الباحث القرآني

قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يعني: يوم الحديبية تحت الشجرة، وهي بيعة الرضوان، قال الكلبي: بايعوا تحت الشجرة، وهي شجرة السَّمرة، وهم يومئذٍ ألف وخمسمائة وأربعون رجلاً. وروى هشام عن محمد بن الحسن قال: كانت الشجرة أم غيلان. إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يعني: كأنهم يبايعون الله، لأن النبيّ ﷺ إنما بايعهم بأمر الله تعالى. ويقال: إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ أي: لأجله، وطلب رضاه. ثم قال: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ يعني: يد الله بالنصرة، والغلبة، والمغفرة، فَوْقَ أَيْدِيهِمْ بالطاعة. وقال الزجاج: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ يحتمل ثلاثة أوجه. أحدها يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ بالوفاء، ويحتمل يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ بالثواب، فهذان وجهان جاءا في التفسير، ويحتمل أيضاً يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ في المِنَّة عليهم، وفي الهداية فوق أيديهم في الطاعة. فَمَنْ نَكَثَ يعني: نقض العهد، والبيعة فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ يعني: عقوبته على نَفْسِهِ. وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ قرأ حفص: برفع الهاء. أي: وفى بما عاهد عليه من البيعة، فيتم ذلك مع رسول الله ﷺ يعني: أوفى بما عاهد الله عليه من البيعة، والتمام في ذلك مع رسول الله ﷺ. فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً في الجنة. قرأ نافع، وابن كثير، وابن عامر: فَسَنُؤْتِيهِ بالنون. والباقون: بالياء. وكلاهما يرجع إلى معنى واحد. يعني: سيؤتيه الله ثواباً عظيماً. قوله تعالى: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ وهم أسلم، وأشجع، وغفار، وذلك أن النبي ﷺ حين خرج إلى مكة عام الحديبية، فاستتبعهم، وكانت منازلهم بين مكة والمدينة. فقالوا فيما بينهم: نذهب معه إلى قوم جاءوه فقتلوا أصحابه، فقاتلهم، فاعتلوا عليه بالشغل، حتى رجع، فأخبر الله تعالى رسوله قبل ذلك، أنه إذا رجع إليهم استقبلوه بالعذر، وهم كاذبون. فقال: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ يعني: الذين تخلفوا عن بيعة الحديبية شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا يعني: خفنا عليهم الضيعة، ولولا ذلك لخرجنا معك. فَاسْتَغْفِرْ لَنا في التخلف. يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ يعني: من طلب الاستغفار وهم لا يبالون، أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تستغفر لهم. قُلْ يا محمد فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً يعني: من يقدر أن يمنع عنكم من عذاب الله شيئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا يعني: قتلاً، أو هزيمة، أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً يعني: النصرة. قرأ حمزة والكسائي ضَرًّا بضم الضاد، وهو سوء الحال والمرض، وما أشبه ذلك. والباقون: بالنصب. وهو ضد النفع. اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به التقرير. يعني: لا يقدر أحد على دفع الضر، ومنع النفع غير الله. ثم استأنف الكلام فقال: بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً يعني: عالماً بتخلفكم، ومرادكم. قوله عز وجل: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ يعني: بل منعكم من السير معه، لأنكم ظننتم أن لن ينقلب الرسول وَالْمُؤْمِنُونَ من الحديبية إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ يعني: حُسِّن التخلف فى قلوبكم وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ يعني: حسبتم الظن القبيح وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً يعني: هلكى. وروي عن ابن عباس أنه قال: البور في لغة أزد عمان: الشيء الفاسد. والبور في كلام العرب: لا شيء. يعني: أعمالهم بور أي: مبطلة. قوله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ يعني: من لم يصدق بالله في السر، كما صدقه في العلانية فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً يعني: هيأنا لهم عذاب السعير. قوله تعالى: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني: خزائن السموات والأرض. ويقال: ونفاذ الأمر في السموات والأرض. يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وهو فضل منه المغفرة، وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء على الذنب الصغير، وهو عدل منه وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لذنوبهم رَحِيماً بهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب