الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ﴿ويهدي إليه من أناب﴾ بالتوبة ﴿الذين آمنوا﴾. * * * و ﴿الذين آمنوا﴾ في موضع نصب، ردٌّ على"مَنْ"، لأن"الذين آمنوا"، هم"من أناب"، ترجم بها عنها. [[" الترجمة"، البدل أو عطف البيان، وانظر ما سلف قريبًا ص: ٤٢٣، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] * * * وقوله: ﴿وتطمئن قلوبهم بذكر الله﴾ ، يقول: وتسكن قلوبهم وتستأنس بذكر الله، [[انظر تفسير" الاطمئنان" فيما سلف ١٥: ٢٥، تعليق ١، والمراجع هناك.]] كما:- ٢٠٣٥٨- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿وتطمئن قلوبهم بذكر الله﴾ يقول: سكنت إلى ذكر الله واستأنست به. * * * وقوله: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ ، يقول: ألا بذكر الله تسكن وتستأنس قلوبُ المؤمنين. [[انظر تفسير" الاطمئنان" فيما سلف ١٥: ٢٥، تعليق ١، والمراجع هناك.]] وقيل: إنه عنى بذلك قلوب المؤمنين من أصحاب رسول الله ﷺ. * ذكر من قال ذلك: ٢٠٣٥٩- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ لمحمد وأصحابه. ٢٠٣٦٠- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل [[كرر هذا الإسناد في المطبوعة وحدها، وقال ناشر المطبوعة الأولى،" كذا في النسخ بهذا التكرار فانظره"، وليس مكررًا في مخطوطتنا، كأنه لم يرجع إليها.]] = ٢٠٣٦١- وحدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء= عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ قال: لمحمد وأصحابه. ٢٠٣٦٢- ... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا أحمد بن يونس قال، حدثنا سفيان بن عيينة في قوله: ﴿وتطمئن قلوبهم بذكر الله﴾ قال: هم أصحاب محمد ﷺ. * * * وقوله: ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ ، الصالحات من الأعمال، وذلك العمل بما أمرهم ربهم= ﴿طوبى لهم﴾ . * * * و"طوبى" في موضع رفع بـ"لهم". وكان بعض أهل البصرة والكوفة يقول: ذلك رفع، كما يقال في الكلام:"ويلٌ لعمرو". * * * قال أبو جعفر: وإنما أوثر الرفع في ﴿طوبى﴾ لحسن الإضافة فيه بغير"لام"، وذلك أنه يقال فيه"طوباك"، كما يقال:"ويلك"، و"ويبك"، ولولا حسن الإضافة فيه بغير لام، لكان النصب فيه أحسنَ وأفصح، كما النصب في قولهم:"تعسًا لزيد، وبعدًا له وسُحقًا" أحسن، إذ كانت الإضافة فيها بغير لام لا تحسن. * * * وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ﴿طوبى لهم﴾ . فقال بعضهم: معناه: نِعْم ما لهم. * ذكر من قال ذلك: ٢٠٣٦٣- حدثني جعفر بن محمد البروري من أهل الكوفة قال: حدثنا أبو زكريا الكلبي، عن عمر بن نافع قال: سئل عكرمة عن"طوبى لهم" قال: نعم ما لهم. [[الأثر: ٢٠٣٦٣ -" جعفر بن محمد البروري، من أهل الكوفة" شيخ الطبري، هكذا جاء في المخطوطة، وهو ما لا أعرف. وقد مضى برقم: ٩٨٠٠، وذكرت هناك أني لم أجده، وكان فيما سلف:" جعفر بن محمد الكوفي المروزي"، وذكرت أنه روى عنه في التاريخ ٥: ١٨، وصح عندي أنه هو هو في المواضع الثلاثة، لأنه روى عنه في التاريخ قال:" حدثني جعفر بن محمد الكوفي وعباس بن أبي طالب قالا، حدثنا أبو زكريا يحيي بن مصعب الكلبي، قال حدثنا عمر بن نافع". فهذا هو بعض إسنادنا هذا. و" أبو زكريا الكلبي"، هو" يحيي بن مصعب الكلبي الكوفي"، وهو" جار الأعمش". روى عن الأعمش حكايات، وروى عن عمر بن نافع، وهو صدوق. مترجم في الكبير ٤ / ٢ / ٣٠٦، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ١٩٠. و" عمر بن نافع الثقفي"، متكلم فيه، مضى قريبًا برقم: ٢٠٢٢٩، وكان في المخطوطة هنا:" عمرو بن نافع"، وهو فيها على الصواب في الإسناد التالي، أما المطبوعة فقد تبع خطأ المخطوطة الأول، وترك صوابها الثاني!! .]] ٢٠٣٦٤- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عمرو بن نافع، عن عكرمة في قوله: ﴿طوبى لهم﴾ قال: نعم ما لهم. ٢٠٣٦٥- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثني عمرو بن نافع قال: سمعت عكرمة، في قوله: ﴿طوبى لهم﴾ قال: نِعْم مَا لهم. * * * وقال آخرون: معناه: غبطة لهم. * ذكر من قال ذلك: ٢٠٣٦٦- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: ﴿طوبى لهم﴾ قال: غبطةٌ لهم. ٢٠٣٦٧- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك، مثله. ٢٠٣٦٨- ... قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله. * * * وقال آخرون: معناه: فرحٌ وقُرَّةُ عين. * ذكر من قال ذلك: ٢٠٣٦٩- حدثني علي بن داود والمثنى بن إبراهيم قالا حدثنا عبد الله قال. حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ﴿طوبى لهم﴾ ، يقول: فرحٌ وقُرَّة عين. * * * وقال آخرون: معناه: حُسْنَى لهم. * ذكر من قال ذلك: ٢٠٣٧٠- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿طوبى لهم﴾ ، يقول: حسنى لهم، وهي كلمة من كلام العرب. ٢٠٣٧١- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة. ﴿طوبى لهم﴾ ، هذه كلمة عربية، يقول الرجل: طوبى لك: أي أصبتَ خيرًا. * * * وقال آخرون: معناه: خير لهم. * ذكر من قال ذلك: ٢٠٣٧٢- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: خير لهم. ٢٠٣٧٣- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: ﴿طوبى لهم﴾ ، قال: الخير والكرامة التي أعطاهم الله. * * * وقال آخرون: ﴿طوبى لهم﴾ ، اسم من أسماء الجنة، ومعنى الكلام، الجنة لهُم. * ذكر من قال ذلك: ٢٠٣٧٤- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿طوبى لهم﴾ قال: اسم الجنة، بالحبشية. ٢٠٣٧٥- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿طوبى لهم﴾ ، قال: اسم أرض الجنة، بالحبشية. ٢٠٣٧٦- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن مشجوج في قوله: ﴿طوبى لهم﴾ قال: ﴿طوبى﴾ : اسم الجنة بالهندية. ٢٠٣٧٧- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا داود بن مهران قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن مشجوج قال: اسم الجنة بالهندية: ﴿طوبى﴾ . [[الأثران: ٢٠٣٧٦، ٢٠٣٧٧ -" سعيد بن مشجوج" أو" بن مسجوح"، أو و" ابن مسجوع"، وهكذا جاء مختلفًا في المخطوطة، ثم في تفسير ابن كثير ٤: ٥٢٣، والدر المنثور ٤: ٥٩، ونسبه لابن جرير، وأبي الشيخ. ولم أجد له ذكرًا في شيء من كتب الرجال، مع مراجعته على وجوه التصحيف والتحريف. ولكني وجدت في لسان العرب مادة (كرم) و (كسا) ، وفيهما قال:" سعيد بن مسحوح الشيباني"، وفي شرح القاموس" ابن مشجوج" ونسب إليه السيرافي وابن بري شعر أبي خالد القناني الخارجي، الذي يقول في أوله: لَقَدْ زَادَ الحَيَاة إلّي حبًّا ... بَنَاتِي إنَّهن مِنَ الضعَافِ وانظر الكامل ٢: ١٠٧، هذا غاية ما وجدته، ولا أدري علاقة ما بين هذين الاسمين، وفوق كل ذي علم عليم.]] ٢٠٣٧٨- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان، عن السدي، عن عكرمة: ﴿طوبى لهم﴾ قال: الجنة. ٢٠٣٧٩- ... قال: حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ﴿طوبى لهم﴾ قال: الجنة. ٢٠٣٨٠- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. ٢٠٣٨١- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثنى عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب﴾ قال: لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال: ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب﴾ ، وذلك حين أعجبته. ٢٠٣٨٢- حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد: ﴿طوبى لهم﴾ ، قال الجنة. * * * وقال آخرون: ﴿طوبى لهم﴾ : شجرة في الجنة. * ذكر من قال ذلك: ٢٠٣٨٣- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا قرة بن خالد، عن موسى بن سالم قال: قال ابن عباس: ﴿طوبى لهم﴾ ، شجرة في الجنة. [[الأثر: ٢٠٣٨٣ -" موسى بن سالم"، مولى آل العباس، ثقة، حديثه عن ابن عباس مرسل، وروى عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس. مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ١ / ٢٨٤، وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ١٤٣.]] ٢٠٣٨٤- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الأشعث بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة: ﴿طوبى لهم﴾ : شجرة في الجنة يقول لها:"تَفَتَّقي لعبدي عما شاء"! فتتفتق له عن الخيل بسروجها ولُجُمها، وعن الإبل بأزمّتها، وعما شاء من الكسوة. [[الأثر: ٢٠٣٨٤ -" أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني، الحملي" الأعمى، وينسب إلى جده فيقال:" أشعث بن جابر"، وهو ثقة، يعتبر بحديثه. وقال العقيلي: في حديثه وهم. ووثقه ابن معين والنسائي وابن حبان. مضى برقم: ٨٣٥٨، وهو مترجم في التهذيب، والكبير ١ / ١ / ٤٢٩ في" أشعث بن جابر" ثم فيه ١ / ١ / ٤٣٣ في" أشعث أبو عبد الله الحملي"، وفي ابن أبي حاتم ١ / ١ / ٢٧٣. و" شهر بن حوشب"، مضى مرارًا، وثقوه، وتكلموا فيه. وهذا خبر موقوف على أبي هريرة. وسيأتي من طريق أخرى برقم: ٢٠٣٨٦.]] ٢٠٣٨٥- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن شهر بن حوشب قال: ﴿طوبى﴾ : شجرة في الجنة، كل شجر الجنة منها، أغصانُها من وراء سور الجنة. ٢٠٣٨٦- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد بن نصر قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن الأشعث بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: في الجنة شجرة يقال لها ﴿طوبى﴾ ، يقول اللهُ لها: تفَتَّقِي= فذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى، عن ابن ثور. [[الأثر: ٢٠٣٨٦ - هو مكرر الأثر السالف رقم: ٢٠٣٨٤.]] ٢٠٣٨٧- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عبد الجبار قال: حدثنا مروان، قال: أخبرنا العلاء، عن شمر بن عطية، في قوله: ﴿طوبى لهم﴾ قال: هي شجرة في الجنة يقال لها ﴿طوبى﴾ . ٢٠٣٨٨- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن منصور، عن حسان أبي الأشرس، عن مغيث بن سُمَيّ قال: ﴿طوبى﴾ : شجرة في الجنة، ليس في الجنة دارٌ إلا فيها غصن منها، فيجيء الطائر فيقع، فيدعوه، فيأكل من أحد جنبيه قَدِيدًا ومن الآخر شِوَاء، ثم يقول:"طِرْ"، فيطير. [[الأثر: ٢٠٣٨٨ -" منصور"، هو" منصور بن المعتمر"، مضى مرارًا. و"حسان أبو الأشرس"، هو" حسان بن أبي الأشرس بن عمار الكاهلي"، وهو" حسان بن المنذر" كنيته وكنية أبيه" أبو الأشرس"، ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير ٢ / ١ / ٣٢، وابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٢٣٥. و" مغيث بن سمى الأوزاعي"، تابعي ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ٢ / ٢٤، وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ٣٩١ وسيأتي هذا الخبر مطولا بإسناد آخر رقم: ٢٠٣٩٢.]] ٢٠٣٨٩- ... قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني معاوية، عن بعض أهل الشأم قال: إن ربك أخذ لؤلؤة فوضعها على راحتيه، ثم دملجها بين كفيه، [[" دملج الشيء دملجة"، إذ سواه وأحسن صنعته، كما يدملج السوار.]] ثم غرسها وسط أهل الجنة، ثم قال لها: امتدّي حتى تبلغي مَرْضاتي". ففعلت، فلما استوت تفجَّرت من أصولها أنهار الجنة، وهي"طوبى". ٢٠٣٩٠- حدثنا الفضل بن الصباح قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني قال: حدثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهبًا يقول: إن في الجنة شجرة يقال لها:"طوبى"، يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها ؛ زهرها رِيَاط، [[" الرياط" جمع" ريطة"، وهي كل ثوب لين رقيق.]] وورقها بُرود [[" برود"، جمع" برد"، هو من ثياب الوشي.]] وقضبانها عنبر، وبطحاؤها ياقوت، وترابها كافور، ووَحَلها مسك، يخرج من أصلها أنهارُ الخمر واللبن والعسل، وهي مجلسٌ لأهل الجنة. فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربِّهم، يقودون نُجُبًا مزمومة بسلاسل من ذهب، وجوهها كالمصابيح من حسنها، وبَرَها كخَزّ المِرْعِزَّى من لينه، [[" المرعزي" (بكسر الميم وسكون الراء، وكسر العين وتشديد الزاي المفتوحة) ، هو الزغب الذي تحت شعر العنز، وهو ألين الصوف وميم" المرعزي" زائدة، ومادته (رعز) .]] عليها رحالٌ ألواحها من ياقوت، ودفوفها من ذهب، وثيابها من سندس وإستبرق، فينيخونها ويقولون: إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلِّموا عليه. قال: فيركبونها، قال: فهي أسرع من الطائر، وأوطأ من الفراش نُجُبًا من غير مَهنَة، [[" المهنة" (بفتحات) جمع" ماهن"، ويجمع على" مهان"، نحو" كاتب، وكتبة، وكتاب"، وهو الخادم.]] يسير الرَّجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه، لا تصيب أذُنُ راحلة منها أذُنَ صاحبتها، ولا بَرْكُ راحلة بركَ صاحبتها، [[هكذا في المخطوطة، وفي تفسير ابن كثير" برك"، وفي الدر المنثور" لا تزل راحلة بزل صاحبتها"، وأنا أرجح أن الصواب:" ولا ورك راحلة ورك صاحبتها" ولكن الناسخ الأول وصل الواو بالراء، فأتى ناسخنا هذا فوصل بغير بيان ولا معرفة.]] حتى إن الشجرة لتتنحَّى عن طرُقهم لئلا تفرُق بين الرجل وأخيه. قال: فيأتون إلى الرحمن الرحيم، فيُسْفِر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه، فإذا رأوه قالوا: اللهم أنت السلام ومنك السلام، وحُقَّ لك الجلال والإكرام". قال: فيقول تبارك وتعالى عند ذلك:"أنا السلام، ومنى السلام، وعليكم حقّت رحمتي ومحبتي، مرحبًا بعبادي الذين خَشُوني بغَيْبٍ وأطاعوا أمري".قال: فيقولون:"ربنا إنا لم نعبدك حق عبادتك ولم نقدرك حق قدرك، فأذن لنا بالسجود قدَّامك" قال: فيقول الله: إنها ليست بدار نَصَب ولا عبادة، ولكنها دارُ مُلْك ونعيم، وإني قد رفعت عنكم نَصَب العبادة، فسلوني ما شئتم، فإن لكل رجل منكم أمنيّته". فيسألونه، حتى إن أقصرهم أمنيةً ليقول: ربِّ، تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها، رب فآتني كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا" فيقول الله: لقد قصّرت بك اليوم أمنيتُك، ولقد سألت دون منزلتك، هذا لك مني، وسأتحفك بمنزلتي، لأنه ليس في عطائي نكَد ولا تَصْريدٌ" [[في المطبوعة:" ولا قصر يد"، وهو كلام غث بل هو عين الغثاثة. و" التصريد" في العطاء تقليله.]] . قال: ثم يقول:"اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم، ولم يخطر لهم على بال". قال: فيعرضون عليهم حتى يَقْضُوهم أمانيهم التي في أنفسهم، فيكون فيما يعرضون عليهم بَرِاذين مقرَّنة، على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة، على كل سرير منها قبة من ذهب مُفْرَغة، في كل قبة منها فُرُش من فُرُش الجنة مُظَاهَرة، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة، ليس في الجنة لونٌ إلا وهو فيهما، ولا ريح طيبة إلا قد عَبِقتَا به، ينفذ ضوء وجوههما غِلَظ القبة، حتى يظن من يراهما أنهما من دُون القُبة، يرى مخهما من فوق سوقهما كالسِّلك الأبيض من ياقوتة حمراء، يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة، أو أفضل، ويرى هولُهما مثل ذلك. ثم يدخل إليهما فيحييانه ويقبّلانه ويعانقانه، ويقولان له:"والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك"، ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفًّا في الجنة، حتى ينتهي كل رجُل منهم إلى منزلته التي أعدّت له. [[الأثر: ٢٠٣٩٠ -: الفضل بن الصباح البغدادي"، شيخ الطبري ثقة، مضى برقم: ٢٢٥٢، ٣٩٥٨. و" إسماعيل بن الكريم بن معقل الصنعاني"، ثقة، مضى برقم: ٩٩٥، ٥٥٩٨. و" عبد الصمد بن معقل بن منبه اليماني"، ثقة، روى عن عمه وهب بن منبه، مضى برقم: ٩٩٥. وقد رواه ابن كثير في التفسير ٤: ٥٢٤، وقال قبله:" روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثرًا غريبًا عجيبًا"، ثم أتم الخبر من طريق ابن أبي حاتم، ثم قال:" وهذا سياق غريب، وأثر عجيب، ولبعضه شواهد".]] ٢٠٣٩١- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: حدثنا علي بن جرير، عن حماد قال: شجرة في الجنة في دار كل مؤمن غصن منها. ٢٠٣٩٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن حسان بن أبي الأشرس، عن مغيث بن سمي قال:"طوبى"، شجرة في الجنة، لو أن رجلا ركب قلوصًا جَذَعا أو جَذَعَة، ثم دار بها، لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هَرمًا. وما من أهل الجنة منزل إلا فيه غصن من أغصان تلك الشجرة متدلٍّ عليهم، فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلّى إليهم فيأكلون منه ما شاؤوا، ويجيء الطير فيأكلون منه قديدًا وشواءً ما شاءوا، ثم يطير. [[الأثر: ٢٠٣٩٢ -" حسان بن أبي الأشرس"، سلف برقم: ٢٠٣٨٨. و" مغيث بن سمى"، سلف برقم ٢٠٣٨٨. وهو مطول الأثر السالف: ٢٠٣٨٨.]] * * * وقد روي عن رسول الله ﷺ خبر بنحو ما قال من قال هي شجرة. *ذكر الرواية بذلك: ٢٠٣٩٣- حدثني سليمان بن داود القومسي قال، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد: أنه سمع أبا سَلام قال: حدثنا عامر بن زيد البكالي: أنه سمع عتبة بن عبد السلمِيّ يقول: جاء أعرابيٌّ إلى رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله، في الجنة فاكهة؟ [[في المطبوعة:" إن في الجنة ... "، وأثبت ما في المخطوطة.]] قال: نعم، فيها شجرة تدعى"طوبى"، هي تطابق الفردوس. قال: أيّ شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليست تشبه شيئًا من شجر أرضك، ولكن أتيتَ الشام؟ فقال: لا يا رسول الله. فقال: فإنها تشبه شجرة تدعى الجَوْزة، تنبت على ساق واحدة، ثم ينتشر أعلاها. قال: ما عِظَم أصلها؟ قال: لو ارتحلتَ جَذَعةً من إبل أهلك، ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر تَرْقُوتَاهَا هَرَمًا [[الأثر: ٢٠٣٩٣ -" سليمان بن داود القومسي"، شيخ الطبري، لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب. و" أبو توبة"،" الربيع بن نافع"، ثقة مضى برقم: ٣٨٣٣. و" معاوية بن سلام بن أبي سلام"، ثقة، روى له الجماعة، روى عن أبيه وجده، وأخيه زيد، مضى برقم: ١٦٥٥٧. وأخوه" زيد بن سلام بن أبي سلام" ثقة، روى عن جده" أبي سلام"، مترجم في التهذيب، والكبير ٢ / ١ / ٣٦١، وابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٥٦٤. و" أبو سلام"، هو" ممطور" الأسود الحبشي، ثقة، مضى مرارًا، آخرها رقم: ١٦٥٥٧. و" عامر بن زيد البكالي"، تابعي، ثقة، مترجم في ابن أبي حاتم ٣ / ١ / ٣٢٠. و" عتبة بن عبد السلمى"،" أبو الوليد"، له صحبة، روى عن النبي ﷺ. مترجم في الإصابة، وأسد الغابة، والاستيعاب، والتهذيب، وابن أبي حاتم ٣ / ٣٧١، وابن سعد ٧ / ٢ / ١٣٢. فهذا إسناد جيد، ورواه أحمد في مسنده ٤: ١٨٣، ١٨٤، مطولا، من طريق" علي بن بحر، عن هشام بن يوسف، عن يحيي بن أبي كثير، عن عامر بن زيد البكالي"، وهو إسناد صحيح أيضًا، ونقله عن المسند، ابن القيم في حادي الأرواح ١: ٢٦٣، ٢٦٤.]] . ٢٠٣٩٤- حدثنا الحسن بن شبيب قال: حدثنا محمد بن زياد الجزريّ، عن فرات بن أبي الفرات، عن معاوية بن قرة، عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: ﴿طوبى لهم وحسن مآب﴾ :، شجرة غرسها الله بيده، ونفخ فيها من روحه، نبتتْ بالحَلْيِ والحُلل، [[في المطبوعة، أسقط قوله" نبتت" وأثبتها من المخطوطة.]] وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة. [[الأثر: ٢٠٣٩٤ -" الحسن بن شبيب بن راشد"، شيخ الطبري، سلف برقم: ٩٦٤٢، ١١٣٨٣، قال ابن عدي،" حدث عن الثقات بالبواطيل، ووصل أحاديث هي مرسلة". و" محمد بن زياد الجزري"، لعله هو" الرقي"، لأن الرقة معددة من الجزيرة. وهو" محمد بن زياد اليشكري الطحان، الميمون الرقي"، وهو كذاب خبيث يضع الحديث، روى عن شيخه الميمون بن مهران وغيره الموضوعات. مترجم في التهذيب، وتاريخ بغداد ٥: ٢٧٩، وابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ٢٥٨، وميزان الاعتدال ٣: ٦٠، وكان في المطبوعة" الجريري"، غير ما في المخطوطة. و" فرات بن أبي الفرات"، قال ابن أبي حاتم:" صدوق، لا بأس به"، وذكره ابن حبان في الثقات قال:" هو حسن الاستقامة والروايات"، ولم يذكر البخاري فيه جرحًا" ولكن قال يحيي بن معين:" ليس بشيء"، وقال ابن عدي:" الضعف بيّن على رواياته"، وقال الساجي" ضعيف، يحدث بأحاديث فيها بعض المناكير". مترجم في الكبير ٤ / ١ / ١٢٩، وابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ٨٠، وميزان الاعتدال ٢: ٣١٦، ولسان الميزان ٤: ٤٣٢. و" معاوية بن إياس المزني"، تابعي ثقة، مضى برقم: ١١٢١١، ١١٤٠٩. وأبوه" قرة بن إياس بن هلال بن رئاب المزني"، له صحبة مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ١ / ١٨٠. وهذا خبر هالك الإسناد، وحسبه ما فيه من أمر" محمد بن زياد"، ولم أجده عند غير الطبري.]] ٢٠٣٩٥- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن درّاجًا حدّثه أن أبا الهيثم حدثه، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله ﷺ: أن رجلا قال له: يا رسول الله، ما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة مسيرة مئة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها. [[الأثر: ٢٠٣٩٥ -" عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري"، ثقة، روى له الجماعة، سلف مرارًا، آخرها رقم: ١٧٤٢٩. و" دراج"، هو" دراج بن سمعان"،" أبو السمح"، متكلم فيه، مضى مرارًا، آخرها رقم: ١٧٧٥٤. و" أبو الهيثم"، هو" سليمان بن عمرو العتواري المصري" ثقة، مضى برقم: ١٣٨٧، ٥٥١٨. وقد سلف مثل هذا الإسناد برقم ١٣٨٧، وصحح هذا الإسناد أخي السيد أحمد رحمه الله. هذا، وقد نقل ابن عدي عن أحمد بن حنبل:" أحاديث دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، فيها ضعف" وقال ابن شاهين:" ما كان بهذا الإسناد فليس به بأس"، ومقالة أحمد في دراج شديدة فقد نقل عنه عبد الله بن أحمد:" حديثه منكر". وعندي أن تصحيح مثل هذا الإسناد فيه بعض المجازفة، وأحسن حاله أن يكون مما لا بأس به ومما يعتبر به. وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده ٣: ٧١ من طريق ابن لهيعة. عن دراج أبي السمح = ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه ٤: ٩١، من طريق أسد بن موسى، عن ابن لهيعة، مطولا، وصدره" أن رجلا قال له: يا رسول الله، طوبي لمن رآك وآمن بك! قال: طوبى لمن رآني وآمن بي، ثم طوبى، ثم طوبى، ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني، فقال له رجل: وما طوبى؟ "، الحديث.]] * * * قال أبو جعفر: فعلى هذا التأويل الذي ذكرنا عن رسول الله ﷺ، الرواية به، يجب أن يكون القولُ في رفع قوله: ﴿طوبى لهم﴾ خلافُ القول الذي حكيناه عن أهل العربية فيه. وذلك أن الخبر عن رسول الله ﷺ أن"طوبى" اسم شجرة في الجنة، فإذْ كان كذلك، فهو اسم لمعرفة كزيد وعمرو. وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن في قوله: ﴿وحسن مآب﴾ إلا الرفع، عطفًا به على"طوبى". * * * وأما قوله: ﴿وحسن مآب﴾ ، فإنه يقول: وحسن منقلب ؛ [[انظر تفسير" المآب" فيما سلف ٦: ٢٥٨، ٢٥٩.]] كما:- ٢٠٣٩٦- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: ﴿وحسن مآب﴾ ، قال: حسن منقلب. [[انظر تفسير" المآب" فيما سلف ٦: ٢٥٨، ٢٥٩.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب