قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، يعني: إذا لقيتم الذين كفروا بتوحيد الله تعالى يوم بدر زَحْفاً، يعني: مزاحفة، ويقال: زحف القوم، إذا دنوا للقتال، ومعناه: إذا واقعتموهم للقتال، فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ يعني: منهزمين. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ، يعني: تولّى ظهره منهزماً يَوْمَئِذٍ يعني: يوم حربهم. وقال الكلبي: يعني يوم بدر خاصة إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ، يعني مستطرداً للكرة يريد الكرة للقتال أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ، يعني ينحاز من فئة إلى فئة من أصحابه يمنعونه من العدو. قال أهل اللغة: تحوَّزت وتحيَّزت، أي انضممت إليه، ومعناه: إذا كان منفرداً فينحاز ليكون مع المقاتلة، فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وفي الآية تقديم، يعني: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ أي: استوجب الغضب من الله. وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إلا متحرفا لقتال أو متحيزاً إلى فئة.
وروي عن الحسن أنه قال: «كان كلّ هذا يوم بدر وغيره. - وعن الضحاك قال: هذا يوم بدر خاصة [[ما بين معقوفتين ساقط من النسخة «أ» .]] - خاصة، لأنه لم يكن لهم فئة ينحازون إليها» . وعن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة قال: «نزلت يوم بدر، لأنهم لم ينحازوا إلا إلى المشركين، لم يكن في الأرض مسلمون غيرهم» . وقد قال بعضهم: بأن الآية غير منسوخة، لأنه لا يجوز للواحد أن يهرب من الاثنين، ويجوز أن يهرب من الجماعة. وإذا لم يكن معه سلاح جاز له أن يهرب ممن معه السلاح، وإذا لم يكن رامياً جاز له أن يهرب من الرامي. فإذا كان عدد المسلمين نصف عدد الكفار ومعهم سلاح، لا يجوز لهم أن يهربوا من الكفار، وإذا كان المسلمون اثني عشر ألفاً ومعهم سلاح، لا يجوز لهم أن يهربوا من الكفار وإن كانوا مائة ألف، لأنه روي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أرْبَعُمِائِةٍ، وَخَيْرُ الجُيُوشِ أرْبَعَةُ آلافٍ وَلَنْ يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفاً مِنْ قِلَّةٍ إذَا كَانَتْ كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةً» [[حديث ابن عباس: أخرجه الترمذي (1555) وأبو داود (2611) والبيهقي: 9/ 156 وأحمد 1/ 293 وصححه الحاكم: 1/ 443 وابن خزيمة (2538) .]] ، فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا كَلِمَتَهُمْ وَاحِدَةً وَيُقَاتِلُوهُمْ، حَتَّى يَنْصُرَهُمُ الله تَعَالَى» . والآية نزلت في الذي لا يجوز له الهرب. وروى سليمان بن هلال، عن ثور بن زيد، عن أبي المغيث، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ أنه قال: «اجتنبوا الموبقات» .
قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: «الشِّركُ بِالله، وَأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المحصنات» [[حديث أبي هريرة: أخرجه البخاري (2766) و (5764) و (6857) ومسلم (89) وأبو داود (2874) والنسائي: 6/ 257 والبغوي (45) والبيهقي 8/ 249.]] .
{"ayahs_start":15,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا لَقِیتُمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ زَحۡفࣰا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ","وَمَن یُوَلِّهِمۡ یَوۡمَىِٕذࣲ دُبُرَهُۥۤ إِلَّا مُتَحَرِّفࣰا لِّقِتَالٍ أَوۡ مُتَحَیِّزًا إِلَىٰ فِئَةࣲ فَقَدۡ بَاۤءَ بِغَضَبࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا لَقِیتُمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ زَحۡفࣰا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ"}