الباحث القرآني

قوله عز وجل: وَقالَ قَرِينُهُ يعني: ملكه الذي كان يكتب عمله هذا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ يعني: هذا الذي وكلتني به قد أتيتك به، وهو حاضر يقول الله عز وجل أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ يعني: يقول للملكين ألقيا في جهنم كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ وقال بعضهم هذا أمر للملك الواحد بلفظ الاثنين، وقال الفراء: يرى أصل هذا أن أن الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة نفر، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، ألا ترى أن الشعراء أكثر شيء: قيلاً يا صاحبي، ويا خليلي، قال الشاعر: فقلت لصاحبي لا تحبساني، وأدنى ما يكون الأمر والنهي في الإعراب اثنان، فجرى كلامهم على ذلك ومثل هذا قول امرئ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ويقال: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ، على معنى تكرير الأمر، يعني: ألق ألق، وهو على معنى التأكيد، وكذلك في قوله: قفا، معناه قف قف. وقال الزجاج: عندي أن قوله أَلْقِيَا أَمر للملكين، وقال بعضهم: الأمر للواحد بلفظ الاثنين واقع في إطلاق العرب، وكان الحجاج يقول: يا حرسي اضربا عنقه كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ، يعني: كل جاحد بتوحيد الله تعالى معرض عن الإيمان، وقال مقاتل: يعني: الوليد بن المغيرة. ويقال هذا في جميع الكفار الذين ذكر صفتهم في هذه الآية، وهي قوله: مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ يعني: بخيلاً لا يخرج حق الله من ماله، ويقال: «مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ» يعني يمتنع عن الإسلام مُعْتَدٍ مُرِيبٍ المعتدي هو الظلوم الغشوم، والمريب الشاك في توحيد الله تعالى قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ يعني: أشرك بالله عز وجل فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ يعني: في النار قالَ قَرِينُهُ يعني: شيطانه رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ يعني: لم يكن لي قوة أن أضله وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ يعني: في خطأ طويل بعيد عن الحق، يقول الله تعالى لابن آدم وشيطانه قالَ لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ أي لا تختصموا عندي وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ يعني: أخذت عليكم الحجة، وأخبرتكم بالكتاب والرسول مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ يعني: لا يغير قضائي وحكمي الذي حكمت، ويقال: لا يكذب وعيدي وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ يعني: لا أعذب أحداً بغير ذنب، ويقال: مَا يُبَدِّلُ القول لدى، يعني: لا يغير عن جهته، ولا يحذف منه، ولا يزاد فيه، لأني أعلم كيف ضلوا، وكيف أضللتموهم، وروى سالم عن أبيه عن النبيّ ﷺ أنه قال: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ وُكِّلَ بِهِ قَرِيُنُه مِنَ الجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ المَلائِكَةِ» ، قالوا: وإياك يا رسول الله ﷺ» ؟ قال: «وَإيَّايْ وَلَكِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ أعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلاَ يَأمُرُنِي إلاَّ بِخَيرٍ» ، وعن الربيع، عن أنس، قال: سألت أبا العالية عن قوله عز وجل: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر: 31] وهاهنا يقول: لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ فقال: لا تختصموا لدي في أهل النار، والأخرى في المؤمنين في المظالم، فيما بينهم، وقال مجاهد: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ [ق: 29] يعني: لقد قضيت ما أنا قاض قوله عز وجل: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر يِقُولُ بِاليَاء يعني: يقول الله تعالى، قرأ الباقون بالنون، ومعناه كذلك يوم صار نصباً على معنى مَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ في ذلك اليوم، ويقال على معنى أنذرهم يوم، كقوله: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ [مريم: 39] ثم قال: هَلِ امْتَلَأْتِ يعني: هل أوفيتك ما وعدتك، وهو قوله لأَملأن جَهَنَّمَ فَتَقُولُ النار هَلْ مِنْ مَزِيدٍ يعني: هل من زيادة وقال عطية: هل من موضع، ويقال معناه هل امتلأت، أي قد امتلأت، فليس من مزيد، ويقال: أنا طلبت الزيادة تغيظاً لمن فيها، وروى وكيع بإسناده عن أبي هريرة قال: «لا تَزَالُ جَهَنَّمَ تَسَأَل الزِّيَادَة حتى يضع الله فيها قدمه فَتَقُولُ جَهَنَّمَ يَا رَبَّ قط قط» أي حسبي حسبي، وقال في رواية الكلبي نحو هذا، ويقال تضيق بأهلها حتى لا يكون فيها مدخل لرجل واحد. قال أبو الليث: قد تكلم الناس في مثل هذا الخبر قال بعضهم: نؤمن به ولا نفسره، وقال بعضهم: نفسره على ما جاء بظاهر لفظه، وتأوله بعضهم وقال: معنى الخبر بكسر القاف يضع قدمه وهم أقوام سالفة فتمتلئ بذلك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب