قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ روى سفيان عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب قال: قال أبو جهل للنبي ﷺ ما نتهمك ولكن نتهم الذي جئت به، فنزلت هذه الآية. وروى أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال: جاء جبريل إلى النبيّ ﷺ وهو حزين فقال: ما يحزنك؟ قال: «كَذَّبَنِي هؤلاء» . فقال: إنهم لا يكذبونك، يعلمون أنك صادق فنزلت هذه الآية: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ من تكذيبهم إياك في العلانية فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ في السر، ويعلمون أنك صادق. وكانوا يسمونه أميناً قبل أن يوحى إليه فلما أوحي إليه، كذّبوه، فقال: وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وهم يعلمون أنك صادق.
والجحد يكون ممن علم الشيء ثم جحده كقوله تعالى: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ [النمل:
14] قرأ نافع والكسائي: فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ بالتخفيف. وقرأ الباقون بالتشديد. فمن قرأ بالتخفيف فمعناه أنهم لا يجحدونك كاذباً. ومن قرأ بالتشديد فمعناه: أنهم لا ينسبونك إلى الكذب، ولا يكذبونك في السر. وقرأ نافع: يَحْزُنكَ برفع الياء، وكسر الزاي. وقرأ الباقون لَيَحْزُنُكَ بنصب الياء، وضم الزاي، ومعناهما واحد.
ثم عزّاه ليصبر على أذاهم فقال: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ يعني: أن قومهم كذبوهم كما كذبك قريش فَصَبَرُوا عَلى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا يعني: صبروا على تكذيبهم وأذاهم حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا يعني: عذابنا لهلاكهم وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ يعني: لا مغيّر لوعد الله. فهذا وعد من الله تعالى للنبي ﷺ بالنصرة، كما نصر النبيين من قبله.
ثم قال: وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ يعني: من خبر المرسلين، كيف أنجيت المرسلين، وكيف أهلكت قومهم. فلما وعد الله تعالى بالنصرة للنبي ﷺ تعجل أصحابه لذلك، وأرادوا أن يعجل بهلاك الكفار فنزل: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ خاطب النبي ﷺ وأراد به قومه فقال: إن عظم عليك إعراضهم عن الإيمان، ولا تصبر على تكذيبهم إياك فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ يعني: إن قدرت أن تطلب سِرْباً في الأرض والنافقاء إحدى جحري اليربوع أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ يعني: مصعداً إلى السماء فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ فافعل ذلك على وجه الإضمار. وهذا كما قال في آية أخرى: مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ [الحج: 15] الآية.
وروى محمد بن المنكدر: أن جبريل قال للنبي ﷺ: إن الله أمر السماء أن تطيعك، وأمر الأرض أن تطيعك، وأمر الجبال أن تطيعك، فإن أحببت أن ينزل عذاباً عليهم قال: «يا جبريل أؤخر عن أمتي لعل الله أن يتوب عليهم» .
ثم قال: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى يعني: لهداهم إلى الإيمان. ويقال: ولو شاء لاضطرهم إلى الهدى كما قال في آية أخرى إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ [الشعراء: 4] ومعناه: وَلَوْ شَآءَ الله لَجَمَعَهُمْ على الهدى قهراً وجبراً، ولكن ما فعل وكلفهم وتركهم فاختيارهم.
ثم قال: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ يعني: بأنه لو شاء لهداهم. وقال الضحاك: يعني: القدر خيره وشره من الله تعالى، فلا تجعل معرفة ذلك بعد البيان.
ثم قال:
{"ayahs_start":33,"ayahs":["قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَیَحۡزُنُكَ ٱلَّذِی یَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا یُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ یَجۡحَدُونَ","وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلࣱ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُوا۟ عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا۟ وَأُوذُوا۟ حَتَّىٰۤ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَاۤءَكَ مِن نَّبَإِی۟ ٱلۡمُرۡسَلِینَ","وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَیۡكَ إِعۡرَاضُهُمۡ فَإِنِ ٱسۡتَطَعۡتَ أَن تَبۡتَغِیَ نَفَقࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ سُلَّمࣰا فِی ٱلسَّمَاۤءِ فَتَأۡتِیَهُم بِـَٔایَةࣲۚ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمۡ عَلَى ٱلۡهُدَىٰۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡجَـٰهِلِینَ"],"ayah":"وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَیۡكَ إِعۡرَاضُهُمۡ فَإِنِ ٱسۡتَطَعۡتَ أَن تَبۡتَغِیَ نَفَقࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ سُلَّمࣰا فِی ٱلسَّمَاۤءِ فَتَأۡتِیَهُم بِـَٔایَةࣲۚ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمۡ عَلَى ٱلۡهُدَىٰۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡجَـٰهِلِینَ"}