الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ وهي كيزان مدققة الرأس، لا عرى لها كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ يعني: في صفاء القارورة، وبياض الفضة. وروي عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لو أخذت فضة من فضة الدنيا، فضربتها حتى جعلتها مثل جناح الذباب لم تر الماء من ورائه، ولكن قوارير الجنة من فضة في صفاء القوارير، كبياض الفضة.
قرأ نافع، وعاصم، والكسائي سلاسلاً وقواريراً، كلهن بإثبات الألف والتنوين. وقرأ حمزة بإسقاط الألف كلها، وكان أبو عمرو يثبت الألف في الأولى من قوارير، ولا يثبتها في الثانية.
قال أبو عبيد: رأيت في مصحف عثمان، رضي الله عنه الذي قال له مصحف الإمام قوارير بالألف، والثانية كان بالألف، فحكت ورأيت أثرها بيناً هناك، وأما السلاسل فرأيتها قد رست. وقال بعض أهل اللغة: الأجود في العربية، أن لا ينصر فيه سلاسل وقوارير، لأن كل جمع يأتي بعد ألفه حرفان أو ثلاثة، أوسطها ساكن، فإنه لا ينصرف، فأما من صرفه ونون، فإنه رده إلى الأصل في الازدواج إذا وقعت الألف بغير تنوين ثم قال: قَدَّرُوها تَقْدِيراً يعني: على قدر كف الخدم، ويقال: على قدر كف المخدوم ولا يحجز، ويقال: على قدر ما يحتاجون إليه ويريدونه. ويقال: على مقدار الذي لا يزيد ولا ينقص ليكون الري لشربهم وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً يعني: خمراً وشراباً كانَ مِزاجُها يعني: خلطها زَنْجَبِيلًا عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا وقال القتبي: والزنجبيل اسم العين، وكذلك السلسبيل ويقال: إن السلسبيل اللبن والزنجبيل طعمه، والعرب تضرب به المثل. وقال مقاتل: إنما سمي السلسبيل، لأنها تسيل عليهم في الطريق وفي منازلهم، وقال أبو صالح: بلغني أن السلسبيل شديد الجرية.
وقال بعضهم: معناه كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا عيناً فيها تسمى سلسبيلاً يعني: عيناً تسمى الزنجبيل وتم الكلام ثم قال: سلسبيلاً يعني: سل الله تعالى السبيل إليها.
قوله تعالى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ يعني: لا يكبرون، ويكونون على سن واحدة إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً قال قتادة: كثرتهم وحسنهم، كاللؤلؤ المنثور وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً يعني: إذا رأيت هناك ما في الجنة، رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً يعني:
على رؤوسهم التيجان، كما يكون على رأس ملك من الملوك. ويقال: وَمُلْكاً كَبِيراً يعني:
لا يدخل رسول رب العزة، إلا بإذنهم.
ثم قال عز وجل: عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ يعني: على ظهورهم ثياب سندس.
قرأ نافع، وحمزة بجزم الياء وكسر الهاء. والباقون بنصب الياء وضم الهاء. فمن قرأ بالجزم، فمعناه الذي يعلوهم، وهو اسم فاعل، من علا يعلو. ومن قرأ بالنصب نصبه على الظرف، كما قال: فوقهم ثياب. وروي عن ابن مسعود، أنه قرأ عاليتهم ثياب، يعني: الوجه الأعلى.
ثم قال: ثياب سندس، خضر بالكسر وَإِسْتَبْرَقٌ قرأ نافع، وعاصم في رواية حفص، خضر واستبرق كلاهما بالضم. والباقون كلاهما بالكسر، فمن قرأ بالضم، لأنه نعت الثياب. يعني:
ثياباً خضراً. ومن قرأ بالكسر، فهو نعت للسندس، ومن قرأ واستبرق بالضم، فهو نسق على الثياب. ومعناه: عليهم سندس واستبرق، ومن قرأ بالكسر، يكون عليهم ثياب من هذين النوعين.
ثم قال عز وجل: وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وهو جمع السوار وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً يعني: الذي سقاهم خدمهم. ويقال: الذين يشربون من قبل أن يدخلوا الجنة. ثم قال: إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً يعني: الذي وصف لكم في الجنة، ثواباً لأعمالكم وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً يعني: عملكم مقبولاً. يعني: يبشرون بهذا إذا أرادوا أن يدخلوا الجنة. ثم قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا يعني: أنزلنا عليك القرآن تنزيلاً، يعني: إنزالاً فالمصدر للتأكيد.
ثم قال عز وجل: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ يعني: استقم على أمر الله تعالى ونهيه. ويقال:
اصبر على أذى الكفار. وقال: على تبليغ الرسالة وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً آثماً يعني:
فاجراً وهو الوليد بن المغيرة، أو كفوراً يعني: ولا كفوراً، وهو عتبة بن ربيعة. قال للنبي ﷺ: إن فعلت هذا لأجل المال، فارجع حتى أدفع إليك من المال، ما تصير به أكثر مالاً من أهل مكة. فنزلت هذه الآية وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً.
ثم قال عز وجل: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ يعني: صلِ باسم ربك بُكْرَةً وَأَصِيلًا يعني:
بكرة وعشياً يعني: صلاة الفجر، وصلاة الظهر والعصر وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ يعني: فصلِّ لله المغرب والعشاء وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا يعني: بعد المكتوبة، فهذا للنبي ﷺ خاصة. ويقال له ولأصحابه: وهذا أمر استحباب، لا أمر وجوب. ثم قال عز وجل: إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ يعني: يختارون الدنيا وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يعني: يتركون العمل لما هو أمامهم يَوْماً ثَقِيلًا يعني: ليوم ثقيل وقال مجاهد: وراءهم يعني: خلفهم.
قوله تعالى: نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ يعني: قوينا خلقهم ليطيعوني، فلم يطيعوني. ويقال: شددنا مفاصلهم بالعصب، والعروق والجلد، لكي لا ينقطع المفاصل وقت تحريكها. ويقال: شددنا أسرهم، أي: قبلهم ودبرهم، لكي لا يسيل البول والغائط، إلا عند الحاجة وَإِذا شِئْنا يعني: إذا أردنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا يعني: أي نخلق خلقاً أمثل منهم، وأطوع لله إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ يعني: هذه السورة عظة لكم. ويقال: هذه الآيات فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا يعني: فمن شاء أن يتعظ فليتعظ، فقد بينا له الطريق.
ثم قال عز وجل: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ يعني: إلا أن يشاء لكم فيوفقكم.
يعني: إن جاهدتم فيوفقكم كقوله: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ [العنكبوت: 69] الآية. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو وَمَا يشاؤن بالياء على معنى الخبر عنهم. والباقون بالتاء على معنى المخاطبة. ثم قال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً يعني: كان عليماً قبل خلقكم، من يتخذ السبيل، ولم يشرك ويوحد حَكِيماً حكم بالبداية لمن كان أهلاً لذلك.
قوله تعالى: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ يعني: يكرم بالإسلام من كان أهلاً لذلك.
ويقال: يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رحمته، يعني: في نعمته وهي الجنة، في رحمته وفضله وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً يعني: يدخل الظالمين في عذاب أليم. ويقال: يعذب الظالمين. وقرئ في الشاذ والظالمون، وقراءة العامة والظالمين بالنصب. ومعناه: ويعذب الظالمين، ويكون لهم عذاباً أليماً، تفسيراً لهذا المضمر. والله أعلم.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["وَیُطَافُ عَلَیۡهِم بِـَٔانِیَةࣲ مِّن فِضَّةࣲ وَأَكۡوَابࣲ كَانَتۡ قَوَارِیرَا۠","قَوَارِیرَا۟ مِن فِضَّةࣲ قَدَّرُوهَا تَقۡدِیرࣰا","وَیُسۡقَوۡنَ فِیهَا كَأۡسࣰا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِیلًا","عَیۡنࣰا فِیهَا تُسَمَّىٰ سَلۡسَبِیلࣰا","۞ وَیَطُوفُ عَلَیۡهِمۡ وِلۡدَ ٰنࣱ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَیۡتَهُمۡ حَسِبۡتَهُمۡ لُؤۡلُؤࣰا مَّنثُورࣰا","وَإِذَا رَأَیۡتَ ثَمَّ رَأَیۡتَ نَعِیمࣰا وَمُلۡكࣰا كَبِیرًا","عَـٰلِیَهُمۡ ثِیَابُ سُندُسٍ خُضۡرࣱ وَإِسۡتَبۡرَقࣱۖ وَحُلُّوۤا۟ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةࣲ وَسَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ شَرَابࣰا طَهُورًا","إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمۡ جَزَاۤءࣰ وَكَانَ سَعۡیُكُم مَّشۡكُورًا","إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ تَنزِیلࣰا","فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورࣰا","وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلࣰا","وَمِنَ ٱلَّیۡلِ فَٱسۡجُدۡ لَهُۥ وَسَبِّحۡهُ لَیۡلࣰا طَوِیلًا","إِنَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ یُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ وَیَذَرُونَ وَرَاۤءَهُمۡ یَوۡمࣰا ثَقِیلࣰا","نَّحۡنُ خَلَقۡنَـٰهُمۡ وَشَدَدۡنَاۤ أَسۡرَهُمۡۖ وَإِذَا شِئۡنَا بَدَّلۡنَاۤ أَمۡثَـٰلَهُمۡ تَبۡدِیلًا","إِنَّ هَـٰذِهِۦ تَذۡكِرَةࣱۖ فَمَن شَاۤءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِیلࣰا","وَمَا تَشَاۤءُونَ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا","یُدۡخِلُ مَن یَشَاۤءُ فِی رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّـٰلِمِینَ أَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمَۢا"],"ayah":"وَمِنَ ٱلَّیۡلِ فَٱسۡجُدۡ لَهُۥ وَسَبِّحۡهُ لَیۡلࣰا طَوِیلًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق