الباحث القرآني

قوله عز وجل: وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ يعني: بيّنا في هذا القرآن من كل شيء. وقد بيّن بعضه مفسراً، وبعضه مبهماً مجملاً، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي: لكي يتعظوا قُرْآناً عَرَبِيًّا يعني: أنزلناه قرآناً عربياً بلغة العرب غَيْرَ ذِي عِوَجٍ يعني: ليس بمختلف، ولكنه مستقيم. ويقال: غير ذي تناقض. ويقال: غير ذي عيب. ويقال: غَيْرَ ذِي عِوَجٍ أي: غير مخلوق. قال أبو الليث رحمه الله: حدثنا محمد بن داود. قال: حدثنا محمد بن أحمد بإسناده. قال: حدثنا أبو حاتم الداري، عن سليمان بن داود العتكي، عن يعقوب بن محمد بن عبد الله الأشعري، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. قال: في قوله تعالى: قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ قال: غير مخلوق لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي: لكي يتقوا الشرك ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا أي: بيّن شبهاً رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ أي: عبداً بين موالي مختلفين يأمره، هذا بأمر، وينهاه هذا عنه. ويقال: مُتَشاكِسُونَ أي: مختلفون، يتنازعون، وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ أي: خالصاً لرجل لا شركة فيه لأحد. قرأ ابن كثير، وأبو عمر، سَالِماً بالألف، وكسر اللام. والباقون سَلَماً بغير ألف، ونصب السين. فمن قرأ: سَالِماً فهو اسم الفاعل على معنى سلم، فهو سالم. ومعناه: الخالص. ومن قرأ سَلَماً فهو مصدر. فكأنه أراد به رجلاً ذا سلم لرجل. ومعنى الآية: هل يستوي من عبد آلهة مختلفة، كمن عبد رباً واحداً. وقال قتادة: الرجل الكافر، والشركاء الشياطين، والآلهة، وَرَجُلاً سَلَماً. المؤمن يعمل لله تعالى وحده. وقال بعضهم: هذه المثل للراغب، والزاهد. فالراغب شغلته أمور مختلفة، فلا يتفرغ لعبادة ربه. فإذا كان في العبادة، فقلبه مشغول بها، والزاهد قد يتفرغ عن جميع أشغال الدنيا، فهو يعبد ربه خوفاً وطمعاً، هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا يعني: عنده في المنزلة يوم القيامة. الْحَمْدُ لِلَّهِ قال مقاتل: الْحَمْدُ لِلَّهِ حين خصهم. ويقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ على تفضيل من اختاره، على من اشتغل بما دونه. ويقال: يعني: قولوا الحمد لِلَّهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أن عبادة رب واحد، خير من عبادة أرباب شتى. ويقال: لاَّ يَعْلَمُونَ أنهما لا يستويان. ويقال: لاَّ يَعْلَمُونَ توحيد ربهم. إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ذلك أن كُفّار قريش قالوا: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطور: 30] ، يعني: ننتظر موت محمد- عليه السلام- فنزل: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ يعني: أنت ستُموت، وهم سيموتون. ويقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ يعني: إنك لميت لا محالة، وإنهم لميتون لا محالة، والشيء إذا قرب من الشيء سمي باسمه. فالخلق كلهم إذا كانوا بقرب من الموت، فكل واحد منهم يموت لا محالة، فسماهم ميتين. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ أي: تتكلمون بحججكم. الكافر مع المؤمن، والظالم مع المظلوم. فإن قيل: قد قال في آية أخرى: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ [ق: 28] قيل له: إن في يوم القيامة ساعات كثيرة، وأحوالها مختلفة، مرة يختصمون، ومرة لا يختصمون. كما أنه قال: فهم لا يتساءلون، وقال في آية أخرى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27) [الصافات: 27] يعني: في حال يتساءلون، وفي حال لا يتساءلون، وهذا كما قال في موضع آخر: فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39) [الرحمن: 39] وقال في آية أخرى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) [الحجر: 92] وكما قال في آية أخرى: لا يتكلمون، وفي آية أخرى أنهم يتكلمون، ونحو هذا كثير في القرآن. وروي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «لاَ تَزَال الخُصومَة بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتى تَتَخَاصَم الرُّوح والجَسَد، فَيَقُول الجَسَد: إِنَّمَا كنت بمنزلة جزع مُلْقَى، لاَ أَسْتَطِيع شَيْئاً. وَتَقُولُ الرُّوح: إِنَّمَا كُنْتُ رِيحاً، لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَعْمَلَ شَيْئاً. فَضُرِبَ لَهُما مَثَلُ الأعْمَى والمُقْعَد، فَحَمَلَ الأَعْمَى المُقْعَد، فَيَدُلَّهُ المُقْعَد بِبَصَرِهِ، وَيَحْمِله الأعْمَى بِرجْلَيه» . وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع، عن أنس قال: سألت أبا العالية عن قوله: لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ ثم قال: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فكيف هذا؟ قال: أما قوله: لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ فهو لأهل الشرك، وأما قوله: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فهو لأهل القبلة، يختصمون في مظالم ما بينهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب