الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٤) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إلى ربكم الذي صفته ما وصَفَ جل ثناؤه في الآية قبل هذه، معادُكم، أيها الناس، يوم القيامة جميعًا. [[انظر تفسير " المرجع " فيما سلف ١٢: ٢٨٧، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] ﴿وعد الله حقا﴾ = فأخرج ﴿وعد الله﴾ مصدَّرًا من قوله: ﴿إليه مرجعكم﴾ ، لأنه فيه معنى "الوعد"، ومعناه: يعدكم الله أن يحييكم بعد مماتكم وعدًا حقًّا، فلذلك نصب ﴿وعد الله حقا﴾ = ﴿إنه يبدأ لخلق ثم يعيده﴾ يقول تعالى ذكره: إن ربكم يبدأ إنشاء الخلق وإحداثه وإيجاده = ﴿ثم يعيده﴾ ، يقول: ثم يعيده فيوجده حيًّا كهيئته يوم ابتدأه، بعد فنائه وبَلائِه. [[انظر تفسير " البدء " و " العود " فيما سلف ١٢: ٣٨٢ - ٣٨٨.]] كما:- ١٧٥٤٨- حدثني محمد بن عمرو، قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿يبدأ الخلق ثم يعيده﴾ ، قال: يحييه ثم يميته= قال أبو جعفر: وأحسبه أنا قال: "ثم يحييه". ١٧٥٤٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد: ﴿يبدأ الخلق ثم يعيده﴾ ، قال: يحييه ثم يميته، ثم يحييه. ١٧٥٥٠- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿إنه يبدأ الخلق ثم يعيده﴾ ،: يحييه، ثم يميته، ثم يبدؤه، ثم يحييه. ١٧٥٥١-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. * * * وقرأت قراء الأمصار ذلك: ﴿إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ ، بكسر الألف من ﴿إنه﴾ ، على الاستئناف. * * * وذكر عن أبي جعفر الرازي أنه قرأه ﴿أَنَّهُ﴾ بفتح الألف من ﴿أنه﴾ . * * * = كأنه أراد: حقًّا أنه يبدأ الخلق ثم يعيده، ف "أنّ" حينئذ تكون رفعًا، كما قال الشاعر: [[لم أعرف قائله.]] أحَقًّا عِبَادَ اللهِ أَنْ لَسْتُ زَائِرًا ... رُبَى جَنَّة إِلا عَلَيَّ رَقِيبُ [[في المطبوعة: " أبا حبة إلا على رقيب "، وهو تحريف لما في المخطوطة، وهو فيها هكذا، غير منقوط: " رباحه "، وصواب قراءته ما أثبت.]] * * * وقوله: ﴿ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط﴾ ، يقول: ثم يعيده من بعد مماته كهيئته قبل مماته عند بعثه من قبره= ﴿ليجزي الذين آمنوا﴾ ليثيب من صدّق الله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله به من الأعمال، واجتنبوا ما نهاهم عنه، على أعمالهم الحسنة [[انظر تفسير " الجزاء " فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) .]] = ﴿بالقسط﴾ يقول: ليجزيهم على الحسن من أعمالهم التي عملوها في الدنيا الحسنَ من الثواب، والصالحَ من الجزاء في الآخرة= وذلك هو "القسط"، و"القسط" العدلُ والإنصاف، [[انظر تفسير " القسط " فيما سلف ١٢: ٣٧٩، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] كما:- ١٧٥٥٢- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿بالقسط﴾ ، بالعدل. * * * وقوله: ﴿والذين كفروا لهم شَرَاب من حميم﴾ ، فإنه جل ثناؤه ابتدأ الخبر عما أعدَّ الله للذين كفروا من العذاب، وفيه معنى العطف على الأول. لأنه تعالى ذكره عمَّ بالخبر عن معادِ جميعهم، كفارهم ومؤمنيهم، إليه. ثم أخبر أن إعادتهم ليجزي كلَّ فريق بما عمل المحسنَ منهم بالإحسان، والمسيءَ بالإساءة. ولكن لما كان قد تقدم الخبر المستأنفُ عما أعدّ للذين كفروا من العذاب، ما يدلُّ سامعَ ذلك على المرادِ، ابتدأ الخبر، والمعنيُّ العطف فقال: والذين جحدوا الله ورسولَه وكذبوا بآيات الله= ﴿لهم شراب﴾ في جهنم ﴿من حميم﴾ وذلك شراب قد أُغلي واشتدّ حره، حتى إنه فيما ذكر عن النبي ﷺ ليتساقطُ من أحدهم حين يدنيه منه فروةُ رأسه، وكما وصفه جل ثناؤه: ﴿كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ ، [سورة الكهف: ٢٩] . * * * وأصله: "مفعول" صرف إلى "فعيل"، وإنما هو "محموم": أي مسخّن، وكل مسخَّن عند العرب فهو حميم، [[انظر تفسير " حميم " فيما سلف ١١: ٤٤٨، ٤٤٩.]] ومنه قول المرقش: وَكُلُّ يَوْمٍ لَهَا مِقْطَرَةٌ ... فِيهَا كِبَاءٌ مُعَدٌّ وَحَمِيمْ [[سلف البيت وتخريجه وشرحه ١١: ٤٤٨، وروايته هناك: " في كل ممسي ".]] يعني ب "الحميم"، الماء المسخَّن. * * * وقوله: ﴿عذاب أليم﴾ ، يقول: ولهم مع ذلك عذاب موجع، [[انظر تفسير " أليم " فيما سلف من فهارس اللغة (ألم) .]] سوى الشراب من الحميم، بما كانوا يكفرون بالله ورسوله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب