الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القُرَى﴾ ، فدعوْا من أرسلنا إليهم، فكذبوهم، وردُّوا ما أتوا به من عند الله = ﴿حتى إذا استيأسَ الرسل﴾ ، الذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله، [[انظر تفسير" استيأس" فيما سلف ص: ٢٠٣، ٢٠٤، وفهارس اللغة (يأس) .]] ويصدِّقوهم فيما أتوهم به من عند الله = وظن الذين أرسلناهم إليهم من الأمم المكذِّبة أن الرسل الذين أرسلناهم قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله، من وَعده إياهم نصرَهم عليهم = ﴿جاءهم نصرنا﴾ .
* * *
وذلك قول جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٩٨٧ - حدثنا أبو السائب سلم بن جنادة، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن ابن عباس، في قوله: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ ، قال: لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومُهم، وظنَّ قومهم أن الرسل قد كذَبَوهم، جاءهم النصر على ذلك، فننجّي من نشاء.
١٩٩٨٨ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا أبو معاوية الضرير، قال: حدثنا الأعمش، عن مسلم، عن ابن عباس، بنحوه = غير أنه قال في حديثه، قال:"أيست الرسل"، ولم يقل:"لما أيست". [[مرة أخرى، أوقفك على هذه الدقة البليغة في رواية أخبارنا، فضلاً عن رواية حديث نبينا ﷺ. ومع ذلك كله فالسفهاء يقولون، متبعين أهواء أصحاب الضلالة من المستشرقين وأشباههم. فليت قومي يعلمون أي تراث يضيعون، وأي سخف يتبعون. انظر ما سلف ص: ٢٦٥، تعليق: ١.]]
١٩٩٨٩ - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: ﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ ، أن يسلم قومهم، وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبُوا جاءهم نصرنا.
١٩٩٩٠ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن ابن عباس، مثله.
١٩٩٩١ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا﴾ ، قال: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا، ﴿جاءهم نصرنا﴾ .
١٩٩٩٢ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن حصين، عن عمران السلمي، عن ابن عباس: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ ، أيس الرسل من قومهم أن يصدِّقوهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم. [[الأثر: ١٩٩٩٢ -" عمران السلمي"، هو" عمران بن الحارث السلمي"،" أبو الحكم" تابعي كوفي ثقة، روى عن ابن عباس، وابن الزبير، وابن عمر. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ / ١ / ٢٩٦.
وستأتي روايته هذه في الأخبار التالية إلى رقم: ١٩٩٩٨.]]
١٩٩٩٣ - حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: حدثنا جرير، عن حصين، عن عمران بن الحارث السلمي، عن عبد الله بن عباس، في قوله: ﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ ، قال: استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم = ﴿وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ ، قال: ظن قومهم أنهم جاؤوهم بالكذب.
١٩٩٩٤ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت حصينًا، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل من أن يستجيب لهم قومهم، وظنَّ قومهم أن قد كذبوهم = ﴿جاءهم نصرنا﴾ .
١٩٩٩٥ - حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس، في هذه الآية: ﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ ، قال: استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا، وظنَّ قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم فيما وعدوا وكذبوا = ﴿جاءهم نصرنا﴾ . [[الأثر: ١٩٩٩٥ -" عبد الله بن أحمد بن يونس"، هو" عبد الله بن أحمد بن عبد الله ابن يونس اليربوعي"،" أبو حصين"، شيخ الطبري، سلف برقم: ١٢٣٣٦.
و" عبثر"، هو" عبثر بن القاسم الزبيدي"، ثقة، مضى برقم: ١٢٣٣٦، ١٢٤٠٢، ١٧١٠٦.]]
١٩٩٩٦ - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس، قال: ﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ ، من نصر قومهم = ﴿وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ ، ظن قومهم أنهم قد كَذَبوهم.
١٩٩٩٧ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا محمد بن الصباح، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس، في قوله: ﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ ، قال: من قومهم أن يؤمنوا بهم، وأن يستجيبوا لهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ﴿جاءهم نصرنا﴾ ، يعني الرسلَ.
١٩٩٩٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس، بمثله سواء.
١٩٩٩٩ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن هارون، عن عباد القرشي، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن ابن عباس: ﴿وظنوا أنهم قد كُذِبوا﴾ خفيفة، وتأويلها عنده: وظن القومُ أن الرسل قد كذبوا. [[الأثر: ١٩٩٩٩ -" عبد الوهاب بن عطاء"، هو الخفاف، مضى مرارًا آخرها رقم: ١٦٨٤٢
و" هرون"، كأنه" هرون بن سفيان بن بشير"،" أبو سفيان"، المعروف بالديك، مستملي يزيد بن هارون، روى عن معاذ بن فضالة، وأبي زيد النحوي، ومطرف بن عبد الله المديني، ومحمد بن عمر الواقدي. مترجم في تاريخ بغداد ١٤: ٢٥، رقم: ٧٣٥٧.
و" عباد القرسي"، هو" عباد بن موسى القرشي البصري"، ثقة، روى عن إسرائيل بن يونس، وإبراهيم بن طهمان، وسفيان الثوري، وروى عنه هرون بن سفيان المستملي، مترجم في التهذيب.
و" عبد الرحمن بن معاوية"، هو" عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث الأنصاري، الزرقي"،" أبو الحويرث"، روى عن ابن عباس، وغيره، مضى برقم: ١٥٧٥٦.]]
٢٠٠٠٠ - حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن الأعمش، عن مسلم، عن ابن عباس، قال: ﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ ، من قومهم أن يصدِّقوهم، وظن قومُهم أن قد كذبتهم رُسُلهم = ﴿جاءهم نصرنا﴾ . [[الأثر: ٢٠٠٠٠ -" أبو بكر"، لم أعرف من هو من شيوخ أبي جعفر، وظني أن صوابه" أبو كريب"، فهو الذي ذكروا أنه يروي عن طلق بن غنام.
و" طلق بن غنام بن طلق بن معاوية النخعي" ثقة، لم يكن بالمتبحر في العلم، مترجم في التهذيب، والكبير ٢ / ٢ / ٣٦١، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٤٩١.]]
٢٠٠٠١ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ ، يعني: أيس الرسل من أن يتّبعهم قومهم، وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبوا، فينصر الله الرسل، ويبعثُ العذابَ.
٢٠٠٠٢ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا﴾ ، حتى إذا استيأس الرسلُ من قومهم أن يطيعوهم ويتبعوهم، وظنَّ قومُهم أن رسلهم كذبوهم = ﴿جاءهم نصرنا﴾ .
٢٠٠٠٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس: ﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ ، من قومهم = ﴿وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ ، قال: فما أبطأ عليهم إلا من ظن أنهم قد كَذَبوا.
٢٠٠٠٤ -.... قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن عمران بن الحارث قال: سمعت ابن عباس يقول: ﴿وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ خفيفةً. وقال ابن عباس: ظن القومُ أنّ الرسل قد كَذَبوهم، خفيفةً.
٢٠٠٠٥ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، في قوله: ﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ ، من قومهم، وظنّ قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم.
٢٠٠٠٦ -.... قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن خصيف، قال: سألت سعيد بن جبير، عن قوله: ﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ ، من قومهم، وظن الكفار أنهم هم كَذَبوا.
٢٠٠٠٧ - حدثني يعقوب والحسن بن محمد، قالا حدثنا إسماعيل بن علية. قال: حدثنا كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير، قوله: ﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ ، من قومهم أن يؤمنوا، وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبتهم.
٢٠٠٠٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عارم أبو النعمان، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا شعيب، قال: حدثني إبراهيم بن أبي حرة الجزري، قال: سأل فتى من قريش سعيد بن جبير، فقال له: يا أبا عبد الله، كيف تقرأ هذا الحرف، فإني إذا أتيت عليه تمنَّيت أن لا أقرأ هذه السورة: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ ؟ قال: نعم، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدِّقوهم، وظن المرسَلُ إليهم أن الرُّسُل كَذَبوا. قال: فقال الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكَّأ!! لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا! [[الأثر: ٢٠٠٠٨ -" شعيب"، هو" شعيب بن الحبحاب الأزدي"، ثقة، مضى برقم: ٦١٨٠، ٦٤٤٢.
و" إبراهيم بن أبي حرة الجزري"، وثقه ابن معين، وأحمد، وقال ابن أبي حاتم: ثقة، لا بأس به وضعفه الساجي، وذكره ابن حبان في الثقات. كان قليل الحديث. مترجم في لسان الميزان ١: ٤٦، والكبير ١ / ١ / ٢٨١، وابن أبي حاتم ١ / ١ / ٩٦، وابن سعد ٧ / ٢ / ١٧٩.
وكان في المطبوعة:" ابن أبي حمزة"، لم يحسن قراءة المخطوطة، ولأن الناسخ وضع أمام هذا السطر علامة الشك.
والفتى المذكور هنا، هو" مسلم بن يسار: كما يظهر من الأثر التالي.
وأما كلمة الضحاك بن مزاحم، فهي كلمة رجل قد ملأ حب العلم قلبه، وقل من الناس من يمتلئ قلبه بحب العلم حتى يقول مثل هذه المقالة، إلا ما كان من أسلافنا هؤلاء، فإن الله قد نشأهم أحسن تنشئة في حجور الأنبياء والصالحين من صحابة رسولنا ﷺ.]]
٢٠٠٠٩ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا ربيعة بن كلثوم، قال: حدثني أبي، أن مسلم بن يسار، سأل سعيد بن جبير ؛ فقال: يا أبا عبد الله، آية بلغت مني كل مبلغ: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ ، فهذا الموتُ، أن تظنّ الرسل أنهم قد كُذِبوا، أو نظنّ أنهم قد كَذَبوا، مخففة! [[في المخطوطة:" وظنوا أنهم قد كذبوا، ونظن أنهم قد كذبوا مخففة ... "، سقط من الكلام ما أتمه ناشر المطبوعة الأولى من الدر المنثور للسيوطي ٤: ٤١.]] قال: فقال سعيد بن جبير: يا أبا عبد الرحمن، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم، وظن قومُهم أن الرسل كذبتهم = ﴿جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين﴾ . قال: فقام مسلم إلى سعيد، فاعتنقه وقال: فرّج الله عنك كما فرّجت عني [[الأثر: ٢٠٠٠٩ -" ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري"، ثقة، مضى برقم ٦٢٤٠، ١٢٥٢٢.
وأبوه:" كلثوم بن جبر البصري"، ثقة، مضى أيضًا برقم: ٦٢٤٠، ١٢٥٢٢.و" مسلم بن يسار البصري"، أبو عبد الله الفقيه، روى عن أبيه، وابن عباس، وابن عمر تابعي ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ١ / ٢٧٥، وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ١٩٨.
وانظر الخبر الآتي رقم: ٢٠٠١٤.]]
٢٠٠١٠ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا يحيى بن عباد، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا أبو المعلى العطار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ قال: استيأس الرسل من إيمان قومهم ؛ وظنَّ قومهم أن الرسل قد كَذَبوهم، ما كانوا يخبرونهم ويبلِّغونهم. [[الأثر: ٢٠٠١٠ -" الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني"، شيخ الطبري، مضى مرارًا آخرها رقم: ١٨٨٠٧، ١٨٨١٧.
و" يحيى بن عباد الضبعي"،" أبو عباد البصري"، ثقة، حدث عنه أهل بغداد، وقال الخطيب: أحاديثه مستقيمة، لا نعلمه روى منكرًا. مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ٢ / ٢٩٢، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ١٧٣، وتاريخ بغداد ١٤: ١٤٤ -١٤٦.
و"وهيب" هو" وهيب بن خالد بن عجلان الباهلي"، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: ٤٣٤٥، ١٢٤٤٤.
و" أبو المعلى العطار"، هو" يحيى بن ميمون"، ثقة ليس به بأس، مضى برقم: ٨٣٤٦، ٨٣٤٧، ١١١٦٢.]]
٢٠٠١١ -.... قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ؛ ﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ أن يصدقهم قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا، جاء الرسل نَصرُنا.
٢٠٠١٢ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
٢٠٠١٣ - حدثني المثنى: قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في هذه الآية: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبت.
٢٠٠١٤ -.... قال: حدثنا حماد، عن كلثوم بن جبر، قال: قال لي سعيد بن جبير: سألني سيد من ساداتكم عن هذه الآية فقلت: استيأس الرسل من قومهم، وظنَّ قومهم أن الرسل قد كذبت. [[الأثر: ٢٠٠١٤ - انظر الخبرين السالفين رقم: ٢٠٠٠٨، ٢٠٠٠٩.]]
٢٠٠١٥ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ ، قال: استيأس الرسل أن يؤمن قومهم بهم، وظنَّ قومهم المشركون أن الرسل قد كَذَبوا ما وعدهم الله من نصره إياهم عليهم، وأخْلِفُوا، وقرأ: ﴿جاءهم نصرنا﴾ ، قال: جاء الرسلَ النصرُ حينئذ. قال: وكان أبيّ يقرؤها:"كُذِبُوا".
٢٠٠١٦ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن أبي المتوكل، عن أيوب ابن أبي صفوان، عن عبد الله بن الحارث، أنه قال: ﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ ، من إيمان قومهم = ﴿وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ ، وظن القوم أنهم قد كذبوهم فيما جاءوهم به. [[الأثر: ٢٠٠١٦ -" سعيد"، هو" سعيد بن أبي عروبة".
وأما" أبو المتوكل" فلا أدري ما هو، وسيأتي أنه عند البخاري وابن أبي حاتم:" المتوكل"، ومع ذلك، فلست أدري من يكون على التحقيق.
و" أيوب بن أبي صفوان"، هكذا جاء في ترجمة" أيوب بن صفوان" في التاريخ الكبير للبخاري، أي هكذا يقال فيه أيضًا، وأما ابن أبي حاتم فاقتصر على أنه:" أيوب بن صفوان"، مولى عبد الله بن الحارث، وفي ترجمة أبي حاتم تخليط كثير.
قال البخاري في ترجمته:" قال عبد الأعلى، حدثنا سعيد، عن متوكل، عن أيوب بن صفوان، مولى عبد الله بن الحارث الهاشمي، عن عبد الله بن الحارث، عن أم هانئ، عن النبي ﷺ"، يعني في صلاة الضحى". ثم ذكره في إسناد آخر هكذا" أيوب بن أبي صفوان"، كالذي هنا.
وأما ابن أبي حاتم فقال:" أيوب بن صفوان، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، روى عن المتوكل، عن عبد الله بن الحارث، روى عنه سعيد بن أبي عروبة"، وهو خلط أرجح أن صوابه:" روى عنه المتوكل، عن عبد الله بن الحارث، وروى عن المتوكل سعيد بن أبي عروبة".
وهذا خبر مشكل إسناده كما ترى، ولا حيلة لنا فيه، حتى نجد شيئًا يهدي إلى الصواب فيه.]]
٢٠٠١٧ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن جويبر، عن الضحاك، قال: ظن قومهم أن رسلهم قد كَذَبوهم فيما وعدوهم به.
٢٠٠١٨ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن جحش بن زياد الضبي، عن تميم بن حذلم، قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية:"حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا"، قال: استيأس الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم، وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كَذَبوا بالتخفيف. [[الأثر: ٢٠٠١٨ -" جحش بن زياد الضبي"، روى عن تميم بن حذلم، روى عنه سفيان الثوري، وجرير، ومحمد بن فضيل، وأبو بكر بن عياش. لم يذكروا فيه جرحًا، مترجم في الكبير ١ / ٢ / ٢٥١، وابن أبي حاتم ١ / ١ / ٥٥٠.
و" تميم بن حذلم الضبي"، من أصحاب ابن مسعود، ثقة، قليل الحديث، روى له الجماعة، مضى برقم: ١٣٦٢٣. في ترجمة ولده.]]
٢٠٠١٩ - حدثنا أبو المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جبير، في قوله: ﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ ، قال: استيأس الرسل من نصر قومهم، وظنّ قومُ الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم. [[الأثر: ٢٠٠١٩ -" أبو المعلي"، هو العطار،" يحيى بن ميمون"، مضى قريبًا برقم: ٢٠٠١٠.]]
٢٠٠٢٠ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير: حتى إذا استيأس الرسل أن يصدِّقوهم، وظن قومُهم أن الرسل قد كذبوهم. [[الأثر: ٢٠٠٢٠ -" عمرو بن ثابت بن هرمز البكري"، روى عن أبيه، ضعيف جدًا ليس بثقة، مضى برقم: ٦٤١، ٦٨٠، ٥٩٦٩.
وأبوه" ثابت بن هرمز"، الحداد،" أبو المقدام"، ثقة، مضى برقم: ٦٤١، ٦٨٠، ٥٩٦٩، ١٦٦٤٥.]]
٢٠٠٢١ -.... قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: حتى إذا استيأس الرسل أن يصدّقهم قومهم، وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم.
٢٠٠٢٢ - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك في قوله: ﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ ، يقول: استيأسوا من قومهم أن يجيبوهم، ويؤمنوا بهم ="وظنوا"، يقول: وظن قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم الموعد.
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة على هذا التأويل الذي ذكرنا في قوله: ﴿كُذِبُوا﴾ بضم الكاف وتخفيف الذال. وذلك أيضًا قراءة بعض قرأة أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة.
وإنما اخترنا هذا التأويل وهذه القراءة، لأن ذلك عقيب قوله: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) ، فكان ذلك دليلا على أن إياس الرسل كان من إيمان قومهم الذين أهلكوا، وأن المضمر في قوله: ﴿وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ ، إنما هو من ذكر الذين من قبلهم من الأمم الهالكة، وزاد ذلك وضوحًا أيضًا، إتباعُ الله في سياق الخبر عن الرسل وأممهم قوله: ﴿فنجي من نشاء﴾ ، إذ الذين أهلكوا هم الذين ظنوا ان الرسل قد كذبتهم، [[في المخطوطة:" إن الذين أهلكوا"، والصواب ما في المطبوعة.]] فكَذَّبوهم ظنًّا منهم أنهم قد كَذَبوهم.
* * *
وقد ذهب قوم ممن قرأ هذه القراءة، إلى غير التأويل الذي اخترنا، ووجّهوا معناه إلى: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظنَّتِ الرسل أنهم قد كُذِبوا فيما وُعِدُوا من النصر.
* ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٢٣ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: قرأ ابن عباس: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا﴾ ، قال: كانوا بشرًا ضَعفُوا ويَئِسوا.
٢٠٠٢٤ -.... قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قرأ: ﴿وظنوا أنهم قد كُذِبوا﴾ ، خفيفة، قال ابن جريج: أقول كما يقول: أخْلِفوا. قال عبد الله: قال لي ابن عباس: كانوا بشرًا. وتلا ابن عباس: ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [سورة البقرة: ٢١٤] = قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: ذهب بها إلى أنهم ضَعُفوا فظنوا أنهم أخْلِفوا.
٢٠٠٢٥ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، أنه قرأ: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا) ، مخففة. قال عبد الله: هو الذي تَكْرَه.
٢٠٠٢٦ -.... قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا سفيان، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق، أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ ، قال: هو الذي تكره = مخففةً.
٢٠٠٢٧ -.... قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، أنه قال في هذه الآية: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا﴾ ، قلت:"كُذِبوا"! قال: نعم ألم يكونوا بشرًا؟
٢٠٠٢٨ - حدثنا الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا﴾ ، قال: كانوا بشرًا، قد ظنُّوا.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا تأويلٌ وقولٌ، غيرُه من التأويل أولى عندي بالصواب، [[في المطبوعة والمخطوطة:" هذا تأويل وقول غيره من أهل التأويل ... " بزيادة" أهل"، وهو لا يستقيم، لأنه لو عنى ذلك لقال:" وقول غيرهما"، لأن الراوية قبل عند عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود. ويصحح ما فعلت من حذف هذه الزيادة، قوله بعد:" وخلافه من القول....".]] وخلافه من القول أشبه بصفات الأنبياء، والرسل إن جاز أن يرتابوا بوعدِ الله إياهم ويشكوا في حقيقة خبره، مع معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه المرسَل إليهم فيعذروا في ذلك، فإن المرسَلَ إليهم لأوْلى في ذلك منهم بالعذر. [[في المطبوعة والمخطوطة:" أن المرسل إليهم" بغير الفاء، وهي واجبة في جواب الشرط من قوله:" والرسل إن جاز أن يرتابوا ... فإن المرسل إليهم ... ".]] وذلك قول إن قاله قائلٌ لا يخفى أمره.
* * *
وقد ذُكِر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيرًا عن ابن عباس لعائشة، فأنكرته أشد النُكرة فيما ذكر لنا.
* ذكر الرواية بذلك عنها، رضوانُ الله عليها:
٢٠٠٢٩ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: قرأ ابن عباس: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا﴾ ، فقال: كانوا بشرًا، ضعفوا ويئسوا = قال ابن أبي مليكة: فذكرت ذلك لعروة، فقال: قالت عائشة: معاذ الله! ما حدَّث الله رسوله شيئًا قطُّ إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت، ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى ظن الأنبياء أن من تبعهم قد كذّبوهم. فكانت تقرؤها:"قَدْ كُذِّبُوا"، تثقلها. [[الأثر: ٢٠٠٢٩ -" عثمان بن عمر بن فارس العبدي"، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا. وابن جريج، هو الإمام المشهور.
و" ابن أبي مليكة"، هو" عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة"، روى له الجماعة، مضى مرارًا كثيرة.
وهذا إسناد صحيح، رواه البخاري في صحيحه (الفتح ٨: ١٤٠) ، من طريق إبراهيم بن موسى، عن هشام، عن ابن جريج.]]
٢٠٠٣٠ -.... قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، أن ابن عباس قرأ: ﴿وظنوا أنهم قد كُذِبوا﴾ ، خفيفة، قال عبد الله: ثم قال لي ابن عباس: كانوا بشرًا وتلا ابن عباس: ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [سورة البقرة: ٢١٤] = قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: يذهب بها إلى أنهم ضَعُفوا، فظنوا أنهم أُخْلِفوا. قال ابن جريج: قال أبن أبي مليكة: وأخبرني عروة عن عائشة، أنها خالفت ذلك وأبته، وقالت: ما وعد الله محمدًا ﷺ من شيء إلا وقد علم أنه سيكون حتى مات، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أنَّ من معهم من المؤمنين قد كذَّبوهم. قال ابن أبي مليكة في حديث عروة: كانت عائشة تقرؤها:"وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا" مثقَّله، للتكذيب. [[الأثر: ٢٠٠٣٠ - مكرر الذي قبله، وهو إسناد صحيح.]]
٢٠٠٣١ -.... قال: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: حدثني صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة قال: قلت لها قوله: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا﴾ ، قال: قالت عائشة: لقد استيقنوا أنهم قد كُذِّبوا. قلت:"كُذِبوا". قالت: معاذ الله، لم تكن الرُّسل تظُنُّ بربها، [[في المطبوعة والمخطوطة:" تظن يومًا"، ورجحت أن هذا تصحيف من الناسخ، لم يحسن قراءة" بربها"، فكتب مكانها "يومًا"، لشبه ما بينها في الرسم، والذي في حديث البخاري:" تظن ذلك بربها"، وهو يؤيد ما ذهبت إليه.]] إنما هم أتباع الرُّسُل، لما استأخر عنهم الوحيُ، واشتد عليهم البلاء، ظنت الرسل أن أتباعهم قد كذَّبوهم = ﴿جاءهم نصرنا﴾ . [[الأثر: ٢٠٠٣١ - بهذا الإسناد، عن" عبد العزيز بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان"، رواه البخاري في صحيحه (الفتح ٨: ٢٧٧ - ٢٧٩) = مطولا.
ولفظ أبي جعفر مختصر أشد الاختصار. وكتب ابن حجر فصلاً جيدًا مستوفى في شرح هذا الحديث.]]
٢٠٠٣٢ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: حتى إذا استيأس الرجل ممن كذبهم من قومهم أن يصدّقوهم، وظنَّت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كَذَّبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك. [[الأثر: ٢٠٠٣٢ - وهذا إسناد صحيح إلى عائشة.]]
* * *
قال أبو جعفر: فهذا ما روي في ذلك عن عائشة، غير أنها كانت تقرأ:"كُذِّبُوا"، بالتشديد وضم الكاف، بمعنى ما ذكرنا عنها: من أن الرسل ظنَّت بأتباعها الذين قد آمنوا بهم، أنهم قد كذَّبوهم، فارتدُّوا عن دينهم، استبطاءً منهم للنصر.
وقد بيّنا أن الذي نختار من القراءة في ذلك والتأويل غيرَه في هذا الحرف خاصّةً.
* * *
وقال آخرون ممن قرأ قوله:"كُذِّبُوا" بضم الكاف وتشديد الذال، معنى ذلك: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم ويصدِّقوهم، وظنَّت الرسل، بمعنى: واستيقنت، أنهم قد كذّبهم أممهم، جاءَتِ الرُّسل نُصْرَتنا. وقالوا: "الظن" في هذا بمعنى العلم، [[انظر تفسير "الظن" بهذا المعنى فيما سلف من فهارس اللغة (ظنن) .]] من قول الشاعر: [[هو دريد بن الصمة.]]
فَظُنُّوا بِأَلْفَيْ فَارِسٍ مُتَلَبِّبٍ ... سَرَاتُهُمْ فِي الفَارِسِيّ المُسَرَّدِ [[مضى البيت بغير هذه الرواية ٢: ١٨، تعليق: ١، وبينت ذلك هناك.]]
* * *
* ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٣٣ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن = وهو قول قتادة =: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظنوا أنهم قد كُذِّبوا"، أي: استيقنوا أنه لا خير عند قومهم، ولا إيمان = ﴿جاءهم نصرنا﴾ .
* * *
٢٠٠٣٤ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿حتى إذا استيأس الرسل﴾ ، قال: من قومهم = ﴿وظنوا أنهم قد كذِّبوا﴾ ، قال: وعلموا أنهم قد كذبوا = ﴿جاءهم نصرنا﴾ .
* * *
قال أبو جعفر: وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قرأة المدينة والبصرة والشأم، أعني بتشديد الذال من"كُذِّبُوا" وضم كافها.
* * *
وهذا التأويل الذي ذهب إليه الحسن وقتادة في ذلك، إذا قرئ بتشديد الذال وضم الكاف، خلافٌ لما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة، لأنه لم يوجه"الظن" في هذا الموضع منهم أحدٌ إلى معنى العلم واليقين، مع أن"الظنّ" إنما استعمله العرب في موضع العلم فيما كان من علم أدرك من جهة الخبر أو من غير وجه المشاهده والمعاينة. فأما ما كان من علم أدرك من وجه المشاهدة والمعاينة، فإنها لا تستعمل فيه"الظن"، لا تكاد تقول:"أظنني حيًّا، وأظنني إنسانًا"، بمعنى: أعلمني إنسانًا، وأعلمني حيًا. والرسل الذين كذبتهم أممهم، لا شك أنها كانت لأممها شاهدة، ولتكذيبها إياها منها سامعة، فيقال فيها: ظنّت بأممها أنها كَذَّبتها.
* * *
وروي عن مجاهد في ذلك قولٌ هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال الماضين الذين سَمَّينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم، وتأويلٌ خلاف تأويلهم، وقراءةٌ غير قراءة جميعهم، وهو أنه، فيما ذُكِر عنه، كان يقرأ:"وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا" بفتح الكاف والذال وتخفيف الذال.
* ذكر الرواية عنه بذلك:
٢٠٠٣٥ - حدثني أحمد بن يوسف، قال: حدثنا أبو عبيد، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، أنه قرأها:"كَذَبُوا" بفتح الكاف بالتخفيف.
* * *
=وكان يتأوّله كما: -
٢٠٠٣٦ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: استيأس الرجل أن يُعَذَّبَ قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا = ﴿جاءهم نصرنا﴾ ، قال: جاء الرسلَ نصرنا. قال مجاهد: قال في"المؤمن" [[" المؤمن" هي سورة غافر، أي: سورة مؤمن آل فرعون.]] ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ ، قال: قولهم:"نحن أعلم منهم ولن نعذّب". وقوله: ﴿وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ، [سورة غافر: ٨٣] ، قال: حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحق.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، [[في المطبوعة وحدها:" وهذه القراءة"، غير الكلام بلا معنى.]] لإجماع الحجة من قرأة الأمصار على خلافها. ولو جازت القراءة بذلك، لاحتمل وجهًا من التأويل، وهو أحسن مما تأوله مجاهد، وهو: حتى إذا استيأس الرسل من عذاب الله قومَها المكَذِّبة بها، وظنَّت الرسل أن قومها قد كَذَبوا وافتروا على الله بكفرهم بها = ويكون"الظن" موجِّهًا حينئذ إلى معنى العلم، على ما تأوَّله الحسن وقتادة.
* * *
وأما قوله: ﴿فنجي من نشاء﴾ فإن القرأة اختلفت في قراءته.
فقرأه عامة قرأة أهل المدينة ومكة والعراق:"فَنُنْجِى مَنْ نَشَاء"، مخفّفة بنونين، [[في المطبوعة أسقط" مخففة"، وكان في المخطوطة:" فننجي مخففة من نشاء بنونين"، والذي أثبته أولى وأجود.]] بمعنى: فننجي نحنُ من نشاء من رسلنا والمؤمنين بنا، دون الكافرين الذين كَذَّبوا رُسلنا، إذا جاء الرسلَ نصرُنا.
* * *
واعتلّ الذين قرءوا ذلك كذلك، أنه إنما كتب في المصحف بنون واحدة، وحكمه أن يكون بنونين، لأن إحدى النونين حرف من أصل الكلمة، من:"أنجى ينجي"، والأخرى"النون" التي تأتي لمعنى الدلالة على الاستقبال، من فعل جماعةٍ مخبرةٍ عن أنفسها، لأنهما حرفان، أعني النونين، من جنس واحدٍ يخفى الثاني منهما عن الإظهار في الكلام، فحذفت من الخط، واجتزئ بالمثبتة من المحذوفة، كما يفعل ذلك في الحرفين اللذين يُدْغم أحدهما في صاحبه.
* * *
وقرأ ذلك بعض الكوفيين على هذا المعنى، غير أنه أدغم النون الثانية وشدّد الجيم.
* * *
وقرأه آخر منهم بتشديد الجيم ونصب الياء، على معنى فعل ذلك به من:"نجَّيته أنجّيه".
* * *
وقرأ ذلك بعض المكيين:"فَنَجَا مَنْ نَشَاءُ" بفتح النون والتخفيف، من:"نجا ينجو". [[في المخطوطة:" من نجا عذاب الله من نشاء ينجو" وفي المطبوعة:" من نجا من عذاب الله من نشاء ينجو"، زاد" من" ليستقيم الكلام. بيد أني أقطع بأن الصواب هو ما أثبت، كما فعل في أخواتها السالفة، وإنما زاد الناسخ ما زاد سهوًا.]]
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءة من قرأه:"فَنُنْجِى مَنْ نَشَاءُ" بنونين، لأن ذلك هو القراءة التي عليها القرأة في الأمصار، وما خالفه ممن قرأ ذلك ببعض الوجوه التي ذكرناها، فمنفرد بقراءته عما عليه الحجة مجمعة من القرأة. وغير جائز خلاف ما كان مستفيضًا بالقراءة في قرأة الأمصار.
* * *
قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: فننجي الرسلَ ومن نشاء من عبادنا المؤمنين إذا جاء نصرنا، كما: -
٢٠٠٣٧ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال حدثني عمي: قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"فننجى من نشاء"، فننجي الرسل ومن نشاء = ﴿ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين﴾ ، وذلك أن الله تبارك وتعالى بَعَث الرسل، فدعوا قومهم، وأخبروهم أنه من أطاع نجا، ومن عصاه عُذِّب وغَوَى.
* * *
وقوله ﴿ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين﴾ ، يقول: ولا تردُّ عقوبتنا وبطشنا بمن بطشنا به من أهل الكفر بنا وعن القوم الذين أجرموا، فكفروا بالله، وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده.
{"ayah":"حَتَّىٰۤ إِذَا ٱسۡتَیۡـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُوا۟ جَاۤءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّیَ مَن نَّشَاۤءُۖ وَلَا یُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق