الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٩٤) ﴾ يقول تعالى ذكره: ولا تتخذوا أيمانكم بينكم دَخَلا وخديعة بينكم، تغزون بها الناس ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ يقول: فتهلكوا بعد أن كنتم من الهلاك آمنين. وإنما هذا مثل لكل مبتلى بعد عافية، أو ساقطٍ في ورطة بعد سلامة، وما أشبه ذلك: ﴿زلَّت قدمه﴾ ، كما قال الشاعر: سيَمْنَعُ مِنْكَ السَّبْقُ إنْ كُنْتَ سابِقا ... وتُلْطَعُ إنْ زَلَّتْ بكَ النَّعْلانِ [[في (اللسان: لطع) : اللطع أن تضرب مؤخر الإنسان برجلك. تقول: لطعته (بالكسر) ألطعه لطعا. وقوله تعالى: (فتزل قدم بعد ثبوتها) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (١: ٣٦٧) : مثل يقال لكل مبتلى بعد عافية، أو ساقط في ورطة بعد سلامة ونحو ذلك: زلت قدمه.]] * * * وقوله ﴿وَتَذُوقُوا السُّوءَ﴾ يقول: وتذوقوا أنتم السوء وذلك السوء: هو عذاب الله الذي يعذّب به أهل معاصيه في الدنيا، وذلك بعض ما عذّب به أهل الكفر ﴿بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يقول: بما فَتنتم من أراد الإيمان بالله ورسوله عن الإيمان ﴿وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ في الآخرة، وذلك نار جهنم، وهذه الآية تدلّ على أن تأويل بُرَيْدة الذي ذكرنا عنه، في قوله ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ﴾ والآيات التي بعدها، أنه عُنِيَ بذلك: الذين بايعوا رسول الله ﷺ على الإسلام، عن [["عن" هنا: للتعليل، أي بسبب مفارقة الإسلام، مثلها في قوله تعالى: (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك) : أي لأجلك.]] مفارقة الإسلام لقلة أهله، وكثرة أهل الشرك هو الصواب، دون الذي قال مجاهد أنهم عنوا به، لأنه ليس في انتقال قوم تحالفوا عن حلفائهم إلى آخرين غيرهم، صدّ عن سبيل الله ولا ضلال عن الهدى، وقد وصف تعالى ذكره في هذه الآية فاعِلِي ذلك، أنهم باتخاذهم الأيمان دَخَلا بينهم، ونقضهم الأيمان بعد توكيدها، صادّون عن سبيل الله، وأنهم أهل ضلال في التي قبلها، وهذه صفة أهل الكفر بالله لا صفة أهل النُّقْلة بالحلف عن قوم إلى قوم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب