:- ١٧٨٣ - حدثني به المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية قال، قال رجل: يا رسول الله، لو كانت كفاراتنا كفارات بني إسرائيل! فقال النبي ﷺ:"اللهم لا نبغيها! ما أعطاكم الله خير مما أعطى بني إسرائيل، كانت بنو إسرائيل إذا فعل أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها، فإن كفرها كانت له خزيا في الدنيا، وإن لم يكفرها كانت له خزيا في الآخرة، وقد أعطاكم الله خيرا مما أعطى بني إسرائيل، قال: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١١٠] . قال: وقال:"الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن". وقال:"من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها، ولا يهلك على الله إلا هالك". فأنزل الله: ﴿أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل﴾ . [[الحديث: ١٧٨٣ - هذا حديث مرسل، من مراسيل أبي العالية. وقد نقله ابن كثير ١: ٢٧٩، عن الطبري. ونقله السيوطي ١: ١٠٧، ونسبه للطبري وابن أبي حاتم. وأبو العالية الرياحي: ثقة من كبار التابعين، كما قلنا في: ١٨٤. ونزيد هنا أنه مترجم في التهذيب والكبير ٢/١/٢٩٨، والصغير: ١٠٩، وابن سعد ٧ /١ /٨١ - ٨٥، وابن أبي حاتم ١/٥١٠ والإصابة ٢: ٢٢١. ولكن الاحتجاج بحديثه - كغيره من التابعين فمن بعدهم - هو في الإسناد المتصل، أما المرسل والمنقطع، فلا حجة فيهما.]] * * * واختلف أهل العربية في معنى ﴿أم﴾ التي في قوله: ﴿أم تريدون﴾ . فقال بعض البصريين: هي بمعنى الاستفهام. وتأويل الكلام: أتريدون أن تسألوا رسولكم؟ * * * وقال آخرون منهم: هي بمعنى استفهام مستقبل منقطع من الكلام، كأنك تميل بها إلى أوله، كقول العرب: إنها لإبل يا قوم أم شاء" و"لقد كان كذا وكذا أم حدس نفسي؟ " قال: وليس قوله: ﴿أم تريدون﴾ على الشك، ولكنه قاله ليقبح له صنيعهم. واستشهد لقوله ذلك ببيت الأخطل: كذبَتْك عينُك أم رأيت بواسط ... غَلَس الظلام من الرَّباب خيالا [[ديوانه: ٤١، ونقائض جرير والخطل: ٧٠. وواسط: قرية غربي الفرات مقابل الرقة من أعمال الجزيرة، وهي من منازل بني تغلب، وهي غير واسط التي بناها الحجاج بين البصرة والكوفة. الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بتباشير الصباح، فهي سواد مختلط ببياض وحمرة.]] * * * وقال بعض نحويي الكوفيين: إن شئت جعلت قوله: ﴿أم تريدون﴾ استفهاما على كلام قد سبقه، كما قال جل ثناؤه: ﴿الم تَنزيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [السجدة: ١-٣] ، فجاءت"أم" وليس قبلها استفهام، فكان ذلك عنده دليلا على أنه استفهام مبتدأ على كلام سبقه. وقال قائل هذه المقالة:"أم" في المعنى تكون ردا على الاستفهام على جهتين: إحداهما أن تُفَرِّق معنى"أي"، [[في المطبوعة: "تعرف معنى أي"، وفي لسان العرب (أمم ١٤: ٣٠٠) : "أن تفارق معنى أم" وكلتاهما خطأ صرف. والصواب في معاني القرآن للفراء١: ٧١. وذلك أن قولك: أزيد عندك أم عمرو"، معناه أيهما عندك. وبين أن"أم" تفرق الاستفهام، وأن"أي" تجمع متفرق الاستفهام. وقد قال الطبري فيما سلف في هذا الجزء ٢: ١٩٨: "إن أصل"أي" و"ما" جمع متفرق الاستفهام".]] والأخرى: أن يستفهم بها فتكون على جهة النسق، والذي ينوي بها الابتداء، إلا أنه ابتداء متصل بكلام. [[في المطبوعة: "وتكون على جهة النسق، وللذي ينوى به الابتداء"، والصواب من معاني القرآن للفراء.]] فلو ابتدأت كلاما ليس قبله كلام ثم استفهمت، لم يكن إلا بـ "الألف" أو بـ "هل". [[هذا نص كلام الفراء في معاني القرآن ١: ٧١.]] قال: وإن شئت قلت في قوله: ﴿أم تريدون﴾ ، قبله استفهام، فرد عليه وهو في قوله: ﴿ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير﴾ . [[وهذا أيضًا بعض نص الفراء في معاني القرآن.]] * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، على ما جاءت به الآثار التي ذكرناها عن أهل التأويل: أنه استفهام مبتدأ، بمعنى: أتريدون أيها القوم أن تسألوا رسولكم؟ وإنما جاز، أن يستفهم القوم بـ "أم"، وإن كانت"أم" أحد شروطها أن تكون نسقا في الاستفهام لتقدم ما تقدمها من الكلام، لأنها تكون استفهاما مبتدأ إذا تقدمها سابق من الكلام. ولم يسمع من العرب استفهام بها ولم يتقدمها كلام. ونظيره قوله جل ثناؤه: ﴿الم تَنزيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [السجدة: ١-٣] وقد تكون"أم" بمعنى"بل"، إذا سبقها استفهام لا يصلح فيه"أي"، فيقولون:"هل لك قِبَلَنا حق، أم أنت رجل معروف بالظلم؟ " [[هذا أيضًا ذكره الفراء. ثم قال بعده: "يريدون: بل أنت رجل معروف بالظلم".]] وقال الشاعر: فوالله ما أدري أسلمى تغولت ... أم النوم أم كل إلي حبيب [[لم أعرف قائله. وسيأتى في تفسيره ٢٠: ٦ (بولاق) على الصواب، وفي معاني القرآن للفراء ١: ٧٢، واللسان (أمم) ، والصاحبي: ٩٨. وفي المطبوعة هنا: "تقولت. . أم القول، وهو خطأ محض. وقوله: "تغولت"، أي تصورت في صورة امرأة أحسها وأراها. من تغول الغول: وهي أن تتلون وتتخيل في صور شتى. يعنى أنها بعيدة لا شك في بعدها، ولكنه يخال أنه يراها أمامه ماثلة قائمة. وقال الأخطل: وتعرضت لك بالأباطح بعد ما ... قطعت بأبرق خلة ووصالا وتغولت لتروعنا جنية ... والغانيات يرينك الأهوالا ثم يقول: "أم النوم" أي: أم هو حلم. بل كلاهما حبيب إلى، يعني أي ذلك كان، فهو حبيب إلى.]] يعني: بل كل إلي حبيب. وقد كان بعضهم يقول - منكرا قول من زعم أن"أم" في قوله: ﴿أم تريدون﴾ استفهام مستقبل منقطع من الكلام، يميل بها إلى أوله -: إن الأول خبر، والثاني استفهام، والاستفهام لا يكون في الخبر، والخبر لا يكون في الاستفهام، ولكن أدركه الشك - بزعمه - بعد مضي الخبر، فاستفهم. * * * قال أبو جعفر: فإذا كان معنى"أم" ما وصفنا، فتأويل الكلام: أتريدون أيها القوم أن تسألوا رسولكم من الأشياء نظير ما سأل قوم موسى من قبلكم، فتكفروا -إن مُنِعتموه- في مسألتكم ما لا يجوز في حكمة الله إعطاؤكموه، أو أن تهلكوا إن كان مما يجوز في حكمته عطاؤكموه، [[في المطبوعة: "أو أتهلكوا" خطأ.]] فأعطاكموه، ثم كفرتم من بعد ذلك، كما هلك من كان قبلكم من الأمم التي سألت أنبياءها ما لم يكن لها مسألتها إياهم، فلما أعطيت كفرت، فعوجلت بالعقوبات لكفرها، بعد إعطاء الله إياها سؤلها. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿ومن يتبدل﴾ ، ومن يستبدل "الكفر"، [[انظر ما سلف في هذا الجزء ٢: ١٣٠.]] ويعني بـ "الكفر"، الجحود بالله وبآياته، [[انظر ما سلف في هذا الجزء ١: ٢٥٥، ٣٨٢، ٥٥٢ وغيرها بعدها.]] ﴿بالإيمان﴾ ، يعني بالتصديق بالله وبآياته والإقرار به. [[انظر ما سلف ١: ٢٣٤ - ٢٣٥، ٢٧١، ٥٦٠ وغيرها بعدها.]] وقد قيل: عنى بـ "الكفر" في هذا الموضع: الشدة، وبـ "الإيمان" الرخاء. ولا أعرف الشدة في معاني"الكفر"، ولا الرخاء في معنى"الإيمان"، إلا أن يكون قائل ذلك أراد بتأويله"الكفر" بمعنى الشدة في هذا الموضع، وبتأويله"الإيمان" في معنى الرخاء -: ما أعد الله للكفار في الآخرة من الشدائد، وما أعد الله لأهل الإيمان فيها من النعيم، فيكون ذلك وجها، وإن كان بعيدا من المفهوم بظاهر الخطاب. * ذكر من قال ذلك: ١٧٨٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن أبي العالية: ﴿ومن يتبدل الكفر بالإيمان﴾ ، يقول: يتبدل الشدة بالرخاء. ١٧٨٥ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسن قال، حدثني حجاج، عن ابن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية بمثله. * * * وفي قوله: ﴿ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل﴾ ، دليل واضح على ما قلنا: [[انظر ما سلف قريبا: ٤٦٢ - ٤٦٦، ٤٨٤ - ٤٨٨، وانظر ما سيأتي قريبا: ٤٩٨، ٤٩٩]] من أن هذه الآيات من قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا﴾ ، خطاب من الله جل ثناؤه المؤمنين به من أصحاب رسول الله ﷺ، [[في المطبوعة: "المؤمنين به أصحاب رسول الله. . "، وزيادة"به" خطأ.]] وعتاب منه لهم على أمر سلف منهم، مما سر به اليهود، وكرهه رسول الله ﷺ لهم، فكرهه الله لهم، فعاتبهم على ذلك، وأعلمهم أن اليهود أهل غش لهم وحسد وبغي، وأنهم يتمنون لهم المكاره، ويبغونهم الغوائل، ونهاهم أن ينتصحوهم، وأخبرهم أن من ارتد منهم عن دينه فاستبدل بإيمانه كفرا، فقد أخطأ قصد السبيل. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (١٠٨) ﴾ قال أبو جعفر: أما قوله: ﴿فقد ضل﴾ ، فإنه يعني به ذهب وحاد. وأصل"الضلال عن الشيء"، الذهاب عند والحيد، [[انظر ما سلف ١: ١٩٥.]] ثم يستعمل في الشيء الهالك، والشيء الذي لا يؤبه له، كقولهم للرجل الخامل الذي لا ذكر له ولا نباهة: "ضُل بن ضُل"، و "قُل بن قُل"، وكقول الأخطل، في الشيء الهالك: كنتَ القَذَى في موجِ أكدر مُزْبدٍ ... قذف الأتِيُّ به فضل ضلالا [[ديوانه: ٥٠، ونقائض جرير والأخطل: ٨٣ وسيأتي في تفسير الطبري ٣: ٢١٩ / ٢١: ٦١ (بولاق) . وقوله: "كنت"، يعني جريرا، وهو جواب"إذا"، فقبل البيت: وإذا سما للمجد فرعا وائل ... واستجمع الوادي عليك فسالا " فرعا وائل" يعني بكرا وتغلب رهط الأخطل. والقذي" ما يكون فوق الماء من تبن وورق وأعواد. وفي المطبوعة هنا: "أكبر" مكان"أكدر"، وهو تصحيف، وأتى على صوابه في الموضعين الآخرين من التفسير. وقوله"أكدر" يعني بحرا متلاطما، فكدر بعد صفاء. ومزبد: بحر هائج مائج يقذف بالزبد. والأتي: السيل الذي يأتي من مكان بعيد. وقوله: "قذف الآتي به"، صفة للقذى. يقول: كنت عندئذ كالقذى رمى به السيل في بحر مزبد لا يهدأ موجه، فهلك هلاكا. ورواية الديوان: "في لج أكدر".]] يعني: هلك فذهب. * * * والذي عنى الله تعالى ذكره بقوله: ﴿فقد ضل سواء السبيل﴾ ، فقد ذهب عن سواء السبيل وحاد عنه. * * * وأما تأويل قوله: ﴿سواء السبيل﴾ ، فإنه يعني بـ "السواء"، القصد والمنهج. وأصل"السواء" الوسط. ذكر عن عيسى بن عمر النحوي أنه قال:"ما زلت أكتب حتى انقطع سوائي"، يعني: وسطي. وقال حسان بن ثابت: يا ويح أنصار النبي ونسله ... بعد المغيب في سواء الملحد [[ديوانه: ٩٨، وسيأتي في تفسير الطبري ١٠: ٢٠ (بولاق) ، وهكذا جاءت الرواية هنا"نسله"، وأظنها خطأ من ناسخ أو خطأ في رواية. ورواية الديوان وما سيأتي في الطبري، وغيرهما"ورهطه". وهو من رثاء حسان رسول الله بأبي هو وأمي ﷺ. وعنى بقوله: "ورهطه" المهاجرين رضي الله عنهم. والمغيب مصدر غيبه في الأرض: واراه. و"الملحد" بضم الميم وفتح الحاء بينهما لام ساكنة: هو اللحد، والقبر.]] يعني بالسواء: الوسط. والعرب تقول:"هو في سواء السبيل"، يعني في مستوى السبيل،"وسواء الأرض": مستواها، عندهم. وأما"السبيل"، فإنها الطريق المسبول، صرف من"مسبول" إلى"سبيل". [[لم أجد لقوله: "مسبول" فعلا، وكأنه أراد أن يؤوب به إلى الأصل، فإن"فعيلا" لا بد له من فعل ثلاثي هو"سبل" وإن لم يستعملوه، وهو مصروف عن"مفعول". فقال الطبري: "مسبول". ويهون ذلك أنهم قالوا: "السابلة" وهو"فاعلة من فعل ثلاثي. ولكنهم لم يستعملوه، ومعناه: "السالكة الطريق من الناس". وقالوا سبيل سابلة: أي مسلوكة، فهذه أيضًا "فاعلة" بمعنى"مفعولة". فعنى بقوله"المسبول" في الموضعين: المسلوك.]] * * * فتأويل الكلام إذا: ومن يستبدل بالإيمان بالله وبرسوله الكفر، فيرتد عن دينه، فقد حاد عن منهج الطريق ووسطه الواضح المسبول. [[لم أجد لقوله: "مسبول" فعلا، وكأنه أراد أن يؤوب به إلى الأصل، فإن"فعيلا" لا بد له من فعل ثلاثي هو"سبل" وإن لم يستعملوه، وهو مصروف عن"مفعول". فقال الطبري: "مسبول". ويهون ذلك أنهم قالوا: "السابلة" وهو"فاعلة من فعل ثلاثي. ولكنهم لم يستعملوه، ومعناه: "السالكة الطريق من الناس". وقالوا سبيل سابلة: أي مسلوكة، فهذه أيضًا "فاعلة" بمعنى"مفعولة". فعنى بقوله"المسبول" في الموضعين: المسلوك.]] وهذا القول ظاهره الخبر عن زوال المستبدل بالإيمان والكفر عن الطريق، والمعْنِيُّ به الخبر عنه أنه ترك دين الله الذي ارتضاه لعباده، وجعله لهم طريقا يسلكونه إلى رضاه، وسبيلا يركبونها إلى محبته والفوز بجناته. فجعل جل ثناؤه الطريق - الذي إذا ركب محجته السائر فيه، ولزم وسطه المجتاز فيه، نجا وبلغ حاجته، وأدرك طلبته - لدينه الذي دعا إليه عباده، مثلا لإدراكهم بلزومه واتباعه، طلباتهم في آخرتهم، [[في المطبوعة: "لإدراكهم بلزومه واتباعه إدراكهم طلباتهم. . " وقوله: "إدراكهم" زائدة من ناسخ.]] كالذي يدرك اللازم محجة السبيل = بلزومه إياها = طلبته من النجاة منها، والوصول إلى الموضع الذي أمه وقصده. وجعل مثل الحائد عن دينه، الجائر عن اتباع ما دعاه إليه من عبادته - [[في المطبوعة: "والحائد عن اتباع ما دعاه. . "، وأظن الصواب ما أثبت.]] في إخطائه ما رجا أن يدركه بعمله في آخرته وينال به في معاده، [[في المطبوعة: "في حياته ما رجا أن يدركه. . "، وهي مصحفة ولا شك، وأثبت ما أداني إليه اجتهادي في قراءته. لأنهم يقول أخطأ الطريق، وأخطأ ما ابتغى، إلى أشباه ذلك.]] وذهابه عما أمل من ثواب عمله، وبعده به من ربه، مثلَ الحائد عن منهج الطريق وقصد السبيل، الذي لا يزداد وغولا في الوجه الذي سلكه، [[الوغول، مصدر"وغل يغل وغولا"، إذا ذهب فأبعد المذهب.]] إلا ازداد من موضع حاجته بعدا، وعن المكان الذي أمه وأراده نأيا. وهذه السبيل التي أخبر الله عنها، أن من يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواءها، هي الصراط المستقيم"، الذي أمرنا بمسألته الهداية له بقوله: ﴿اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب