الباحث القرآني
قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وذلك أن النبي ﷺ تجهز في سنة ست في ذي القعدة، فخرج إلى العمرة معه ألف وستمائة رجل، ويقال: ألف وأربعمائة، وساق سبعين بدنة. فبلغ قريشاً خبر النبي ﷺ وأصحابه، فبعثوا خالد بن الوليد في عصابة منهم ليصدوا النبيّ ﷺ وأصحابه عن البيت؟ فلما نزل النبيّ ﷺ بعسفان قال: «إنَّ قُرَيْشاً جَعَلَتْ لِي عُيُوناً، فَمَنْ يَدُلُّنِي عَلَى طَرِيقِ الثَّنِيَّةِ» . فقال رجل من المسلمين: أنا يا رسول الله فخرج بهم، وانتهوا إلى الثنية، وصعدوا فيها. فلما هبط رسول الله ﷺ من الثنية، بركت ناقته القصواء، فلم تنبعث، فزجرَها، وزجرها الناس، وضربوها، فلم تنبعث. فقال الناس: خلأت القصواء أي: صارت حروناً. فقال النبيّ ﷺ: «ما خَلأَتِ القَصْوَاءُ، وَمَا كَانَ ذلك لَهَا بِخُلُقٍ، ولكن حَبَسَهَا حَابِسُ الفِيلِ» ، ثم قال: «لا يَسْأَلُونَنِي فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ شَيْئاً يعظمون به حرماتهم، إلا قِبْلتُهُ مِنْهُمْ» ثَم زجرها، فانبعثت.
فلما نزلوا على القليب بالحديبية، لم يكن في البئر إلا ماء وشيك. يعني: قليل متغير، فاستسقوا فلم يبق في البئر ماء. فقال: مَن رجل يهيج لنا الماء؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله.
فقال: «ما اسمك» ؟ قال: مرة. فقال: «تأخر» ، فقال رجل آخر أنا يا رسول الله، فقال: «ما اسمك؟» . قال: ناجيه. فقال: «أنْزِلْ» . فنزل، فأعطاه رسول الله ﷺ مشقصاً، فبحت به البئر، فنبع الماء. وقال في رواية عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: كان ماء الحديبية قد قل. فأتى بدلو من ماء، فتوضأ منه رسول الله ﷺ، وجعل منه في فيه، ثم مجه في الدلو، ثم أمرهم بأن يجعلوه في البئر، ففعلوا، فامتلأت البئر حتى كادوا يغرقون منها وهم جلوس. ففزع المشركون لنزول النبيّ ﷺ وأصحابه في الحديبية، فجاؤوه، واستعدوا ليصدوه. فقال رسول الله ﷺ لعمر: «يا عُمَرُ اذْهَبْ فَاسْتَأْذِنْ لَنَا عَلَيْهِمْ حَتَّى نَعْتَمِرَ، وَيُخْلُوا بَيْنِي وَبَيْنَ البَيْتِ، لا أُرِيدُ مِنْهُمْ غَيْرَهُ» . فقال عمر: يا رسول الله ليس ثم أحد من قومي يمنعني. فأرسل عثمان، فإن هناك ناساً من بني عمه، يمنعونه، فذهب عثمان، فتلقاه أبان بن سعيد بن العاص، فقال له: أجرني من قومك حتى أبلغ رسالة رسول الله ﷺ، فأجاره، وحمله على فرسه وراءه، ودخل به مكة فاستأذن عثمان قريشاً، فأبوا أن يأذنوا له. فقال: أبان لعثمان! طف أنت إن شئت. فقال: لما كنت لأتقدم بين يدي رسول الله ﷺ، وبقي هناك ثلاثة أيام، فذكر للنبي ﷺ أن عثمان قد قتل. فقال لأصحابه: بايعوني على الموت. فجلس النبيّ ﷺ تحت الشجرة، فبايعه أصحابه على الموت، فقال النبي ﷺ: «إِنِّي أَخَافُ أَلاَّ يُدْرِكَ عُثْمَانَ هَذِهِ البَيْعَةَ، فَأَنَا أُبَايِعُ لَهُ يَمِينِي بِشمَالِي» . ثم رجع عثمان، فأخبر أنهم قد أبوا ذلك، وبلغت قريشاً البيعة، فكبرت تلك البيعة عندهم، وقالوا ليزيد بن الحارث الكناني: أردده عنا فقال النبيّ ﷺ: «ابْعَثُوا الهَدْيَ فِي وَجْهِهِ يَرَاهَا، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ يُعَظِّمُونَ الهَدْيَ» . فبعثوا الهدي في وجهه، فلما رأى يزيد بن الحارث الهدي قال: ما أرى أحداً يفلح بردّ هذا الهدي، ورجع إلى قريش. فقال لهم: لا تردوا هذا الهدي فإني أخشى أن يصيبكم عذاب من السماء. فأرسلوا عروة بن مسعود الثقفي، فجاء إلى النبيّ ﷺ، فجلس إليه، فقال: يا محمد ارجع عن قومك هذه المرة، فجعل يكلم رسول الله ﷺ، ويومئ بيديه إلى لحيته، وكان المغيرة قائماً عند رسول الله ﷺ، فضربه بالسوط على يده، وقال: اكفف يدك عن لحية رسول الله ﷺ قبل أن يصل إليك ما تكره.
فقال عروة: من هذا يا محمد؟ فقال: ابن أخيك المغيرة بن شعبة. فقال: يا غدر ما غسلت سلحتك عني بعد. أفتضرب يدي؟ قال: اكففها قبل أن لا تصل إليك. فرجع عروة إلى قريش، فقالوا له: ما ورائك يا أبا يعقوب؟ فقال: خلوا سبيل الرجل يعتمر، فإني حضرت كسرى، وقيصر، والنجاشي، فما رأيت ملكاً قط أصحابه أطوع من هذا الملك. والله إنه ليتنخم فيبتدرون نخامته، والله إنه ليجلس فيبتدرون التراب الذي يجلس عليه، وإنه ليتوضأ فيبتدرون وضوءه. فقالوا: جبنت، وانتفح سحرك. ثم قالوا لسهيل بن عمرو: اذهب واردده عنا، وصالحه. فلما رآه رسول الله ﷺ قال: «قَدْ سَهُلَ أمْرُهُمْ» ، فجاءه سهيل في نفر من قريش فقال: يا محمد ارجع عن قومك هذه المرة، على أن لك أن تأتيهم من العام المقبل، فتعتمر أنت، وأصحابك، ويدخل كل إنسان منكم بسلاحه راكباً، فتصالحنا على أن لا تقاتلنا، ولا نقاتلك سنتين. فرضي رسول الله ﷺ بذلك. فقال: اكتب بيننا وبينك كتاباً، فأمر علياً رضي الله عنه إن يكتب، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل: لا أعرف الرحمن.
قال: فكيف أكتب؟ قال: اكتب باسمك اللهم فكتب باسمك اللهم، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ﷺ. فقال سهيل: لو أعلم أنك رسول الله، لاتبعتك. أفترغب عن اسم أبيك؟ فقال علي رضي الله عنه: فو الله إنه لرسول الله ﷺ على رغم أنفك. فقال رسول الله ﷺ: «أنا مَحَمَّدٌ رَسُولُ الله، وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله، اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله» ، لأنه كان عهد أن لا يسألوه عن شيئاً يعظمون به حرماتهم إلا قبله. فكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو، ألاّ تقاتلنا، ولا نقاتلك سنتين، وندخل في حلفنا من نشاء، وتدخلوا في حلفكم من شئتم، وعلى أنكم تأتون من العام المقبل، وتقيمون ثلاثة أيام، ثم ترجعون، وعلى أن ما جاء منا إليكم لا تقبلوه، وتردوه إلينا، ومن جاء منكم إلينا فهو منا، فلا نرده إليكم، فشق ذلك الشرط على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله من لحق بنا منهم لم نقبله، ومن لحق بهم منا فهو لهم. فقال رسول الله ﷺ: «فأمَّا مَنْ لَحِقَ بِهِمْ مِنَّا فَأبْعَدَهُ الله وَأَوْلَى بِمَنْ كَفر. وَأمَّا مَنْ أرَادَ أنْ يَلْحَقَ بِنَا مِنْهُمْ فَسَيَجْعَلُ الله لَهُ مَخْرِجَاً» . فجاء أبو جندل بن سهيل يوسف في الحديد، يعني: يمشي مشي الأعرج قد أسلم، فأوثقه أبوه حين خشي أن يذهب إلى النبيّ ﷺ، فلما وقع في ظهراني المسلمين، قال: إني مسلم. فجاء أبوه فقال: إنما كتبنا الكتاب الساعة. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله حق وأنت نبيه؟
قال: «بَلَى» . قال: ونحن قوم مؤمنون؟ وهم كفار؟ قال: «بَلَى» . قال: فلم نُعْطِي الدنية في ديننا؟ قال: «إنَّمَا كَتَبْنَا الكِتَابَ السَّاعَةَ» . فتحول عمر إلى أبي جندل فقال: يا أبا جندل إن الرجل يقتل أباه في الله، وإن دم الكافر لا يساوي دم كلب، وجعل عمر يقرب إليه سيفه كيما يأخذه، ويضرب به أباه. فقال أبو جندل: ما لك لا تقتله أنت؟ فقال عمر: نهاني رسول الله ﷺ. فقال: ما أنت بأحق بطاعة رسول الله ﷺ مني، لا أقتل أبي، فأخذ سهيل بن عمرو غصناً من أغصان تلك الشجرة، فضرب به وجه أبي جندل، والمسلمون يبكون. فقال النبيّ ﷺ: «خَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ، فَإنْ يَعْلَمِ الله مِنْ أبِي جَنْدَلٍ الصَّدْقَ يُنْجِهِ مِنْهُمّ» . فقال رسول الله ﷺ لسهيل: «هَبْهُ لِي» فقال سهيل: لا. فقال: مكرز بن حفص: قد أجرته. يعني:
أمنته فآمنه حتى رده إلى مكة، فأنجى الله تعالى أبا جندل من أيديهم بعد ما رجع النبيّ ﷺ إلى المدينة، فخرج إلى شط البحر، واجتمع إليه قريباً من سبعين رجلاً، كرهوا أن يقيموا مع المشركين، وعلموا أن النبي ﷺ لن يقبلهم حتى تنقضي المدة، فعمدوا إلى عير لقريش مقبلة إلى الشام، أو مدبرة فأخذوها، وجعلوا يقطعون الطريق على المشركين، فأرسل المشركون إلى النبي ﷺ يناشدونه إلا قبضهم إليه، وقالوا له: أنت في حلَ منهم. فالتحقوا برسول الله ﷺ، فعلم الذين كرهوا الصلح، أن الخير فيما رأى رسول الله ﷺ. ثم أمر النبيّ ﷺ أصحابه أن ينحروا البدن، ويحلقوا الرؤوس، فلم يفعل ذلك منهم أحد. فدخل النبيّ ﷺ على أم سلمة فقال: ألا تعجبين؟ أمرت الناس أن ينحروا البدن، ويحلقوا. فلم يفعل أحد منهم. فقالت أم سلمة: قم أنت يا رسول الله وانحر بدنك، واحلق رأسك، فإنهم سيقتدون بك. فنحر رسول الله ﷺ البدن، وحلق رأسه، ففعل القوم كلهم، فحلق بعضهم، وقصر بعضهم. فقال رسول الله ﷺ: «يَرْحَمُ الله المُحَلِّقِينَ» . فقالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ فقال: «يَرْحَمُ الله المُحَلِّقِينَ، والمقصرين» . فرجع النبيّ ﷺ إلى المدينة، فنزل إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً إلى قوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ يعني: السكون، والطمأنينة في البيعة، في قلوب المؤمنين. لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ يعني: تصديقاً مع تصديقهم الذي هم عليه.
ويقال: تصديقاً بما أمرهم رسول الله ﷺ في البيعة. ويقال: يعني: إقراراً بالفرائض، مع إقرارهم بالله تعالى. وروي عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ قال: يعني: الرحمة فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً. قال: إن الله تعالى بعث رسوله ﷺ بشهادة أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله، كما قال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) [الاخلاص] فلما صدقوا بها، زادهم الصلاة. فلما صدقوا بها زادهم الزكاة. فلما صدقوا بها زادهم الصوم. فلما صدقوا بها زادهم الحج. فلما صدقوا به زادهم الجهاد. يعني: إن في كل ذلك يزيد تصديقاً مع تصديقهم.
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فجنود السموات الملائكة، وجنود الأرض المؤمنون من الجن والإنس وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بخلقه حَكِيماً في أمره حيث حكم بالنصر للمؤمنين يوم بدر.
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِینَةَ فِی قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ لِیَزۡدَادُوۤا۟ إِیمَـٰنࣰا مَّعَ إِیمَـٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق