الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قال في رواية الكلبي:
إنهم قالوا للرسل: إنا قد عرفنا نعمة الله علينا، فو الله لئن يرد الله فيئتنا وجماعتنا، والذي كنا عليه، لنعبدنه عبادة لم يعبدها إياه، قوم قط. فدعت لهم الرسل ربهم فرد الله لهم ما كانوا عليه.
وأتاهم نعمة وجعل لهم من أرضهم إلى أرض الشام قرى متصلة بعضها إلى بعض، فذلك قوله: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً ثم عادوا إلى الكفر فأتاهم الرسل فذكروهم نعمة الله فكذبوهم فمزقهم الله كل ممزق. وقال غيره: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها هذا حكاية عما كانوا فيه من قبل أن يرسل عليهم سيل العرم قرى ظاهرة يعني: متصلة على الطريق من حيث يرى بعضها من بعض وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ للمبيت والمعيل من قرية إلى قرية سِيرُوا فِيها يعني: ليسيروا فيها. اللفظ لفظ الأمر، والمراد به الشرط والجزاء. فلم يشكروا ربهم، فسألوا ربهم أن تكون القرى والمنازل بعضها أبعد من بعض.
لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وقد كانوا في قراهم آمنين منعّمين فذلك قوله: لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ يعني: أنهم كانوا يسيرون من قرية إلى قرية بالليل والنهار، آمنين من الجوع، والعطش، واللصوص، والسباع. قرأ ابن كثير وأبو عمرو بَعْدَ بغير ألف وتشديد العين. وقرأ الباقون باعِدْ بالألف وهما لغتان بَعّدَ باعد. وقرأ يعقوب الخضرمي وكان من أهل البصرة رَبَّنا بضم الباء باعِدْ بنصب العين وهو على معنى الخبر.
وروى الكلبي عن أبي صالح أنه قرأ هكذا معناه رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا فلذلك لا ينصب.
ثم قال: وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالشرك وتكذيب الأنبياء فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ يعني:
أهلكهم الله تعالى فصاروا أحاديث للناس يتحدثون في أمرهم وشأنهم لم يبق أحد منهم في تلك القرى وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ أي: فرقناهم في كل وجه، فألقى الله الأزد بعمان، والأوس والخزرج بالمدينة، وهما أخوان وأهل المدينة كانوا من أولادهما إحدى القبيلتين الخزرج والأخرى الأوس، فسموا باسم أبيهم. وخزاعة بمكة كانوا بنو خزاعة، منهم لخم وجذام بالشام. ويقال كلب وغسان إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أي: في هلاكهم وتفريقهم لعبرات لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ يعني: للمؤمنين الذين صبروا على طاعة الله تعالى، وشكروا نعمته.
قوله عز وجل: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ يعني: على أهل سبأ. ويقال: هذا ابتداء. يعني: جميع الكفار وذلك أن إبليس قد قال: قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) [ص: 82- 83] فكان ذلك ظناً منه فصدق ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً يعني: طائفة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وهم الذين قال الله تعالى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الحجر: 42] وقال سعيد بن جبير: كان ظنه أنه قال: أنا ناري وآدم طيني والنار تأكل الطين.
وكذا روي عن ابن عباس- رضي الله عنه- قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: وَلَقَدْ صَدَّقَ بالتخفيف يعني: صدق في ظنه. وقرأ الباقون: صَدَّقَ بالتشديد. يعني: صار ظنه صدقاً.
قوله عز وجل: وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ يعني: لم يكن له عليهم ملك فيقهرهم. ويقال: يعني ما سلطناه عليهم إلا لنختبرهم من الذي يطيعنا. وقال الحسن البصري- رحمة الله-: والله ما ضربهم بعصا، ولا أكرههم على شيء، وما كان إلا غروراً وأماني دعاهم إليها فأجابوه. وقال قتادة: والله ما كان ظنه إلا ظناً، فنزل الناس عند ظنه. وقال معمر:
قال لي مقاتل: إن إبليس لما أنزل آدم- عليه السلام- ظن أن في ذريته من سيكون أضعف منه. فصدق عليهم ظنه. فإن قيل في آية أخرى: إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ [النحل: 100] وهاهنا يقول: وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ قيل له: أراد بالسلطان هناك الحجة يعني: إنما حجته على الذين يتولونه. وهاهنا أراد به الملك والقهر يعني: لم يكن له عليهم ملك يقهرهم به. ويقال: معنى الآيتين واحد. لأن هناك قال: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سلطان على الذين آمنوا. وهاهنا قال: وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سلطان يعني: حجة على فريق من المؤمنين إلا بالتزيين والوسوسة منه.
إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ يعني: نميز من يصدق بالبعث ممن هو في شك. يعني: من قيام الساعة. وقال القتبي: علم الله نوعان: أحدهما علم ما يكون من إيمان المؤمنين. وكفر الكافرين من قبل أن يكون. وهذا علم لا يجب به حجة، ولا عقوبة، والآخر علم الأمور الظاهرة. فيحق به القول، ويقع بوقوعها الجزاء. يعني: ما سلطانه عليهم إلا لنعلم إيمان المؤمنين ظاهراً موجوداً، وكفر الكافرين ظاهراً موجوداً. وكذلك قوله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ [آل عمران: 142] الآية.
ثم قال عز وجل: وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ يعني: عالماً بالشك واليقين. ويقال:
عالم بقولهم. ويقال: عالم بما يكون منهم قبل كونه. ويقال: حفيظ يحفظ أعمالهم ليجازيهم.
{"ayahs_start":18,"ayahs":["وَجَعَلۡنَا بَیۡنَهُمۡ وَبَیۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَا قُرࣰى ظَـٰهِرَةࣰ وَقَدَّرۡنَا فِیهَا ٱلسَّیۡرَۖ سِیرُوا۟ فِیهَا لَیَالِیَ وَأَیَّامًا ءَامِنِینَ","فَقَالُوا۟ رَبَّنَا بَـٰعِدۡ بَیۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَحَادِیثَ وَمَزَّقۡنَـٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورࣲ","وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَیۡهِمۡ إِبۡلِیسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِیقࣰا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَیۡهِم مِّن سُلۡطَـٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن یُؤۡمِنُ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِی شَكࣲّۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءٍ حَفِیظࣱ"],"ayah":"فَقَالُوا۟ رَبَّنَا بَـٰعِدۡ بَیۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَحَادِیثَ وَمَزَّقۡنَـٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











