الباحث القرآني

قوله عز وجل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ أي: فأدخله في الأرض فجعله ينابيع. يعني: عيوناً في الأرض تنبع. ويقال: فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ يعني: جارياً في الأرض، وهي تجري فيها. ويقال: جعل فيها أنهاراً وعيوناً ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ أحمر، وأصفر، وأخضر، ثُمَّ يَهِيجُ أي: يتغير فَتَراهُ مُصْفَرًّا أي: يابساً بعد الخضرة. ويقال: ثُمَّ يَهِيجُ يعني: ييبس. ويقال: يَهِيجُ أي: يتم، ويشتد من هاج يهيج. أي: تم يتم فَتَراهُ مُصْفَرًّا متغيراً عن حاله، ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً قال القتبي: حُطاماً مثل الرفات، والفتات. وقال الزجاج: الحطام ما تفتت، وتكسر من النبت. وقال مقاتل: حُطاماً يعني: هالكاً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى أي: فيما ذكر لعظة لِأُولِي الْأَلْبابِ يعني: لذوي العقول من الناس أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ يعني: وسع الله قلبه للإسلام. ويقال: لين الله قلبه لقبول التوحيد، فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ يعني: على هدى من الله تعالى. وجوابه مضمر. يعني أفمن شرح الله صدره للإسلام، واهتدى، كمن طبع على قلبه، وختم على قلبه فلم يهتد. ويقال: فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ يعني: القرآن. لأن فيه بيان الحلال والحرام. فهو على نور من ربه لمن تمسك به. ويقال: على نور يعني: التوحيد، والمعرفة. وروي في الخبر أنه لما نزلت هذه الآية: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ قالوا: فكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: «إذا دَخَلَ النُّورُ فِي القَلْبِ انْفَسَحَ، وَانْشَرَحَ» . قالوا: فهل لذلك علامة؟ قال: «نَعَمْ. التَّجَافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ، وَالإنَابَةُ إلى دَارِ الخُلُودِ، وَالاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ المَوْتِ» . ثم قال: فَوَيْلٌ يعني: الشدة من العذاب لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ يعني: لمن قست، ويبست قلوبهم، مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تعالى. ويقال: القاسية. الخالية من الخير، أُولئِكَ يعني: أهل هذه الصفة فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي: في خطأ بيّن. قوله عز وجل: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ يعني: أحكم الحديث، وهو القرآن. وذلك أن المسلمين قالوا لبعض مؤمني أهل الكتاب، نحو عبد الله بن سلام: أخبرنا عن التوراة، فإن فيها علم الأولين والآخرين. فأنزل الله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ يعني: أنزل عليكم أحسن الحديث، وهو القرآن. ويقال: أَحْسَنَ الْحَدِيثِ يعني: أحسن من سائر الكتب، لأن سائر الكتب صارت منسوخة بالقرآن، كِتاباً مُتَشابِهاً يعني: يشبه بعضه بعضاً، ولا يختلف. ويقال: مُتَشابِهاً يعني: موافقاً لسائر الكتب في التوحيد، وفي بعض الشرائع. وروي عن الحسن البصري أنه قال: مُتَشابِهاً يعني: خياراً لا رذالة فيه. ويقال: مُتَشابِهاً اشتبه على الناس تأويله. ثم قال: مَثانِيَ يعني: أن الأنباء، والقصص، تثنى فيه. ويقال: سمي مثاني، لأن فيه سورة المثاني. يعني: سورة الفاتحة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. ثم قال: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ يعني: ترتعد مما فيه من الوعيد، جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ. ويقال: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ يعني: تتحرك مما في القرآن من الوعيد. ويقال: ترتعد منه الفرائض. ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ يعني: بعد الاقشعرار إِلى ذِكْرِ اللَّهِ من آية الرحمة، والمغفرة. يعني: إذا قرأت آيات الرجاء، والرحمة، تطمئن قلوبهم، وتسكن، ذلِكَ يعني: القرآن هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ يعني: بالقرآن من يشاء الله أن يهديه إلى دينه وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن دينه فَما لَهُ مِنْ هادٍ يعني: لا يقدر أحد أن يهديه، بعد خذلان الله تعالى. قوله عز وجل: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يعني: أفمن يدفع بوجهه شدة سوء العذاب، وجوابه مضمر. يعني: هل يكون حاله كحال من هو في الجنة. يعني: ليس الضال الذي تصل النار إلى وجهه، كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه، ليسا سواء. وقال أهل اللغة: أصل الاتقاء في اللغة، الإوتقاء، وهو التستر. يعني: وجهه إلى النار كالذي لا يفعل ذلك به. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يعني: يجر على وجهه في النار، وهذا كقوله: أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) [فصلت: 40] ويقال: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ معناه: أنه يلقى في النار مغلولاً، لا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه، يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ يعني: للكافرين، ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ من التكذيب. قوله عز وجل: كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني: من قبل قومك، رسلهم، فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ يعني: لا يعلمون، ولا يحتسبون، وهم غافلون. فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ العذاب فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ يعني: أعظم مما عذبوا به في الدنيا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ولكنهم لا يعلمون.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب