الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قول رسله لإبراهيم: ﴿يا إبراهيم أعرض عن هذا﴾ ، وذلك قيلهم له حين جَادلهم في قوم لوط، فقالوا: دع عنك الجدالَ في أمرهم والخصومة فيه [[انظر تفسير " الإعراض " فيما سلف ١٤: ٤٢٥، تعليق: ٤، والمراجع هناك.]] = فإنه ﴿قد جاء أمر ربكَ﴾ يقول: قد جاء أمر ربك بعذابهم. وحقَّ عليهم كلمة العذاب، ومضى فيهم بهلاكهم القضاء = ﴿وإنهم آتيهم عذاب غير مردود﴾ ، يقول: وإن قوم لوط، نازلٌ بهم عذابٌ من الله غير مدفُوع.
* * *
وقد [مضى] ذكر الرواية بما ذكرنا فيه عمن ذكر ذلك عنه. [[الزيادة بين القوسين يقتضيها السياق.]]
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما جاءت ملائكتنا لوطًا، ساءَه مَجيئهم = وهو "فعل" من "السوء" = ﴿وضاق بهم﴾ ، بمجيئهم ﴿ذَرْعًا﴾ ، يقول: وضاقت نفسه غما بمجيئهم. وذلك أنه لم يكن يعلم أنهم رسلُ الله في حال ما ساءه مجيئهم، وعلم من قومه ما هم عليه من إتيانهم الفاحشة، وخاف عليهم، فضاق من أجل ذلك بمجيئهم ذرعًا، وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عن أضيافه، ولذلك قال: ﴿هذا يوم عصيب﴾ .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
* ذكر من قال ذلك:
١٨٣٥٠- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: ﴿ولما جاءت رسلنا لوطًا سيء بهم وضاق بهم ذراعًا﴾ ، يقول: ساء ظنًا بقومه وضاق ذرعًا بأضيافه.
* * *
١٨٣٥١- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن حذيفة أنه قال: لما جاءت الرسل لوطًا أتوه وهو في أرض له يعمل فيها، وقد قيل لهم، والله أعلم: لا تهلكوهم حتى يشهدَ لوط. قال: فأتوه فقالوا: إنا مُتَضيِّفوك الليلة، فانطلق بهم، فلما مضى ساعةً التفت فقال: أما تعلمون ما يعمَل أهل هذه القرية؟ والله ما أعلم على ظهر الأرض أناسًا أخبث منهم! قال: فمضى معهم. ثم قال الثانية مثل ما قال، فانطلق بهم. فلما بصرت بهم عجوزُ السَّوْء امرأته، انطلقَت فأنذرتهم. [[الأثر: ١٨٣٥١ - رواه الطبري في تاريخه ١: ١٥٤.]]
١٨٣٥٢- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال، قال حذيفة، فذكر نحوه.
١٨٣٥٣- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم بن بشير قال، حدثنا عمرو بن قيس الملائي، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، قال: أتت الملائكة لوطًا وهو في مزرعة له، وقال الله للملائكة: إن شهد لوط عليهم أربعَ شهادات فقد أذنت لكم في هَلكتهم. فقالوا: يا لوط، إنا نريد أن نُضيِّفك الليلة. فقال: وما بلغكم من أمرهم؟ قالوا: وما أمرهم؟ قال: أشهد بالله إنها لشرُّ قرية في الأرض عملا! يقول ذلك أربع مرات، فشهد عليهم لوط أربع شهادات، فدخلوا معه منزله. [[الأثر: ١٨٣٥٣ - رواه الطبري في تاريخه ١: ١٥٤.]]
١٨٣٥٤- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال، خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط، فأتوها نصف النهار، فلما بلغوا نهر سَدُوم لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها، وكانت له ابنتان، اسم الكبرى "ريثا"، والصغرى "زغرتا"، [[هكذا في المخطوطة منقوطة نقطًا واضحًا، على قلة النقط في مواضع منها. وفي التاريخ: " رعزيا "، وتحقيق ذلك يحتاج إلى وقت غير هذا.]] فقالوا لها: يا جارية، هل من منزل؟ قالت: نعم، فَمكانَكم لا تدخُلوا حتى آتيكم! فَرِقَتْ عليهم من قَوْمها. [[أي: خافت عليهم.]] فأتت أباها فقالت: يا أبتاه أرادك فتيان على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم أحسنَ منهم، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم! وقد كان قومه نهوه أن يُضيف رجلا فقالوا: خَلّ عنَّا فلنضِف الرجال! فجاء بهم، فلم يعلم أحدٌ إلا أهل بيت لوط، فخرجت امرأته فأخبرت قومها، قالت: إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قَطّ! فجاءه قومه يُهْرَعون إليه. [[الأثر: ١٨٣٥٤ - رواه الطبري في تاريخه ١: ١٥٤، تام الإسناد، مطولا.]]
١٨٣٥٥- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: خرجت الرسل فيما يزعم أهل التوراة من عند إبراهيم إلى لوط بالمؤتفكة، فلما جاءت الرسل لوطًا سيء بهم وضاق بهم ذرعًا، وذلك من تخوف قومه عليهم أن يفضحُوه في ضيفه، فقال: ﴿هذا يوم عصيبٌ﴾ .
* * *
وأما قوله: ﴿وقال هذا يوم عصيب﴾ ، فإنه يقول: وقال لوط: هذا اليوم يوم شديد شره، عظيم بلاؤه،
* * *
يقال منه: عصب يومنا هذا يعصب عصبًا، ومنه قول عدي بن زيد:
وَكُنْتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لمْ أُعَرِّدْ ... وَقَدْ سَلَكُوكَ فِي يَوْمٍ عَصِيب [[الأغاني ٢: ١١١، مجاز القرآن ١: ٢٩٤، اللسان (سلك) ، وسيأتي في التفسير ١٤: ٨ / ١٨: ١٣ (بولاق) . من قصيدة له طويلة، قالها وهو في حبس النعمان بن المنذر، يقول للنعمان قبله: سَعَى الأَعْدَاءُ لاَ يَأْلُونَ شَرًّا ... عَلَيَّ وَربِّ مَكَّةَ والصَّلِيبِ
أَرَادُوا كي تُمَهَّلَ عَنْ عَدِيٍّ ... لِيُسْجَنَ أَو يُدَهُدَهَ فِي القَلِيبِ
وَكُنْتُ لِزازَ خَصْمِكَ. . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أُعَالِنُهُم وأُبْطِنُ كُلَّ سِرٍّ ... كَمَا بَيْنَ اللِّحَاءِ إِلَى العَسِيبِ
فَفُزْتُ عَلَيْهِمْ لَمّا الْتَقَيْنَا ... بِتَاجِكَ فَوْزَةَ القِدْحِ الأرِيبِ
" دهدهه "، دحرجه من علو إلى سفل، و " القليب "، البئر، إنما عنى القبر هنا. و " لزاز الخصم "، الشديد المعاند ذو البأس في الملمات. و"عرد عن خصمه"، أحجم ونكص. وكان في المطبوعة هنا " أعدد "، وفي المخطوطة: " أعود "، والصواب ما أثبت. و" اللحاء " قشر العود، و " العسيب " جريد النخل، يقول: سرك كما بين هذين، يعني خفي لا يرى. و" القدح الأريب " من قداح الميسر، هو القدح ذو الآراب الكثيرة، و"الآراب" أعضاء الجذور.]] وقول الراجز:
يَوْمٌ عَصِيبٌ يَعْصِبُ الأَبْطَالا ... عَصْبَ القَوِيِّ السَّلَمَ الطِّوَالا [[لم أعرف قائله، وهو في مجاز القرآن ١: ٢٩٤.]]
وقول الآخر:
وَإنَّكَ إنْ لا تُرْضِ بَكْرَ بنَ وَائِلٍ ... يَكُنْ لَكَ يَوْمٌ بالعِرَاقِ عَصِيبِ [[لم أعرف قائله، وهو في مجاز القرآن ١: ٢٩٤.]]
وقال كعب بن جعيل:
ومُلَبُّونَ بِالحَضِيضِ فِئامٌ ... عَارِفاتٌ مِنْهُ بِيَوْمٍ عَصِيبِ [[لم أجد البيت في مكان آخر، وفي المطبوعة: " ويلبون "، وفي المخطوطة مثله، إلا أن فيه خطأ في النقط وأظن الصواب ما أثبت، من قولهم: " ألب بالمكان "، إذا لزمه ولم يفارقه. " والحضيض "، منخفض من الأرض عند منقطع الجبل. و" فئام"، جماعات. وكأن هذا البيت من شعره الذي رثى به عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وروى أبياتا منه المصعب الزبيري في نسب قريش ص: ٣٢٥، وكان كعب بن جعيل مداحًا له.]]
* * *
ونحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٨٣٥٦- حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿عصيب﴾ ،: شديد
١٨٣٥٧- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ﴿هذا يوم عصيب﴾ ، يقول شديد.
١٨٣٥٨- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ﴿هذا يوم عصيب﴾ ، أي يوم بلاء وشدة.
١٨٣٥٩- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿يوم عصيب﴾ ، شديد.
١٨٣٦٠- حدثني علي قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ﴿وقال هذا يوم عصيب﴾ ، أي: يوم شديد.
{"ayahs_start":76,"ayahs":["یَـٰۤإِبۡرَ ٰهِیمُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَـٰذَاۤۖ إِنَّهُۥ قَدۡ جَاۤءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَإِنَّهُمۡ ءَاتِیهِمۡ عَذَابٌ غَیۡرُ مَرۡدُودࣲ","وَلَمَّا جَاۤءَتۡ رُسُلُنَا لُوطࣰا سِیۤءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعࣰا وَقَالَ هَـٰذَا یَوۡمٌ عَصِیبࣱ"],"ayah":"وَلَمَّا جَاۤءَتۡ رُسُلُنَا لُوطࣰا سِیۤءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعࣰا وَقَالَ هَـٰذَا یَوۡمٌ عَصِیبࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق