الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأوَّلِينَ (١٠) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١١) ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: ولقد أرسلنا يا محمد من قبلك في الأمم الأوّلين رسلا وترك ذكر الرسل اكتفاء بدلالة قوله ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ﴾ عليه، وعنى بشيع الأوّلين: أمم الأوّلين: واحدتها شيعة، ويقال أيضا لأولياء الرجل: شيعته. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأوَّلِينَ﴾ يقول: أمم الأولين. ⁕ حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، في قوله ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأوَّلِينَ﴾ قال: في الأمم. * * * وقوله ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ يقول: وما يأتي شيع الأوّلين من رسول من الله يرسله إليهم بالدعاء إلى توحيده، والإذعان بطاعته،إلا كانوا به يستهزءون: يقول: إلا كانوا يسخرون بالرسول الذي يرسله الله إليهم عتُوّا منهم وتمرّدا على ربهم. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ (١٣) ﴾ يقول تعالى ذكره: كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الأولين بالاستهزاء بالرسل، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بالكفر بالله ﴿لا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ يقول: لا يصدّقون بالذكر الذي أنزل إليك، والهاء في قوله ﴿نَسْلُكُهُ﴾ من ذكر الاستهزاء بالرسل والتكذيب بهم. كما:- ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ قال: التكذيب. ⁕ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ لا يؤمنون به، قال: إذا كذبوا سلك الله في قلوبهم أن لا يؤمنوا به. ⁕ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن حميد، عن الحسن، في قوله ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ قال: الشرك. ⁕ حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن حميد، قال: قرأت القرآن كله على الحسن في بيت أبي خليفة، ففسره أجمع على الإثبات، فسألته عن قوله ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ قال: أعمال سيعملونها لم يعملوها. ⁕ حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك عن حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، قال: قرأت القرآن كله على الحسن، فما كان يفسره إلا على الإثبات، قال: وقفته على نسلكه، قال: الشرك، قال: ابن المبارك: سمعت سفيان في قوله ﴿نَسْلُكُهُ﴾ قال: نجعله. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ قال: هم كما قال الله، هو أضلهم ومنعهم الإيمان، يقال منه: سلكه يسلكه سلكا وسلوكا، وأسلكه يسلكه إسلاكا، ومن السلوك قول عديّ بن زيد: وكنْت لِزَازَ خَصْمِكَ لَمْ أعرّدْ ... وَقَدْ سَلَكوكَ فِي يَوْم عَصِيبٍ [[البيت لعدي بن زيد العبادي، وقد تقدم واستشهد المؤلف به عند قوله تعالى في سورة هود "وقال هذا يوم عصيب " فراجعه في الجزء الثاني عشر صفحة ٨٢. والشاهد فيه هنا: أنه اشتق سلكوك من المصدر الثلاثي (السلك) .]] ومن الإسلاك قول الآخر: حتى إذَا أسْلَكُوهُمْ في قُتَائِدَةٍ ... شَلا كَما تَطْرد الجَمالَة الشردَا [[البيت لعبد مناف بن ربعي الهذلي (اللسان: جمل) استشهد به المؤلف على أن " أسلكوهم " بالهمزة في أوله لغة مثل سلوكهم التي وردت في البيت السابق من شعر عدي بن زيد، والبيت أيضا في (خزانة الأدب للبغدادي ٣: ١٧٠) شاهد على أن جواب إذا عند الرضى شارح كافية ابن الحاجب محذوف لتفخيم الأمر، والتقدير: بلغوا أملهم؛ أو أدركوا ما أحبوا ونحو ذلك، وقيل فيه وجهان آخران، قال البغدادي وأسلك: لغة في سلك، يقال أسلكت الشيء في الشيء، مثل سلكته فيه، بمعنى أدخلته فيه، وقتائدة: ثنية، وقال البكري: جبل بين المنصرف والروحاء، والشل: الطرد، والجمالة: فاعلي تطرد، وهم أصحاب الجمال، كما يقال الحمارة لأصحاب الحمير، والشرد: جمع شرود، أي من الجمال.]] * * * وقوله ﴿وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ﴾ يقول تعالى ذكره: لا يؤمن بهذا القرآن قومك الذين سلكت في قلوبهم التكذيب ﴿حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ﴾ أخذا منهم سنة أسلافهم من المشركين قبلهم من قوم عاد وثمود وضربائهم من الأمم التي كذّبت رسلها، فلم تؤمن بما جاءها من عند الله حتى حلّ بها سخط الله فهلكت. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ﴾ وقائع الله فيمن خلا قبلكم من الأمم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب