الباحث القرآني

ثم قال عز وجل: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ يعني: اذكر التوحيد باسم ربك يا محمد ﷺ الرب العظيم. ويقال: صلِّ بأمر ربك. ويقال: سبح لله، واذكره. قوله عز وجل: فَلا أُقْسِمُ قال بعضهم: يعني: أقسم و (لا) زيادة في الكلام. وقال بعضهم: لا رد لقول الكفار. ثم قال: بِمَواقِعِ النُّجُومِ يعني: بنزول القرآن، نزل نجوماً آية بعد آية، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بِمَواقِعِ النُّجُومِ يعني: بحكم القرآن وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ يعني: القسم بالقرآن عظيم لَوْ تَعْلَمُونَ ذلك. ويقال: لَوْ تَعْلَمُونَ يعني: لو تصدقون ذلك. قرأ حمزة، والكسائي: بموقع النجوم بغير ألف. وقرأ الباقون: بِمَواقِعِ النُّجُومِ بلفظ الجماعة. فمن قرأ: بموقع فهو واحد دل على الجماعة. ويقال: بِمَواقِعِ النُّجُومِ يعني: بمساقط النجوم. يعني: الكواكب. ثم قال عز وجل: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ يعني: الذي يقرأ عليك يا محمد، لقرآن شريف، كريم على ربه، فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ يعني: مستور من خلق الله، وهو اللوح المحفوظ لاَّ يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ يعني: اللوح المحفوظ. ويقال: لا تمسه إلا الملائكة المطهرون من الذنب، ولا يقرؤه إلا الطاهرون. ويقال: لا يمس المصحف إلا الطاهر. وروى معمر، عن محمد بن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه رضي الله عنه: إن النبيّ ﷺ كتب كتاباً فيه «لا يُمَسُّ القُرْآنُ إلاَّ عَلَى طُهُورٍ» . وروى إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: «كنا مع سلمان فخرج، يقضي حاجته، ثم جاء، فقلنا: يا عبد الله لو توضأت، لعلنا نسألك عن آيات الله؟ فقال: إني لست أمسه، لأنه لا يمسه إلا المطهرون. فقرأ علينا ما نسينا. يعني: يجوز للمحدث أن يقرأ، ولا يجوز أن يمس المصحف. وأما الجنب لا يجوز له أن يمس المصحف، ولا يقرأ آية تامة. ثم قال: تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ يعني: أنزل الله تعالى جبريل عليه السلام على محمد ﷺ بهذا القرآن يقرأه عليه من رَبَّ العالمين. ثم قال عز وجل: أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ يعني: تكفرون. وقال الزجاج: المدهن والمداهن: الكذاب المنافق. وقال بعض أهل اللغة: أصله من الدهن، لأنه يلين في دينه. يعني: ينافق، ويرى كل واحد أنه على دينه. ويقال: أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ يعني: مكذبون وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ يعني: شكر رِزْقكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ يعني: تقولون للمطر إذا مطرتم مُطِرْنا بنوء كذا. وروي عن عاصم في بعض الروايات: أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ بالتخفيف. يعني: تجعلون شكر رزقكم الكذب، وهو أن يقولوا: مُطِرنا بنوء كذا. وقرأ الباقون: تُكَذِّبُونَ بالتشديد. يعني: تجعلون شكر رزقكم التكذيب، ولا تنسبون السقيا إلى الله تعالى الذي رزقكم. ثم قال: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ يعني: بلغ الروح الحلقوم وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ إلى الميت وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ يعني: أمر الله تعالى وهو ملك الموت أقرب إليه منكم، حين أتاه لقبض روحه وَلكِنْ لاَّ تُبْصِرُونَ ما حضر الميت فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ يعني: غير محاسبين. ويقال: غير مملوكين، أذلاء عن قولك، دِنْتُ له بالطاعة، وإنما سمي يَوْمِ الدين لأنه يوم الإذلال، والهوان. ويقال: غَيْرَ مَدِينِينَ يعني: غير مجزيين تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني: إنكم غير محاسبين، فهلا رددتهم عنه الموت؟ ثم ذكر الأصناف الثلاثة الذين ذكرهم في أول السورة فقال: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ يعني: إذا كان هذا الميت من المقربين عند الله من السابقين فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قرأ الحسن: فَرَوْحٌ بضم الراء المهملة، وقراءة العامة: بالنصب. وقال أبو عبيد: لولا خلاف الأمة لقرأته بالضم. وروت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله ﷺ، أنه قرأ: بالضم. وقال القتبي: الروح يعبر عن معان. فالروح روح الأجسام الذي يقبض عند الممات وفيه حياة النفس، والروح جبريل، وكلام الله روح، لأنه حياة من الجهل، وموت الكفر، ورحمة الله روح كقوله وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة: 22] أي: برحمة. والروح: الرحمة، والرزق. ويقال: الروح حياة دائمة لا موت فيها والريحان الرزق. ويقال: هي النبات بعينها. ومن قرأ: بالنصب. فهو الفرح. ويقال: الراحة. ويقال: هي الرحمة. ثم قال: وَجَنَّةُ نَعِيمٍ يعني: لا انقطاع وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ يعني: إن كان الميت من أصحاب اليمين فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ يعني: سلام الله لهم. ويقال: يسلمون عليك من الجنة. ويقال: سلام عليك منهم. ويقال: ترى منهم ما تحب من السلام. ويقال: فَسَلامٌ لَكَ يعني: يقال له ثوابه عند الموت، وفي القبر، وعلى الصراط، وعند الميزان، بشارة لك إنك من أهل الجنة. ثم قال عز وجل: وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ يعني: إن كان الميت مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بالبعث الضَّالِّينَ عن الهدى فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ يعني: جزاؤهم، وثوابهم، من حميم وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ يعني: يدخلون الجحيم وهي ما عظم من النار إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ يعني: إن هذا الذي قصصنا عليك في هذه السورة من الأقاصيص، وما أعد الله لأوليائه وأعدائه، وما ذكر مما يدل على وحدانيته، لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ يعني: اذكر اسم ربك بالتوحيد. ويقال: نزه الله تعالى عن السوء. يعني: قل سبحان الله. ويقال: أثن على الله تعالى. ويقال: صلى الله تعالى. وروي عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ قال: «من قرأ سورة الوَاقِعَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ» . والله أعلم بالصواب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب