الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واصبر، يا محمد، على ما تلقى من مشركي قومك من الأذى في الله والمكروه، رجاءَ جزيل ثواب الله على ذلك، فإن الله لا يضيع ثوابَ عمل من أحسن فأطاع الله واتبع أمره، فيذهب به، بل يوَفّره أحوجَ ما يكون إليه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فهلا كان من القرون الذين قصصت عليك نبأهم في هذه السورة، الذين أهلكتهم بمعصيتهم إياي، وكفرهم برسلي [[انظر تفسير " القرن " فيما سلف ١١: ٢٦٣ / ١٥: ٣٧.]] من قبلكم. ﴿أولو بقية﴾ ، يقول: ذو بقية من الفهم والعقل، [[انظر تفسير " البقية " فيما سلف ص: ٤٤٧ - ٤٤٩.]] يعتبرون مواعظَ الله ويتدبرون حججه، فيعرفون ما لهم في الإيمان بالله، وعليهم في الكفر به [[في المطبوعة والمخطوطة: " وعليهم " بإسقاط " ما "، والأجود إثباتها.]] = ﴿ينهون عن الفساد في الأرض﴾ ، يقول: ينهون أهل المعاصي عن معاصيهم، وأهل الكفر بالله عن كفرهم به، في أرضه [[انظر تفسير " الفساد في الأرض " فيما سلف من فهارس اللغة (فسد) .]] = ﴿إلا قليلا ممن أنجينا منهم﴾ ، يقول: لم يكن من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض، إلا يسيرًا، فإنهم كانوا ينهون عن الفساد في الأرض، فنجاهم الله من عذابه، حين أخذ من كان مقيمًا على الكفر بالله عذابُه = وهم اتباع الأنبياء والرسل. * * * ونصب "قليلا" لأن قوله: ﴿إلا قليلا﴾ استثناء منقطع مما قبله، كما قال: ﴿إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا﴾ ، [سورة يونس: ٩٨] . وقد بينا ذلك في غير موضع، بما أغنى عن إعادته. [[انظر فهارس مباحث العربية والنحو وغيرهما.]] * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٨٦٩٠- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: اعتذر فقال: ﴿فلولا كان من القرون من قبلكم﴾ ، حتى بلغ: ﴿إلا قليلا ممن أنجينا منهم﴾ ، فإذا هم الذين نجوا حين نزل عذاب الله. وقرأ: ﴿واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه﴾ . ١٨٦٩١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: ﴿فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية﴾ ، إلى قوله: ﴿إلا قليلا ممن أنجينا منهم﴾ ، قال: يستقلَّهم الله من كل قوم. ١٨٦٩٢- حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود قال: سألني بلال عن قول الحسن في القدر، [[في المطبوعة والمخطوطة هنا: " في العذر "، والصواب ما أثبت، وانظر التعليق التالي.]] قال: فقال: سمعت الحسن يقول: ﴿قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم﴾ ، قال: بعث الله هودًا إلى عاد، فنجى الله هودًا والذين آمنوا معه وهلك المتمتعون. وبعث الله صالحًا إلى ثمود، فنجى الله صالحًا وهلك المتمتعون. فجعلت أستقريه الأمم، فقال: ما أراه إلا كان حسَّن القول في القَدر. [[في المطبوعة وحدها: " في العذر، والصواب من المخطوطة. ويعني أنه أمر قد فرغ منه، لقول الله سبحانه لنوح: " وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم "، وذلك قبل أن يكونوا، وهو قول أهل الإثبات، من أهل الحق.]] ١٨٦٩٣- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم﴾ ، أي: لم يكن من قبلكم من ينهى عن الفساد في الأرض = ﴿إلا قليلا ممن أنجينا منهم﴾ . * * * وقوله: ﴿واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه﴾ ، يقول تعالى ذكره: واتبع الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بالله ما أترفوا فيه. * ذكر من قال ذلك: ١٨٦٩٤- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: ﴿واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه﴾ ، قال: ما أُنْظروا فيه. ١٨٦٩٥- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه﴾ ، من دنياهم. =وكأنّ هؤلاء وجَّهوا تأويل الكلام: واتبع الذين ظلموا الشيء الذي أنظرهم فيه ربُّهم من نعيم الدنيا ولذاتها، إيثارًا له على عمل الآخرة وما ينجيهم من عذاب الله. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: واتبع الذين ظلَموا ما تجبَّروا فيه من الملك، وعتَوْا عن أمر الله. * ذكر من قال ذلك: ١٨٦٩٦- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ﴿واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه﴾ ، قال: في ملكهم وتجبُّرهم، وتركوا الحق. ١٨٦٩٧- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه، إلا أنه قال: وتركِهم الحق. ١٨٦٩٨- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثل حديث محمد بن عمرو سواء. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر تعالى ذكره: أن الذين ظلموا أنفسهم من كل أمة سلفت فكفروا بالله، اتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا، فاستكبروا وكفروا بالله، واتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا، فاستكبروا عن أمر الله وتجبروا وصدوا عن سبيله. * * * = وذلك أن المترف في كلام العرب: هو المنعم الذي قد غُذِّي باللذات، ومنه قول الراجز: [[هو رؤبة.]] نُهْدِي رُءُوسَ المُتْرَفينَ الصُّدَّادْ ... إلى أمِير المُؤْمِنِينَ المُمْتَادْ [[سلف البيت وتخريجه وشرح فيما سلف ١١: ٢٢٣، تعليق: ١.، " الممتاد "، الذي نسأله العطاء فيعطي.]] * * * وقوله: ﴿وكانوا مجرمين﴾ ، يقول: وكانوا مكتسبي الكفر بالله. [[انظر تفسير " الإجرام " فيما سلف من فهارس اللغة (جرم) .]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب