الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠) ﴾ يقول تعالى ذكره: يخاف هؤلاء الملائكة التي في السموات، وما في الأرض من دابة، ربهم من فوقهم، أن يعذّبهم إن عَصَوا أمره،ويفعلون ما يؤمرون، يقول: ويفعلون ما أمرهم الله به، فيؤدّون حقوقه، ويجتنبون سُخْطه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) ﴾ يقول تعالى ذكره: وقال الله لعباده: لا تتخذوا لي شريكا أيها الناس، ولا تعبدوا معبودين، فإنكم إذا عبدتم معي غيري جعلتم لي شريكا، ولا شريك لي، إنما هو إله واحد ومعبود واحد، وأنا ذلك، ﴿فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ يقول: فإياي فاتقوا وخافوا عقابي بمعصيتكم إياي إن عصيتموني وعبدتم غيري، أو أشركتم في عبادتكم لي شريكا. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢) ﴾ يقول تعالى ذكره: ولله ملك ما في السموات والأرض من شيء، لا شريك له في شيء من ذلك، هو الذي خلقهم، وهو الذي يرزقهم، وبيده حياتهم وموتهم. * * * وقوله ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ يقول جلّ ثناؤه: وله الطاعة والإخلاص دائما ثابتا واجبا، يقال منه: وَصَبَ الدِّينُ يَصِبُ وُصُوبا ووَصْبا كما قال الدِّيلِيّ: لا أبْتَغِي الحَمْدَ القَلِيلَ بَقاؤُهُ ... يَوْما بِذَمّ الدَّهْرِ أجمَعَ وَاصِبا [[البيت لأبي الأسود الدؤلي، ويقال فيه الديلي أيضا، استشهد به أبو عبيدة في مجاز القرآن (١: ٣٦١) على أن معنى "واصبا": دائما. وروايته فيه كرواية المؤلف (الطبري) . واستشهد به كذلك القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (١٠: ١١٤) ورواه بروايتين: الأولى كرواية المؤلف، وقال قبلها، أنشد الغزنوي والثعلبي وغيرهما ... البيت. والأخرى باختلاف في الشطر الثاني. وهو: "بدم يكون الدهر أجمع واصبا" وظاهر أن هذه الرواية محرفة عن الأولى. وقال صاحب لسان العرب في "وصب". وفي التنزيل العزيز، "وله الدين واصبا" قال أبو إسحاق، قيل في معناه: دائبا: أي طاعته دائمة واجبة أبدا. قال: ويجوز، والله أعلم أن يكون "وله الدين واصبا": أي له الدين والطاعة، رضي العبد بما يؤمر به، أو لم يرض به، سهل عليه، أو لم يسهل، فله الدين وإن كان فيه الوصب، والوصب: شدة التعب، وفيه: "بعذاب واصب" أي دائم ثابت. وقيل: موجع.]] ومنه قول الله ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ ، وقول حسان: غَيَّرَتْهُ الرِّيحُ تَسْفِي بِهِ ... وهَزِيمٌ رَعْدُهُ وَاصِبٌ [[البيت لحسان بن ثابت (ديوانه طبع ليدن سنة ١٩١٠ ص ٦١) وقبله بيت وهو المطلع: قَدْ تَعَفَّى بَعْدَنا عاذِبُ ... ما بِهِ بادٍ وَلا قارِبُ وتسفى به: تحمل إليه التراب. والهزيم: السحاب المتشقق بالمطر. يقول: غير هذا المكان ما تسفيه الريح عليه من التراب، وما يأتي به السحاب من مطر رعده دائم.]] فأما من الألم، فإنما يقال: وصب الرجل يوصب وصبا، وذلك إذا أعيا وملّ، ومنه قول الشاعر: لا يغْمِزُ السَّاقَ مِنْ أيْنِ ولا وَصَبٍ ... ولا يعَضُّ على شُرْسُوفِهِ الصَّفَرُ [[هذا البيت لأعشى باهلة، واسمه عامر بن الحارث جمهرة أشعار العرب لمحمد بن أبي الخطاب القرشي (١٣٥ - ١٣٧) من قصيدة يقولها في أخ له اسمه المنتشر، قتله بنو الحارث بن كعب وقطعوه إربا إربا (عضوا عضوا) برجل منهم كان فعل معه مثل ذلك. ورواية البيت فيه وفي اللسان (صفر) : لا يَتَأَسَّى لِمَا فِي الْقِدْرِ يَرْقبُهُ ... ولا يَعَضُّ عَلى شُرْسُوفِهِ الصَّفْرُ قال: والصفر دويية تكون في البطن، تدعيها الأعراب، ويكون منها الجوع. وخطأ رواية البيت الصاغاني، وأورده كرواية المؤلف. (انظر هامش اللسان: أرى) . والغمز: العصر باليد. والشرسوف: جمعه شراسيف، وهي أطراف أضلاع الصدر التي تشرف على البطن.]] وقد اختلف أهل التأويل في تأويل الواصب، فقال بعضهم: معناه، ما قلنا. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن قيس، عن الأغرّ بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن أبي نضرة، عن ابن عباس ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ قال: دائما. ⁕ حدثني إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا شريك، عن أبي حصين، عن عكرمة، في قوله ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ قال: دائما. ⁕ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن قيس، عن يعلى بن النعمان، عن عكرمة، قال: دائما. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ قال: دائما. ⁕ حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ قال: دائما. ⁕ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة وأبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ قال: دائما. ⁕ حدثني المثنى، قال: أخبرنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ : أي دائما، فإن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا من خلقه إلا عبده طائعا أو كارها. ⁕ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ﴿وَاصِبًا﴾ قال: دائما، ألا ترى أنه يقول ﴿عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ أي دائم. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ قال: دائما، والواصب: الدائم. وقال آخرون: الواصب في هذا الموضع: الواجب. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن قيس، عن يَعَلَى بن النعمان، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ قال: واجبا. وكان مجاهد يقول: معنى الدين في هذا الموضع: الإخلاص. وقد ذكرنا معنى الدين في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ قال: الإخلاص. ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: الدين: الإخلاص. * * * وقوله ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ﴾ يقول تعالى ذكره: أفغير الله أيها الناس تتقون، أي ترهبون وتحذرون أن يسلبكم نعمة الله عليكم بإخلاصكم العبادة لربكم، وإفرادكم الطاعة له، وما لكم نافع سواه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب