الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣) ﴾ يقول تعالى ذكره: مخبرا عن قيل عيسى للقوم: وجعلني مباركا وبرًّا: أي جعلني برًّا بوالدتي. والبرّ هو البارّ، يقال: هو برّ بوالده، وبارّ به، وبفتح الباء قرأت هذا الحرف قرّاء الأمصار. ورُوِي عن أبي نهيك ما:- ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد المؤمن، عن أبي نهيك أنه قرأ ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي﴾ من قول عيسى عليه السلام، قال أبو نهيك: أوصاني بالصلاة والزكاة والبرّ بالوالدين، كما أوصاني بذلك. فكأنّ أبا نهيك وجه تأويل الكلام إلى قوله ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي﴾ هو من خبر عيسى، عن وصية الله إياه به، كما أن قوله ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ من خبره عن وصية الله إياه بذلك. فعلى هذا القول يجب أن يكون نصب البرّ بمعنى عمل الوصية فيه، لأن الصلاة والزكاة وإن كانتا مخفوضتين في اللفظ، فإنهما بمعنى النصب من أجل أنه مفعول بهما. * * * وقوله ﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ يقول: ولم يجعلني مستكبرًا على الله فيما أمرني به، ونهاني عنه، شقيا، ولكن ذللني لطاعته، وجعلني متواضعا. كما:- ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنه يعني عيسى، كان يقول: سلوني، فإن قلبي ليِّن، وإني صغير في نفسي مما أعطاه الله من التواضع. ⁕ وحدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ ذكر لنا أن امرأة رأت ابن مريم يحيي الموتى، ويُبرئ الأكمه والأبرص، في آيات سلطه الله عليهنّ، وأذن له فيهنّ، فقالت: طوبى للبطن الذي حملك، والثدي الذي أرضعت به، فقال نبيّ الله ابن مريم يجيبها: طوبى لمن تلا كتاب الله، واتبع ما فيه ﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ . ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا محمد بن كثير، عن عبد الله بن واقد أبي رجاء، عن بعض أهل العلم، قال: لا تجد عاقا إلا وجدته جبارًا شقيا. ثم قرأ ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ قال: ولا تجد سيئ المِلْكة إلا وجدته مختالا فخورا، ثم قرأ ﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا﴾ . * * * وقوله ﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ يقول: والأمنة من الله عليّ من الشيطان وجنده يوم ولدت أن ينالوا مني ما ينالون ممن يولد عند الولادة، من الطعن فيه، ويوم أموت، من هول المطلع، ويوم أبعث حيا يوم القيامة أن ينالني الفزع الذي ينال الناس بمعاينتهم أهوال ذلك اليوم. كما:- ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه ﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ قال: يخبرهم في قصة خبره عن نفسه، أنه لا أب له وأنه سيموت ثم يُبْعث حيا، يقول الله تبارك وتعالى ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب