الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما عاقبنا أهل هذه القرى التي اقتصَصنا نبأها عليك، يا محمد، بغير استحقاق منهم عقوبتنا، فنكون بذلك قد وضعنا عقوبتنا هُمْ في غير موضعها = ﴿ولكن ظلموا أنفسهم﴾ ، يقول: ولكنهم أوجبوا لأنفسهم بمعصيتهم الله وكفرهم به، عقوبتَه وعذابه، فأحلوا بها ما لم يكن لهم أن يحلوه بها، وأوجبوا لها ما لم يكن لهم أن يوجبوه لها = ﴿فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء﴾ ، يقول: فما دفعت عنهم آلهتهم التي يدعونها من دون الله، [[انظر تفسير " أغني عنه " فيما سلف ص: ٢١٥، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] ويدعونها أربابًا من عقاب الله وعذابه إذا أحله بهم ربُّهم من شيء، ولا ردَّت عنهم شيئًا منه = ﴿لما جاء أمر ربك﴾ ، يا محمد، يقول: لما جاء قضاء ربك بعذابهم، فحقّ عليهم عقابه، ونزل بهم سَخَطه = ﴿وما زادوهم غير تتبيب﴾ ، يقول: وما زادتهم آلهتهم عند مجيء أمر ربك هؤلاء المشركين بعقاب الله غير تخسيرٍ وتدميرٍ وإهلاك. * * * يقال منه: "تبَّبْتُه أتبِّبُه تَتْبيبًا"، ومنه قولهم للرجل: "تبًّا لك"، قال جرير: عَرَادَةُ مِنْ بَقِيَّةِ قَوْمِ لُوطٍ ... أَلا تَبًّا لِمَا فَعَلُوا تَبَابًا [[ديوانه: ٧٢، من قصيدته المشهورة في هجاء الراعي النميري، وكان سببها أن " عرادة النميري "، وهو رواية الراعي كان نديمًا للفرزدق، فقدم الراعي البصرة، فدعاه عرادة فأطعمه وسقاه وقال: فضل الفرزدق على جرير! فأبى. فلما أخذ فيه الشراب، لم يزل به حتى قال: يا صَاحِبَيَّ دَنا الرَّواحُ فَسِيرَا ... غَلَبَ الفَرَزْدَقُ في الهِجَاءِ جريرَا فهاج الهجاء بينهما، فكان مما ذكر به عرادة قوله: أتَانِي عَنْ عَرَادَةَ قَوْلُ سُوءٍ ... فَلاَ وَأَبِي عُرَادَةَ مَا أَصَابَا وَكَمْ لَكَ يَا عُرَادَةُ مِنْ أُمِّ سُوءٍ ... بَأَرْضِ الطَّلْحِ تَحْتَبِلُ الزَّبابَا لَبِئْسَ الْكَسْبُ تَكْسِبُهُ نُمَيْرٌ ... إِذَا اسْتَأْنَوْكَ وانْتَظَروا الإِيابَا وكان في المخطوطة والمطبوعة: " عرابة "، وهو خطأ صرف.]] * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٨٥٥٣- حدثني المثني قال، حدثنا سعيد بن سلام أبو الحسن البصري قال، حدثنا سفيان، عن نسير بن ذعلوق، عن ابن عمر في قوله: ﴿وما زادوهم غير تتبيب﴾ ، قال: غير تخسير. [[الأثر: ١٨٥٥٣ - " سعيد بن سلام، أبو الحسن البصري العطار الثوري الأعور "، منكر الحديث، كذاب يحدث عن الثوري، لا يكتب حديثه، مترجم في الكبير ٢ / ١ / ٤٤١، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٣١، ولسان الميزان ٣: ٣١، وميزان الاعتدال ١: ٣٨٢. " ونسير بن ذعلوق الثوري "، ثقة، مضى برقم: ٥٤٩١، ١٣٤٨٨.]] ١٨٥٥٤- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿غير تتبيب﴾ ، قال: تخسير. ١٨٥٥٥- حدثنا المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ١٨٥٥٦-حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿غير تتبيب﴾ ، يقول: غير تخسير. ١٨٥٥٧- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿غير تتبيب﴾ ، قال: غير تخسير. * * * قال أبو جعفر: وهذا الخبر من الله تعالى ذكره، وإن كان خبرًا عمَّن مَضَى من الأمم قبلنا، فإنه وعيدٌ من الله جلّ ثناؤه لنا أيتها الأمة، أنا إن سلكنا سبيلَ الأمم قبلَنا في الخلاف عليه وعلى رسوله، سلك بنا سبيلهم في العُقوبة = وإعلام منه لما أنه لا يظلم أحدًا من خلقه، وأن العباد هم الذين يظلمون أنفسهم، كما:- ١٨٥٥٨- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد قال، اعتذر = يعني ربنا جل ثناؤه = إلى خلقه فقال: ﴿وما ظلمناهم﴾ ، مما ذكرنا لك من عذاب من عذبنا من الأمم، ﴿ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم﴾ ، حتى بلغ: ﴿وما زادوهم غير تتبيب﴾ ، قال: ما زادهم الذين كانوا يعبدونهم غير تتبيب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب