الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا (٣٧) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (٣٨) ﴾
يقول تعالى ذكره: ولا تمش في الأرض مختالا مستكبرا ﴿إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ﴾ يقول: إنك لن تقطع الأرض باختيالك، كما قال رُؤْبة:
وقاتِمِ الأعماقِ خاوِي المُخْتَرَق [[البيت مطلع أرجوزة مطولة (١٧١ بيتا في ديوان رؤبة طبع ليبج سنة ١٩٠٣م، ص ١٠٤) وهو شاهد على أن قوله المخترق بمعنى القطع كما في قوله تعالى: "إنك لن تخرق الأرض" أي لن تقطع الأرض. ويريد بقائم الأعماق: واديا مظلم النواحي لما كثر فيه من الغبار الثائر. والخاوي: الخالي. والمخترق: الممر والمقطع. وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن (١: ٣٨٠) " إنك لن تخرق الأرض ": مجاز " لن تقطع الأرض. وقال رؤبة: ... البيت أي المقطع.
وقال آخرون: إنك لن تنقب الأرض وليس بشيء.]] يعني بالمخترق: المقطع ﴿وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا﴾ بفخرك وكبرك، وإنما هذا نهي من الله عباده عن الكبر والفخر والخُيَلاء، وتقدم منه إليهم فيه معرِّفهم بذلك أنهم لا ينالون بكبرهم وفخارهم شيئا يقصر عنه غيرهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا﴾ يعني بكبرك ومرحك.
⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا﴾ قال: لا تمش في الأرض فخرا وكبرا، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال، ولا تخرق الأرض بكبرك وفخرك.
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ﴾ قال: لا تفخر.
وقيل: لا تمش مرَحا، ولم يقل مرِحا، لأنه لم يرد بالكلام: لا تكن مرِحا، فيجعله من نعت الماشي، وإنما أريد لا تمرح في الأرض مرَحا، ففسر المعنى المراد من قوله: ولا تمش، كما قال الراجز:
يُعْجَبُهُ السَّخُونُ والعَصِيدُ ... والتَّمْرُ حبًّا مَا لَهُ مَزِيدُ [[البيتان في الملحق بشعر رؤبة بن العجاج، بآخر ديوانه (طبع ليبسج سنة ١٩٠٣ ص ١٧٢) وروايتهما فيه: يُعْجِبُهُ السِّخُونُ والبَرُودُ ... والقَزُّ حُبًّا مالَهُ مَزِيدُ
ورواية البيت في (اللسان: سخن) كرواية المؤلف. قال: ويروى: " حتى ماله مزيد ". وقال: السخون من المرق: ما يسخن. وقال في (برد) : كل ما برد به شيء: برود. أهـ. ولعله يريد الماء البارد، تنقع به الغلة، وقال في (عصد) : العصيدة: دقيق يلت بالسمن ويطبخ. والشاهد في البيت: أن قوله حبا مفعول مطلق، لأنه بمعنى إعجابا، لأن في قوله يعجبه، معنى يحبه، فكأنه مرادف له. وهو نظير قوله تعالى: "ولا تمش في الأرض مرحا، أي المرح. وقد سبق الاستشهاد بالبيت في بعض أجزاء التفسير.]]
فقال: حبا، لأن في قوله: يعجبه، معنى يحبّ، فأخرج قوله: حبا، من معناه دون لفظه.
* * *
وقوله ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾
فإن القرّاء اختلفت فيه، فقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾ على الإضافة بمعنى: كل هذا الذي ذكرنا من هذه الأمور التي عددنا من مبتدأ قولنا ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾ .... إلى قولنا ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا﴾ ﴿كانَ سَيِّئُهُ﴾ يقول:
سيء ما عددنا عليك عند ربك مكروها.
وقال قارئو هذه القراءة: إنما قيل ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ﴾ بالإضافة، لأن فيما عددنا من قوله ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾ أمورا، هي أمر بالجميل، كقوله ﴿وَبالوَالِدَيْنِ إِحْسانا﴾ وقوله ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ وما أشبه ذلك، قالوا: فليس كلّ ما فيه نهيا عن سيئة، بل فيه نهى عن سيئة، وأمر بحسنات، فلذلك قرأنا ﴿سَيِّئُهُ﴾ ، وقرأ عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة ﴿كُلُّ ذلكَ كانَ سَيِّئَةً﴾ وقالوا: إنما عنى بذلك: كلّ ما عددنا من قولنا ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾ ولم يدخل فيه ما قبل ذلك. قالوا: وكل ما عددنا من ذلك الموضع إلى هذا الموضع سيئة لا حسنة فيه، فالصواب قراءته بالتنوين. ومن قرأ هذه القراءة، فإنه ينبغي أن يكون من نيته أن يكون المكروه مقدما على السيئة، وأن يكون معنى الكلام عنده: كلّ ذلك كان مكروها سيئه؛ لأنه إن جعل قوله: مكروها نعدّ السيئة من نعت السيئة، لزمه أن تكون القراءة: كلّ ذلك كان سيئة عند ربك مكروهة، وذلك خلاف ما في مصاحف المسلمين.
وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب قراءة من قرأ ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ﴾ على إضافة السيئ إلى الهاء، بمعنى: كلّ ذلك الذي عددنا من ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ.... كانَ سَيِّئُهُ﴾ لأن في ذلك أمورا منهيا عنها، وأمورا مأمورا بها، وابتداء الوصية والعهد من ذلك الموضع دون قوله ﴿وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ﴾ إنما هو عطف على ما تقدّم من قوله ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾ فإذا كان ذلك كذلك، فقراءته بإضافة السيء إلى الهاء أولى وأحقّ من قراءته سيئةً بالتنوين، بمعنى السيئة الواحدة.
فتأويل الكلام إذن: كلّ هذا الذي ذكرنا لك من الأمور التي عددناها عليك كان سيئة مكروها عند ربك يا محمد، يكرهه وينهى عنه ولا يرضاه، فاتق مواقعته والعمل به.
{"ayahs_start":37,"ayahs":["وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولࣰا","كُلُّ ذَ ٰلِكَ كَانَ سَیِّئُهُۥ عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهࣰا"],"ayah":"وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق